الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
[في وقوع المجاز في اللغة العربية]
المجاز واقع في اللغة العربية. والدليل عليه إطلاقهم "الأسد" و "والحمار"[على] الشجاع والبليد، مع أنهما غير موضوعين لهما في أول الأمر وفاقا.
وكذلك إطلاقهم الكبد على الوسط في قولهم: تكبدت الشمس إذا استوت على كبد السماء، أي على وسطها مع اعترافهم بأن الكبد موضع للعضو المخصوص في "الإنسان". وهذا استعارة عنه.
وكذلك قوله: قامت الحرب على ساق، ودارت رحاها، وليس للحرب ساق ولا رحى، وإنما هو استعارة عن أهلاكها الرجال، لأن الرحى تفني وتعدم كل ما يقذف فيها.
ومثله قول امرئ القيس
وليل كموج البحر أرخى سدوله .... على بأنواع الهموم ليبتلى
وليس لليل "أرخى"، ولا له "سدول"، وإنما هو كناية عن الستر والتغطية، وبالجملة الاستقراء يفيد العلم الضروري بوقوع المجاز في اللغة.
وأنكر الأستاذ أبو اسحاق وقوعه في اللغة. محتجاً بوجهين:
أحدهما: أن اللفظ المجازي لو أفاد معنى، فإما أن يفيده بدون القرينة، أو معها.
والأول باطل. أما أولا: فبالإجماع. وأما ثانيا: فلأنه حينئذ يلزم أن يكون حقيقة فيه، إذ لا معنى للحقيقة إلا ما يكون مستقلا بالإفادة من غير احتياج إلى القرينة.
والثاني: أيضا باطل، لأنه مع تلك القرينة لا يفيد إلا ذلك المعنى ولا يحتمل غيره، والذهن عند سماعه مع تلك القرينة لا يتبادر إلا إلى فهم ذلك
المعنى فيكون المجموع حقيقة فيه.
وثانيهما: أن المعنى المعبر عنه باللفظ المجازي، يمكن التعبير عنه باللفظ الحقيقي، وتكون إفادته إياه من غير قرينة، بخلاف المجاز، فإنه لا يفيد إلا مع القرينة فيكون ذلك تطويلا من غير فائدة، وهو ممتنع الصدور من العرب الذين هم أهل الحكمة والبلاغة.
والجواب عن الأول: أن القرينة غير منحصرة في اللفظ حتى يلزم ما ذكرتم، ثم "بل" قد تكون عقلية / (48/ب) وخالية، وحينئذ لا يمكن أن يقال: اللفظ مع تلك القرينة العقلية والخالية حقيقة في ذلك المعنى، لأن الحقيقية والمجازية من عوارض الألفاظ، فإن عني الخصم بالحقيقة ما يفيد معنى ولا يحتمل غيره، سواء كان ذلك المفيد لفظا صرفا أو لا يكون كذلك، لكن يشترط أن يكون بعضه لفظا، إذ الدلالة العقلية الصرفة لا توصف بكونها حقائق، فهو نزاع لفظي فإنا لا نعني بالحقيقة إلا اللفظ الذي يكون مستقلا بالإفادة بدلالة وضعية، فإن كان الخصم يريد بها غيره فله ذلك، إذ لا مشاحة في الألفاظ.
وعن الثاني: يمنع عدم الفائدة، فإنا سنذكر فوائد المجاز إن شاء الله تعالى.