الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك لما عرفت من قبل.
وعن الثاني: بمنع انتفاء اللازم، وكيف يقال: ذلك مع أنا نعلم الضرورة من قواعد الشرع أن من قصد الحج من مكان شاسعة، فإنه يثاب أكثر من الذي يحج من نفس مكة.
وأما قوله: لا يعاقب على تركه لو أمكنه الإتيان به بدونه. فهو لا يدل عليه لأنا لا ندعي وجوبه بالنسبة إلى كل واحد واحد من المكلفين، بل بالنسبة إلى العاجز
وعن الثالث: بمنع أن ليس البعض أولى من البعض، فإن أولى ما ينطلق عليه الاسم أولى من غيره لما ستعرف.
المسألة التاسعة
[في أقسام ما لا يتم الواجب إلا به]
اعلم أن ما لا يتم الواجب إلا به ينقسم إلى: ما يسبقه ويتقدم عليه بطريق الوجوب، أي: لابد وأن يقع كذلك، وإلى: ما لا يكون كذلك.
والأول نوعان:
أحدهما: أن يكون حصوله مستلزما لحصوله، وهو المسمى "بالسبب"
كما تقدم.
وثانيهما: ألا يكون حصوله مستلزما لحصوله، وهو/ (90/أ) المسمى "بالشرط"، وهو نوعان أيضا.
أحدهما: ما يكون وجوبه لقرب مجاورة الواجب به، بحيث لا يمكن الشروع فيه إلا به، وهو كصوم جزء من الليلة المتقدمة، وهذا القسم يسمى بالشرط الوجودي.
وثانيهما: ما لا يكون كذلك، وهو منقسم إلى قسمين [أيضا:].
أحدهما: مما يمكن تحصيله من المكلف.
وثانيهما: ما لا يمكن تحصيله منه، وكل واحد منهما ينقسم إلى ما يستقل العقل بمعرفة شرطيته، وإلى ما لا يستقل، بل لا تعرف شرطيته إلا من جهة الشرع. فهذه أقسام أربعة:-
أحدها: ما يمكن تحصيله من المكلف، ويستقل العقل بمعرفة شرطيته، وهو كقطع المسافة لأداء الحج والجمعة.
وثانيها: ما يمكن تحصيله منه وعرف اشتراطه بالشرع، وهو كالطهارة وستر العورة لأداء الصلاة.
وثالثها: ما لا يمكن تحصيله منه، وعرف اشتراطه من جهة العقل، كالقدرة على أداء الفعل المأمور به.
ورابعها: ما لا يمكن تحصيله منه وعرفت شرطيته من جهة الشرع، وهو منقسم إلى قسمين:-
أحدهما: ما لا يمكن تحصيله من كل واحد واحد منهم، وهو كتحصيل آلة الطهارة مثل الماء والتراب، وآلة الستر مثل: الثوب وما يجري مجراه والمعنى من تحصيله إدخاله في الوجود.
وثانيهما: ما لا يمكن تحصيله من بعضهم، ويمكن من بعضهم، وهو كتحصيل عدد الجمعة، فإنه لا يمكن تحصيله من آحاد المكلفين، وإن أمكن ذلك من الإمام.
وأما الذي لا يكون كذلك فهو أيضا ضربان:-
أحدهما: ما يكون وجوبه لقرب مجاورة الواجب به، بحيث لا يمكن إتيانه بدونه وهو على نوعين:
أحدهما: ما يكون متأخرا عنه كصوم جزء من الليلة الأخيرة.
وثانيهما: ما لا يكون تأخيره واجبا، بل جاز أن يقع متقدما وجاز أن يقع متأخرا، كغسل جزء من العضد، وغسل جزء من الرأس، فإنه لا يمكن استيفاء غسل جميع المرفق، والوجه إلا بغسل جزء من العضد والرأس، لكنه قد يقع متقدما إن ابتدئ من جهته وقد يقع متأخرا إن ابتدئ من جهة
الأصابع.
وثانيهما: ما يكون وجوبه لاشتباه الواجب به، وهو كوجوب الصلاوات الخمس على من نسي واحدة منها، هذا كله في جانب الفعل.
وأما في جانب الترك: فهو أن يجب على المكلف ترك شيء لكن يتعذر عليه تركه إلا عند ترك غيره، فيجب عليه ترك ذلك الغير لما سبق وهو على أضرب:-
أحدها: أن ما هو واجب الترك قد اختلط بغيره اختلاطا موجبا لتغييره كاختلاط النجاسة مع الماء، فإنه يجب ترك استعماله.
وثانيها: أن يختلط بغيره، لكن لم يتغير ذلك الغير/ (90/ب) به، فهذا هل يجب تركه أم لا؟.
فللفقهاء فيه اختلافات كثيرة عرفت في موضعها.
وثالثها: أن يشتبه ما هو واجب الترك بغيره، كاشتباه الماء الطاهر بالنجس والثوب الطاهر بالنجس.
والفقهاء اختلفوا فيه أيضا.
فجوز بعضهم استعمال أحدهما مطلقا.
ومنعه الآخرون مطلقاً.
وفصل بعضهم فجوزه بالتحري والاجتهاد، ومنعه بدونه. وهو الحق من مذهب الشافعي رحمه الله.
ورابعها: أن يختلط من يحرم على المكلف نكاحها، "كأمة" و "أخته"، بأجنبيات، فإن كن عددا يمكن حصرهن في العادة حرم عليه نكاح الكل [وإلا فلا]. ومنعه الآخرون مطلقا.
وخامسها: أن تختلط منكوحته بأجنبية وجب الكف عنهما، أما عن الأجنبية فلعلة كونها أجنبية، وأما عن المنكوحة فلعلة اشتباهها بها.
وقال قوم: الحرام هي الأجنبية دون المنكوحة، فإنها حلال.
فإن أراد به أن الأجنبية هي الحرام بالذات دون المنكوحة، فإنها حلال بالذات حرام بالعرض. فهو حق وهو عين ما قلناه.
وإن أراد به أن المنكوحة غير محرمة أصلا وأنها حلال مطلقا فهو باطل قطعا لأن رفع الحرج جزء ماهية الحلال، فكيف تعقل ماهية بدونه؟.
وسادسها: أن يوقع الطلاق على إحدى نسائه بعينها ثم نسيها، فهاهنا أيضا يحرم الكل تغليبا للحرمة على الحل.
أما إذا وقع على إحدى نسائه من غير تعيين بأن قال: احداكن طالق، فهاهنا يحتمل أن يقال يحل وله وطء الكل، لأن الطلاق شيء متعين فيستدعي محلا متعينا كالبيع والنكاح، فقيل التعيين ليس طلاقا، بل أمرا له صلاحية الطلاق عند اتصاله بالبيان، وإذا كان كذلك فيحل له وطؤها استصحابا للحل ويحتمل أن يقال حرمتا جميعا إلى وقت البيان تغليبا للحرمة، كما في المسألة المتقدمة وعليه أكثر الفقهاء.
فإن قلت: إن الله تعالى يعلم ما سيعينه للطلاق فتكون هي المطلقة.
والأخرى إنما حرمت عليه للاشتباه بها.
قلت: قد مر جوابه فيما سبق فلا نعيده.