الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنَّما يُذكَر كصورةٍ مِن صُوَرِ العِيْنَة، أو أنَّهُ يخرجُ من كلامِهِم عندَ اشْتِراطِهم لِكَراهِيَةِ العِيْنَة.
وأمّا الشافِعيّةُ فَلم يَذْكُروا مصطَلَحَ التَّوَرُّقِ في كُتبِهم، ولم يَتَطَرَّقُوا لِحُكْمِهِ، والسببُ في ذلك: أنّ جمهورَ الشافعيَّةِ يرَوْنَ جَوازَ بَيْعِ العِيْنَة، فَالتَّوَرُّقُ يَكونُ أولى بِالجَوازِ مِن العِيْنَة (1).
مِمَّا سَبَقَ يَتَّضِحُ أنَّ مُصْطلحَ التَّوَرُّقِ بهذهِ التَّسميةِ هو مَشْهورٌ عندَ البَعضِ مِن فُقهاءِ الحنابلةِ لا كلّهم، والمذاهبُ الأخرى لم يُصَرِّحوا بهذا المصطلحِ، وإنَّما يَذْكُرونَ التَّوَرُّقَ كَصورةٍ مِن صُوَرِ العِيْنَة، كما عندَ الحَنَفِيَّةِ والمالكيَّةِ، أو أنَّهُ يخرجُ مِن كَلامِهم عنِ العِيْنَة، كما عندَ الشافعيَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثّانيةُ: تَعريفُ التَّوَرُّقِ اصطلاحًا
التَّوَرُّقُ في اصطلاحِ الفُقهاءِ هو: (أنْ يَشتريَ الرَّجلُ السِّلْعَةَ نَسِيئَةً، وبَبِيعَها نَقْدًا لِغَيْرِ بائِعِها) وهذا التَّعريفُ يُفْهَمُ مِن كَلامِ الفُقهاءِ الَّذينَ تَحَدَّثوا عَنِ التَّوَرُّقِ (2)، فَهُم لمَّا تَحَدَّثوا عَنهُ اكْتَفوا بِذِكْرِ صُورَتِه، وَوَصْفِه مِن غَيرِ النَّصِّ على التَّعريفِ، وَقدْ ذَكَرَ الباحثونَ في (الموسوعَةِ الفِقْهيةِ) تَعريفَ التَّوَرُّقِ فقالوا:"أنْ يَشتريَ سلعَةً نسيئةً، ثمّ يبيعَها نَقْدًا لِغَيرِ البائعِ، بِأَقَلّ مِمّا اشْتَراها بِهِ، لِيَحْصلَ بِذلكَ على النَّقْدِ"(3) وَرُبما يكونُ هذا التعريفُ أَدَقَّ مِنَ التَّعريفِ السَّابِقِ، ذَلكَ لأنَ التَّعريفَ السّابِقَ لم يَذْكُرْ أنَّ الْمُتَوَرِّقَ يَبيعُ السِّلْعةَ بِأَقَلّ مما اشْتراها بِهِ، وهَذا
(1) انظر: الأم، للشافعي (7/ 297) وانظر: روضة الطالبين، للنووي (3/ 417).
(2)
انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (29/ 302). إعلام الموقعين، لابن القيم (3/ 170) الفروع، لابن مفلح (4/ 126). كشاف القناع، للبهوتي (3/ 186).
(3)
الموسوعة الفقهية الكويتية (14/ 147).
قَيْدٌ يُفيدُ في فَهْمِ التَّوَرُّقِ على نَحوٍ أَفْضَلَ؛ لأَنَهُ يَسْتَحيلُ على الْمُتَوَرِّقِ أَنْ يَبيعَ السِّلْعَةَ نَقْدًا بِنَفْسِ تَكْلِفَتِها بِالأَجَلِ.
وَمِثالُ التَّوَرُّقِ: أَنْ يَأتيَ شَخْصٌ مُحتاجٌ لِلنَّقدِ إلى بائعِ التَّمْرِ، فَيشتري المحتاجُ مِئةَ صاعٍ بِأَلفٍ وَخمسِمئة نَسيئةً، ثمَ يأخُذ المحْتاجُ هذا التَّمْرِ، وَيَبيعهُ على غَيرِ البائعِ بِأَلْفٍ نَقْدًا لِيَحْصلَ بِذلكَ على النُّقودِ. وَقدْ عَرَّفَ مجمعُ الفِقهِ الإِسلامِيّ التَّوَرُّقَ بِقَولِهِ: هو شِراءُ سِلْعَةٍ في حَوْزَةِ البائِعِ وَمُلْكِهِ بِثَمَنٍ مؤجَّل، ثمَّ يَبيعُ المشتَري بِنَقْدٍ لِغَيرِ البائعِ لِلحُصولِ على النَّقْدِ (1).
وقالَ الشَّيخُ عبدُ العزيزِ بنُ باز رحمه الله: "أمّا إذا كانَ المشتري اشْتَرى السِّلْعَةَ إلى أَجَلٍ لِيَبيعَها بِنَقْدٍ بِسَببِ حاجَتِهِ إلى النَّقْدِ في قَضاءِ الدَّينِ، أَو لِتَعْميرِ مَسْكَنٍ، أَو لِلتَّزْويجِ. . فَهَذهِ المعامَلَةُ تُسَمَّى عِندَ الفُقهاءِ (التَّوَرُّق)، وَيُسمِّيها بَعضُ العامَّةِ (الوعدة) "(2).
وبالنَّظَرِ إلى التَّعارِيفِ السَابِقةِ نَسْتنتِجُ أنَّ العَناصِرَ الأَساسِيَّةَ للتَّوَرُّقِ ثَلاثةٌ:
1 -
أنْ يَشتريَ الْمُتَوَرِّقُ السِّلْعَةَ نَسيئةً.
2 -
أنْ يَبيعَها نَقْدًا.
3 -
أنْ يَبيعَها على غَيرِ بائِعِها.
وَيتَّضِحُ مما سَبَقَ أنَّ الْمُتَوَرِّقَ اشْتَرى السِّلْعَةَ لَيْسَ لِغَرَضِ المتاجَرَةِ بِها، وتَحْصِيلِ رِبْحٍ، وَلَيْسَ لِغَرَضِ الاسْتِخْدامِ وَالانْتِفاعِ بِها، وَإِنَّما منْ أَجْلِ إِعادَةِ بَيعِ السِّلْعَةِ بِثَمَنٍ أَقَلّ مِن الثَّمَنِ الذي اشْتراها بهِ، والدّافِعُ الأَساسيُّ للدُّخولِ في بَيْعِ
(1) انظر: قرارات المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في القرار الخامس في الدورة الخامسة عشرة المنعقدة في مكلة المكرمة، ابتداء من يوم السبت 11/ 7/ 1419 هـ (ص 320).
(2)
مجموع فتاوى ابن باز (99/ 19).
التَوَرُّقِ هو الحاجَةُ للسُّيولَةِ النَّقْديَّةِ لِيَسْتَطيعَ بِذلكَ تَغْطِيَةَ حاجاتِهِ النَّقْدِيَّةِ، فالْمُتَوَرِّقُ ليسَ أَمامَهُ للْحُصولِ على السُّيولَةِ سِوَى سَبيلينِ:
1 -
القَرْض الحَسَن، وَليسَ هُناكَ مَنْ يُقْرِضُهُ.
2 -
القَرْض بِالفائِدَةِ.
فَيَلْجَأُ إلى التَّوَرُّقِ الذي يُبْعِدُهُ عَنِ الرِّبا، وَيُمَكِّنُهُ مِنْ تَغْطِيَةِ حاجاتِهِ النَّقْدِيَّةِ.