الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقد، وعن كتبهم.
الثالث: إتقان عرض التخريج والدراسة
.
يغفل كثير من الباحثين الاهتمام بحسن عرض تخريجهم ودراستهم للقارئ، فيجيء العمل مهلهلا، مطولا، متداخلا، كثير التكرار، وهذا يؤدي إلى نقيض مراد الباحث، فلا يفهم القارئ مراده، ولا يتمكن من متابعة أسانيد الحديث ومخارجه.
ولا شك أن حسن العرض وتسلسل المعلومات وترابطها يغني في كثير من الأحيان عن حكم الباحث، فهو يقود القارئ إلى النتيجة دون حاجة إلى تدخل الباحث.
وهناك فرق بين أن يقود حسن العرض وتماسكه وترابطه إلى النتيجة بشكل تلقائي، وهو الذي أعنيه وأقصده، وبين أن يقوم الباحث بعرض التخريج والدراسة ليقود إلى النتيجة التي وضعها في ذهنه للحديث، فتجده يتخبط في المنهج، فكل حديث يعرضه بصورة غير الحديث الآخر.
وحسن عرض التخريج والدراسة يتضمن اختيار المنهج المناسب للتخريج والدراسة من جهة الاختصار والبسط، فبعض البحوث يكون فيها التخريج على الصحابي، ثم ذكر الحكم مختصرا، وبعضها يكون فيه التخريج على مدار الحديث، ثم الكلام عن درجة الحديث، وبعضها يكون فيه التخريج مطولاً، على الطرق والمتابعات، وهذا الأخير أيضا ليس على درجة واحدة في الاختصار والبسط، وللباحثين عدة مسالك في عرضه، يختار منها الباحث ما يناسب بحثه، وما يستطيع أن يقوم به.
وإذا كان التخريج مطولا فستكون الدراسة كذلك، فيفردها الباحث عن التخريج، ولا يخلطها به، ويتقن تلخيص حال الحديث، ثم يعرض موقف الأئمة منه، تصحيحًا وتضعيفًا، ويدلل ويوازن، وربما أقدم على الترجيح.
وإذا كان الباحث قد اختار الترجمة لرواة الإسناد كلهم فيراعي اختيار المنهج المناسب لكل منهم، ويحسن عرض الترجمة، وفق ضوابط علمية معينة.
وهو في كل ذلك يسير وفق ترتيب صحيح للدراسة، يراعي فيه حال الحديث، وما فيه من علل، كما يراعي فيه حين عرض أقوال الأئمة تسلسلهم التاريخي.
وشرح ما تقدم تحته تفاصيل كثيرة، ويحتاج إلى أمثلة تطبيقية، وقد خصصت قسما من هذه السلسلة لشرح عرض التخريج والدراسة، وذلك لما رأيته من أهمية بالغة لذلك، فكم يحز في النفس أن ترى شيخا فاضلا يشارك في هذا العلم، فإذا كتب كتب بعفوية متناهية، فأفسد بحوثه.
وقد ألف أحد المشايخ الفضلاء كتابا جاء في عدة مجلدات، أودع في حواشيه مادة ضخمة جدا، لكنها بعيدة كل البعد عن المنهج الصحيح، فالطرق متداخلة، والدراسة لا تدري أين موضعها، مما أدى إلى تضخم الكتاب بالتراجم، وبالطرق التي لا حاجة إليها، مع سوء في الترتيب والتنسيق.
وأُرسل لي قبل أيام يسيرة جزء لأحد الأساتذة الفضلاء يقع في خمسين صفحة أو تزيد، خصصه لدراسة حديث واحد، وطُلب مني
إبداء الرأي فيه، فلما قرأته رأيت عجبا، معلومات مشتتة، وتطويل لا حاجة له، لا يدري القارئ أول الكلام من آخره، وكان بالإمكان -وفق المنهج الصحيح -أن يقع تخريج هذا الحديث ودراسته في بضع صفحات لا تزيد.
وكنت أكرر دائما للباحثين الذين أشرف على رسائلهم أو أقرأ لهم بحوثهم أن جهدي الأكبر سينصب على تنشئة الباحث وتدريبه على حسن العرض وإتقانه، واختيار المعلومة، ووضعها في مكانها اللائق بها، وتسخيرها لتنسجم مع ما قبلها وما بعدها، والبعد عن الحشو والتطويل، واختيار العبارات المناسبة في المناقشة والاعتراض، فهذا هو الدور الأكبر للمشرف والناقد.
وما عدا ذلك فنحن فيه سواء، بل قد يتفوق الشباب في الوصول إلى المعلومات، والتنقيب عن الطرق، والاجتهاد والبحث.
وتبقى قضية اتباع قواعد المنهج الصحيح في الموازنة والترجيح والحكم، وقد تبين لي أنها فرع عن إتقان عرض التخريج والدراسة، فالباحث متى أتقن ذلك، وكان لديه قراءة يسيرة في قواعد المنهج الصحيح تجده لا يستطيع أن ينفك عن اتباع هذا المنهج، لأنه منهج معلل، منضبط، فالمعلومات التي يعرضها الباحث ويتقن عرضها ستقوده إذن إلى الاختيار الصحيح، وقد جربت هذا مع عدد من الطلاب.
وهذا أوان الشروع في هذه السلسلة، والابتداء -كما تقدم -سيكون بالجرح والتعديل، وهو يشتمل على تمهيد، وأربعة فصول:
الفصل الأول: الحكم على الراوي.
الفصل الثاني: أحكام النقاد على الرواة ومراتبها.
الفصل الثالث: ضوابط النظر في أحكام النقاد على الرواة.
الفصل الرابع: تمييز رواة الإسناد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
إبراهيم بن عبد الله اللاحم
المملكة العربية السعودية
القصيم - بريدة
بريد (شبكة المعلومات)