الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه والمنهي عنه، عند من يجعل مطلق النهي للتحريم. ثم القول إنما يكون معصية ومحرما: باعتبار أنه نهى الله/ (92/ب) عنه.
وقالت المعتزلة: إنما يكون ذاك باعتبار أن الله تعالى كرهه، وهذا بناء على أن الأمر عندهم عين الإدارة، والنهي عين الكراهية، وهو مبني على خلق الأعمال وإدارة الكائنات.
المسالة الثانية
[في الجمع بين الطاعة والمعصية في الشيء الواحد]
اعلم أن العقلاء قد اتفقوا على أن الشيء الواحد بالشخص باعتبار واحد، لا يجوز أن يكون حراما وواجبا، وطاعة ومعصية لاستحالة اجتماع النفي والإثبات في الشيء الواحد بالاعتبار الواحد، إلا من جوز التكليف بالمحال، ولو كان محالا لذاته.
وغنما الخلاف في الشيء الواحد بالنوع "كالسجود" مثلا، هل يكون حراما وواجبا معا أم لا؟. وفي الشيء الواحد بالشخص، هل يجوز أن يكون كذلك باعتبارين أم لا؟ كالصلاة في الدار المغصوبة، فإن باعتبار
الصلاة هل يجوز أن يتعلق الأمر بها؟ وباعتبار كونها في الدار المغصوبة، هل يجوز أن يتعلق النهي بها أم لا؟. فلنفرد كل واحد منهما بالكلام ليكون أقرب إلى التحقيق.
فنقول: أما الأول: فذهب أكثر العقلاء إلى تجويزه.
والدليل عليه وجهان:
أحدهما: أن محل الإثبات إذا كان مغايرا لمحل النفي، إما بالصفة الحقيقية كما في الأصناف، أو بالإضافية كما في المختلف بالإضافة، أو بالشخصية كما في المشخصات مع اتحاد النوعية، فإنه لا يلزم منه اجتماع النفي والإثبات، فلا يلزم من كون النوع الواحد واجبا وحراما، بمعنى أن بعض أفراده واجب، وبعض أفراده حرام، اجتماع النفي والإثبات في الشيء الواحد فلا يلزم من كون السجود واجبا لله تعالى أن لا يكون السجود للصنم حراما.
وثانيهما: وقوعه في الشرع، فإنه دليل الجواز وزيادة بيان الوقوع أن السجود نوع واحد من الأفعال، ومنه واجب وهو السجود لله تعالى، ومنه محرم وهو السجود للصنم والشمس والقمر، لذلك قال تعالى:{لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله} الآية، ولو استحال أن يكون بعض أفراد النوع الواحد واجبا وبعض أفراده محرما مع التغاير الحاصل بين تلك الأفراد بالإضافة، لما حسن هذا الأمر والنهي.
وذهب أبو هاشم ومن تابعه من أصحابه: إلى أن النوع الواحد يستحيل أن يكون منقسما إلى واجب ومحرم، وهو سديد على أصله، وهو أن النوع الواحد لا تختلف صفته في الحسن والقبح، فإذا كان بعض أفراده حسنا وجب أن يكون كله كذلك، [وإذا كان قبيحا وجب أن يكون كله كذلك]، فالسجود لله تعالى لما كان واجبا استحال أن يكون السجود للصنم من حيث / (93/أ) إنه سجود محرم وإلا لزم اجتماع النفي والإثبات في شيء واحد بل المحرم قصد التعظيم للصنم.
وهو ظاهر الضعف، لأن السجود الواجب لله تعالى سجود مقيد بقصد تعظيم الرب ووجوبه، وإن كان يتضمن وجوب مطلق السجود ضرورة أن ما يتوقف عليه الواجب فهو واجب، لكن المحرم ليس مطلق السجود، بل السجود المقيد بقصد تعظيم الصنم، وتحريمه لا يستلزمه تحريم مطلق السجود حتى يلزم اجتماع النفي والإثبات في محل واحد، فلا يكون تحريم سجود الصنم منافيا لوجوب سجود الرب، ولا وجوبه منافيا لتحريمه فيصح اجتماعهما في النوع الواحد.