الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع الأدلة والترجيح
الْمَسْأَلَةُ الأولى: الأدلَّة:
•
أدلَّة القائلين بجواز الحِيَل:
الدليل الأول: قَولُه تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} (1).
وجه الاستدلال من الآية: أنَّ الَايةَ فيها دلالةٌ على جواز الحِيَلِ، إذ هي تعليمٌ لأيوب عن كيفية الخروج عن يمينه التي حَلَفها، "وذلك أنَ أيوب عليه السلام كان قد غَضِبَ على زوجته، ووجد عليها في أَمْرِ فعلته. . . فلامَها على ذلك، وحلف إنّ شفاه الله تعالى ليضربنّها مئة جلدةٍ. . . فلما شفاه الله عز وجل وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخذمة التامة، والرَّحمة، والشَّفقة، والإحسان أن تقابل بالضرب، فأفتاه الله أن ياخذَ ضِغْثًا وهو الشِّمْراخُ، فيه مئة قضيب، فيضربها به ضربةً واحدةً وقد برَّت يمينه، وخرج من حِنْثه، ووفّى بنذره، وهذا من الفَرَج والمَخْرَج لمن اتقى الله تعالى، وأناب إليه"(2).
وقد نوقش هذا الاستدلال بالآية:
أنه لم يكنْ في شَرْعهم كفَّارة، فإنه لو كان في شَرْعِهم كفَّارة لَعَدَلَ إلى التكفير، ولم يحتجْ إلى ضَرْبِها، فكانتِ اليمينُ موجبةً للضرب عندهم كالحدود، وقد ثبت أن المحدودَ إذا كان معذورًا خفّف عنه بأن يجمعَ له مئة شمراخ، فيضرب بها ضربةً واحدةً، وامرأة أيوب كانت معذورةً لأنَّها قصدتِ الإحسانَ في الأمر، الذي لامها أيوبُ عليه السلام، فلم تكنْ تستحق العقوبةَ، فأفتى اللهُ نبيَّه أيوبَ
(1) سورة (ص) آية (44).
(2)
تفسير ابن كثير (4/ 41).
عليه السلام أن يعامِلَها معاملةَ المعذور، هذا مع رِفْقها به، وإحْسانها إليه، فجمع الله له بين البرِّ في يمينه والرِّفق بامرأته المحسنة المعذورة، التي لا تستحقُّ العقوبة (1).
الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخُدْري وأبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر، فجاءه بتمرٍ جَنِيْبٍ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أكلُّ تمرِ خيبر هكذا" قال: لا واللهِ يا رسولَ الله، إنا لنأخذُ الصَّاعَ من هذا بالصَّاعين، والصَّاعين بالثلاثة، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا تفعلْ، بعِ الجمعَ بالدَّراهم، ثم ابْتَعْ بالدَّراهم جَنِيبًا"(2)[متفق عليه].
وجهُ الاستدلال من الحديث:
أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يبيعَ التَّمرَ بالدَّراهم، ثم يشتري بالدَّراهم تَمْرًا، وذلك للتخلُّص من حُرْمةِ الربا، ولا معنى للحيلةِ إلا ذلك.
وقد نُوقش الاستدلال بالحديث:
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بأن يبيعَ سِلْعته الأولى، ثم يشتري بثمنها سِلْعةً أخرى، ومعلومٌ أن هذا يقتضي البيعَ الصَّحيحَ، وإذا وُجد البيعان على الوجه الصَّحيح، جاز ذلك (3)، وليس في الحديث دلالةٌ على جواز الحِيَلِ، التي هي محلُّ النِّزاع؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ الرَّجلَ أن يتخلَّصَ من الرِّبا ببيع النَّوع الرَّديء بالدراهم، ثم يشتري الجيِّد بالدَّراهم من غير تواطؤٍ، ولا مخادعةٍ، ولا احتيالٍ، ورسولُ الله
(1) انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 131).
(2)
انظر: صحيح البخاري: كتاب البيوع. باب: إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه. (2/ 767) رقم (2089) وصحيح مسلم: كتاب المساقاة. باب: بيع الطعام مثلًا بمثل (3/ 1215) رقم (1593).
(3)
انظر: إغاثة اللهفان (2/ 133).