الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوابه: لا نسلم أن ليس البعض أولى من البعض، فإن أقل ما ينطلق عليه الاسم أولى من غيره، لكونه يذم على تركه دون غيره وهذا فيما يوجد متعاقبا، كاللبث في القيام والطمأنينة في الركوع والسجود ظاهر، وأما ما يوجد دفعة واحدة، كالمسح إذا حصل كذلك فكذلك، فإنه وإن لم يتميز البعض عن البعض في هذه الصورة بالإشارة الحسية والتعيين، لكن يتميز لما ذكرنا من الصفة فيكون البعض متميزا عن البعض نظرا إلى الإشارة العقلية وهي كافية في ذلك.
المسألة الحادية عشرة
[في حكم الباقي بعد نسخ الوجوب]
الوجوب إذا نسخ بقى الجواز، بمعنى أنه لا حرج في فعله ولا في تركه عند قوم، وهو اختيار الإمام.
وقال قوم: لا يلزم أن ننفى ذلك، بل يرجع الأمر إلى ما كان قبل الوجوب من ندب أو إباحة أو تحريم، وهو اختيار الشيخ الغزالي رحمه الله.
ومأخذ الخلاف إن الجواز، هل هو داخل في حقيقة الواجب أم لا؟.
فمن قال: إنه داخل فيها قال بنفي الجواز إذا نسخ الوجوب، وهذا القائل يفسر الجواز برفع الحرج عن الفعل فقط ولاشك أنه داخل في ماهية الواجب.
ومن قال: إنه غير داخل فيها بل هو ينافيها، قال: لا ينفى الجواز، وهذا القائل: يفسر الجواز برفع الحرج عن الفعل والترك، ولا شك أنه غير داخل فيها بل هو ينافيها.
حجة الأولين: أن الجواز عبارة عن رفع الحرج عن الفعل، والوجوب عبارة عن رفع الحرج عن الفعل، مع إثبات الحرج في الترك، ومعلوم أن المفهوم الأول جزء من المفهوم الثاني، وإذا ثبت أنه جزؤه، فالمقتضي للوجوب مقتض له لاستحالة تحقق المركب بدون مفرداته، ورفع الماهية المركبة لا تقتضي رفع أجزائها أجمع، وإذا كان كذلك كان المقتضي للجواز قائما، وهو الدليل الدال على الوجوب والعارض الموجود وهو النسخ لا يصلح أن يكون معارضا له، وذلك لأن رفع ماهية الوجوب، إما برفع جواز الفعل، أو برفع الحرج عن الترك، أو بهما، وعلى كل التقادير يكون الحرج عن الترك مرفوعا قطعا، وأما رفع جواز الفعل فغير معلوم ولا مظنون وكان المقتضي له ثابتا فوجب القول ببقائه، فإذا انضم رفع الحرج عن الترك إلى جواز الفعل كان المجموع الحاصل منهما هو الجواز، بمعنى رفع الحرج عن الفعل والترك،/ (91/ب) وهذا المفهوم قدر مشترك بين المباح والمندوب، لكن لما كان أقل مراتبه أن يكون مباحا لا حراما قطعنا به دون المندوب، إذ يحتاج فيه إلى زيادة.
أجاب الباقون عنه: بأن دليلكم منقوض، لأنه بعينه يقتضي أنه إذا نسخ الوجوب بقى الندب، لأن رجحان الفعل على الترك جزء ماهية الوجوب، وأن نسخ الوجوب لا يتقضى نسخه، فإذا انضم رفع الحرج عن الترك إلى ذلك الجزء كان المجموع الحاصل منه هو الندب، وهو قول لم يقل به أحد.
سلمنا: سلامته عن النقض، لكنه معارض بوجهين:-
أحدهما: أن نسخ الوجوب يقتضي رفع الحرج عن الترك، لكن رفعه قد يكون بأن يصير الترك واجبا "وحينئذ يكون رفعه متضمنا لرفع جواز الفعل وقد يكون بأن يصير تركه جائزا"، وحينئذ لا يكون رافعا لجواز الفعل والاحتمالان سواءان، فلا يحكم بأحدهما لاستحالة ترجيح أحد الجائزين على الآخر من غير مرجح فيستصحب حكم ما قبل الوجوب.
وثانيهما: أن حصة كل نوع من الجنس مغاير لحصة "النوع" الآخر منه، لما ثبت في غير هذا الفن أن الفصل علة لحصة النوع من الجنس، فلو كانت حصة كل نوع هي بعينها حصة النوع الآخر لزم اجتماع العلتين المختلفين على معلول واحد وأنه باطل، وإذا كان كذلك فجواز الفعل الذي يوجد في ضمن الواجب غير الذي يوجد في ضمن المباح والندب وكل واحد منها يفنى عند فناء علته لاستحالة بقاء المعلول عند فناء العلة، فلا يبقى جواز الفعل عند ارتفاع الوجوب.