الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إجراءات العملية، أما القبض الحكمي فكما أنه يكونُ طريقًا للتيسير، فإنه يكونُ طريقًا للاحتيال والتلاعب، وهذا واقع، "وما نحن فيه معاملة تحكمها السُّوق الدولية، وتتمُّ برأس مال كبير، وسرعة فائقة، فاحتمالُ التلاعب فيها وارد، وبخاصّة أن التَّعامُلَ في أصله مع جهات أجنبية تجهلُ الدّيْن وأحكامه، بل لا تدينُ به، وقد يكون الطرفُ الآخرُ ممن لا يأنفُ الرِّبا أيضًا، وهذا لا يناسبه الاعتبارُ بالقبض الحكمي"(1).
* * *
المطلب الرابع قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بشأن موضوع التَّورُّق المصرفي
بعد عرض موقف العلماء قديمًا وحديثًا من التَّورُّق المصرفي، وذِكْر الأمور الدالة على تحريم هذه العملية، والإشكالات الموجودة فيها، فإنَّه تتضِحُ حرمةُ التَّورُّق المصرفي، لاستحالة أن الشَّريعة الإسلامية تبيحُ مثل هذه المعاملة القائمة على التلاعب والاحتيال، وإذا كان التَّورُّق الفردي بصورته البسيطة العفوية يجوزُ بضوابط كما ذكرت في الترجيح، فما بالك بهذه العملية الواضحة المقصود الظاهرة الهدف، إضافة إلى أن إجراءاتها غير موافقة للشريعة الإسلامية، وهذا مما يزيدُ الطِّين بِلَّة، والسقم عِلَّة، وبعضُ الباحثين حَكَم بالجواز بناءً على ما هو مكتوب في الآليات العملية للمعاملة، ولكن لما رأى الواقعَ العمليَّ في البنوك عاد ليقول بتحريم هذه المعاملة، وقد رأيت من المناسب أن أنقلَ قرارَ المجمع الفقهي الإسلامي بشأن هذه المعاملة، وهي كالتالي:
(1) التَّورُّق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر. عبد الله السعيدي (35).
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجلسَ المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 19 - 23/ 10/ 1419 هـ الذي يوافقه 13 - 17/ 12/ 2003 م، قد نظر موضوع:"التَّورُّق كما تجريه بعضُ المصارف في الوقت الحاضر" وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارتْ حوله، تبيَّن للمجلس أن التَّورُّق الذي تجريه بعضُ المصارف في الوقت الحاضر هو: قيام المصرف بعملٍ نمطيّ يتمُّ فيه ترتيب بيع سلعة "ليست من الذهب أو الفضة" من أسواق السِّلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزمَ المصرف -إما بشرط في العقد، أو بحكم العرف والعادة- بأن ينوبَ عنه في بيعها على مشترٍ آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق، وبعد النظر والدراسة، قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولًا: عدم جواز التَّورُّق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية:
1 -
أن التزامَ البائع في عقد التَّورُّق بالوكالة في بيع السِّلعة لمشترٍ آخر، أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعِيْنَة الممنوعة شرعًا، سواء أكان الالتزامُ مشروطًا صراحة، أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
2 -
أن هذه المعاملة تؤدي في كثيرٍ من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
3 -
أن واقعَ هذه المعاملة يقومُ على منح تمويل نقدي بزيادة لما سُمِّي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء، التي تجري منه، والتي هي صورية في معظم أحوالها، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه
بزيادة على ما قدَّم من تمويل، وهذه المعاملةُ غير التَّورُّق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، وقد سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية، وشروط محددة بيَّنها قراره، وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصّلتِ القولَ فيها البحوثُ المقدمة.
فالتَّورُّق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري، ويقبضها قبضا حقيقيًا، وتقع في ضمانه، ثمَّ يقومُ ببيعها هو بثمن حالّ لحاجته إليه، قد يتمكَّنُ من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرقُ بين الثمنين الآجل والحالّ لا يدخلُ في ملك المصرف، الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافرُ في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.
ثانيًا: يوصي مجلسُ المجمع جميعَ المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالًا لأمر الله تعالى، كما أن المجلسَ إذ يقدّر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة من بلوى الرِّبا، فإنَّه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة، دون اللجوء إلى معاملات صورية، تؤول إلى كونها تمويلًا محضًا بزيادة ترجع للممول.