الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
إذا اشترى ما باع بأقلّ ممَّا باع بعد نقدِ الثَّمن، فهذا جائزٌ بالإجماع لانعدام شبهة الرِّبا (1).
6 -
إذا اشترى ما باع بأقل ممَّا باع قبل نقد الثمن، ولم يوجدْ شرط في العقد، ولم تتغيَّر صفةُ المبيع تغيرًا مؤثرًا، فهذا هو محلُّ النِّزاع بين العلماء.
المسألة الثالثة: موقفُ العلماء من بيع العِينَة:
أولًا: موقف الحنفية من بيع العِيْنَة:
يقول ابنُ الهمام: "ومَنْ باع جارية بألف درهم حالّة، أو نسيئة، فقبضها، ثم باعها من البائع قبل نقد الثمن بمثل ثمنه، أو أكثر جاز، وإن باعها من البائع بأقل لا يجوزُ عندنا"(2).
ويقول السَّرخسي: "وذكر عن الشَّعبي أنه كان يكرهُ أن يقولَ الرَّجُلُ للرَّجل: أقرضني؟ فيقول: لا حتى أبيعك، وإنما أراد بهذا إثباتَ كراهية العِيْنَة. . . وهذا في معنى قَرْض: جَرَّ منفعة، والإقراضُ مندوبٌ إليه في الشَّرع، والغررُ حرامٌ، إلا أن البخلاء من النَّاس تطرَّقوا بهذا إلى الامتناع، مما يدنو إليه، والإقدام على ما نهوا عنه من الغرر"(3).
وقال محمدُ بن الحسن رحمه الله: "هذا البيعُ في قلبي كأمثال الجبال ذميمٌ، اخترعه أكلة الربا وقد ذمَّهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"(4). وقد حمل قوله هذا على بيع العِيْنَة.
من خلال النُّصوص السَّابقةِ يتَّضحُ أن العِيْنَة محرَّمةٌ عند الحنفية، غير أنه
(1) انظر: شرح فتح القدير لابن الهمام (6/ 433).
(2)
شرح فتح القدير (6/ 432).
(3)
المبسوط (14/ 36).
(4)
شرح فتح القدير لابن الهمام (7/ 213).
يُروى عن أبي يوسف أنه خالفَ جمهور الحنفية فقال: "لا يكرهُ هذا البيع؛ لأنه فعله كثيرٌ من الصَّحابة، وحمدوا على ذلك، ولم يعدوه من الرِّبا"(1) ورُوي عنه أيضًا أنه قال: "العِيْنَة جائزةٌ مأجورٌ مَنْ عمل بها"(2).
وقد ذَكَرَ ابنُ عابدين هذا الاختلافَ بين علماء الحنفية، وأن أبا السُّعود حَمَل قول أبي يوسف على عدم عود السلعة إلى بائعها، وقول محمد على عودها (3).
وبهذا يتَّضحُ أنَّ أبا يوسف لم يقصدْ بقوله بيع العِيْنَة المعروف بصُورته المشهورة بدليل أنه قال: "مأجور مَنْ عَمِلَ بها" ولم يقلْ أحدٌ بقوله هذا حتى عند الشَّافعية لما أجازوا بيع العِيْنَة قد كرهه بعضهم كما سيأتي، ولم يذكروا أنه
يُؤجَر مَنْ عمل بها، وقول أبي يوسف يحتملُ احتمالين:
الأول: أنه أراد بقوله هذا (بيع التَّوَرُّق) فالسِّلْعةُ إذا لم ترجعْ إلى بائعها الأول، وإنَّما باعها المشتري على غير بائعها، فهذا هو التَّوَرُّق.
الثاني: يحتملُ أنه أراد بقوله هذا: (البيع بالأجل مُطْلَقًا) سواء كان المراد من البيع بالأجل التَّوَرُّق أو لا، وهذا ما أميلُ إليه؛ لأن البيعَ بالأجل يُؤجَر من عمل به إذا نوى التيسير على المشتري.
ممَّا سبق يتبيَّنُ أنَّ العِيْنَة بصورتها المعروفة، والتي فيها عَوْدُ السِّلْعة إلى بائعها الأول، أنها لا تجوزُ عند أئمة الحنفية، وينبغي التنبهُ إلى أن حُكْم تحريم العِيْنَة عند الحنفية لا ينطبقُ على التَّوَرُّق الفردي المعروف، حيث إن الحنفية يذكرون التَّوَرُّقَ كصورة من صُور العِيْنَة كما ذكرت سابقًا، ولا يعني هذا أن
(1) حاشية ابن عابدين (5/ 325)، وانظر: شرح فتح القدير لابن الهمام (7/ 213).
(2)
حاشية ابن عابدين (5/ 273).
(3)
حاشية ابن عابدين (5/ 326).