الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فإن المتأملَ في نصوص الشَّريعة الإسلامية يجد أن الرِّبا من أبشع الذنوب، وأكبرها، فالله سبحانه قد توعَّد من يتعامل به بالعذاب الأليم، وأذن فيه بالحرب، وما ذلك إلا لأن الرِّبا عين الظلم، فهو ظلم الدائن للمدين وأكل أموال الناس بالباطل.
"ولقد كان للربا في الجاهلية مفاسده وشروره، ولكن الجوانب الشائهة القبيحة من وجهه الكالح ما كانت كلها بادية في مجتمع الجاهلية كما بدت اليوم، وتكشفت في عالمنا الحاضر، ولا كانت البثور والدَّمامل في ذلك الوجه الدميم مكشوفة كلها كما كشفت اليوم في مجتمعنا الحديث. . . فالنظام الرَّبوي بلاء على الإنسانية -لا في إيمانها، وأخلاقها، وتصوّرها للحياة فحسب- بل كذلك في صميم حياتها الاقتصادية، والعملية، وإنه أبشع نظام يمحقّ سعادة
البشرية محقًّا، ويعطّل نموّها الإنساني المتوازن، على الرغم من الطلاء الظاهري الخداع، الذي يبدو كأنه مساعدة من هذا النظام للنمو الاقتصادي العام" (1).
وإننا في هذا العصر نرى أن الرِّبا قد انتشر، وسرى في المجتمع سريان
(1) تفسير آيات الرِّبا، سيد قطب ص (7).
النار في هشيم الحطب، عن طريق النظم المصرفية، فالمرابون الذين كانوا يتمثلون في الماضي في صورة أفراد، أو بيوت مالية، هم موجودون الآن في صورة بنوك تقدم الرِّبا لعملائها جهارًا في وضح النهار، ولذلك نشأت البنوك الإسلامية لترفع عن الأمة مصيبة الرِّبا، التي أضحت ظاهرة جلية في المجتمعات الإسلامية، وقد اجتهد المسؤولون عن تلك البنوك في ابتكار بدائل تكون خاضعة للقواعد والضَّوابط الشرعية، وتلبي حاجة الإنسان في هذه الحياة إلى السُّيُولة النَّقْديّة.
ولأن التطور سُنَّة الحياة، فإن البنوكَ الإسلامية قد تطورت، وتطورت معها صيغُ التَّمويل الذي تقدمه لعملائها، فنرى في الآونة الأخيرة بعض البنوك قد لجأت للتورق، باعتباره الطريق الناجح الذي يلبي حاجةَ الإنسان إلى السُّيُولة النَّقْديّة.
والتَّورُّق الذي تقدّمه المصارف لعملائها اليوم يختلف عن التَّورُّق الذي يمارسه الأفراد، والذي دار حوله خلاف بين العلماء قديمًا وحديثًا، ولذلك كان لا بُدَّ من إلقاء الضوء على عملية (التَّورُّق المصرفي) لمعرفة حكمها، وأثرها على مستقبل البنوك الإسلامية، وعلى الجوانب الاقتصادية لصيغ التَّمويل، التي تقدمها البنوك الإسلامية، فعملية التَّورُّق المصرفي نازلة حديثة، لا زالت محل نظر واجتهاد، تستوجب اجتهاد المجتهدين، لا سيما وأن استخدام هذه العملية
كان له أثر كبير في تقلص القروض الربوية في بعض البنوك، حيث انحسرت نسبة نشاطها إلى (30 %)، واستحوذ التَّورُّق على (70%)، وبزيادة مستمرة، فلابد من بيان حُكْم هذه العملية، وهل يصح فعلًا أن تكون بديلًا شرعيًا عن القروض الربوية؟.