الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الفصل الرابع"
في المندوب وما يتعلق به من المسائل
المسألة الأولى
في معناه لغة وشرعا
أعلم أن المندوب مشتق من الندب.
وهو في اللغة: عبارة عن الدعاء إلى أمر، يقال: ندبه إلى الآخر فانتدب، أي دعاه فأجاب.
وهو في الشرع: عبارة عما يكون فعله راجحا على تركه في نظر الشرع، ويكون تركه جائزا مطلقا.
فبالقيد الأول: خرج المحظور والمكروه والمباح.
وبالثاني: الأكل قبل ورود الشرع وما يجري مجراه مما يتعلق به لذة، أو غرض غير شرعي، فإنه وإن كان ترجح فعله على تركه، لكن لما لم يكن ذلك الترجيح مستفادا من الشرع لا جرم لا يسمى مندوبا.
وبالثالث: الواجب المخير والموسع، فإنه وإن ترجح فعل كل واحد من تلك الخصال على تركه، وكذا ترجح فعل الواجب الموسع في أول الوقت على فعله في آخره بالنسبة إلى مقاصد الشرع، لكن لما لم يكن ذلك الترك جائزا مطلقا، بل إما بشرط الإتيان بالبدل، أو إلى غاية معينة، لا جرم لا يسمى كل واحد من تلك الخصال مندوبا، وكذلك لا يسمى الواجب الموسع في أول الوقت مندوبا.
ثم اعلم أن هذا المعنى الشرعي إنما سمي به: لأنه دعا الشرع إلى فعله، والواجب وإن كان كذلك، لكن المندوب لما وقع في أول مرتبة من مراتب ما دعى الشرع إلى فعله اختص به، ثم اختص ما بعده من السنة والواجب على العين، والواجب على الكفاية، باسم خاص، حذرا عن الالتباس.
ومن أسمائه: النفل: أي الطاعة الزائدة على الواجبة.
والتطوع: لما أن المكلف أطاع الله فيه من غر إلزام وإيجاب.
والمرغب فيه، والمستحب، والإحسان لبعض أنواعه: وهو أن يكون نفعا موصلا إلى الغير مع القصد إلى إيقاعه، إذ لا يقال لمن يصلي ويصوم أنه محسن على الإطلاق.
وإن قيل ذلك مقيدا، إذ قال: إنه محسن لنفسه والاستعمال بشرط التقييد
أنه المجاز، وكذلك لا يقال: لمن لا قصد له إلى الإيقاع، وإن وجد منه الإيقاع أنه محسن، كمن رمى إلى صيد أو جرثومة فقتل ظالما أو سبعا.
وأما السنة: فقيل أيضا هي من جملة أسمائه، لأنها تذكر في مقابلة الواجب فيقال: هذا الفعل إما واجب أو سنة.
والصحيح غيره وهو أحد القولين:-
أحدهما: أن لفظ السنة غير مختصة بالمندوب، بل / (98/ب) يتناول كل ما علم أو ظن ندبيته أو وجوبه بقوله أو فعله عليه السلام، وكذلك يقال:(الختان من السنة) ولا يراد به أنه غير واجب، وكذلك يقال: النكاح من السنة صلى الله عليه وسلم قال عليه السلام: "النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي
فليس مني".
وليس المراد منه النكاح المندوب فقط، بل المراد منه، إما النكاح الواجب أو المطلق هو قدر مشترك بين الواجب والمندوب، أو العموم ليتناول جميع أفراده، لأنا وإن جوزنا تعلق مثل هذا الوعيد بالمندوب على وجه المبالة لكن تخصيصه به مع عدم ما يشعر به خلاف الأصل، كيف وتعلقه بالواجب أولى من تعلقه بالمندوب.
وثانيهما: أن لفظ السنة وإن سلم أنه غير متناول للواجب، لكن ليس مرادفا للنفل والمندوب، بل هو أخص منه وهو كلما داوم عليه السلام على فعله من المندوبات، أو حرص على فعله غير مرة، لأنها مأخوذة من السنن وهو الطريقة، ولا يقال للفعل المفعول مرة أنه طريقة فاعله، وإنما يقال ذلك إذ تكرر منه.