الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: ثبوت النقل عمن نسب إليه
النقل عن أئمة النقد في الرواة لا يختلف عن أي منقول عن غيرهم، في ضرورة ثبوته عمن نقل عنه، وإلا لم يصح بناء حكم عليه، وبادئ ذي بدء لابد من التسليم بوجود أقوال ونصوص نسبت إلى أئمة النقل، وبعد التمحيص تبين عدم ثبوتها، وأن الأمر لا يخلو من لبس، وقد واجه ذلك أئمة النقد أنفسهم، فجاء عنهم نفي شيء مما نسب إليهم، أو بيان الصواب فيما نقل عنهم، فمن ذلك ما رواه ابن المديني قال: "ذكرت له (يعني ليحيى القطان) حديثا عن مروان الفزاري، عن إسماعيل بن أبي خالد، فاستحسنه، فقلت له: يا أبا سعيد أليس كنت -أي لا تأمر بالكتابة عنه-؟ قال: لا، ليس هكذا مروان، إذا حدثك عن ثقة فهو ثقة، وإن حدثك عمن لا تعرف فدعه
…
"
(1)
.
وقال المروذي: "وسألته (يعني أحمد) عن أبي بكر الأثرم، قلت: نهيت أن يكتب عنه؟ قال: لم أقل: إنه لا يكتب عنه الحديث، إنما أكره هذه المسائل"
(2)
.
ونقل الدارمي عن ابن معين قوله في محمد بن ثابت العبدي: "لا بأس به"
(3)
، وفي رواية معاوية بن صالح:"ليس به بأس، ينكر عليه حديث ابن عمر في التيمم لا غير"
(4)
، وفي رواية ابن مُحْرِز: "ليس
(1)
"معرفة الرجال"2: 240.
(2)
"علل المروذي" ص 174.
(3)
"تاريخ الدارمي عن ابن معين" ص 216.
(4)
"الضعفاء الكبير"4: 39.
بذاك القوي، حدث بحديث عن نافع، عن ابن عمر في التيمم"
(1)
، وفي رواية ابن الهَيْثَم:"ضعيف، روى حديث التيمم"
(2)
، وفي رواية الدوري:"ليس بشيء"، وقال مرة:"ضعيف"، قال الدوري:"قلت ليحيى: أليس قلت مرة: ليس به بأس؟ قال: ما قلت هذا قط"
(3)
.
ويتطرق الشك إلى المنقول عن أئمة النقد من جهتين:
الجهة الأولى: الناقد نفسه، فقد يشتبه عليه الأمر، إما في الجمع أو التفريق بين الرواة، فإذا ذهب الناقد إلى جعل الراوي اثنين، ثم نقل عنه شيء فيهما، أو ذهب إلى جعل راويين راويا واحدا، ونقل عنه فيه قول، والراجح في الجمع أو التفريق خلاف ما ذهب إليه هذا الناقد، فالحقيقة أن ما نقل عنه لم يثبت في واحد من هؤلاء الرواة حسب ما ترجح لنا.
وهذه مسألة دقيقة تقدم البحث فيها في الفصل الأول من هذا الباب
(4)
، وأذكر لها هنا مثالين، الأول: قال أحمد، وابن معين، في رَزِيْن بن حبيب الجُهني بياع الرمان:"ثقة"
(5)
، وقال فيه أبو حاتم:"صالح الحديث، ليس به بأس، وهو أحب إلي من إسحاق بن خليد مولى سعيد بن العاص"
(6)
، وقال فيه يعقوب بن سفيان:"لا بأس به"، وقال مرة:"ثقة"
(7)
، وذكره ابن حبان في "الثقات"
(8)
.
(1)
"معرفة الرجال"1: 72.
(2)
"تاريخ ابن الهيثم عن ابن معين" ص 94.
(3)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 507.
(4)
انظر: المبحث الرابع: (معوقات الحكم على الراوي).
(5)
"الجرح والتعديل"3: 508.
(6)
"الجرح والتعديل"3: 508.
(7)
"المعرفة والتاريخ"3: 110، 176.
(8)
"الثقات"6: 308.
وجاء عن ابن معين أن رَزِيْنا هذا هو نفسه رَزِيْن المعروف ببياع الأنماط، فبياع الرمان عنده هو بياع الأنماط
(1)
، وكذا قال يعقوب بن سفيان.
وأما البخاري، وأبو حاتم، فجعلاهما اثنين
(2)
، ولم يذكر ابن أبي حاتم في بياع الأنماط جرحا ولا تعديلا، وكذا فرق بينهما ابن حبان
(3)
.
وحينئذ فبياع الأنماط ليس فيه سوى توثيق ابن معين، ويعقوب بن سفيان، وذكر ابن حبان له في "الثقات"، ولو افترضنا أن الباحث رجح أنهما اثنان لما صفا معه سوى ذكر ابن حبان له في "الثقات"، لأن ابن معين، ويعقوب، وثقاه لأنه عندهما هو بياع الرمان، ولو ترجح لهما أنه غيره فيحتمل أن يختلف كلامهما فيه.
ومن ذيول هذه القضية أن الترمذي أخرج من طريق أبي خالد الأحمر، عن رَزِيْن، عن سلمى، عن أم سلمة حديثا في قتل الحسين، واستغربه
(4)
، فذكر ابن حجر أن رَزِيْنا هذا هو بياع الرمان، وهو الذي وثقه الأئمة، وبنى ذلك على أن أبا حاتم ذكر في بياع الأنماط أنه يروي عن الأصبغ بن نَبَاتة، ويروي عنه عيسى بن يونس، لم يذكر فيه سوى هذا
(5)
، غير أن البخاري قد ذكر هذا الحديث بهذا الإسناد في ترجمة بياع الأنماط، وذكر من الرواة عنه أيضا مروان بن معاوية الفَزاري، وأبا
(1)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 165.
(2)
"التاريخ الكبير"3: 324، و"الجرح والتعديل"3:508.
(3)
"الثقات"6: 308.
(4)
"سنن الترمذي" حديث 3771.
(5)
"تهذيب التهذيب"3: 276.
أسامة حماد بن أسامة، فلم يتم لابن حجر ما أراد.
الثاني: قال عثمان بن سعيد الدارمي: "قلت: (يعني لابن معين) فعطاء بن المبارك تعرفه؟ فقال: من يروي عنه؟ قلت: ذاك الشيخ أحمد بن بَشِير، فقال: هه -كأنه يتعجب من ذكر أحمد بن بَشِير-، فقال: لا أعرفه"، ثم عقب الدارمي على هذا السؤال والجواب بقوله:"أحمد بن بَشِير كان من أهل الكوفة، ثم قدم بغداد، وهو متروك"
(1)
.
كذا قال الدارمي، ومقتضى كلامه أن أحمد بن بَشِير الراوي عن عطاء بن المبارك متروك، لأنه عنده هو الكوفي الذي قدم بغداد، وقد تعقبه الخطيب في ذلك، وذكر أنه غيره، وأنه بغدادي، ولم يذكر في ترجمته جرحا ولا تعديلا
(2)
، فالباحث إذا وافق الخطيب على التفرقة لا يصح أن يعتمد قول الدارمي فيه، لأن الذي تكلم فيه الدارمي غيره.
وقد يكون الراويان متميزين لا اشتباه بينهما، لكن يقع الاشتباه على الناقد حين يسأل، فيسأله التلميذ عن راو، ويجيب هو في راو آخر، يظن السؤال عنه، فمن ذلك قول ابن مُحْرِز:"سألت يحيى عن أحمد بن حاتم الطويل الخياط، فقال: لا أعرفه، فلا أدري أفهم عني أم لا، وذلك أن هشام بن المطلب حدثني قال: سألت يحيى بن معين عن محمد بن حاتم السَّمِين، فقال: ليس بشيء، يكذب، ولكن أحمد بن حاتم الطويل ثقة، فأحسب أن يحيى بن معين ظن أني إنما سألته عن محمد بن حاتم السَّمِين"
(3)
.
(1)
"تاريخ الدارمي عن ابن معين" ص 184.
(2)
"تاريخ بغداد"4: 46.
(3)
"معرفة الرجال"1: 93، وانظر:"تاريخ بغداد"2: 267.
فهذا النص يفيد احتمال وقوع الاشتباه حين السؤال، سواء أصاب ابن مُحْرِز في ظنه هنا أو لم يصب، ومثله في إفادة ذلك قول البَرْذَعي:"قلت (يعني لأبي زرعة): عيسى بن ميمون؟ قال: واهي الحديث، وكان أبو حاتم حاضرا، فقال: إلا أن تعني صاحب ابن أبي نَجِيْح؟ فقلت: لا، إنما أردت صاحب محمد بن كعب"
(1)
.
وقال البَرْذَعي أيضا: "سئل عن موسى بن عُمَيْر وأنا شاهد، فقال: لا بأس به، فقلت له: تقول هذا في موسى بن عُمَيْر وقد روى عن الحكم ما روى؟ قال: ليس ذاك أعني، إنما أعني الذي روى عنه وكيع، ويحدث عن علقمة بن وائل، وهو لا بأس به، أما الذي ذهبت إليه فضعيف"
(2)
.
الجهة الثانية: الناقل عن الناقد، فيشترط في النقل صحة الإسناد، باتصاله، وثقة رواته، وسلامته من الشذوذ والعلل، ولست مبالغا في ذلك، فالنقل لنقد الراوي خبر كسائر الأخبار، لابد فيه من هذه الشروط، ولذا قال المِزِّي في مقدمة كتابه "تهذيب الكمال" وهو يتحدث عن نقله لأقوال النقاد: "ولم نذكر إسناد كل قول من ذلك فيما بيننا وبين قائله، خوف التطويل
…
، فما كان من ذلك بصيغة الجزم فهو مما لا نعلم بإسناده عن قائله المحكي ذلك عنه بأسا، وما كان منه بصيغة التمريض فربما كان في إسناده إلى قائله ذلك نظر"
(3)
.
(1)
"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 397، وانظر:"الجرح والتعديل"6: 287، و"سؤالات ابن الجنيد" ص 303.
(2)
"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 531.
(3)
"تهذيب الكمال"1: 153.
فأما اتصال الإسناد فالقارئ في كتب الجرح والتعديل الأولى مثل السؤالات، وكتب العلل، يلاحظ حرص التلميذ على مطالبة الناقد بإسناده إذا روى له نقدا عن إمام قبله، وتسليم الناقد بهذه المطالبة، فربما أحضر إسناده، وربما اعتذر عن ذلك لكونه غاب عنه، أو لسبب آخر
(1)
.
وإنما يفعلون ذلك خوفا من أن يكون تسامح في الرواية عن غير مرضي، فلهذا لم يذكره، كما روى البَرْذَعي قال:"قلت (يعني لأبي زرعة): مسلم بن سالم كيف هو؟ قال: أخبرني بعض الخراسانيين، قال: سمعت ابن المبارك يقول: اتق حيات سالم لا تلسعك، فقلت: تحفظ من حدثك؟ فقال: نعم، هو إنسان لا أرضاه، قلت: من هو؟ قال: أبو الصلت الهروي"
(2)
.
وللذهبي وقفات مع الأقوال المروية بأسانيد منقطعة إذا ارتاب فيها
(3)
.
وأما ثقة الرواة فإن رواية الضعفاء في أي باب يتوقف فيها، فكيف في هذا الباب المهم؟ وقد نقلت أقوال عن النقاد في جرح الرواة أو تعديلهم لم تصح عنهم لضعف رواتها، وربما خالفوا في النقل غيرهم
(1)
انظر مثلا: "العلل ومعرفة الرجال"3: 112، 114، و"معرفة الرجال"1: 126، 146، و"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 462، و"سؤالات الآجري لأبي داود"1: 236، و"الضعفاء الكبير"4:185.
(2)
"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 533، وانظر:"الجرح والتعديل"6: 48.
وانظر حكاية أخرى يظهر من تتبعها أن الناقل أسقط غير مرضي: "أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 756، وتاريخ بغداد"13:393.
(3)
"سير أعلام النبلاء"9: 271، و"ميزان الاعتدال"3:416.
من الثقات، فمن ذلك قول أبي عبيد الآجُرِّي:"قلت لأبي داود: حكى رجل عن شيبان الأبلي، أنه سمع شعبة يقول: اكتبوا عن أبي أمية بن يعلى، فإنه شريف لا يكذب، واكتبوا عن الحسن بن دينار، فإنه صدوق، فكذَّب الذي حكى هذا -قال أبو عبيد: غلام خليل حكى هذا عن شيبان-، فقال أبو داود: كذب الذي حكى هذا"
(1)
، وغلام خليل اسمه أحمد بن محمد بن غالب، وقد رمي بالكذب ووضع الحديث
(2)
.
وأخرج ابن عدي من طريق محمد بن يونس الكُدَيمي، عن علي بن المديني قوله في خليفة بن خياط المعروف بشَبَاب:"لو لم يحدث شَبَاب لكان خيرا له"، ثم تعقبها بقوله: "ولا أدري هذه الحكاية عن علي بن المديني صحيحة أم لا؟ وإنما يرويها عن علي بن المديني الكديمي، والكديمي لا شيء
…
"
(3)
.
وقيل لابن معين: يحيى -يعني القطان- لم يكن يرضى أَبَان؟ قال: "بلى، كان يحدث عن أَبَان، ولا يحدث عن همام، وقد حدثنا عن أَبَان، وقد كان يرضاه، ومات وهو يحدث عنه"
(4)
، وقد نقل عدم رضى القطان عن أَبَان: محمد بن يونس الكُدَيمي، عن ابن المديني، عن القطان، فنقل عنه قوله:"لا أروي عن أَبَان العطار"
(5)
، والكُدَيمي متهم، وقد رد ذلك الذهبي، وابن حجر، بتضعيف ما نقله
(1)
"سؤالات الآجري لأبي داود"1: 447.
(2)
"لسان الميزان"2: 272.
(3)
"الكامل"3: 935.
(4)
"معرفة الرجال"1: 112، وانظر:"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 6، و"الجرح والتعديل"2:299.
(5)
"الكامل"1: 381.
الكُدَيمي
(1)
.
وروى عبد الله بن علي بن المديني، عن أبيه قوله في أبي جعفر الرازي:"هو نحو موسى بن عُبَيْدة، (ضعفه ابن المديني) وهو يخلط فيما روى عن مغيرة ونحوه"
(2)
، وروى عنه محمد بن عثمان بن أبي شيبة قوله:"كان أبو جعفر الرازي عندنا ثقة"
(3)
، فقال ابن حجر بعد أن ذكر القولين:"محمد بن عثمان بن أبي شيبة ضعيف، فرواية عبد الله بن علي عن أبيه أولى"
(4)
.
وروى عمرو بن علي، عن ابن مهدي قوله في الفَرَج بن فَضَالة:"حدث عن أهل الحجاز أحاديث مقلوبة منكرة"
(5)
، وقال عمرو بن علي أيضا:"كان عبد الرحمن لا يحدث عن فَرَج بن فَضَالة، ويقول: حديثه عن يحيى بن سعيد الأنصاري أحاديث منكرة مقلوبة"
(6)
، وكذا نقل الساجي أن عبد الرحمن بن مهدي كان لا يحدث عنه
(7)
.
وروى البغوي، عن سليمان بن أحمد، قال: "سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت شاميا أثبت منه، وما حدثت عنه، وأنا استخير الله تعالى في التحديث عنه، فقلت: يا أبا سعيد حدثني،
(1)
"سير أعلام النبلاء"7: 432، و"تاريخ الإسلام" حوادث سنة 161 - 170 ص 42، و"الميزان"1: 16، و"هدي الساري" ص 407.
(2)
"تاريخ بغداد"11: 146، و"تهذيب التهذيب"10:358.
(3)
"أسئلة محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني" ص 122، و"تاريخ بغداد"11:146.
(4)
"التلخيص الحبير"1: 261.
(5)
"الكامل"6: 2054.
(6)
"تاريخ بغداد"12: 395.
(7)
"تاريخ بغداد"12: 396.
فقال: اكتب: حدثني فَرَج بن فَضَالة"
(1)
.
قال ابن حجر معلقا على هذه الحكاية: "لا يغتر أحد بالحكاية المروية في توثيقه عن ابن مهدي، فإنها من رواية سليمان بن أحمد، وهو الواسطي، وهو كذاب"
(2)
.
وغير خاف أن نقد النصوص المروية عن أئمة النقد بضعف الرواة، أو انقطاع الإسناد، أمره سهل بالنسبة لما ظاهر إسناده الصحة والثبوت، وهو ما يعرف بأغلاط الثقات، والملاحظ أن أئمة النقد حين تعرضهم لمثل هذا يستخدمون منهجهم في نقد الأحاديث، كالنظر إلى التفرد، ومخالفة الثقات، وقد ينضم إلى ذلك أن يكون أحد الناقلين عن الناقد قد نقل عنه ما يخالف قول أئمة النقد الآخرين، فإن هذا قرينة قوية يستدل بها الأئمة على وجود خطأ ما في النقل، فقد ذكر ابن أبي حاتم روايتين مختلفتين عن يحيى بن معين في مبارك بن فَضَالة، والربيع بن صُبَيْح، ثم قال:"اختلفت الرواية عن يحيى بن معين في مبارك بن فَضَالة، والربيع بن صُبَيْح، وأولاهما أن يكون مقبولا منهما، محفوظا عن يحيى، ما وافق أحمد وسائر نظرائه"
(3)
.
ولا ينبغي أن نستوحش من قيام احتمال خطأ الناقل وإن كان ثقة، فالنقل عن النقاد داخل في الجملة في باب الرواية، فإذا كان الراوي -
(1)
"تاريخ بغداد"12: 394، و"تهذيب الكمال"23:161.
(2)
"تهذيب التهذيب"8: 262، وانظر:"اللسان"3: 72.
وانظر نصوصا أخرى في تضعيف الأئمة لما يروى عن بعض النقاد في: "الكامل"1: 134، و"تاريخ بغداد"4: 209، و"ميزان الاعتدال"1: 524، و"سير أعلام النبلاء"7: 49 - 50، و"نهاية السول في رواة الستة الأصول"1: 282، 3:294.
(3)
"الجرح والتعديل"8: 339.
وهو ثقة- قد يخطئ على شيخه في إسناد حديث، فإنه قد يخطئ كذلك في نقل كلامه، ولا سيما إذا أردكنا أن تقييدهم لبعض كلام شيوخهم قد يكون بعد فترة من سماعه
(1)
.
وسأذكر الآن نماذج من نقد الأئمة لما يرويه الثقات عن بعض النقاد في الرواة.
فمن ذلك ما رواه ابن مُحْرِز قال: "سمعت يحيى وقلت له: شعبة حدث عن الحسن قال: كان أبو وائل مختلطا- من حسن؟ قال: ابن عمرو-يعني الفُقَيمي-، فقلت: هذا محفوظ عن شعبة؟ قال: ما ذكره عنه أحد إلا علي بن الجعد"
(2)
.
وقال ابن مُحْرِز أيضا: "سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت عباد بن عباد يقول: أراد شعبة أن يتكلم في أيوب، وخالد الحذاء، فمشيت إليه أنا وحماد بن زيد، فكلمناه فقال: لست أفعله -إن شاء الله-، دعوني حتى أنظر في أمرهما، ثم لقينا بعد في طريق فصاح بنا، ثم قال: بدا لي أن لا أفعل؛ وذلك أني رأيت أنه لا يحل لي، قال يحيى بن معين: وذلك أنهما كانا لا يحفظان، قال يحيى بن معين: وكانا والله ثقتين صالحين صدوقين"
(3)
.
كذا روى يحيى بن معين هذه القصة بتمامها في أيوب، وخالد، وقد نقده في ذلك يحيى بن أيوب المقَابِري، وذكر أنه كان قد ذاكر يحيى بن معين أولا بالقصة ليس فيها عود شعبة إلى الكلام فيهما، ثم
(1)
انظر مثلا: "أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 722 - 723.
(2)
"معرفة الرجال"1: 143.
(3)
"معرفة الرجال"1: 166.
بلغه أنه يرويها عن عباد وفيها هذه الزيادة، وخطأه في ذلك، وأن القصة هكذا بتمامها إنما وقعت لشعبة مع عباد بن عباد، وحماد بن زيد، في أَبَان بن أبي عَيَّاش
(1)
.
والراوي عن ابن معين -وهو ابن مُحْرِز- قد أشار إلى وهم ابن معين، فإنه ساق القصة بعد رواية يحيى بن معين لها، ساقها عن أصحابه، عن ابن المديني، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن زيد، وفيها أن المراجعة كانت في راو واحد، لكنه لم يسم، وقد رواها ابن أبي حاتم، عن صالح بن أحمد بن حنبل، عن ابن المديني
(2)
.
والأمر كما قال يحيى بن أيوب، وأشار إليه ابن مُحْرِز، فالقصة بتمامها مشهورة في أَبَان، وهو متروك الحديث، هكذا رواها أحمد، وأبو داود الطيالسي، عن عباد بن عباد
(3)
، وجاءت من طرق عن حماد بن زيد، وفي بعضها أنه كان معهما ثالث حين كلموا شعبة، وهو جرير بن حازم، وفي بعضها:"فإنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم "
(4)
.
وقد وقع لشعبة مع جرير بن حازم، وحماد بن زيد، قصة أخرى مشابهة في الحسن بن عُمَارة، وهو أيضا متروك الحديث
(5)
.
وخالد الحذاء أراد شعبة أن يتكلم فيه لنقص وقع في حفظه، وأما أيوب السَّخْتِيَاني فلكونه كان يحفظ ولا يكتب، فربما اختلف عليه، وقد
(1)
"المعرفة والتاريخ"2: 99 - 100، 197 - 198، وانظر:"الضعفاء الكبير"2: 4.
(2)
"الجرح والتعديل"8: 339.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال"2: 536، و"المجروحين"1:96.
(4)
"الجرح والتعديل"1: 171، 2: 20، و"الضعفاء الكبير"1: 39، و"المجروحين"1:96.
(5)
"الضعفاء الكبير"1: 237، و"الكامل"2:698.
أشار إلى هذا ابن معين في تعليقه على حكاية عباد بن عباد كما سبق آنفا
(1)
، فمثل هذا لا يستوجب أن يقول شعبة: إنه لا يحل لي السكوت عنهما.
وقال المروذي: "قلت له: (يعني لأحمد) ما تقول في سعيد بن جُهْمان؟ فقال: ثقة
…
، قلت: يروى عن يحيى القطان أنه سئل عنه فلم يرضه، فقال: باطل -وغضب-، وقال: ما قال هذا أحد غير علي بن المديني، ما سمعت يحيى يتكلم فيه بشيء"
(2)
.
والمتأخر قد يضطر إلى النظر في بعض ما يروى عن النقاد بهذه الطريقة، فمن ذلك أن إسماعيل بن رافع المدني ضعفه الجمهور، وتركه بعضهم، ونقل الترمذي توثيقه عن البخاري، فقال الذهبي بعد أن ذكر قول الجمهور:"ومن تلبيس الترمذي قال: ضعفه بعض أهل العلم، قال: وسمعت محمدا يعني البخاري- يقول: هو ثقة مقارب الحديث"
(3)
.
يريد الذهبي أن الترمذي لم يحكم هذا النقل عن البخاري.
ونقل أبو داود، وعبد الله بن أحمد، وأبو طالب، عن أحمد قوله
(1)
وانظر: "تاريخ ابن الهيثم عن ابن معين" ص 80 - 81، و"الضعفاء الكبير"2: 4، و"شرح علل الترمذي"1: 446 - 447، و"تهذيب التهذيب"3:122.
(2)
"علل المروذي" ص 108.
وروى الخلال كما في "المنتخب من علله" ص 217، عن المروذي معنى هذا، وفيه:"قلت: إن عباس بن صالح حكى عن علي بن المديني، عن يحيى القطان، أنه تكلم فيه، فغضب، وقال: باطل، ما سمعت يحيى يتكلم فيه". وعباس بن صالح هذا لم أقف على ترجمته إلا عند ابن حبان في "الثقات"8: 514.
(3)
"الميزان"1: 227، و"تهذيب التهذيب"1:294.
في هارون بن عنترة: "ثقة"
(1)
، بينما نقل عنه إسحاق بن هانئ قوله فيه:"ضعيف الحديث"
(2)
، فلا مناص عن التوقف في نقل إسحاق هذا، لا سيما واللائق بحال هارون هو ما نقله الجماعة عن أحمد
(3)
.
وروى العقيلي، عن جعفر بن أحمد بن محبوب، قال: حدثنا محمد بن إدريس، عن كتاب أبي الوليد بن أبي الجارود، عن يحيى بن معين، قال:"ابن لهيعة يكتب عنه ما كان قبل احتراق كتبه"
(4)
.
كذا جاء عن ابن معين بهذا الإسناد، والمعروف عنه أنه كان ينفي احتراق كتب ابن لهيعة، ويحتمل أنه يذكر الاحتراق تنزلا، فأما التفريق بين حديثه القديم والجديد فقد تواتر النقل عنه بنفي ذلك، وأنه سواء، قال ابن الهَيْثم:"سمعت يحيى يقول: ابن لهيعة ليس بشيء، قيل: ليحيى: فهذا الذي يحكي الناس أنه احترقت كتبه؟ قال: ليس لهذا أصل، سألت عنها بمصر"، وقال أيضا:"سمعت يحيى يقول: ابن لهيعة لم يحترق له كتاب قط"
(5)
.
وروى ابن الجُنَيْد عنه قوله: "قال لي أهل مصر: ما احترق لابن لهيعة كتاب قط، وما زال ابن وهب يكتب عنه حتى مات"
(6)
.
وروى الدَّوْرقي: قال: "قال يحيى بن معين: أنكر أهل مصر
(1)
"سؤالات أبي داود" ص 301، و"العلل ومعرفة الرجال"2: 472، و"الجرح والتعديل"9:92.
(2)
"مسائل إسحاق"2: 213.
(3)
"تهذيب التهذيب"11: 9.
(4)
"الضعفاء الكبير"2: 295.
(5)
"تاريخ ابن الهيثم عن ابن معين" ص 97، 115.
(6)
"سؤالات ابن الجنيد" ص 393.
احتراق كتب ابن لهيعة، والسماع منه واحد: القديم والحديث، وذكر عند يحيى احتراق كتب ابن لهيعة فقال: هو ضعيف قبل أن تحترق، وبعدما احترقت"
(1)
.
ويلتحق بأخطاء الرواة في نقل كلام النقاد ما يقع في كتب الجرح والتعديل من أخطاء في نقل كلام النقاد، وهو يرجع في الجملة إلى أحد سببين:
السبب الأول: الخطأ والتحريف في النسخ، وهو كثير.
فمن ذلك قول عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي يقول: ميمون أبو عبد الله فَسْل، قلت لأبي: من دون شعبة؟ قال: يحيى"
(2)
، فهذا النص فيه سقط كما هو ظاهر، فالقائل "ميمون أبو عبد الله فسل" هو شعبة، والنص على الصواب في "الضعفاء" للعقيلي، يرويه عن عبد الله بن أحمد
(3)
.
وفي "سؤالات ابن الجُنَيْد لابن معين": "سألت يحيى عن واصل بن حَيَّان، فقال: كوفي ضعيف الحديث"
(4)
، وهو مشكل من جهتين، الأولى: أن ابن معين يوثق واصل بن حَيَّان في روايتين غير هذه، وهو كذلك عند الأئمة
(5)
، ومن جهة ثانية: في نسختين مخطوطتين من نسخ
(1)
"الكامل"4: 1463، وانظر: في ابن لهيعة وكلام ابن معين فيه ما يأتي في المبحث الرابع من هذا الفصل.
ويمكن التمثيل لذلك أيضا بالروايات عن ابن معين في الحسن بن يحيى الخشني، انظر:"تهذيب الكمال"6: 340.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال"2: 304.
(3)
"الضعفاء الكبير"4: 185.
(4)
"سؤالات ابن الجنيد" ص 366.
(5)
"الجرح والتعديل"9: 30، و"تهذيب الكمال"30: 401، و"تهذيب التهذيب"11:103.
"السؤالات": "واصل بن سفيان"، كما ذكره المحقق، وذكر أن واصل بن سفيان لا وجود له في كتب التراجم، وهو كما قال، والأقرب أن يكون السؤال عن صالح بن حَيَّان وهو كوفي ضعفه ابن معين في رواية جماعة من أصحابه، وغيره
(1)
.
وفي "أسئلة البَرْذَعي لأبي زرعة" قوله: "سمعت أبا زرعة يقول: سماع يونس بن أبي إسحاق، وزكريا، وزهير، عن أبي إسحاق بعد الاختلاط"
(2)
.
وقد نقل ابن رجب هذا النص هكذا: "قال أبو عثمان البَرْذَعي: سمعت أبا زرعة يقول: سمعت ابن نُمَيْر يقول
…
"، وساق النص
(3)
.
وفي "أسئلة الآجُرِّي لأبي داود" قوله: "سألت أبا داود عن علي بن هاشم بن البَرِيْد، فقال: أهل بيت تشيع، وليس ثَمَّ كذب"
(4)
.
وقد روى هذا الخبر الخطيب بإسناده عن الآجُرِّي قال: "سألت أبا داود عن علي بن هاشم بن البَرِيْد، فقال: سئل عنه عيسى بن يونس، فقال: أهل بيت تشيع، وليس ثَمَّ كذب، قلت لأبي داود: من ذكره؟ فقال: حدثنا الحسن بن علي الحُلْواني، عن الحُدَّاني -يعني عن عيسى
(1)
"أسئلة الآجري لأبي داود"1: 309، و"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 263، و"تاريخ الدارمي عن ابن معين" ص 134، ومعرفة الرجال"1: 52، و"الضعفاء الكبير"2: 200، و"الكامل"4: 137، و"تهذيب التهذيب"4:386.
(2)
"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 347.
(3)
شرح علل الترمذي"2: 710.
وانظر نصا آخر وقع فيه ضد هذا، فالصواب ما في نسخة أسئلة البرذعي، انظره في:"أسئلة البرذعي" ص 365 - 366، و"تهذيب التهذيب"7: 331، وانظر:"علل ابن أبي حاتم"1: 106.
(4)
"أسئلة الآجري لأبي داود"1: 158.
بن يونس
(1)
-"، وكذا نقله المِزِّي
(2)
.
وروى ابن أبي حاتم في ترجمة (معاذ بن هشام الدَّسْتُوائي) بسنده عن عثمان الدارمي قوله: "قلت ليحيى بن معين: معاذ بن هشام في شعبة أثبت أو غندر؟ فقال: ثقة، وثقة"
(3)
.
كذا وقع لابن أبي حاتم، وقد جاء هذا السؤال في موضعين من "تاريخ الدارمي عن ابن معين"، أحدهما في فصل أصحاب الرواة المشهورين، والآخر في ثنايا الكتاب، وفي كلا الموضعين لم ينسب معاذ، والنص بمعاذ بن معاذ
(4)
العنبري ألصق منه بمعاذ بن هشام، فمعاذ بن هشام ليس من أصحاب شعبة المعروفين، حتى أن ابن أبي حاتم لم يذكر في ترجمته سوى أنه يروي عن أبيه هشام الدَّسْتُوائي، وقال فيه ابن معين في رواية:"صدوق، وليس بحجة"
(5)
، وفي أخرى:"ليس بالقوي"
(6)
، وأما معاذ بن معاذ فهو من كبار أصحاب شعبة، مثل غُنْدَر
(7)
، وقد ذكر المِزِّي النص في ترجمة معاذ بن معاذ، ولم يذكره في ترجمة معاذ بن هشام
(8)
، وزاده ابن حجر عليه
(9)
، فكأنه تابع ابن أبي حاتم، فيحتمل أن نسخة ابن أبي حاتم من التاريخ وقع فيها خطأ
(1)
"تاريخ بغداد"12: 117.
(2)
"تهذيب الكمال"21: 167.
(3)
"الجرح والتعديل"8: 249.
(4)
"تاريخ الدارمي عن ابن معين" ص 65، 183، وانظر:"تاريخ بغداد"13: 134.
(5)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 572.
(6)
"تهذيب التهذيب"10: 197.
(7)
"الجرح والتعديل"8: 248، و"تهذيب التهذيب"10:194.
(8)
"ـهذيب الكمال"28: 135، 141 - 143.
(9)
"تهذيب التهذيب"10: 197.
نسبة معاذ وأنه ابن هشام.
وروى ابن أبي حاتم عن محمد بن إبراهيم بن شعيب، عن عمرو بن علي الفلَّاس قال:"سمعت معاذ بن معاذ يقول: ما تصنع بشَهْر بن حَوْشَب، إن شعبة قد ترك حديث شَهْر -يعني ابن حَوْشَب-"
(1)
.
كذا روى ابن أبي حاتم عن شيخه هذه الحكاية، وفيها سقط وتحريف، أما السقط فالقائل: ما تصنع بشَهْر
…
إلخ هو ابن عَوْن، ومعاذ بن معاذ يرويه عنه، وأما التحريف فالصواب في العبارة:"إن شعبة نَزَك شَهْرا"، أي طعن فيه
(2)
.
وجاء في "الجرح والتعديل": "ثنا عبد الرحمن، أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: سألت أبي عن قُرَّة بن خالد، وعِمْران بن حُدَيْر، فقال: ما فيهما إلا ثقة، نا عبد الرحمن قال: وسئل أبي وأنا أسمع عن قُرَّة، وأبي خَلْدة، فقال: قُرَّة فوقه، قيل: قُرًّة مع من هو؟ قال: هو دون حبيب بن الشهيد، قيل له: قُرَّة، والقاسم بن الفضل؟ فقال: ما أقربه منه، وقال: قُرَّة ثقة"
(3)
.
كذا في النسخة، والظاهر أن عبارة "نا عبد الرحمن" الثانية مقحمة من أحد رواة الكتاب، ظنا منه أن القائل:"وسئل أبي" هو ابن أبي حاتم، فهو كلام مستأنف، والصواب أنه تابع لكلام عبد الله بن أحمد، والمسؤول هو والده، هكذا جاء في "العلل"
(4)
، ويؤيده أن ابن أبي
(1)
"الجرح والتعديل"1: 144، 4:383.
(2)
"المعرفة والتاريخ"2: 98، و"الكامل"4: 1355، و"تهذيب الكمال"12:582.
(3)
"الجرح والتعديل"7: 131.
(4)
"العلل ومعرفة الرجال"1: 326، 2: 43، 94، 484، 525.
حاتم ذكر بعده قولا لابن معين، ثم قولا لوالده، وليس من عادته تفريق كلام والده، ولا تقديمه على ابن معين.
وترجم ابن أبي حاتم لعبد الله بن يَعْمُر الكلاعي، وذكر عن أبيه أنه يروي عن أبي بكر بن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، ويروي عنه حميد بن هانئ الخولاني، ثم روى بسنده عن عثمان الدارمي قوله:"سألت يحيى بن معين قلت: عبد الله بن يَعْمُر، عن قيس بن طَلْق؟ فقال: شيوخ يمامية ثقات"
(1)
، وذكر النص هكذا أيضا في ترجمة قيس بن طلق
(2)
.
والظاهر أن في نسخة ابن أبي حاتم من "تاريخ الدارمي" تصحيفا، فهو في النسخة المطبوعة: عبد الله بن نعمان
(3)
، وهو الصواب، وهو السُّحَيْمي، وقد ترجم له ابن أبي حاتم، وذكر عن أبيه أنه يروي عن قيس بن طلق، ويروى عنه ملازم بن عمرو، وعمر بن يونس
(4)
، وكل هؤلاء يمامية، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحا ولا تعديلا، فالتوثيق إذن لعبد الله بن النعمان، وليس لعبد الله بن يَعْمُر.
وروى العقيلي في ترجمة عبد الواحد بن زياد البصري بسنده عن عثمان بن سعيد الدرامي قوله: "سألت يحيى عن عبد الواحد بن زياد، فقال: ليس بشيء"
(5)
، ونقل هذا أيضا عن الدارمي الذهبي، والظاهر أنه أخذه بواسطة العقيلي
(6)
.
(1)
"الجرح والتعديل"5: 205.
(2)
"الجرح والتعديل"7: 100.
(3)
"تاريخ الدارمي عن ابن معين" ص 144.
(4)
"الجرح والتعديل"5: 186.
(5)
"الضعفاء الكبير"3: 55.
(6)
"الميزان"3: 672.
وقد تصحف الاسم على العقيلي، والصواب: عبد الواحد بن زيد، هكذا هو في "تاريخ الدارمي"
(1)
، وكذا رواه ابن حبان، وابن عدي، من طريق الدارمي
(2)
، وعبد الواحد بن زيد هذا هو البصري الواعظ، شيخ الصوفية، متروك الحديث، وقد روى عباس الدوري أيضا عن يحيى بن معين أنه قال فيه:"ليس بشيء"
(3)
.
وأما عبد الواحد بن زياد فهو ثقة جليل، وقد وثقه ابن معين في رواية الدارمي وغيره
(4)
.
وروى الخطيب من طريق سلمة بن شَبِيب، عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري قال:"ما يسقط لسِمَاك بن حرب حديث"
(5)
، ونقله عنه المِزِّي
(6)
، فتعقبه ابن حجر بقوله:"إنما قاله الثوري في سِمَاك بن الفضل اليماني، وأما سِمَاك بن حرب فالمعروف عن الثوري أنه ضعفه"
(7)
.
وهو كما قال ابن حجر، فقد أخرجه ابن أبي حاتم، عن أبي عبد الله الطِّهْراني، عن عبد الرزاق، ولفظه:"لا يكاد يسقط لسِمَاك بن الفضل حديث -قال أبو محمد: يعني لصحة حديثه-"
(8)
.
(1)
"تاريخ الدارمي عن ابن معين" ص 148.
(2)
"المجروحين"2: 155، و"الكامل"5:1935.
(3)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 377، و"لسان الميزان"4:80.
(4)
"تاريخ الدارمي عن ابن معين" ص 52، و"تهذيب التهذيب"6:434.
(5)
"تاريخ بغداد"9: 215.
(6)
"تهذيب الكمال"12: 118.
(7)
"تهذيب التهذيب"4: 234، وانظر تضعيف الثوري لسماك بن حرب في "ثقات العجلي" 1: 437، و"الكامل"3:1299.
(8)
"الجرح والتعديل"4: 281.
وقد أعاده المِزِّي في ترجمة سِمَاك بن الفضل، إلا أنه أدرج تفسير ابن أبي حاتم في كلام سفيان
(1)
.
وجاء في "ضعفاء النسائي" قوله في أسامة بن زيد الليثي: "ليس بثقة"
(2)
، والنسخة من رواية الحسن بن رُشَيْق، عن النسائي، ورأيت جمعا من الباحثين ينقلون هذا عن النسخة، مسلمين به، ولا ريب أنه تحريف، والصواب:"ليس بالقوي"، فقد أخرجه ابن عدي، عن الدولابي، عن النسائي هكذا
(3)
، وكذا ذكره المِزِّي عن النسائي، ولم يذكر غيره
(4)
، وقد قال فيه النسائي في كتاب آخر:"ليس بالقوي في الحديث"
(5)
، وهذا هو اللائق بحال أسامة.
وما تقدم كله واقع في النسخ الأصول، وليس بسبب الطباعة أو سوء التحقيق، فإن هذا كثير لا يحتاج إلى أمثلة.
السبب الثاني: أخطاء وأوهام المؤلفين والباحثين أنفسهم، وهي على نوعين:
النوع الأول: أخطاء وأوهام في تعيين الراوي الذي فيه الجرح أو التعديل، فقد يشتبه الأمر على المؤلف أو الباحث، فيضع قول الناقد في راو لم يعنه، وليس هذا بالقليل.
فمن ذلك قول الآجُرِّي: "سألت أبا داود عن عمر بن عطاء الذي
(1)
"تهذيب الكمال"12: 126.
(2)
"الضعفاء والمتروكين" ص 19.
(3)
"الكامل"1: 385.
(4)
"تهذيب الكمال"2: 350.
(5)
"السنن الكبرى"6: 130 حديث 10338.
روى عنه ابن جريج، فقال: هذا عمر بن عطاء بن أبي الخُوَار، بلغني عن يحيى أنه ضعفه"
(1)
.
كذا قال أبو داود، وتعقبه المِزِّي بأن المحفوظ عن يحيى بن معين أنه وثق هذا، وإنما ضعف عمر بن عطاء بن وَرَاز، يروي عنه ابن جريج أيضا
(2)
، وكذا هي حالهما عند غير ابن معين
(3)
.
وروى ابن أبي حاتم، عن عباس الدوري، عن ابن معين أنه قال في المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أبي هشام أو أبي هاشم المخزومي المدني ثم الشامي:"ثقة"
(4)
.
وتعقبه المِزِّي بأن ابن معين إنما قال ذلك في المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عَيَّاش، أبي هشام أو أبي هاشم المخزومي المدني الفقيه، وأما الأول فقد قال معاوية بن صالح إن ابن معين لم يعرفه
(5)
.
وهو في "تاريخ الدوري" محتمل، ففيه:"المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ثقه"
(6)
، فكأن المِزِّي اعتمد في توهيمه لابن أبي حاتم على رواية معاوية بن صالح، مع شهرة ابن عَيَّاش، فهو المقصود إذا أطلق.
وروى العقيلي في ترجمة عمر بن الحكم بن ثَوْبان، أن البخاري قال فيه:"ذاهب الحديث"
(7)
، وتابعه على ذلك ابن الجوزي،
(1)
"تهذيب الكمال"21: 462.
(2)
انظر: "تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 432 - 433.
(3)
"تهذيب التهذيب"7: 483.
(4)
"الجرح والتعديل"7: 425.
(5)
"تهذيب الكمال"28: 386.
(6)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 581.
(7)
"الضعفاء الكبير"3: 152.
والسخاوي
(1)
، وإنما قال البخاري هذه الكلمة في عمر بن الحكم الهذلي
(2)
، وأما ابن ثَوْبان فهو تابعي جليل، وثقة الأئمة، وأخرج له البخاري تعليقا
(3)
، ولذا قال الذهبي متعقبا ابن الجوزي:"فكأن ابن الجوزي غلط"
(4)
.
وترجم ابن حبان ليحيى بن ميمون أبي المعُلَّى البصري العطار، وقال فيه:"منكر الحديث جدًا، يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، كان عمرو بن علي الفلَّاس يقول: هو كذاب"
(5)
، وتابعه في ذلك ابن الجوزي
(6)
.
وقد وهما في ذكرهما قول الفلَّاس فيه، فهو إنما قاله في يحيى بن ميمون بن عطاء، أبي أيوب البصري ثم البغدادي التمار، وهو متأخر عن العطار، أدركه عمرو بن علي، وكتب عنه وكذبه، وهو متروك الحديث
(7)
، وقد ترجم له ابن حبان، وابن الجوزي، بعد ترجمة العطار، ولم يورد الأول قول الفلَّاس فيه، وأورده فيه ابن الجوزي، ثم إن ابن حبان ترجم له أيضا في "الثقات"
(8)
، مما يدل على أنه لم يحكم النظر
(1)
"الضعفاء والمتروكين"2: 207، و"التحفة اللطيفة"2:325.
(2)
"الضعفاء الصغير" ص 80، و"الكامل"5:1705.
(3)
"التاريخ الكبير"6: 147، و"صحيح البخاري"4: 173، قبيل حديث 1938، و"سؤالات أبي داود لأحمد" ص 212، و"ثقات العجلي"2: 165، و"تهذيب التهذيب"7:436.
(4)
"المغني"2: 465.
(5)
"المجروحين"3: 120.
(6)
"الضعفاء والمتروكين"3: 203.
(7)
"الجرح والتعديل"9: 188، و"الضعفاء الكبير"4: 426، و"الكامل"7: 2683، و"تاريخ بغداد"14:126.
(8)
"الثقات"7: 603.
فيهما.
ويحيى بن ميمون العطار ليس كما وصفه ابن حبان، فقد وثقه الأئمة
(1)
.
وروى ابن عدي بإسناده عن عباس الدوري، عن يحيى بن معين، أنه قال في عمر بن نافع مولى ابن عمر، المدني:"ليس حديثه بشيء"، ثم روى بإسناد آخر عن عباس قول يحيى فيه:"ليس به بأس"
(2)
.
والكلمة الثانية لا إشكال فيها
(3)
، وأما الكلمة الأولى فتعقبه الذهبي بأنه قالها في عمر بن نافع الثقفي الكوفي
(4)
، والأمر كما قال الذهبي، فالنص صريح في إرادته، ولفظه:"عمر بن نافع كوفي، ليس حديثه بشيء"
(5)
ويؤكده أن ابن معين وثق عمر بن نافع مولى ابن عمر في رواية ابن الجُنَيْد
(6)
.
وذكر ابن شاهين أن أحمد قال في جعفر أبي الأشهب "من الثقات"، وأن ابن معين قال:"أبو الأشهب جعفر بن الحارث الكوفي .... ليس حديثه بشيء"، ثم قال ابن شاهين: " وهذا الخلاف في جعفر بن الحارث من أحمد، ويحيى -وهما إماما هذا الشأن-
(1)
"طبقات ابن سعد"7: 271، و"طبقات خليفة" ص 217، و"سؤالات ابن الجنيد" ص 312، و"سؤالات الآجري"2: 377، و"التاريخ الكبير"8: 306، و"الجرح والتعديل"9: 188، و"تهذيب الكمال"32: 16، و"تهذيب التهذيب"11: 292، ونسب في المصدرين الأخيرين:"الكوفي"، فيحتمل أن يكون أصله من الكوفة.
(2)
"الكامل"5: 1703.
(3)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 435.
(4)
"الميزان"3: 226، 227.
(5)
"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 435.
(6)
"أسئلة ابن الجنيد لابن معين" ص 271.
يوجب الوقوف فيه، حتى تجيء شهادة أخرى لثالث مثلهما، فينسب إلى ما قاله الثالث، والله أعلم".
(1)
كذا قال ابن شاهين، وتعقبه عبد الرحمن المعلمي في تعليقه على النص بأن أحمد قال ما ذكره ابن شاهين في أبي الأشهب جعفر بن حَيَّان، وهو غير أبي الأشهب جعفر بن الحارث، وهو كما قال
(2)
.
وتوارد جماعة من الأئمة -منهم ابن الجوزي، وابن عبد الهادي، والزيلعي، وابن حجر -على أن ابن حبان ضعف داود بن الحصين المدني، صاحب عكرمة مولى ابن عباس، حيث قال فيه:"داود بن الحصين حدث عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، تجب مجانبة روايته"، زاد ابن عبد الهادي، والسخاوي، أن ابن حبان ذكره أيضا في "الثقات"
(3)
، وتابعهم على ذلك جمع من الباحثين.
وظاهر جدا من مراجعة "المجروحين" لابن حبان أن الذي ترجم له فيه وقال فيه ما تقدم ليس هو داود بن الحصين المدني صاحب عكرمة، وإنما هو داود بن الحصين بن عقيل بن منصور، من أهل المنصورة -منصورة خوارزم فيما يظهر-، وهو متأخر عن داود بن الحصين المدني، فهو من أهل القرن الثالث، كما يتبين من حديثه الذي ساقه ابن حبان، وكلام ابن حبان عليه، ثم إن عبارة ابن حبان فيه لفظها: "حدث حديثين منكرين عن الثقات
…
"
(4)
.
(1)
"ذكر من اختلف العلماء والنقاد فيه" ص 644.
(2)
"الجرح والتعديل"2: 476 - 477، و"تهذيب التهذيب"2:88.
(3)
"ثقات ابن حبان"6: 284، و"تنقيح التحقيق"1: 50، و"التحفة اللطيفة"2:29.
(4)
"المجروحين"1: 290.
وترجم ابن الجوزي، ثم ابن حجر، لعمر بن راشد اليمامي، ولعمر بن راشد المدني الجارِي، وذكر ابن الجوزي في الأول منهما قول ابن حبان: "يضع الحديث، لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه، يضع الحديث على مالك، وابن أبي ذئب، وغيرهما من الثقات، وذكره ابن حجر بنحوه
(1)
.
وهذا القول قاله ابن حبان في الثاني منهما، وهو المعروف بالرواية عن مالك، وابن أبي ذئب، وغيرهما من علماء المدينة، وأما اليمامي فقال فيه ابن حبان: "كان ممن يروي الأشياء الموضوعة عن ثقات أئمة
…
"
(2)
.
وترجم المِزِّي لحفص بن حميد القُمِّي، وذكر فيه قول النسائي:"ثقة"
(3)
، فتعقبه مغلطاي، ثم ابن حجر، بأن النسائي لم ينسبه إذ وثقه، فيحتمل أن يكون الذي بعده -يعني حفص بن حميد المَرْوَزي-
(4)
.
وذكر الذهبي، وابن عبد الهادي، بعض أقوال النقاد في عبد الله بن عِصْمة -ويقال: ابن عُصْم- أبي علوان الحنفي اليمامي ثم الكوفي، ومن ذلك أن ابن عدي قال فيه:"له أحاديث أنكرتها"
(5)
، وابن عدي إنما قال هذه الكلمة في عبدا لله بن عصمة النَّصِيبي، وقد أعادها الذهبي في ترجمته أيضا، وهو متأخر عن الأول، وقال ابن عدي فيه:"ولم أر للمتقدمين فيه كلاما" ولم يترجم لليمامي أصلا
(6)
.
(1)
"الضعفاء والمتروكين"2: 208 - 209، و"تهذيب التهذيب"7: 445 - 447.
(2)
"المجروحين"2: 83، 93.
(3)
"تهذيب الكمال"7: 9.
(4)
"تهذيب التهذيب"2: 399، وحاشية "تهذيب الكمال"7:9.
(5)
"الميزان"2: 460، و"المغني"1: 347، و"تنقيح التحقيق"1:262.
(6)
"الكامل"4: 1526، و"تهذيب التهذيب"3:310.
ونقل مغلطاي في ترجمة الزِّبْرِقان بن عمرو بن أمية الضَّمْري، -ويقال: الزِّبْرِقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية -عن ابن المديني قال: "قال يحيى بن سعيد: كان زِبْرِقان السَّرَّاج ثقة، قلت: أكان ثبتا؟ قال: كان صاحب حديث، فقلت: إن سفيان لا يحدث عنه، قال: لم يره، وليت كل من يحدث عنه سفيان كان ثقة -وهو زِبْرِقان بن عبد الله-"
(1)
.
وتابعه ابن حجر على هذا النقل، لكن ليس في نقله نسبته (السَّرَّاج).
كذا ذكرا، والزِّبْرِقان بن عبد الله الذي فيه هذا النص ليس هو الضَّمْري، وإنما هو الزِّبْرِقان بن عبد الله أبو بكر الأسدي، المعروف بالسَّرَّاج، آخر، وقد تقدم نقل هذا النص بتمامه في المبحث الثاني من الفصل الثاني.
ونقل مغلطاي عن أحمد قوله في مصعب بن المقدام: "كان رجلا صالحا، فرأيت كتابا له فإذا هو كثير الخطأ، ثم نظرت بعد في حديثه فإذا أحاديثه متقاربة عن الثوري"
(2)
.
وتابعه ابن حجر على هذا النقل
(3)
.
والصواب أنه قال هذا في مصعب بن ماهان المَرْوَزي، وقد ذكر مغلطاي كلمة أحمد فيه بتمامها
(4)
، وأشار إليها ابن حجر
(1)
"إكمال تهذيب الكمال"5: 33.
(2)
"إكمال تهذيب الكمال"11: 219.
(3)
"تهذيب التهذيب"10: 166.
(4)
"إكمال تهذيب الكمال"11: 218.
أيضا
(1)
، وتابعهما بعض الباحثين، وأصلها عند المِزِّي لكنها عنده مختصرة جدا
(2)
، لكونه نقلها من كتاب ابن أبي حاتم، فقد أخرجها عن علي بن أبي طاهر، عن الأثرم قال:"سمعت أبا عبد الله وذكر مصعب بن ماهان صاحب الثوري، فقال: كان رجلا صالحا، وأثنى عليه خيرا، كان حديثه مقاربا، فيه شيء من الخطأ"
(3)
.
وقد أخرجها العقيلي بتمامها عن الخِضْر بن داود، عن الأثرم قال: "سمعت أبا عبد الله وذكر مصعب بن ماهان صاحب الثوري، فأثنى عليه خيرا، وقال: جاءني إنسان مرة بكتاب عنه، فإذا كثير الخطأ، فإذا -أَخَالُ- من الذي كتب عنه، فلما نظرت بعد في حديثه فإذا أحاديثه مقاربة، وفيها شيء من الخطأ
(4)
.
وترجم ابن حجر لعمرو بن كَثِير القُبِّي، ونقل عن ابن الجُنَيْد أن ابن معين وثقه، والذي في "سؤالات ابن الجُنَيْد" أن اسم هذا الرجل جاء عرضا في نص عن راو آخر هو الذي فيه التوثيق، ثم هو فيه: عمر بن كَثِير، قال ابن الجُنَيْد:"سمعت يحيى بن معين يقول: حسان بن أبي يحيى الكندي ثقة كوفي، قلت: من روى عنه؟ قال: يعلى بن عبيد، ومروان، وهؤلاء، روى عن عمر بن كثير القُبِّي، قال: قلت لسعيد بن جبير، قلت ليحيى: ما القُبِّي؟ قال: يكون في القبة، أي في الرحبة بالكوفة"
(5)
.
(1)
"تهذيب التهذيب"10: 164.
(2)
"تهذيب الكمال"28: 40.
(3)
"الجرح والتعديل"8: 308، وهو مثال للاختصار الشديد للنصوص، وسيأتي الحديث عنه مفصلا في المبحث التالي (سلامة النص).
(4)
"الضعفاء الكبير"4: 198.
(5)
"سؤالات ابن الجنيد لابن معين" ص 367.
وذكر ابن حجر أيضا في ترجمة أسامة بن زيد بن أسلم العدوي، أن عثمان الدرامي روى عن ابن معين قوله فيه:"ليس به بأس"
(1)
، فإن لم يكن في النسخة سقط فهو سبق نظر، وابن معين قال هذا في أسامة بن زيد الليثي، لكن أخشى أن يكون الخطأ في النسخة، فإن ابن حجر ينقله عن المِزِّي، وهو في "تهذيب الكمال" أتم منه على الصواب: قال عثمان بن سعيد الدارمي: "سألت يحيى بن معين عن أسامة بن زيد الليثي فقال: ليس به بأس، قلت: فأسامة بن زيد الصغير؟ فقال: ضعيف"
(2)
.
وذكر أحد الأئمة في كتاب له في الرجال أن أبا زرعة قال في عبد الله بن نافع الصائغ: "لا بأس به"، فزاد عليه محقق الكتاب أقوالا أخرى لأبي زرعة، منها أنه خطأه في حديث يرويه عن نافع، عن ابن عمر، رفعه وهو موقوف، وأن مثل هذا يستدل به على ضعفه وسوء حفظه.
وهذا النقل ليس بصواب، فعبد الله بن نافع هذا هو ابن نافع مولى ابن عمر
(3)
، وأما الصائغ فهو متأخر، لم يلحق نافعا.
وكذا فعل باحث آخر في رسالة له في الجرح والتعديل، ذكر هذا النص في معرض ترجمته لعبد الله بن نافع الصائغ.
وترجم أحد الباحثين لسهيل بن أبي صالح ذكوان السَّمَّان، فذكر أقوال الأئمة فيه، ومن ضمن ما ذكره قول يعقوب بن سفيان: "ضعيف،
(1)
"تهذيب التهذيب"1: 207.
(2)
"تهذيب الكمال"2: 335، وهو في "تاريخ الدارمي" مفرقا ص 66، 68، 152.
(3)
"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 693.
متروك الحديث"، ولما قرأت الترجمة استوقفني هذا النقل عن يعقوب، فسهيل تكلم فيه يسيرا من قبل حفظه، فراجعت النص فإذا هو قال هذه الكلمة في سهيل بن ذكوان الواسطي
(1)
، وهو متروك الحديث كذاب
(2)
، وكأن الباحث قلد محقق الكتاب، فإنه خلط بينهما في الفهرس.
ومر هذا النص بأحد الباحثين: "حدث عثمان بن عمر يحيى بن سعيد بحديث أسامة بن زيد، عن عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "منى كلها منحر" -وفيه كلام غير هذا
(3)
- فتركه يحيى بأَخَرة لهذا الحديث"-، فعلق عليه الباحث بقوله: "تركه لعثمان بن عمر -وهو ابن فارس بن لقيط العبدي- لم يتبين وجهه، إلا أن يحيى بن سعيد كان لا يرضاه كما قال أبو حاتم (الجرح 6: 159)
…
" إلى آخر كلامه.
وما فهمه الباحث من النص غير صحيح، فالذي تركه يحيى القطان من أجل هذا الحديث هو أسامة بن زيد، لا عثمان بن عمر، وكان يحيى يرى أن أسامة أخطأ في هذا الحديث، زاد فيه ذكر جابر، والصواب أنه عن عطاء مرسل
(4)
.
النوع الثاني: أخطاء وأوهام في تعيين الناقد صاحب النص، فربما اشتبه الأمر على المؤلف أو الباحث فنسب قول ناقد لغيره، وليس هذا بالقليل أيضا، ولذلك أسباب متعددة، فقد تتداخل عليه النصوص،
(1)
"المعرفة والتاريخ"3: 140.
(2)
"لسان الميزان"3: 124.
(3)
أخرجه أبو داود حديث (1937)، وابن ماجه حديث (2048)، وأحمد 3:326.
(4)
انظر: "تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 23، و"المعرفة والتاريخ"3: 181، و"الضعفاء الكبير"1: 18، و"الكامل"1:385.
أو يسبق نظره حين النقل، فينسب قول ناقد لناقد آخر، ثم إن بعض كتب الجرح والتعديل الأولى كالسؤالات جل مادة الكتاب لناقد من كلامه وأجوبته، لكن تلميذه ربما نقل عن غيره، فيظن أنه من كلام الأول، كما يفعل عبد الله بن أحمد في "العلل ومعرفة الرجال"، والمروذي في "العلل"، والبَرْذَعي في "أسئلته لأبي زرعة"، وغيرهم، وربما لم يسم الناقل عنه، لوروده في نص متقدم، والباقي معطوف عليه، فالذي يهجم على الموضع الذي لم يسم فيه لا يتردد في أنه من كلام الناقد المنسوب إليه الكتاب.
أو يكون التعديل أو التجريح ورد في أثناء إسناد، فيحتاج تعيين صاحبه إلى تأمل.
فمن ذلك أن العقيلي روى في ترجمة الهَيْثَم بن عبد الغفار الطائي عن عبد الله بن أحمد قال: "قال أبي: وسمعت هُشَيْما يقول: ادعوا الله لأخينا عباد بن العوام، سمعته يقول: كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال له: الهَيْثَم بن عبد الغفار الطائي، فحدثنا عن همام، عن قتادة
…
"
(1)
إلخ، ونقله عن العقيلي الذهبي، ولم يعترضه بشيء
(2)
.
هكذا جاء النص عند العقيلي، فصار الكلام في الهَيْثَم بن عبد الغفار منسوبا لعباد بن العوام، وبمراجعة النص في أماكن، تبين أنه قد تداخل نصان على العقيلي، أحدهما ذكره أحمد، عن هُشَيْم، وفيه دعاء هُشَيْم لعباد بن العوام، وهو نص مستقل لا علاقة له بالهَيْثَم بن عبد الغفار، وقد ذكره عبد الله عن أبيه في مكان آخر أتم منه، وذكر فيه سبب دعاء
(1)
"الضعفاء الكبير"4: 358، وهو في "العلل ومعرفة الرجال"2:56.
(2)
"الميزان"4: 324.
هُشَيْم لعباد، وهو أنه كان مريضا
(1)
.
وروى الفضل بن زياد، عن أحمد النص مطولا، وفيه يتضح مناسبة ذكر أحمد دعاء هُشَيْم لعباد، وهو تعجب أحمد من دعائه له مع أن عبادا يخطئ هُشَيْما في حديث رواه
(2)
.
وأما النص الثاني فهو لأحمد في الهَيْثَم بن عبد الغفار، فالقائل: "كان يقدم علينا من البصرة رجل
…
" هو أحمد، وقد ذكره عبد الله عن أبيه في مكان آخر مختصرا
(3)
.
ونقل الذهبي عن الأزدي أنه ذكر عن سفيان الثوري بلا إسناد قوله: "إني لأعجب كيف جاز حديث أبي أسامة، كان أمره بَيِّنا، كان من أسرق الناس لحديث جيد"، وأردفه الذهبي بأنه قول باطل
(4)
.
وتعقبه ابن حجر بأن الأزدي إنما نقله بالإسناد، لكن هو عن سفيان بن وكيع بن الجراح، لا عن سفيان الثوري، قال:"وسقط من النسخة التي وقف عليها الذهبي من كتاب الأزدي: ابن وكيع، فظن أنه حكاه عن سفيان الثوري"، ثم بين ابن حجر أن سفيان بن وكيع ضعيف لا يعتد به
(5)
، وما قاله ابن حجر ظاهر جدا، وحماد بن أسامة من تلامذة سفيان الثوري
(6)
.
وترجم الذهبي لزهير بن محمد المَرْوَزي وذكر أقوال الأئمة فيه،
(1)
"العلل ومعرفة الرجال"2: 323.
(2)
"المعرفة والتاريخ"2: 427، و"تاريخ بغداد"11:105.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال"2: 42، وانظر:"تاريخ بغداد"14: 55.
(4)
"الميزان"1: 588.
(5)
"تهذيب التهذيب"3: 3، و"هدي الساري" ص 399.
(6)
"تهذيب الكمال"7: 218.
ونسب إلى ابن معين فيه أقوالا، منها قوله:"ليس بالقوي"، وقوله:"ليس به بأس، عند عمرو بن أبي سلمة عنه مناكير"
(1)
، وهذان القولان للنسائي وليسا لابن معين
(2)
.
وذكر ابن عبد الهادي عن الميموني أنه نقل عن أحمد قوله في ليث بن أبي سُلَيْم: "ذكر الليث بن أبي سُلَيْم، قال: ضعيف الحديث عن طاوس، وإذا جمع طاوس وغيره زيادة هو ضعيف"، فنسب ابن عبد الهادي هذا القول لأحمد، وأنه هو الذي ذكر ليثا فقال فيه هذا القول
(3)
.
والذي يظهر أن هذا القول لابن معين، وقد عطفه الميموني على نص آخر عنه
(4)
، بل نقله ابن رجب عن الميموني بلفظ:"سمعت يحيى ذكر ليث بن أبي سُلَيْم فقال: "
…
"
(5)
.
وروى أحمد عن عفان، عن مبارك بن فَضَالة، قال: سمعت الحسن يقول: حدثني عبد الله بن قُدَامة، عن السعدي -وكان السَّعْدي امرأ صدق-.
فنسب أحد الباحثين إلى أحمد بناء على هذه الرواية أنه حسَّن حاله، ثم ذهب إلى أنه ثقة، وغير خاف أن قوله:"وكان السَّعْدي امرأ صدق" ليس من كلام أحمد، وإنما هو من كلام عبد الله بن قُدَامة فيما
(1)
"الميزان"2: 84.
(2)
"ضعفاء النسائي" ص 44، و"الكامل"3: 1073، و"تاريخ دمشق"19: 124، و"تهذيب الكمال"9: 417، 418.
(3)
"بحر الدم" ص 360.
(4)
"علل المروذي" ص 214، 216.
(5)
"شرح علل الترمذي"2: 814.
يظهر، فيلزم النظر فيه، وفي الإسناد إليه، ويحتمل أن يكون من كلام الحسن، فيلزم النظر في الإسناد إليه كذلك.
وذكر باحث آخر أن أحمد وثق عمر بن الحكم بن ثَوْبان، واعتمد على نص لأبي داود قال فيه:"سمعت أحمد، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم، عن عمر بن الحكم بن ثَوْبان -وكان ثقة-"
(1)
.
والظاهر أن هذا التوثيق ليس لأحمد، وإنما هو لأحد الرواة ممن فوقه، فهو في "المسند" هكذا أيضا
(2)
، والأقرب أن يكون لابن إسحاق، فقد روى أحمد من طريقه عدة أسانيد مختلفة فيها توثيق، وأحمد إذا أراد أن يوثق في أثناء الإسناد نص ابنه على ذلك
(3)
.
وفي "تهذيب التهذيب"، في ترجمة (محمد بن جابر اليمامي) أن أحمد قال فيه:"لا يحدث عنه إلا من هو شر منه"، وقد جرى بسبب هذه الكلمة مناقشات وردود بين بعض المشايخ والباحثين، مع أن الأمر محسوم من أصله، فهذا القول ليس لأحمد، وإنما هو لابن معين، لا تردد في ذلك، وكأن سبب الوهم في هذه النسبة كون هذا القول من رواية عبد الله بن أحمد، عن ابن معين
(4)
.
وتجدر الإشارة هنا -ونحن في الكلام على نقل كلام ناقد في راو
(1)
"سؤالات أبي داود" ص 212.
(2)
"مسند أحمد"4: 221.
(3)
"مسند أحمد"2: 216، 257، 3: 86، 4: 352، 391، 6: 49، و"العلل ومعرفة الرجال"2: 113، 3: 371، و"علل المروذي" ص 248.
(4)
"العلل ومعرفة الرجال"1: 374، 389، و"تهذيب التهذيب"9: 90، و"التنكيل"1: 432، و"شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل"1:388.
إلى راو آخر، أو نقل كلام ناقد إلى ناقد آخر- تجد الإشارة إلى ضرورة أن يأخذ الباحث حذره وهو ينقل عن كتب الأئمة المتقدمين، كالسؤالات، والعلل، فقد تصدى لتحقيق هذه الكتب عدد من الباحثين، واجتهدوا في تفسير بعض الرواة، أو بعض النقاد، وربما لم يصيبوا في اجتهادهم، وسيأتي ذكر نماذج لذلك في فصل (تمييز الرواة)، فموضوعنا هنا يندرج تحته في النهاية.
وبعض تلك الأوهام ظاهر لا يحتاج إلى عناء كبير لاكتشافه، وبعضها خفي يحتاج إلى تأمل، فقد كاد أحد الباحثين الفضلاء أن يوقعني في زلة، وذلك أنني قلدته في تفسيره لنص، والنص مشكل على هذا التفسير، فذهبت أعالج هذا الإشكال، ثم تبين لي أن هناك تفسيرا آخر أقرب من تفسير الباحث، وأن النص لا إشكال فيه، فقد نقل أحد تلامذة النقاد عن شيخه قوله:"أبو هؤلاء -يعني محمد بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة- لا بأس به".
فذكر المحقق أن المقصود بمحمد هذا محمد بن إبراهيم بن عثمان، والد أبي بكر بن أبي شيبة، الحافظ، صاحب "المصنف"، وأما عثمان فهو ولده الآخر أخو أبي بكر، وهو أيضا حافظ له تصانيف، فيكون المراد بقول الناقد "لا بأس به" والد محمد بن إبراهيم بن عثمان أبا شيبة القاضي، وجد عثمان المذكور، وعلى هذا التفسير لا مناص من تغليط تلميذ الناقد، فإبراهيم هذا متروك الحديث لم يختلف فيه
(1)
، وقد رماه هذا الناقد بالكذب، فلا يحتمل أن يقول فيه:"لا بأس به".
واتضح لي أن هناك احتمالا آخر في تعيين المراد أظهر مما سبق،
(1)
"تهذيب التهذيب"1: 144.
فمحمد المذكور في النص هو محمد بن عثمان بن أبي شيبة، صاحب علي بن المديني، وعثمان المذكور والده أخو أبي بكر، وكأن تلميذ الناقد نص عليهما لأن محمدا كان موجودا في زمنه، فهو من أقرانه، وذكر معه والده عثمان، وعليه فالمقصود بقول الناقد:"لا بأس به"- محمد بن إبراهيم بن عثمان، والد أبي بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة، وقد وثقه ابن معين أيضا
(1)
، ولم يجرحه أحد، فالنص لائق به جدا.
والخلاصة أن الباحث حين يريد الاستفادة من قول ناقد عليه أن ينظر في ثبوته عنه، ويتأكد هذا حين يبدو أن القول فيه شيء من الغرابة بالنسبة لحال الراوي، وأقوال الأئمة فيه، وكذلك أقوال الناقد الأخرى فيه، ولهذا نص ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه العظيم "الجرح والتعديل" على أنه يحذف من أقوال الأئمة في الراوي إذا تضارب النقل عنهم ما هو غير لائق بحال على الراوي، قال: "ونظرنا في اختلاف أقوال الأئمة في المسؤولين عنهم فحذفنا تناقض قول كل واحد منهم، وألحقنا بكل مسؤول عنه ما لاق به وأشبهه من جوابهم
(2)
.
وروى البَرْذَعي قال: "سمعت أبا زرعة يقول: هشام بن سعد واهي الحديث، أتقنت ذلك عن أبي زرعة، وهشام عند غير أبي زرعة أجل من هذا الوزن، فتفكرت فيما قال أبو زرعة، فوجدت في حديثه وهما كثيرا"، وساق مثالا على ذلك
(3)
.
(1)
"تاريخ بغداد"1: 383، و"تهذيب التهذيب"9:12.
(2)
"الجرح والتعديل"2: 38.
(3)
"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 391.
فنلحظ أن البَرْذَعي توقف في كلمة أبي زرعة بسبب حال هشام بن سعد عند النقاد الآخرين، وبحث عن مخرج لهذا الاختلاف، غير خطئه هو، فإنه قد أتقنه وحفظه عن أبي زرعة، وهذا يشير إلى تسليم البَرْذَعي بأن الناقل قد يخطئ، ثم عاد فتأمل حديث هشام بن سعد فوجد فيه وهما كثيرا، فبدا له أن قول أبي زرعة مناسب لحال هشام بن سعد.
وما ذكره البَرْذَعي غير كاف للتسليم بصحة هذا النقل عن أبي زرعة، وذلك لسبببين: الأول: أن الأئمة الذين ذكر البَرْذَعي أن حال هشام بن سعد عندهم أجل مما ذكره أبو زرعة مطلعون على وهم هشام بن سعد، ومع هذا فليس هو عندهم -على كثرتهم- واهي الحديث
(1)
، وإنما تكلموا فيه من قبل حفظه، والسبب الثاني: أن أبا زرعة نفسه قد قال في هشام بن سعد فيما نقله عنه ابن أبي حاتم: "شيخ محله الصدق، وكذلك محمد بن إسحاق هو هكذا عندي، وهشام أحب إلي من محمد بن إسحاق"
(2)
.
وعليه فلا يزال هناك نظر في ثبوت قول أبي زرعة في هشام بن سعد: "واهي الحديث".
ومثل ذلك قول الجوزجاني في سعيد بن عُفَيْر: "كان فيه غير لون من البدع، وكان مخلطا غير ثقة"
(3)
، وفي الرواة سعيد بن كثير بن عُفَيْر المصري، ينسب إلى جده كثيرا، وقد ذكر الأئمة هذه الكلمة في ترجمته
(4)
، لكنه ثقة إمام مشهور، لم ينسب إلى شيء من البدع، فكلمة
(1)
"تهذيب التهذيب"11: 39.
(2)
"الجرح والتعديل"9: 62.
(3)
"أحوال الرجال" ص 270.
(4)
"الكامل"3: 1246، و"تهذيب الكمال"11: 38، و"سير أعلام النبلاء"10: 584، و"الميزان"2: 155، و"تهذيب التهذيب"4:74.
الجوزجاني هذه لا تناسب حاله أبدا، ولذا لجأ ابن عدي إلى التشكيك في ثبوتها عن الجوزجاني في هذا الراوي، وأبدى احتمالا أن يكون قصد شخصا آخر، مع أنه لا يعرف في الرواة من يقال له سعيد بن عُفَيْر غير هذا، قال ابن عدي: "وهذا الذي قاله السَّعْدي لا معنى له، ولم أسمع أحدا، ولا بلغني عن أحد من الناس كلاما في سعيد بن كثير بن عُفَيْر، وهو عند الناس صدوق ثقة
…
، إلا أن يكون السَّعْدي أراد به سعيد بن عُفَيْر آخر، وأنا لا أعرف سعيد بن عُفَيْر غير المصري
…
"
(1)
.
وفي ختام هذا الموضوع -وهو التثبت مما ينسب إلى النقاد- لابد من التنبه إلى جانب آخر في الموضوع، وهو التأني أيضا في دعوى وجود وهم فيما نقل عن الناقد، وفي دعوى وقوع تحريف في نص أدى إلى نقل قول ناقد في راو إلى راو آخر، أو إلى نسبة قول ناقد لناقد آخر، فقول المدعي هو اجتهاد منه، يحتمل الخطأ أيضا، وسأذكر نماذج مما ادعى فيه شيء مما تقدم، وتكون الدعوى محل نظر، ليتبين للقارئ أهمية فحص ما يريد أن يعتمده، وقد يبني عليه حكما.
فمن ذلك أن الدوري نقل عن ابن معين قوله: "المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي صاحب أبي الزناد ليس بشيء"، وقوله:"المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ثقة".
وأما أبو داود فقد ضعف المخزومي، فذكر له الآجُرِّي أن عباسا
(1)
"الكامل"3: 1247
الدوري نقل عن ابن معين أنه ضعف الحزامي، ووثق المخزومي، فقال أبو داود:"غلط عباس"
(1)
.
وقد نقل ابن مُحْرِز عن ابن معين معنى ما نقل عباس الدوري، لكنه قال في الحزامي: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث الحزامي
(2)
، ولم يذكر أحد في ترجمته أن في أجداده الحارث، وإنما ذاك في المخزومي، ومع هذا فنقل ابن مُحْرِز يبعد احتمال وقوع الدوري في الخطأ.
ونقل المِزِّي في ترجمة سعد بن سعيد الأنصاري، عن أبي حاتم قوله فيه:"مؤد"
(3)
، فتعقبه مغلطاي بأي الذي قال هذا هو ابن معين وليس أبو حاتم
(4)
، وتابعه ابن حجر فاستدركه على المِزِّي، ونسبها إلى ابن معين، إلا أنه لم ينفه عن أبي حاتم
(5)
، وقد تبين أن الصواب مع المِزِّي، فالكلمة لأبي حاتم، ولكن روى أبو حاتم قبلها عن إسحاق بن منصور، عن ابن معين قوله فيه:"صالح"
(6)
، فيظهر أن في نسخة مغلطاي من "الجرح والتعديل" سقطا.
وذكر الذهبي أن أبا حاتم قال في شيبان بن عبد الرحمن: "كوفي حسن الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به"
(7)
.
(1)
"تهذيب الكمال"28: 382.
(2)
"معرفة الرجال"1: 71، 81.
(3)
"تهذيب الكمال"10: 264.
(4)
"إكمال تهذيب الكمال"5: 233.
(5)
"تهذيب التهذيب"3: 471.
(6)
"الجرح والتعديل"4: 84.
(7)
"سير أعلام النبلاء"7: 408، وانظر:"ميزان الاعتدال"2: 285.
وتعقبه ابن حجر بأن هذا وهم في النقل، والنص في كتاب ابن أبي حاتم ليس فيه عبارة:"ولا يحتج به"، وكذا نقله الباجي، والمِزِّي
(1)
.
وهذه العبارة موجودة في النسختين اللتين طبع عليهما كتاب ابن أبي حاتم، فتبين أن الذهبي لم يهم، وإنما هو اختلاف نسخ
(2)
.
وذكر أحد الباحثين أن ابن عدي نسب إلى ابن معين قوله في رواية الدوري في كل من أبي بكر بن نافع، وأخيه عمر:"ليس بشيء"، وأن الذهبي تعقب ابن عدي في ذلك، فابن معين قاله في غيرهما، وبمراجعة كلام ابن عدي، والذهبي، تبين أن هذا غير دقيق، فلم يذكر ابن عدي هذه الكلمة إلا في عمر، وهو الذي تعقبه الذهبي فيه.
ومرّ أحد الباحثين بعبارة في "العلل الصغير" للترمذي وهي ما رواه عن أحمد بن عبدة، عن وهب بن زَمْعَة، عن عبد الله بن المبارك: "أنه ترك حديث الحسن بن عُمَارة
…
، والحكم، وحُبَيِّب، الحكم روى له حديثا في كتاب "الرقائق" ثم تركه، قال: وحُبَيِّب لا أدري
(3)
"
(4)
، فذكر الباحث أن في العبارة خطأ، والصواب: " .... ، والحكم، وحُبَيِّب بن حجر، والحكم روى له حديثا
…
"، واعتمد الباحث على ما جاء في النسخة التي يشرح عليها ابن رجب
(5)
.
وما في المطبوع من "سنن الترمذي" جاء مثله في النسخة
(1)
"تهذيب التهذيب"4: 374، و"هدي الساري" ص 410، و"التعديل والتجريح"3: 1165، و"تهذيب الكمال"12:596.
(2)
"الجرح والتعديل"4: 356، وانظر تعليق المعلمي عليه.
(3)
"الكامل"7: 2753، و"الميزان"4:505.
(4)
"سنن الترمذي"5: 740.
(5)
"شرح علل الترمذي"1: 363.
المخطوطة نسخة الكَرُوخي، وهي نسخة موثقة، وهو كذلك في طبعات أخرى كثيرة للسنن، والعبارة غير مشكلة، بل الإشكال على ما جاء في نسخة ابن رجب، من نسبة حُبَيِّب، وأنه ابن حُجْر، فقد أشار ابن رجب إلى إشكال في النص من جهتين، إحداهما: أن ابن المبارك قد روى عن حُبَيِّب بن حُجْر، والثانية: أن ابن عدي قد روى النص السابق بإسناده إلى الترمذي، وفيه نسبة حُبَيِّب، وأنه حُبَيِّب بن حَبِيْب، وهو حُبَيِّب بن حَبِيْب -أو ابن أبي حَبِيْب- الزيات، أخو حمزة صاحب القراءة المشهورة
(1)
.
وعلى هذا فالأقرب في تفسير الذي تركه ابن المبارك أن يكون حُبَيِّبا الزيات، ويؤيده أنه لم يذكر لابن المبارك رواية عنه.
والخلاصة أن معالجة مثل هذا النص لا يحسن أن يكون بهذه العجلة والحكم الجازم دون ترو، كما وقع من هذا الباحث، والله أعلم.
(1)
"شرح علل الترمذي"1: 366، و"الكامل"2:821.