الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوابهما: المعارضة بفوائد المجاز، ويخص الثاني بمنع كون الإضمار يحتاج إلى ثلاث قرائن على الإطلاق.
المسألة التاسعة
[في التعارض بين الإضمار والتخصيص]
إذا وقع التعارض بين الإضمار والتخصيص فالتخصيص أولى.
والدليل عليه أنا قد بينا أن المجاز خير من الإضمار- وسنبين إن شاء الله تعالى- أن التخصيص خير من المجاز، فيكون التخصيص خير من الإضمار.
وهذا إذا قلنا: بأن المجاز خير من الإضمار.
أما إذا قلنا: بأنهما متساويان فكذلك، لأن الخير من مساوي الشيء خير من الشيء.
وأما على القول الآخر فيحتاج فيه إلى دليل آخر لتعذر جريان الأول فيه وستعرفه من بعض ما يأتى.
المسألة العاشرة
[في التعارض بين المجاز والتخصيص]
إذا وقع التعارض بين المجاز والتخصيص، فالتخصيص أولى.
والدليل عليه وجوه:
أحدها: أن في صورة التخصيص إذا لم يعرف المخاطب القرينة يجرى اللفظ/ (74/أ) على عمومه، فيحصل المراد وغيره.
وفي صورة المجاز إذا لم يقف على القرينة يحمله على الحقيقة، فلا يحصل المراد ويحصل غيره، ولا شك أن محذور الأول أقل، فكان أولى.
وثانيها: أن دلالة العام بعد التخصيص على بقية الأفراد، يحتمل أن يكون حقيقة، إذ المسألة اجتهادية.
ودلالة المجاز على معناه المجازي لا يحتمل ذلك، لكونه خلاف الإجماع، والحقيقة راجحة على المجازية، والمحتمل الراجح راجح فيكون التخصيص راجحا.
وثالثها: أن العام انعقد دليلا على جميع الأفراد، فإذا خرج البعض عن الإرادة بدليل يخصه، بقى في الباقي دليلا فلا يحتاج في حمله عليه إلى تأمل واستدلال وقرينة معينة خالية أو غيرها.
وأما في صورة المجاز إذا خرجت الحقيقة عن الإرادة، يحتاج في صرف اللفظ إلى المجاز، إلى تأمل واستدلال وقرينة معينة لنوعه وفرده، وربما يقع التعارض بين ذلك النوع وبين نوع آخر، وبين ذلك الفرد وفرد آخر، من ذلك النوع، أو من غيره، فيتوقف فيه فيتعطل المقصود، وهذه الكلفة والمفسدة غير حاصلة في التخصيص فكان أولى.
ورابعها: أنا وإن قلنا: أن العام المخصوص مجاز، لكن العمل به عمل بالحقيقة من وجه، وبالمجاز من وجه، والمجاز ترك لحقيقة اللفظ بالكلية فكان التخصيص أولى.
وخامسها: التخصيص فيما يتصور فيه أكثر من المجاز فيما يتصور فيه التجوز، إذ ما من عام إلا وقد خص عنه البعض، إلا قوله تعالى:{والله بكل شيء عليم} {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} وليس كل لفظ يتصور فيه التجوز فهو مجاز، والكثرة تدل على قلة المفسدة فيه.
فإن قلت: هذه القاعدة التي ذكرتموها مرارا، وهي أن الكثرة تدل على رجحان المصلحة، أو على قلة المفسدة، منقوضة بما ذكرتم أن المجاز أكثر من الحقيقة، لأنه حينئذ يلزم أن يكون المجاز راجحا في المصلحة على الحقيقة، أو أقل مفسدة منها، وعلى التقديرين يلزم ألا يكون المجاز خلاف الأصل، لكن قد ذكرتم أنه خلاف الأصل، وهو تناقض.
قلت: الذي ذكرنا أن المجاز أكثر من الحقيقة ليس هو المجاز اللغوي فقط بل
مجموع المجازين، أعني اللغوي والعقلي وقد قدحنا بذلك ثمة، وما ذكرنا من المجاز خلاف الأصل ليس المراد منه هو المجموع بل المجاز اللغوي فقط ولا يلزم من هذا أن يكون المجموع خلاف الأصل، وكيف يمكن أن يقال/ (74/ب) ذلك إذا فسر خلاف الأصل بخلاف الغالب فلا يلزمه النقض ولا التناقض.
خاتمة الفصل بفروع
أحدها: إذا وقع التعارض بين الاشتراك والنسخ فالاشتراك أولى.
مثاله من جانبنا أن نقول: النهي في قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} يجب حمله على كراهة التنزيه بطريق الحقيقة، ويدل عليه بدليل، أو وإن لم يدل عليه لكنه يعتقد ذلك، والخصم يكفيه الإلزام لا على التحريم، وإن كان حقيقة فيه أيضا لئلا يلزم نسخ ما ورد من الأحاديث الدالة على أن متروك التسمية يباح أكله مثل قوله عليه السلام:"ذبيحة المسلم تؤكل سمي أو لم يسم" إن كان القرآن متأخرا، أو نسخه إن كان متقدما، إذ لا سبيل إلى التخصيص، لأنه ليس أحدهما أخص من الآخر حتى
............................................................................
يصار إليه. فإنه لا فرق في ذلك بين المسلم وغيره ممكن تحل ذبيحته من أهل الكتاب بالإجماع، ولا يمكن تنزيل الحديث على حالة النسيان ليكون القرآن منه منزلا على حالة العمد، إذ التسمية في حالة النسيان غير ممكن فيتعين نسخ أحد النصبين.
فيقول الخصم: ما ذكرت من الدليل، وإن دل على أنه يجب حمل النهي على كراهية التنزيه، لكن عندنا ما يدل على أنه لا يجوز حمله عليها، وذلك لانا أجمعنا على أن النهي حقيقة في التحريم، فلو كان حقيقة فيها أيضا لزم الاشتراك وأنه خلاف الأصل فلا يجوز حمله عليها.
فنقول: إذا آل الأمر "إلى" التزام أحد المحذورين، فالتزام الاشتراك أولى.
وإن شئت له مثالا آخر من جانبهم فقل: لا يجوز أن يكون المراد من "القرء" في قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} "الطهر" لأنه يستلزم نسخ احد النصين وهو إما الآية المذكورة، أو قوله عليه السلام:"طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان"، لأنه لا فرق بين الحرة وبين الأمة في أن العدة بالطهر وبالحيض فيهما بالإجماع، وإذا لم يكن الطهر مرادا، لم يجز حمله عليه فيتعين حمله على الحيض بالإجماع.
فيقول الخصم: ما ذكرتم من الدليل وإن دل على أنه لا يجوز حمله على الطهر، لكن عندنا ما يدل على انه لا يجوز حمله على الحيض، وهو أن القرء
حقيقة في الطهر ويتمسك في ذلك، إما بمساعدة الخصم عليه، أو بالدلائل التي تدل عليه، مثل الاستعمال أو الاشتقاق وغيرهما، مما يمكن أن يستدل به على أنه حقيقة فيه، فلو كان القرء محمولا على الحيض بطريق/ (75/أ) الحقيقة لزم الاشتراك، وأنه خلاف الأصل.
فيقول المستدل: الاشتراك خير من النسخ، فالتزامه أولى.
ثم الذي يدل عليه وجوه:-
أحدها: أن في صورة النسخ يصير الخطاب، كالباطل في كونه غير معمولا به.
وأما في صورة الاشتراك فغنه يكون معمولا به "إذا فهم معناه فكان أولى.
وثانيها: أن المكلف إذا سمع الخطاب المنسوخ، ولم يسمع الناس يجب عليه اعتقاد حقيته والعمل بمقتضاه، والأول: جهل. والثاني: مشقة وضرر.
وأما في صورة الاشتراك" إذا سمع المكلف الخطاب، ولم يسمع القرينة لا يجب عليه شيء من ذلك، فكان أولى.
وثالثها: الاشتراك أكثر من النسخ، للاستقراء، فكان أولى لما تقدم.
ورابعها: النسخ يفتقر إلى الخطابين، أو ما يقوم مقامها، وإلى تخلل زمان بينهما، بل إلى مضى مدة الامتثال على رأي.
والاشتراك لا يفتقر إلا إلى الوضع الواحد فكان أولى.
وخامسها: الاشتراك قد يحصل بالذات وبالعرض، كما في وضع القبليتين.
والنسخ لا يحصل إلا بالذات، فكان الأول: أقصى حصولا، فكان أولى.
وإذا ثبت أن الاشتراك أولى من النسخ كان الاحتمالات الباقية أولى منه بالطريق الأولى
وثانيها: إذا وقع التعارض بين الاشتراك اللفظي، والاشتراك المعنوي، فالاشتراك المعنوي أولى.
ويدل عليه وجوه:-
أحدها: أن الإبهام الذي يتطرق إلى الاشتراك المعنوي بسبب اختلاف الأفراد، يتطرق إلى الاشتراك اللفظي مع زيادة الإبهام الناشئ من اختلاف حقائق مسمياته، فكان الاشتراك المعنوي أولى.
وثانيها: أن في صورة الاشتراك المعنوي لا يتعطل النص بحال ألبتة، لأنه إن وجد اللفظ معرفا مجموعا كان أو مفردا، حمل على المعهود، أو على جميع الأفراد، أو على الماهية، وإن وجد منكرا بلا قرينة تعين فردا من أفراده تخير المكلف في العمل به بأي فرد شاء من أفراده بخلاف الاشتراك اللفظي، فإن الخطاب عند عدم القرينة يتعطل لعدم إمكان العمل به فكان الأول أولى.
وثالثها: أن الاشتراك المعنوي أكثر، فكان أولى.
ورابعها: أن الحاجة إلى المتواطئ ماسة "لمسيس الحاجة إلى التعبير عن الماهيات الكلية والمعاني العامة بخلاف المشترك، فإن الحاجة إليه غير ماسة"، لأن الإبهام المقصود منه حصل بالترديد- كما تقدم ذكره- فكان أولى.
وخامسها: إن الاشتراك قد اختلف/ (75/ب) في وجوده، [و] المتواطئ لم ينكره أحد فكان أولى.
ومن هذا تعلم أن اللفظ إذا تناول الشيء بجهة المتواطئ، وبجهة الاشتراك، كان اعتقاد أنه يتناوله بجهة التواطئ أولى. لأن اعتقاد الراجح أرجح من اعتقاد المرجوح، وكما أن المتواطئ راجح على المشترك، فكذا هو راجح على الاحتمالات الأخر، ويعرف ذلك مما سبق فلا يفرد بالذكر.
وثالثها: إذا وقع التعارض بين أن يكون اللفظ مشتركا بين علمين، أو بين علم ومعنى، [أو بين معنيين كان جعله مشتركا بين علمين، أو بين علم ومعنى أولى].
أما إذا وقع التعارض بين الأولين كان جعله مشتركا بين علمين أولى، وهذا لأن اختلال الفهم في صورة العلمين أقل فكان أولى.
ورابعها: إذا وقع التعارض بين المشترك والمشكك فالمشكك أولى.
أما أولا: فلأن المشكك يشبه المتواطئ من وجه، والمتواطئ راجح على المشترك على تقدم، والمشابه للراجح راجح.
وأما ثانيا: فلأن اختلال الفهم فيه أقل، فكان أولى.
وخامسها: إذا وقع التعارض بين المتواطئ وبين المشكك المتواطئ أولى- ويعرف ذلك مما سبق فلا يفرد بذكر- وهذا آخر الكلام في اللغات.
"النوع الثاني"
الكلام في تقسيم الأحكام الشرعية
وما يتعلق بها من المسائل