الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمتخصص من عمل يقوم به يميزه عن غيره؟ وأيضا ألا يستفيد القارئ شيئا إيجابيا يطبقه في عمله، فإن ترك النقد أمر سلبي؟.
والجواب عن السؤال الأول ليس هذا موضعه؛ إذ هو يحتاج إلى تفصيل، فقد جمعت -من أجل مساعدة الباحثين- ما يقرب من أربعين عملا منوطة بالباحث غير إصداره الأحكام على الأحاديث، وربما تزيد على ذلك، وفي النية الكتابة فيها في الجزء الأخير من هذه السلسلة.
وأما الجواب عن السؤال الثاني فهو الذي نحتاجه هنا، وسأوضح للقارئ الكريم
ماذا يمكن أن يستفيده الباحث المتخصص من هذه السلسلة
وأمثالها غير الحكم على الأحاديث.
ورغبة في عدم تشعب الكلام ألخص هذه الاستفادة في ثلاثة أشياء:
الأول: فهم كلام الأئمة
.
نعم، فهم كلام الأئمة، فإذا استطاع الباحث أن يفهم كلام الأئمة فقد فارق الباحث بهذا غير المتخصص، وبيان ذلك أن (علم نقد السنة) كغيره من العلوم، له مصطلحاته، وله لغته، وفهم هذه المصطلحات، وإدراك مراد قائلها بها في النص المعين، مرتبة عالية، لا يبلغها الباحث إلا بعد عناء ومشقة، وصبر وأناة، وإعمال ذهن.
وكلنا نعرف أن الأئمة في عصر النقد يستخدمون المصطلح الواحد في أكثر من معنى، ويستخدمون للمعنى الواحد أكثر من مصطلح، والسياق يوضح المراد.
ثم هؤلاء النقاد كلماتهم في الغالب مختصرة جدًا، يعتمدون في فهمها على أن السائل أو المتلقي واحد منهم، يفهم المراد بأدنى
إشارة، وقد يحتاج النص بالنسبة لغيرهم إلى البحث عنه في مصادر متعددة، والبحث كذلك في روايات أخرى عن الإمام، لعل فيها ما يعين على فهمه، وربما بقي النص محتملاً.
وأهم من ذلك أن كثيرًا من مصطلحاتهم وألفاظهم التي يتداولونها لم تذكر في كتب المصطلح، ولم يوضح معناها، وقد سجلت منها ما يمر بي فبلغت قدرًا لا بأس به، ولا شك أن هناك المزيد.
والذي رأيته أن هناك قصورا واضحا عند كثير من الباحثين في فهم عبارات الأئمة، فهذا باحث ينقل عن إمام أنه يصحح الحديث أو يضعفه، وكلامه ليس كما فهمه الباحث، وأتى الباحث من عدم فهمه للعبارة التي استخدمها الإمام، وماذا يريد بها؟ .
وباحث آخر يمر به حكم إمام على إسناد، ثم يكلف نفسه بتفسير كلام الإمام، فيقول: وهذا هو الذي يعرف في علوم الحديث بكذا، وليس الأمر كما قال.
وأشد ما يكون الخطر في عدم فهم كلام الأئمة إذا أخذ الباحث منه قاعدة للعمل، أو قرر مصطلحًا.
مر أحد الأساتذة الفضلاء بقول يحيى بن سعيد القطان: "ينبغي في صاحب الحديث خصال: يكون ثبت الأخذ، ويفهم ما يقال له، ويبصر الرجال، ثم يتعاهد ذلك"، فعلق الأستاذ على جملة:"ويبصر الرجال" بقوله: "في الجرح والتعديل: ويبصر الرجل، وفسره بقوله: -يعني المحدث-، وهذا يعني أنه ينبغي للسامع أن يرى شيخه وقت السماع، ولعله يقصد الأفضلية فقط، فقد قال ابن الصلاح: يصج السماع ممن هو وراء حجاب
…
".
وتفسير الأستاذ لمراد يحيى القطان بعيد جدا، وإنما المقصود بالبصر بالرجال: أي يكون خبيرا بالرواة، ناقدا، يميز بين من يصلح للأخذ عنه، وبين من يترك حديثه.
ونقل أحد الباحثين عن ابن عدي قوله في ثابت البناني: "له حديث كثير، وهو من ثقات المسلمين، وما وقع من حديثه من النكرة فليس ذاك منه، إنما هو من الراوي عنه، لأنه قد روى عنه جماعة ضعفاء ومجهولون، وإنما هو في نفسه إذا روى عمن هو فوقه من مشايخه فهو مستقيم الحديث ثقة"
(1)
.
علق عليه الباحث بقوله: "
…
وهل هذا اللفظ إذا قيل في أحد الرواة يدل على أن الراوي يدلس؟ ليس ذلك ببعيد، لقوله: إذا روى عمن هو فوقه من مشايخه
…
، فإن هذا يدل على أنه يسقط شيخه القريب، ويعنعن عن شيخ بعيد
…
".
وما قاله الباحث فغير سديد، وليس في هذا النص رمي بالتدليس البتة.
وساق أحد الباحثين عدة نصوص عن الأئمة يريد بها إثبات أن الأئمة يكتفون بالمعاصرة وإمكان اللقي لإثبات السماع بين راويين، وكان مما ذكره قول ابن الجُنَيْد: "قلت ليحيى بن معين: حماد بن سلمة دخل الكوفة؟ قال: لا أعلمه دخل الكوفة، قلت: فمن أين لقي هؤلاء؟ قال: قدم عليهم عاصم، وحماد بن أبي سليمان، والحجاج بن أرطاة، قلت: فأين لقي سماك بن حرب؟ قال: عسى لقيه في بعض المواضع،
(1)
"الكامل" 2: 527.