الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القدح فيه إذا حدث من حفظه، إذ قد يكون مرادهم الثناء عليه في الحالين، قال أحمد في أبي أسامة حماد بن أسامة:"كان ثبتا، صحيح الكتاب"
(1)
، وقد قال فيه أيضا:"كان ثبتا، لا يكاد يخطئ، ما كان أثبته"
(2)
.
السادسة: تضعيف الراوي في آخر عمره، وتقويته قبل ذلك:
يعرض لبعض الرواة ما يعرض لغيرهم من البشر، فتتناقص قواه الذهنية، وتضعف حافظته بمرور الزمن، وقد تصل في آخر مراحلها إلى الاضمحلال والعدم.
وربما حدث هذا للراوي بعوامل أخرى غير الكبر، كأن يمرض، أو تصيبه مصيبة، من احتراق كتب، أو موت ولد أو أخ، أو سرقة متاع.
ويعبر الأئمة عن هذه الحالة التي تحدث للراوي بالاختلاط، كما يعبرون عنها أحيانا بالتغير، أو بسوء الحفظ، مع تقييد سوء الحفظ بكونه طارئا، ويقولون أيضا: أنكر عقله، أو بعض عقله، أو أنكرناه، أو أنكر في آخر أمره، ونحو هذه العبارات.
ثم قد يستمر الراوي في التحديث مع تغير حافظته، وهذا هو الغالب، وقد يرزق من يقوم عليه، ويحول دون تحديثه، كما حصل لجرير بن حازم، وعبد الوهاب الثقفي، فقد اختلط الأول قبل موته
(1)
"العلل ومعرفة الرجال"1: 390.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال"1: 383، وانظر: 3: 207، 464.
بسنة، كما حدده أبو حاتم
(1)
، واختلط الثاني قبل موته بثلاث سنين، أو أربع، كما حدده عقبة بن مكرم
(2)
، وكلاهما لم يحدث في حال اختلاطه.
قال عبد الرحمن بن مهدي: "جرير بن حازم اختلط، وكان له أولاد أصحاب حديث، فلما خشوا ذلك منه حجبوه، فلم يسمع منه أحد في اختلاطه شيئا"
(3)
.
وقال أبو داود: "عبد الوهاب اختلط حتى حُجب الناس عنه، واختلط جرير بن حازم حتى حجبه ولده"
(4)
، وقال أيضًا:"جرير بن حازم، وعبد الوهاب الثقفي، تغيرا، فحُجب الناس عنهم"
(5)
.
ومثلهما سعيد بن عبد العزيز الشامي، قال أبو مُسْهِر:"كان سعيد بن عبد العزيز قد اختلط قبل موته، وكان يعرض عليه قبل أن يموت، وكان يقول: لا أجيزها"
(6)
.
وكذلك إبراهيم بن أبي العباس الكوفي، قال ابن سعد:"اختلط في آخر عمره، فحجبه أهله في منزله حتى مات"
(7)
.
ثم من حدث في حال اختلاطه يختلف الآخذون عنه بعد الاختلاط، فمنهم من لم يحدث بما سمعه منه بعد أن عرف أنه اختلط،
(1)
"الجرح والتعديل"2: 505.
(2)
"تاريخ بغداد"11: 21.
(3)
"الجرح والتعديل"2: 505.
(4)
"سؤالات الآجري لأبي داود"2: 125.
(5)
"الضعفاء الكبير"3: 75.
(6)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 204.
(7)
"طبقات ابن سعد"7: 346.
كما قال يحيى القطان: "أتيت الجُرَيْري فسمعته يقول: حدثنا عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن عمر قال: "بين كل أذانين صلاة"، فلما خرجت قال لي رجل: إنما هو عن عبد الله بن مغفل، فرجعت إليه فقلت له، فقال: عن عبد الله بن مغفل"
(1)
.
ولم يحدث القطان عنه بشيء، بل قد نهى عيسى بن يونس أن يحدث عنه، فانتهى، قال ابن معين:"سمعت عيسى بن يونس وسألوه عن حديث الجُرَيْري فقال: لست أحدث عنه، نهاني عنه فتى من أهل البصرة يقال له: يحيى بن سعيد أن أحدث عنه، لست أحدث عنه"
(2)
.
وقال أبو نُعَيْم: "دخلت البصرة بعدما خرج الثوري من عندنا، ودخل وكيع قبلي، فأتيت سعيد بن أبي عَرُوبة فوجدته قد تغير، فلا أحدث عنه، وسمعت من الثوري عن ابن أبي عَرُوبة، فأخذت عن الثوري، عنه، ولا أحدث عنه"
(3)
.
ومثله عبد الرحمن بن مهدي مع سعيد أيضا
(4)
.
وقال أبو داود في إسحاق بن راهويه: "تغير قبل أن يموت بستة أشهر، فرميت بما سمعت منه في تلك الأيام"
(5)
.
(1)
"الضعفاء الكبير"2: 99.
(2)
"الضعفاء الكبير"2: 99، وانظر:"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 195.
(3)
"الكفاية" ص 135، وانظر:"الكامل"3: 1229 ففيه رواية أخرى عن أبي نعيم أنه سمع منه حديثين، ثم قام وتركه.
(4)
"سؤالات الآجري لأبي داود" ص 350.
(5)
"تاريخ بغداد"6: 353.
وانظر قصة لقي أحمد لخلف بن خليفة في "العلل ومعرفة الرجال"3: 129، و"تاريخ بغداد"8: 320، و"تهذيب الكمال"8:287.
ومنهم من يحدث بما سمعه من المختلط بعد اختلاطه، إلا أن بعضهم يلتزم ألا يحدث إلا بما هو من صحيح حديث المختلط لمعرفته به، إذ من المعلوم أن المختلط في حال اختلاطه إذا حدث يكون في حديثه ما هو من صحيح حديثه، وما ليس كذلك، كما قال يعقوب بن سفيان في الجُرَيْري:"هو ثقة، أخذوا عنه، من سمع منه في الصحة، لأنه كان عمل فيه السن فتغير، وكان أهل العلم يسمعون، وسماع هؤلاء الذين بأخرة فيه وفيه"
(1)
.
وقال يحيى بن معين لوكيع: "تحدث عن سعيد بن أبي عَرُوبة وإنما سمعت منه في الاختلاط؟ ! ! فقال: رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مُسْتَوٍ"
(2)
.
غير أن هذا لم يكن منهجا عاما للرواة عن المختلطين بعد اختلاطهم، فلذا احتاج الأئمة إلى الاشتغال بهؤلاء المختلطين، أولا من جهة درجة اختلاطهم، وثانيا لتحديد من سمع منهم قبل الاختلاط، ومن سمع منهم بعد الاختلاط.
ولا شك أن هذا قد اقتضى من الأئمة جهدا مضاعفا، يدرك المتتبع له بسهولة عناءهم في سبيل ذلك، ودقتهم، ومبلغ علمهم في فنهم.
فأما الأمر الأول -وهو تحديد درجة الاختلاط- فسببه تفاوت المختلطين في درجته، كما قال ابن رجب: "هم متفاوتون في تخليطهم، فمنهم من خلط تخليطا فاحشا، ومنهم من خلط تخليطا
(1)
"المعرفة والتاريخ"2: 115.
(2)
"الكفاية" ص 136، وانظر:"تهذيب الكمال"11: 10.
يسيرا"
(1)
، فاحتاج الأئمة إلى بيان ذلك، ومن مجموع كلامهم يعرف الباحث درجة اختلاط الراوي، وإن اختلفت العبارة.
فممن كان اختلاطه فاحشا: سعيد بن أبي عَرُوبة، قال أبو عمر الحَوْضي:"دخلت على سعيد بن أبي عَرُوبة وأنا أريد أن أسمع منه، فلما رآني قال: الأزد عريضة، ذبحوا شاة مريضة، أطعموني فأبيت، ضربوني فبكيت، فعلمت أنه مختلط، فلم أسمع منه شيئا"
(2)
.
وقال أبو داود: "كان سعيد يقول في الاختلاط: قتادة، عن أنس، أو أنس، عن قتادة"
(3)
، يعني أنه اختلط اختلاطا فاحشا، ولذا قال الأزدي:"اختلط اختلاطا قبيحا"
(4)
.
ومثله عبد الرحمن بن عبد الله بن عُتْبة المسعودي، قال أبو قُتَيْبة سَلْم بن قُتَيْبة:"رأيته سنة سبع وخمسين والذَّرُّ يدخل في أذنه"
(5)
.
وقال ابن حبان: "كان المسعودي صدوقا، إلا أنه اختلط اختلاطا شديدا حتى ذهب عقله"
(6)
.
وعلى هذا فما يرد في حق هذين وأمثالهما من عبارات أخرى كالتغير وسوء الحفظ- فيراد به الاختلاط الشديد، وهو من تنوع العبارة، كما في قول العجلي في المسعودي: "ثقة، إلا أنه تغير
(1)
"شرح علل الترمذي"2: 733.
(2)
"الكامل"3: 1230، و"الكفاية" ص 135.
(3)
"إكمال تهذيب الكمال"5: 331.
(4)
"إكمال تهذيب الكمال"5: 330.
(5)
"الضعفاء الكبير"2: 336، و"تاريخ بغداد"10:219.
(6)
"المجروحين"2: 48.
بآخره"
(1)
، وقول يعقوب بن شيبة:"كان ثقة صدوقا، إلا أنه تغير بآخره"
(2)
.
وبضد حالهما اختلاط حصين بن عبد الرحمن أبي الهذيل الكوفي، فقد قال يزيد بن هارون:"طلبت الحديث وحصين حي، كان يقرأ عليه، وكان قد نسي"
(3)
، وفي رواية أخرى عنه قال فيه:"اختلط"
(4)
.
وكذا قال ابن معين إنه اختلط
(5)
، وقال مرة:"أُنْكِر بأخرة"
(6)
.
والظاهر أن المراد بالاختلاط هنا سوء الحفظ، وليس الاختلاط الفاحش، فقد قال الحسن بن علي الحُلْواني:"قلت لعلي (يعني ابن المديني): حصين؟ قال: حصين حديثه واحد، وهو صحيح، قلت: فاختلط؟ قال: لا، ساء حفظه، وهو على ذاك ثقة"
(7)
.
وكذا قال أبو حاتم إنه ساء حفظه في الآخر
(8)
، وقال النسائي:"تغير"
(9)
.
ومثله سعيد بن إياس الجُرَيْري، أحد الثقات، وقد تغير حفظه في الآخر، وصار يقبل التلقين، وقد وصفه غير واحد بالاختلاط، منهم محمد بن أبي عدي، ويزيد بن هارون، وهما من الآخذين عنه، وابن سعد، وابن
(1)
"تهذيب التهذيب"6: 212.
(2)
"تهذيب التهذيب"6: 212.
(3)
"الضعفاء الكبير"1: 314.
(4)
"الضعفاء الكبير"1: 314.
(5)
"من كلام ابن معين-رواية الدقاق" ص 31، 104.
(6)
"من كلام ابن معين-رواية الدقاق" ص 71.
(7)
"الضعفاء الكبير"1: 314.
(8)
"الجرح والتعديل"3: 193.
(9)
"تهذيب التهذيب"2: 383.
معين، والعجلي، وغيرهم
(1)
.
وقال أحمد: "سألت ابن عُلَيَّة عن الجُرَيْري فقلت له: يا أبا بشر أكان الجُرَيْري اختلط؟ قال: لا، كبر الشيخ فَرَقَّ"
(2)
.
وقال أبو حاتم: "تغير حفظه قبل موته"
(3)
.
وقال ابن حبان: "لم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا"
(4)
.
وعلى هذا ينبغي أن يحمل ما يرد من اختلاف عن الأئمة في إثبات اختلاط راو أو نفيه.
وأما الأمر الثاني -وهو تمييز من سمع قبل أو بعد الاختلاط- فقد حرص الأئمة على تتبع من سمع من الراوي قبل اختلاطه، ومن سمع منه بعد اختلاطه، والنص على ذلك، وأعلاه أن يأتي ذلك عن الراوي عن المختلط، كما في قول محمد بن أبي عدي:"كنا نأتي الجُرَيْري وهو مختلط -لا نكذب الله- فنلقنه الحديث مثل ما هو عندنا، فيجيء به مثل ما عندنا"
(5)
.
وقال أبو حاتم في محمد بن الفضل السَّدُوسي المعروف بعارم: "اختلط في آخر عمره، وزال عقله، فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، وكتبت عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة، ولم أسمع
(1)
"طبقات ابن سعد"7: 261، و"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 195، و"سؤالات ابن الجنيد" ص 259، و"من كلام ابن معين-رواية الدقاق" ص 103، و"ثقات العجلي"1:394.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال"3: 302، وانظر: 2: 354.
(3)
"الجرح والتعديل"4: 2.
(4)
"الثقات"6: 351.
(5)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 195، وانظر:"معرفة الرجال"1: 160.
منه بعد الاختلاط"
(1)
.
وأكبر اعتماد الأئمة في تمييز ذلك على تحديد زمن اختلاط الراوي، مقارنين ذلك بأعمار الراوة، ورحلاتهم، ولقيهم لمشايخهم، فقد وضعوا ضوابط كلية لتمييز السماع من بعض المختلطين.
فمن ذلك أن عطاء بن السائب الثقفي الكوفي كان قد تغير وساء حفظه في آخر عمره، فذكر أحمد أن من سمع منه بالكوفة فسماعه صحيح، ومن سمع منه بالبصرة فسماعه مضطرب
(2)
.
وكذا قال أبو حاتم إن حديث البصريين عنه فيه تخاليط كثيرة، لأنه قدم عليهم في آخر عمره
(3)
.
وقال كَهْمَس بن الحسن في سعيد بن إياس الجُرَيْري: "أنكرنا الجُرَيْري أيام الطاعون"
(4)
، وفي رواية:"قبل الطاعون"
(5)
.
والطاعون كان سنة إحدى وثلاثين ومئة
(6)
، أو اثنتين وثلاثين ومئة
(7)
، وقد قال أبو داود:"كل من أدرك أيوب فسماعه من جيد"
(8)
، وكانت وفاة أيوب سنة إحدى وثلاثين ومئة
(9)
.
(1)
"الجرح والتعديل"8: 59.
(2)
"مسائل أبي داود" ص 382 - 383، و"شرح علل الترمذي"2:737.
(3)
"الجرح والتعديل"6: 334.
(4)
"طبقات ابن سعد"7: 261، و"العلل ومعرفة الرجال"2: 303، و"التاريخ الكبير"3: 456، و"الجرح والتعديل"4:2.
(5)
"الضعفاء الكبير"2: 99، و"الكامل"3:1228.
(6)
"طبقات ابن سعد"7: 251، والعلل ومعرفة الرجال"3:296.
(7)
"الكامل"3: 1228.
(8)
"سؤالات الآجري لأبي داود"1: 404.
(9)
"تهذيب الكمال"3: 463.
وقال أبو داود في تحديد زمن اختلاط سعيد بن أبي عروبة: "قال عبد الأعلى: تغير عند الهزيمة"
(1)
.
وقال عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي يقول: كان يحيى بن سعيد يوقت فيمن سمع من سعيد بن أبي عروبة، قبل الهزيمة فسماعه صالح، والهزيمة كانت سنة خمس وأربعين ومئة، قال أبي: وهذه هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن الذي كان خرج على أبي جعفر"
(2)
.
وقال عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي يقول: من سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل الهزيمة فسماعه جيد، ومن سمع بعد الهزيمة -كأن أبي ضعفهم-، فقلت له: كان سعيد اختلط؟ قال: نعم، ثم قال: من سمع منه بالكوفة -مثل محمد بن بشر، وعبدة- فهو جيد، ثم قال: قدم سعيد الكوفة مرتين قبل الهزيمة"
(3)
.
وكذا قال غير واحد من الأئمة إنه اختلط بعد الهزيمة
(4)
.
وقد قيل إنه قد اختلط قبل ذلك بمدة طويلة، وقيل بعد ذلك
(5)
.
وقال أحمد أيضا: "سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديما، وأبو نُعَيْم أيضا، وإنما اختلط المسعودي ببغداد، ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعه جيد"
(6)
؛ وقال أيضا: "كل من سمع المسعودي بالكوفة فهو جيد، مثل وكيع، وأبي نُعَيْم، وأما يزيد بن هارون،
(1)
"سؤالات الآجري لأبي داود"1: 350.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال"1: 355، 2:356.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال"1: 163، 484.
(4)
"سؤالات الآجري لأبي داود"1: 349 - 351، و"ثقات ابن حبان"6:360.
(5)
"تهذيب التهذيب"4: 65، 66.
(6)
"العلل ومعرفة الرجال"1: 325.
وحجاج، ومن سمع منه ببغداد، وهو في الاختلاط، إلا من سمع منه بالكوفة"
(1)
.
وكذا قال محمد بن عبد الله بن عمار: "المسعودي من قبل أن يختلط كان ثبتًا، ومن سمع منه ببغداد فسماعه ضعيف"
(2)
.
وقال ابن معين: "من سمع من المسعودي في زمان أبي جعفر فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في زمان المهدي فليس سماعه بشيء"
(3)
.
وهذه الضوابط تفيد الباحث في الترجيح عند اختلاف الأئمة في سماع بعض الرواة من المختلط، وفي إلحاق من لم ينص عليه الأئمة إن أمكن ذلك، وكذلك تفيد فيما إذا لم ينص الأئمة على أحد ممن روى قبل الاختلاط أو بعده، كما في قريش بن أنس البصري، فإنه اختلط، وحددوا وقت اختلاطه بأنه قبل وفاته بست سنين، لكن لم يميزوا سماع الرواة منه
(4)
، قال ابن حجر مستفيدًا من تحديد التاريخ:"سماع المتأخرين منه بعد اختلاطه، مثل ابن أبي العوام، ويزيد بن سنان البصري، وبكار القاضي، وأبي قلابة، والكديمي"
(5)
.
وليس الأمر بالسهولة التي قد تبدو من العرض السابق، فهناك بعض العقبات لابد من تجاوزها لتمييز الراوين عن المختلط، من أهمها
(1)
"العلل ومعرفة الرجال"2: 50.
(2)
"تاريخ بغداد"10: 222.
(3)
"تاريخ بغداد"10: 221، وانظر:"من كلام ابن معين-رواية الدقاق" ص 121.
(4)
"التاريخ الصغير"2: 314، و"الجرح والتعديل"2: 297، و"المجروحين"2: 182، و"تهذيب التهذيب"8:375.
(5)
"تهذيب التهذيب"8: 375.
أن الناقلين لوقت اختلاطه قد يختلفون، وهذا قد يكون مرجعه إلى ما تقدم آنفًا من أن الاختلاط يبدأ في الغالب شيئًا فشيئًا، فأول أمره النسيان، ويمكن التمثيل لهذا بتحديد اختلاط الجُرَيْري، فقد ذكر كَهْمَس بن الحسن كما تقدم آنفًا أنهم أنكروه أيام الطاعون، أو قبل الطاعون، وقد وقع سنة إحدى وثلاثين ومئة، أو اثنتين وثلاثين، فعلى هذا يكون الجُرَيْري قد اختلط نحوا من أربع عشرة سنة، لأن وفاته كانت سنة أربع وأربعين ومئة
(1)
، وقد قيل إنه اختلط قبل موته بسبع سنوات
(2)
، وقيل بثلاث سنوات
(3)
.
ويؤيد هذا الجمع قول يزيد بن هارون: "سمعت من الجُرَيْري سنة اثنتين وأربعين ومئة، وهي أول سنة دخلت البصرة، ولم ننكر منه شيئا، وقد كان قيل لنا إنه قد اختلط"
(4)
، وقال أيضا:"ربما ابتدأنا الجُرَيْري، وكان قد أُنْكِر"
(5)
.
وبهذه الطريقة جمع ابن حجر بين الأقوال المختلفة في وقت اختلاط سعيد بن أبي عروبة
(6)
.
ويمكن إرجاع كثير من اختلاف الأئمة في سماع بعض الرواة من المختلطين هل هو قبل الاختلاط أو بعده إلى هذا السبب، كما في اختلافهم في سماع يزيد بن هارون من سعيد بن أبي
(1)
"تهذيب التهذيب"4: 6.
(2)
"طبقات ابن سعد"7: 261، و"ثقات ابن حبان" 6:351.
(3)
"ثقات ابن حبان"6: 351.
(4)
"طبقات ابن سعد"7: 261.
(5)
"التاريخ الكبير"3: 456.
(6)
"تهذيب التهذيب"4: 66.
عَرُوبة
(1)
.
وبكل حال فالقاعدة العامة هنا أن من ذكر تاريخا متقدما فقوله المقدم، ويمثل لذلك بتحديد اختلاط محمد بن الفضل المعروف بعارِم، فقد ذكر أبو حاتم أنه كتب عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة -يعني ومئتين-، ولم يسمع منه بعد الاختلاط، لكنه قال:"فمن كتب عنه قبل سنة عشرين ومئتين فسماعه جيد، وأبو زرعة لقيه سنة اثنتين وعشرين"
(2)
.
هذا قول أبي حاتم، وأما أبو داود فقال:"بلغنا أنه أُنْكِر سنة ثلاث عشرة، ثم راجعه عقله، واستحكم الاختلاط سنة ست عشرة ومئتين"
(3)
.
وروى العقيلي عن جده بعد أن ساق له حديثا رواه عن عارِم سنة ثمان ومئتين: "حججت سنة خمس عشرة، ورجعت إلى البصرة، وقد تغير عارِم، فلم أسمع منه بعد شيئا حتى مات"
(4)
.
وذكر العقيلي أيضا قصة لعارِم، عن سعيد بن عثمان أبي أمية الأهوازي حدثت سنة سبع عشرة ومئتين، وعارِم قد تغير
(5)
.
وذكر أيضا قصة لعفَّان بن مسلم أشار فيها إلى تغير
(1)
انظر "العلل ومعرفة الرجال"3: 302، و"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 677، 4: 285، و"من كلام ابن معين-رواية الدقاق" ص 104، و"الكامل"3: 1230، و"شرح علل الترمذي"2: 745، 746.
(2)
"الجرح والتعديل"8: 59.
(3)
"الضعفاء الكبير"4: 121، وانظر:"سؤالات الآجري لأبي داود"2: 67.
(4)
"الضعفاء الكبير"4: 122، و"الكفاية" ص 136.
(5)
"الضعفاء الكبير"4: 123.
عارم
(1)
، وعفَّان مات سنة عشرين ومئتين، وقيل: سنة تسع عشرة
(2)
.
فالظاهر أن أبا حاتم بنى تحديده على التقدير.
ومما يزيد موضوع الاختلاط وعورة أن بعض الرواة قد لقي المختلط قبل وبعد الاختلاط، ثم منهم من كَفَّ عن الأخذ عنه بعد أن عرف اختلاطه، كما في قول ابن عُيَيْنة:"كنت سمعت من عطاء بن السائب قديما، ثم قدم علينا قدمة فسمعته يحدث بعض ما كنت سمعت فخلَّط فيه، فاتقيته واعتزلته"
(3)
.
ومنهم من يأخذ عن الراوي بعد اختلاطه أيضا، ومنهم من يكون مترددا، كما في سماع ابن عُلَيَّة من سعيد بن أبي عَرُوبة، قال أحمد:"قلت لإسماعيل بن عُلَيَّة: متى سمعت من سعيد؟ قال: قبل الطاعون، وبعد الطاعون، قلنا له: فقبل الهزيمة أو بعد الهزيمة؟ قال: قبل الهزيمة وبعد الهزيمة، ثم قال: لا أدري، لا أدري -كأنه شك فيما سمع بعد الهزيمة-"
(4)
.
ومن يجزم منهم بالسماع من المختلط في الحالين قد لا يميز ما سمع في كل منهما، كما في سماع عبد الوهاب بن عطاء الخَفَّاف من سعيد أيضا، قال ابن معين: "قلت لعبد الوهاب: سمعت من سعيد في الاختلاط؟ قال: سمعت منه في الاختلاط وغير الاختلاط، فليس أميز
(1)
"الضعفاء الكبير"4: 122، و"الكفاية" ص 137.
(2)
"تهذيب التهذيب"7: 234.
(3)
"الضعفاء الكبير"3: 400.
(4)
"العلل ومعرفة الرجال"2: 353، 3:295.
بين هذا وهذا"
(1)
.
وقال محمد بن عبد الله بن نُمَيْر: "كان أصحاب الحديث يقولون: إنه سمع منه بآخره، كان شبه المتروك"
(2)
.
وسماع أبي عَوَانة من عطاء بن السائب، فروى علي بن المديني قال:"حدثنا يحيى بن سعيد قال: سألت أبا عَوَانة عن عطاء بن السائب، قال: سمعت منه قبل وبعد -قال علي: قبل الاختلاط، وبعد-، قال: فقلت: تفصل بينهما؟ قال: لا"
(3)
.
ومثله سماع حماد بن سلمة من عطاء بن السائب، فقد تقدم قول أحمد، وأبي حاتم، إن من سمع من عطاء بالبصرة فهو بعد الاختلاط، لكن قال أبو داود:"قال غير أحمد: قدم عطاء البصرة قدمتين، فالقدمة الأولى سماعهم صحيح، وسمع منه في القدمة الأولى حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وهشام الدَّسْتُوائي، والقدمة الثانية كان متغيرا فيها، سمع منه وهيب، وإسماعيل، وعبد الوارث، سماعهم منه فيه ضعيف"
(4)
.
وكذا قال النسائي، والدارقطني، إنه قدم البصرة مرتين، قال النسائي بعد أن ساق حديثا من رواية جعفر بن سليمان، عن عطاء، واستنكره، واستظهر أنه سمعه منه بعد الاختلاط: "دخل عطاء بن السائب البصرة مرتين، فمن سمع منه أول مرة فحديثه صحيح، ومن سمع منه آخر مرة ففي حديثه شيء، وحماد بن زيد حديثه عنه
(1)
"شرح علل الترمذي"2: 747، وانظر:"علل المروذي" ص 59.
(2)
"شرح علل الترمذي"2: 746.
(3)
"معرفة الرجال"2: 197، و"الضعفاء الكبير" 3: 400، وانظر:"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 403.
(4)
"مسائل أبي داود" ص 383.
صحيح"
(1)
.
وقال الدراقطني: "دخل عطاء البصرة مرتين، فسماع أيوب، وحماد بن سلمة في الرحلة الأولى، صحيح"
(2)
.
وقال ابن المديني: "قلت ليحيى (يعني القطان): وكان أبو عَوَانة حمل عن عطاء بن السائب قبل أن يختلط؟ فقال: كان لا يفصل هذا من هذا، وكذلك حماد بن سلمة"
(3)
.
فقول يحيى القطان هذا مقدم على من ذكر أن حمادا سمع من عطاء في القدمة الأولى فقط؛ لأن معه زيادة علم.
ومقدم كذلك على ما ورد عن بعض الأئمة مثل يحيى بن معين، ويعقوب بن شيبة، وابن الجارود، والطحاوي، من تقوية رواية حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، أو كونه سمع منه قديما
(4)
، ويمكن حمل كلامهم على أن ذلك بالنسبة لمن لم يسمع منه إلا بعد الاختلاط، فقد قال ابن معين أيضا:"جميع من روى عن عطاء روى عنه في الاختلاط، إلا شعبة، وسفيان"
(5)
، وقال في رواية أخرى:"كل شيء من حديث عطاء بن السائب ضعيف، إلا ما كان عن شعبة، وسفيان"
(6)
.
(1)
"سنن النسائي الكبرى"6: 65 بعد حديث (10052).
(2)
"تهذيب التهذيب"7: 206.
(3)
"الضعفاء الكبير"3: 399.
(4)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 403، و"سؤالات ابن الجنيد" ص 478، و"الكامل"5: 2000، و"شرح علل الترمذي"2: 735، و"تهذيب التهذيب"7: 207، و"الكواكب النيرات" ص 325.
(5)
"الكامل"5: 2000.
(6)
"شرح علل الترمذي"2: 738، وانظر:"النكت الظرف"7: 50، و"هدى الساري" ص 425، و"تهذيب التهذيب"7: 207، و"التخليص الحبير"1: 150، وما علقته على كتاب "التحقيق" لابن الجوزي ص 1147 - 1148، حديث رقم 295.
والقاعدة أنه إذا لم يتميز ما سمع منه الراوي قبل اختلاطه عما سمع منه بعد اختلاطه فيجعل كله كأنه سمعه بعد الاختلاط.
ومن أمثلة ما تميز به السماعان: رواية شعبة، عن عطاء بن السائب، قال يحيى القطان:"ما حدث سفيان، وشعبة، عن عطاء بن السائب، صحيح، إلا حديثين -كان شعبة يقول: سمعتهما بأخرة- عن زاذان"
(1)
.
وعليه فيتوقف في رواية شعبة، عن عطاء، عن زاذان، وما عداها فهو مما سمعه قبل الاختلاط، ولم أقف على تعيين هذين الحديثين، ولا وقفت على شيء مما يرويه شعبة، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، إلا على حديث واحد
(2)
.
وكذلك إذا لم يعرف سماع الراوي هل هو بعد الاختلاط أو قبله فيحمل على أنه سمع منه بعد الاختلاط، ويتأكد ذلك إذا لاحت قرينة في الراوي أو مروياته، كما في سماع عَبَّاد بن العَوَّام، من سعيد بن أبي عروبة، قال أحمد عنه:"مضطرب الحديث عن سعيد بن أبي عَرُوبة"
(3)
، وذكر له مرة أحاديث خطأ عن سعيد، وقال:"عند عباد عن سعيد غير حديث خطأ، فلا أدري سمعه منه بآخره أم لا"
(4)
.
(1)
"الجرح والتعديل"6: 333، وانظر:"معرفة الرجال"2: 197، و"الضعفاء الكبير"3:399.
(2)
"غرائب شعبة" ص 146.
(3)
"الجرح والتعديل"6: 83.
(4)
"مسائل أبي داود" ص 400، وانظر:"علل المروذي" ص 149.
ويبقى في موضوع الاختلاط ثلاثة أمور هامة:
الأمر الأول: أن بعض المختلطين مع نص الأئمة على اختلاطهم لا يقف الباحث على كلام للأئمة في تمييز من سمع منهم قبل الاختلاط أو بعده، وقد يقف على كلام لهم في تحديد وقت الاختلاط، وقد لا يقف أيضًا، فهؤلاء على ضربين:
الضرب الأول: قوم ثقات، وثقهم الأئمة، مثل أَبَان بن صَمْعَة الأنصاري، اختلط جدا، ولم يحددوا وقت اختلاطه
(1)
، وعمرو بن عيسى بن سُوَيْد أبي نَعَامة العَدَوي، ذكر أحمد أنه اختلط قبل موته، ولم يحدد ذلك
(2)
.
فهذان وأمثالهما الحكم فيهم أنهم على الثقة، والأمر محمول على أنعم لم يحدثوا حال اختلاطهم، أو حدثوا ولم يستنكر عليهم شيء مما حدثوا به، ويبقى هذا الحكم حتى يتبين في حديث بعينه أنه خطأ، قال ابن عدي في أَبَان بن صَمْعَة: "له من الروايات قليل، وإنما عيب عليه اختلاطه لما كبر، ولم ينسب إلى الضعف؛ لأن مقدار ما يرويه مستقيم، وقد روى عنه البصريون
…
وغيرهم أحاديث، وكلها مستقيمة غير منكرة، إلا أن يدخل في حديثه شيء بعد ما تغير واختلط"
(3)
.
ويتأكد ذلك جدا إذا كان ثبوت الاختلاط فيه شيء، كما في اختلاط أبي وائل شقيق بن سلمة، قال ابن مُحْرِز: "سمعت يحيى وقلت له: شعبة حدث عن الحسن قال: كان أبو وائل مختلطا، من
(1)
"العلل ومعرفة الرجال"2: 499، و"التاريخ الكبير"1: 452، و"ضعفاء النسائي" ص 14، و"الجرح والتعديل"2: 297، و"الضعفاء الكبير"1: 42، و"الكامل"1:382.
(2)
"الجرح والتعديل"6: 251.
(3)
"الكامل"1: 383.
حسن؟ قال: ابن عمرو -يعني الفُقَيْمي-، فقلت: هذا محفوظ من حديث شعبة؟ قال: ما ذكره عنه أحد إلا علي بن الجعد"
(1)
.
وما قرره ابن عدي في حق أَبَان بن صَمْعَة أولى مما قاله ابن حبان في أَصَبَغ مولى عمرو بن حُرَيْث المخزومي، فأَصْبَغ قد اختلط، وقد وثقه ابن معين، والنسائي، وقال أبو حاتم:"شيخ"
(2)
.
قال ابن حبان: "تغير بآخره حتى كُبِّل بالحديد، ولا يجوز الاحتجاج بخبره إلا بعد التخليص، وعلم الوقت الذي حدث فيه، والسبب الذي يؤدي إلى هذا العلم معدوم فيه"
(3)
.
كذا قال ابن حبان، وهو إن كان يقرره في حق أَصْبَغ فقط، لكونه قليل الحديث غير مشهور-فالأمر قريب، وأما إن كان قاعدة عامة فما ذهب إليه ابن عدي أولى كما تقدم آنفا، والله أعلم.
الضرب الثاني: جماعة من الضعفاء والمتروكين اختلطوا وتغيروا، ولم ينقل عن الأئمة تمييز السماعين، فيحمل الجميع على الأدنى، وأنه كله بعد الاختلاط، كما قال ابن حجر في ليث بن أبي سُلَيْم:"صدوق، اختلط جدا، ولم يتميز حديثه فترك"
(4)
.
ومثله عثمان بن عمير البَجَلي الكوفي
(5)
، وإبراهيم بن خُثَيْم بن
(1)
"معرفة الرجال"1: 143، 2:159.
وانظر مثالا آخر للشك في ثبوت الرمي بالاختلاط ترجمة ثابت بن أسلم البُناني، وما نسب إلى يحيى القطان من أنه اختلط في:"إكمال تهذيب الكمال"3: 66.
(2)
"التاريخ الكبير"2: 35، و"الجرح والتعديل"1: 320، و"ضعفاء النسائي" ص 21، و"الضعفاء الكبير"1: 129، و"الكامل"1:399.
(3)
"المجروحين"1: 173.
(4)
"تقريب التهذيب" ص 464.
(5)
"تهذيب التهذيب"7: 145.
عراك الغفاري
(1)
، وأبو بكر بن أبي مريم الشامي
(2)
، ويحيى بن اليمان
(3)
، وغيرهم.
الأمر الثاني: تجتمع هذه الصورة -وهي اختلاط الراوي- مع بعض الصور الخمس قبلها، وقد يشتهر الراوي بالاختلاط فيسهو الباحث عن ملاحظة ما عداه، فمن ذلك أن سعيد بن أبي عَرُوبة مشهور بالاختلاط، وحديثه بالكوفة من جيد حديثه، قدم إليها مرتين، وقد قيل لأحمد: روى الكوفيون عن سعيد غير شيء خلاف ما روى عنه البصريون، فقال:"هذا من حفظ سعيد، كان يحدث من حفظه"
(4)
.
ومعنى هذا ترجيح ما رواه البصريون الذين سمعوا منه قبل الاختلاط على ما رواه الكوفيون عنه، وذلك عند الاختلاف، لكونه يحدث بالكوفة من حفظه، وهذا شيء دقيق جدا.
ومن ذلك أيضا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، اختلط أيضا، لكن حديثه قبل الاختلاط متفاوت أيضا، فما يرويه عن شيوخه الصغار مثل عاصم بن بَهْدَلة، والأعمش، وسلمة بن كُهَيْل، وعبد الملك بن عمير، وغيرهم، يغلط فيه، وما رواه عن شيوخه الكبار كالقاسم بن عبد الرحمن، ومَعْن بن عبد الرحمن، فهو من صحيح حديثه، قاله ابن معين
(5)
، ونحوه لابن المديني
(6)
.
(1)
"لسان الميزان"1: 53.
(2)
"تهذيب التهذيب"12: 58.
(3)
"المعرفة والتاريخ"1: 722، و"تاريخ بغداد"14: 124، و"تهذيب التهذيب"11:307.
(4)
"شرح علل الترمذي"2: 746.
(5)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 351، و"الضعفاء الكبير"2: 337، و"تاريخ بغداد"10:221.
(6)
"تاريخ بغداد"10: 220.
الأمر الثالث: استخدم الأئمة وصف الراوي بالاختلاط والتخليط على معنى اضطراب الحديث، أو تداخل بعض حديث الراوي عليه، فلا يقصدون بذلك المعنى الاصطلاحي المشهور، وقد رأيت بعض الأئمة والباحثين ربما عدوا من وصفهم الأئمة بشيء من ذلك في المختلطين، فيتنبه لذلك، وسبيله الوقوف على نصوص النقاد ما أمكن.
فمن ذلك سعيد بن أبي هلال، قال فيه ابن حجر:"صدوق، لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا، إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط"
(1)
.
كذا قال ابن حجر، ولفظ الساجي:"صدوق، كان أحمد يقول: ما أدري أي شيء حديثه، يخلط في الأحاديث"
(2)
.
وظاهر جدا أن أحمد لم يقصد الاختلاط المعروف، وإنما أراد عدم إتقانه واضطرابه.
وذكر برهان الدين الحلبي في كتابه: "الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط"، ثم ابن الكيال في كتابه:"الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات" أبا جعفر عيسى بن أبي عيسى الرازي، أحد المختلف فيهم، ونقلا فيه قول ابن المديني:"ثقة، كان يخلط"، ونقل فيه ابن الكيال قول ابن المديني أيضا:"هو نحو موسى بن عبيدة، وهو يخلط"
(3)
.
(1)
"التقريب" ص 242.
(2)
"إكمال تهذيب الكمال"5: 365.
(3)
"الاغتباط" ص 387، و"الكواكب النيرات" ص 444.
والذي يظهر أن مراده الغلط في الرواية، لا الاختلاط المعروف، ونص عبارته:"هو نحو موسى بن عبيدة، وهو يخلط فيما روى عن مغيرة ونحوه"
(1)
، وقد قال فيه ابن معين:"ثقة، وهو يغلط فيما روى عن مغيرة"
(2)
.
ومثل ذلك إسماعيل بن مسلم المكي، ضعيف الحديث، لم يصفه أحد بالاختلاط، وقد ذكره أحد الباحثين ممن تصدى لجمع المختلطين من أجل قول القطان فيه حين سئل عنه كيف كان أول أمره؟ فقال:"لم يزل مختلطا، كان يحدثنا بالحديث الواحد على ثلاثة ضروب"
(3)
.
ومراد القطان أن سوء حفظه ليس طارئا، فهو نفي للاختلاط لا إثبات له.
ومثله يحيى بن محمد بن عباد المدني، ضعيف الحديث، ذكره الباحث من أجل قول العقيلي فيه:"في حديثه مناكير وأغاليط، وكان ضريرا، فيما بلغني أنه يُلَقَّن"
(4)
.
وقد أطلت شيئا في موضوع الاختلاط، لما رأيت من الحاجة إلى التنبيه على بعض قواعده، مع أنه بتفاصيله يحتاج إلى كتابة مستقلة موسعة، والله أعلم.
(1)
"تاريخ بغداد"11: 146.
(2)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 699.
(3)
"الضعفاء الكبير"1: 92، و"الجرح والتعديل"2: 198، و"الكامل"1: 279، و"بيان الوهم والإيهام"3: 278، وفي الأخير، وكذا في "الجرح":"لم يزل مخلطا".
(4)
"الضعفاء الكبير"4: 427.