الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوكيل، فالعميلُ لم يذهب إلى البنك إلا رغبة منه في الحصول على نقود، وبذلك نعرفُ أن العميلَ لا يريدُ أن يتحمل تكاليفَ قبض السِّلعة، ونقلها، وحيازتها، ولا يريدُ أن يقحم نفسه بسوق الأسهم لجهله بها، بل يريد التخلصَ من السِّلعة والأسهم، وحيث إنه لا يجوزُ بيع السِّلعة أو الأسهم على البنك؛ لأنَّ هذا عينة محرمة، فلا سبيلَ للتخلص منها إلا بطريق توكيل البنك في بيعها، "وليس صعبًا أن نستنتجَ مقدمًا ماذا سيكون مآل هذا الاتجاه، إنه مزيدٌ من تخفيض دور السِّلع في التَّمويل، ومزيد من الإغراق في الديون، والتوسُّع في تداولها، وهي نفس الملامح والخصائص التي يتَّسمُ بها النظام الربوي، ويرافق ذلك بطبيعة الحال ترسيخ مفهوم النَّقْد الحاضر بالنَّقْد المؤجَّل"(1).
فالتوكيل في حقيقته جزء من الحيلة المبتكرة لتحليل الرِّبا، فعمليةُ التَّورُّق المصرفي باستخدام الأسهم تقومُ على عقود، هي في حقيقتها حيل لاستحلال الرِّبا، ويؤيد هذا الفقرة التالية.
3 -
من المعلوم أن اقتصادَ البلد لا يكونُ منتجًا إلا بوجود الحركة الحقيقية في السُّوق بتداول السِّلع، وهذا الأمرُ يكون معدومًا في عملية التَّورُّق المصرفي باستخدام الأسهم، إذ هي في الحقيقة تحصيلُ نقد مقابل زيادة في الذمة، واتخذت صورة البيع والشراء بالأسهم حيلة لذلك، وإذا ثبت أن عملية التَّورُّق باستخدام الأسهم هي من قبيل التَّحايل على الرِّبا، فإن العلماء رحمهم الله قد ذهبوا إلى أن ارتكاب الحيلة أشدّ إثمًا من ارتكاب المحرم مباشرة، وسيأتي توضيحُ هذا الأمر في المبحث القادم.
الفرع الثاني: التكييف الفقهي للتمويل باستخدام الأسهم (برنامج وطني):
إذا تأمَّلْنا إجراءات برنامج (وطني) لتقسيط الأسهم الذي طرحته شركة
(1) التَّورُّق والتَّورُّق المنظم. سامي السويلم (59).
الراجحي المصرفية، فإن هذا البرنامج يعد من قبيل (بيع المرابحة للآمر بالشراء)، فإن العميلَ يأمر شركة الراجحي بشراء بعض الأسهم المحلية، ليقوم البنك بعد شرائها ببيعها مرابحةً على الآمر، والذي جعلني أقول بأن هذا البرنامج هو من قبيل بيع المرابحة للآمر بالشراء، وليس تَّورُّقًا، الأمور التالية:
1 -
أن شركةَ الرَّاجحي المصرفية لا تشتري الأسهم إلا بعد أمر العميلِ بالشراء، في حين أن البنوك الأخرى في عمليات التَّورُّق بالأسهم، يكون البنك مالكًا للأسهم قبل مجيء العميل، وهذا أمرٌ مهمٌّ في التفريق بين التَّورُّق المصرفي، وبيع المرابحة للآمر بالشراء، فقد سبق أن ذكرت هذا الأمر في الفصل الثاني عند بيان الفروق بين التَّورُّق المصرفي، وبيع المرابحة.
2 -
أن الأسهم في برنامج (وطني) في الغالب أنها تكونُ أسهمًا محلية، مثل (أسهم شركة سابك، أو شركة الاتصالات، أو الكهرباء) في حين أن الأسهم في عمليات التَّورُّق المصرفي غالبًا تكون أسهمًا دولية يتم شراؤها، وبيعها في البورصات، وقد تخفى حقيقة تلك الأسهم، فيحتمل أن تكون لأعمال محرَّمة شرعًا كتجارة المخدرات، أو الخمور، وغيرها.
3 -
أنه لا يمكنُ أن تتمَّ عمليةُ التَّورُّق المصرفي باستخدام الأسهم بدون دخول مبدأ الوكالة فيها، فالوكالة أمر لا بُدَّ منه في عملية التَّورُّق المصرفي، فالعميلُ في غالب الأمر يكون شخصًا يجهلُ التَّعامُل في السُّوق الدولية، والتَّعامُل بالأسهم فيها، فيقوم بتوكيل البنك في بيعها، وهذا هو المعروفُ من غالب العملاء، وكما قيل: المعروفُ عرفًا كالمشروط شرطًا، فالوكالةُ كأنها مشروطةٌ في العقد بدليل العرف، حتى ولو كان البنك يزعمُ بأن العميلَ له الخيار في توكيل البنك، أو عدمه، ولو تتبعنا عقود عمليات التَّورُّق المصرفي فلن نجدَ عملية خالية من التوكيل، فالتوكيلُ بدليل العرف صار شرطًا في عمليات التَّورُّق
المصرفي، في حين أن شركةَ الرَّاجحي في برنامجها (وطني) تقدَّم التوكيل كخدمة للعميل، بدليل أن هناك الكثيرَ من العملاء أمروا بشراء بعض الأسهم، وقاموا بمراقبة بعض أسعار الأسهم فباعوها بأنفسهم، ولم يقوموا بتوكيل الشركة
في بيعها.
غير أنَّه يمكنُ أن يثار هنا إشكال، فيمكن أن يقال: جاء في إجراءات برنامج (وطني) مبدأ التوكيل، فيمكن للعميل أن يقومَ بتوكيل شركة الراجحي في بيع الأسهم، والصُّورة المعروفة لبيع المرابحة للآمر بالشراء لم يردْ فيها مبدأ التوكيل، لا من قريب، ولا من بعيد!!.
ويمكن الإجابةُ عن هذا الإشكال بما سبق، فشركة الراجحي المصرفية تقدِّم التوكيلَ كخدمة للعميل، بدليل أن هناك الكثير من العملاء لم يقوموا بتوكيل البنك، بل قاموا بمراقبة أسعار الأسهم فباعوها بأنفسهم، وبرنامج (وطني) لا يفتقر إلى التوكيل لإتمامه بعكس عمليات التَّورُّق المصرفي، فهي تفتقر إلى التوكيل، ولا يمكنُ أن نتصور عمليةَ تَّورُّق مصرفية مجردة عن التوكيل، فهذا من النادر، والنادرُ لا حُكْمَ له.
وإذا ثبت أن برنامج (وطني) هو من قبيل بيع المرابحة للآمر بالشراء، فإن العلماء قد أجازوا بيعَ المرابحة للآمر بالشراء، إذا توفرت الشروط التالية (1):
1 -
أن لا يكونَ العوضان من الأصناف الربوية التي يشترطُ فيها التقابض كبيع الريال مقابل الدِّيْنار، وذلك لأنَّ ثمن بيع المرابحة مؤجَّل بعضه، أو كله.
2 -
يُشترط قبضُ المصرف للسِّلعة، فالهيئة الشرعية لشركة الراجحي تشترط
(1) انظر: تجربة البنوك التجارية السعودية في بيع المرابحة للآمر بالشراء. عبد الرحمن الحامد (82 - 86).
القبض الحقيقي، وحيازة السِّلعة إلى المخازن إذا كانت سِّلعة داخلية، وبعض المصارف تكتفي بالقبض الحكمي.
3 -
أن يمتلكَ المصرفُ السِّلعة قبل بيعها على الآمر.
4 -
أن لا يأخذَ المصرف عربونًا من الآمر في مرحلة المواعدة؛ لأنَّ العربون لا يؤخذ إلا في عقد البيع، والمواعدةُ ليست عَقْدَ بيع.
5 -
أن لا يوكل المصرفُ الآمر بالشراء في شراء البضاعة وقبضها لسلامة بيع المرابحة، وإبعاده عن صورية البيع.
6 -
أن يتمَّ تحديد إجمالي ثمن البيع، وأجل السَّداد، ومواعيد السَّداد.
7 -
أن تكون المواعدةُ غيرَ ملزمة.