الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بتحريم هذه العملية، فقد أوضح بعضُ الباحثين أن هناك إشكالًا متعلقًا بما في العقد بين البنك والعميل من تعسف، ومن ذلك:
أ- اشتراط البنك على العميل إسقاط خيار الردّ بالعيب، كما جاء في بعض المنشورات التعريفية:"ليس للبنك علاقةٌ بعد توقيع هذا العقد بالسِّلعة"(1).
والحقيقة أن العميل لا يشاهد السِّلعة أصلًا، فكيف سيكون له الخيار؟! بمعنى: أن خيار الرد بالعيب إنما يستفيدُ منه الشخص الذي يرى السِّلعة، ويكتشف العيب، والعميل في عملية التَّورُّق المصرفي لا يرى السِّلعة أصلًا، بل قد لا يعرف ماهيتها، فكيف سيكون له خيار الرد بالعيب وهو لم يرَ السِّلعة أصلًا؟! فلا أسلم للباحث ثبوت خيار الرد بالعيب للعميل، ولكن قد يقال: كون البنك يخلي مسؤوليته بالكامل بعد توقيع العقد فيه نوع من التعسف، لإسقاط حقّ العميل في خيار المجلس.
ب- ومن التعسف الذي يوجد في العملية "اشتراط تحميل العميل رسومًا إدارية، تتراوح من (700 - 2000) ريال تختلف باختلاف البنك والمعاملة، زعموا أنها مقابل ما يتكبده البنك من أعباء إدارية في سبيل البيع على العميل"(2).
المسألة الثالثة: الشبه التي تمسَّك بها من أجاز التَّورُّق المصرفي ومناقشتها:
الشُّبهة الأولى: أن التَّورُّقَ المصرفي بديلٌ شرعي عن عقد القَرْض الربوي، وبذلك يكون أهونَ من الوقوع في الرِّبا، فالدخولُ في عملية التَّورُّق المصرفي
(1) التَّورُّق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر. عبد الله السعيدي (37).
(2)
المرجع السابق (38).
يؤدي إلى خَفْض القروض الربوية "حيث انحسرت نسبة نشاطها بمقارنها بنسبة استخدام التَّورُّق إلى (30 %) واستحوذ التَّورُّق على (70%) وبزيادة مستمرة"(1).
وبمكن الجواب عن هذه الشُّبهة بالآتي:
إذا كنا سنتحدث بمنطق هذه الشُّبهة، فإن العِيْنَة ستكون أهونَ من الوقوع في الرِّبا، ونكاح المتعة أهون من الوقوع في الزنى، وارتكاب الحِيَل أهونُ من الوقوع في المحرم مباشرة، وكون التَّورُّق المصرفي يؤدي إلى خفض القروض الربوية لا يعني جوازه؛ لأنَّ التَّورُّق المصرفي يأخذ حكم الرِّبا بل يكون أشد، إذ فيه تكلفةٌ ليست في الرِّبا، فإن الرِّبا يُعَدُّ من أسهل وأيسر الطرق لتحصيل النَّقْد، والمعنى الذي لأجله حرم الرِّبا موجودٌ في التَّورُّق المصرفي مع زيادة الكلفة، والمشقة، والتلاعب، والتحايل في التَّورُّق، وخفض القروض الربوية مطلب شرعي يجب على كل المسؤولين العمل، لتحقيق ذلك في ظل القواعد والضَّوابط الشرعية، أما أن نسعى لخفضها بحيلٍ محرَّمة كالتَّورُّق المصرفي فغير مشروع، ثمَّ إن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا كان بالضَّوابط الشرعية، فإنه يؤدي إلى خفض القروض الربوية، فلماذا نلجأ إلى عملية كاد العلماء يجمعون على تحريمها، ونترك ما هو مشروع؟!
الشُّبهة الثانية: أن الرِّبا لا يتحقّقُ إلا باجتماع شخصين دافع للربا، وآخذ له، فإذا اعتبرنا أن المُتَوَرِّق هو دافع الرِّبا، فمن هو الآخذُ في التَّورُّق المصرفي؟
ويمكن الجواب عن هذه الشُّبهة بالآتي:
أن آخذ الرِّبا في عملية التَّورُّق المصرفي هو آليةُ المصرف التي تروّج للتورق المصرفي، وتجعل منه صيغة تمويلية (2).
(1) حكم التَّورُّق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر. عبد الله المنيع (22).
(2)
انظر: البنوك الإسلامية: غايتها واقعها والصعوبات التي تواجهها. أحمد علي عبد الله (29).
الشُّبهة الثالثة: أن التَّورُّق المصرفي يجوزُ بناءً على رأي الشافعي في العِيْنَة والحِيَل، فالشافعي يرى جواز العِيْنَة والحِيَل، فيكون التَّورُّق المصرفي جائزًا.
ويمكن الجواب عن هذه الشُّبهة بالآتي: أن الشافعيَّ أجاز العِيْنَة بضوابط لا توجد في التَّورُّق المصرفي، فالتَّورُّق المصرفي لا يدخلُ في العِيْنَة التي أجازها الشافعي، وقد سبق بَسْطُ هذا الأمر في موقف الشافعية من التَّورُّق المصرفي.
الشُّبهة الرابعة: أن التَّورُّق المصرفي صيغة استثمارية يستفيدُ منها الأشخاص، والمؤسَّسات المالية.
ويمكن الجواب عن هذه الشُّبهة بالآتي: القول بأن التَّورُّق المصرفي صيغة استثمارية يخالف الواقع؛ "لأنَّ القصدَ منه هو الحصول على سيولة، والعمليةُ في ذاتها ليست استثمارًا، والقَولُ بأن المُتَوَرِّق سوف يستخدم النقود في مشروع استثماري بعيد عن الواقع، ولا يستقيم مع المنهج العلمي، فسلسلة العُقُود والاتفاقيات بين المؤسَسات التي تقومُ بهذه العمليات ليست عقودَ استثمار بصيغة شرعية، ولكنها موجهة جميعًا لغرض واحد، هو توفير النقود للمتورق (1).
الشُّبهة الخامسة: أن التَّورُّق المصرفي لا يدخل في العِيْنَة المحرمة؛ لأنَّ العلاقة في بيع العِيْنَة هي علاقة ثنائية، بمعنى: أن العِيْنَة تكونُ بين طرفين فقط، وأما الأطرافُ المشتركة في عملية التَّورُّق المصرفي قد تصل إلى أربعة أطراف كما سبق ذكره، فلا تدخل هذه العمليةُ في بيع العِيْنَة المحرم.
ويمكن الجوابُ عن هذه الشُّبهة بالآتي: لا نسلّم بأن العِيْنَة تكون بين طرفين فقط، فقد ذكرت في صور العِيْنَة أنها قد تكونُ بين ثلاثة أطراف، وهي التي تُسَمَّى بـ (العِيْنَة الثلاثية) لأنها حصلت بين ثلاثة أطراف، وجيء بالثالث
(1) تعليق على بحوث التَّورُّق. حسين حامد حسان (10).
حيلة على العِيْنَة التي هي حيلة على الرِّبا، يقول ابن عابدين:"أن يُدخلا بينهما ثالثًا فيبيع المقرض ثوبه من المستقرض باثني عشر درهمًا، ويسلمه إليه، ثمَّ يبيع المستقرض من الثالث بعشرة، ويسلمه إليه، ثمَّ يبيعه الثالث من صاحبه، وهو المقرض بعشرة، ويسلمه إليه، ويأخذ منه العشرة، ويدفعها للمستقرض، فيحصل للمستقرض عشرة، ولصاحب الثوب عليه اثنا عشرة درهمًا"(1).
وكون التَّورُّق المصرفي يحصلُ بين أكثر من طرفين، فإن تلك الأطراف الزائدة على اثنين إنما جيء بهم كحيلةٍ حتى تكون صورة العملية صحيحة شرعًا، بدليل أن السِّلعة في العملية لا تبرحُ مكانها، بل تكون في المخازن، وتجري
عليها العشرات من العمليات، تمامًا كالسِّلعة في بيع العِيْنَة لا تبرح، مكانها ويجري عليها العديد من العُقُود.
وبذلك نعرفُ أن وجودَ الطرف الثالث في بيع العِيْنَة لا يُخْرِجُ المعاملة عن كونها عينة محرمة، فكذلك الأمرُ بالنسبة إلى التَّورُّق المصرفي، فتعدد الأطراف إلى أكثر من اثنين لا يُخْرِجُ العمليةَ عن كونها عينة محرمة، ولذلك يمكنُ أن
نقول: إن التَّورُّق المصرفي عينة ثلاثية محرمة.
الشُّبهة السادسة: أن عملية التَّورُّق المصرفي مستوفية الشروط والأركان، وقد وجد فيها القبض، "فإن التطبيقات المصرفية للتورق تأخذ بالرأي القائل بالقبض الحكمي، أي: انتقال الضمان بمجرد العقد إذا تعينت السِّلعة محل
البيع" (2).
ويمكن الجواب عن هذه الشُّبهة بالآتي: لا نسلّم بأن عملية التَّورُّق المصرفي مستوفية الشروط والأركان، بدليل وجود الإشكالات السابق ذكرها في
(1) حاشية ابن عابدين (5/ 373).
(2)
التَّورُّق كما تجريه المصارف. محمَّد العلي القريّ (21).