المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصورة الثانية: بتر النص - الجرح والتعديل - اللاحم

[إبراهيم اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌ ماذا يمكن أن يستفيده الباحث المتخصص من هذه السلسلة

- ‌الأول: فهم كلام الأئمة

- ‌الثاني: تفهم كلام الأئمة

- ‌الثالث: إتقان عرض التخريج والدراسة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: الحكم على الراوي

- ‌ مدخل:

- ‌المبحث الأول: وسائل الحكم على الراوي

- ‌أولا: التأمل في أفعال الراوي وتصرفاته، والنظر في سيرته

- ‌ثانيا: إلقاء الأسئلة على الراوي

- ‌ثالثًا: اختبار الراوي وامتحانه:

- ‌الأولى: تلقين الراوي

- ‌الثانية: المذاكرة:

- ‌رابعًا: النظر في أصول الرواة وكتبهم:

- ‌خامسًا: النظر في أحاديث الراوي ومروياته:

- ‌1 - اعتداله أو مجازفته في الرواية:

- ‌2 - مشاركته لغيره أو تفرده:

- ‌3 - ثباته أو اضطرابه فيما يرويه:

- ‌4 - موافقته أو مخالفته لغيره:

- ‌المبحث الثاني: اختلاف حال الراوي

- ‌الأولى: توثيق الراوي أو تضعيفه في شيخ معين، أو في شيوخ معينين:

- ‌الثانية: توثيق الراوي في روايته عن أهل بلد معين، وتضعيفه في روايته عن أهل بلد آخر:

- ‌الثالثة: توثيق الراوي أو تضعيفه في رواية أهل بلد معين عنه:

- ‌الرابعة: توثيق الراوي أو تضعيفه في صفة معينة في الرواية:

- ‌الخامسة: تقوية الراوي إذا حدث من كتابه، وتضعيفه إذا حدث من حفظه:

- ‌السادسة: تضعيف الراوي في آخر عمره، وتقويته قبل ذلك:

- ‌المبحث الثالث: مقارنة الراوي بغيره

- ‌القسم الأول: المقارنة المطلقة

- ‌الضرب الأول: أن تكون المقارنة فيه بين راو أو أكثر وبين من سواه بإطلاق

- ‌الضرب الثاني: أن يقيد الناقد من يقارن الراوي بهم بشيء ما، كأن يقيدهم بأهل بلد الراوي، أو بمن رآهم الناقد

- ‌القسم الثاني: المقارنة المقيدة بشيء معين كبلد، أو شيخ:

- ‌المبحث الرابع: عوائق الحكم على الراوي

- ‌أولاً: اشتباه الراوي بغيره على الناقد

- ‌ثانيًا: تعارض وسائل الحكم على الراوي

- ‌ثالثًا: نقد النقد

- ‌رابعًا: انعدام وسائل الحكم على الراوي أو ضعفها

- ‌الفصل الثاني: أحكام النقاد على الرواة ومراتبها

- ‌مدخل:

- ‌المبحث الأول: الأحكام النظرية على الرواة

- ‌القسم الأول: ما وصلنا من أحكام أطلقها الأئمة على الرواة

- ‌القسم الثاني: حركات وإشارات تصدر من النقاد حين يرد ذكر بعض الرواة

- ‌المبحث الثاني: الأحكام العملية على الرواة

- ‌القسم الأول: الانتقاء العام للرواة

- ‌القسم الثاني: الانتقاء الخاص للرواة:

- ‌المبحث الثالث: مراتب أحكام النقاد على الرواة

- ‌الفصل الثالث: ضوابط النظر في أحكام النقاد على الرواة

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: ثبوت النقل عمن نسب إليه

- ‌المبحث الثاني: سلامة النص

- ‌الصورة الأولى: حكاية معنى النص

- ‌الصورة الثانية: بتر النص

- ‌الصورة الثالثة: تحريف النص

- ‌المبحث الثالث: قائل النص

- ‌المبحث الرابع: دلالة النص

- ‌الفصل الرابع: تمييز رواة الإسناد

- ‌مدخل:

- ‌المبحث الأول: كثرة وقوع الاشتباه بين الرواة

- ‌المبحث الثاني: أسباب وقع الخلط بين الرواة

- ‌المبحث الثالث: الوسائل المساعدة على تمييز الرواة

- ‌النوع الأول: الولادة والوفاة:

- ‌النوع الثاني: الشيوخ والتلاميذ:

- ‌النوع الثالث: كتب الأطراف:

- ‌النوع الرابع: طرق الحديث الأخرى:

- ‌القسم الأول: الطرق إلى المؤلفين

- ‌القسم الثاني: الطرق بعد المؤلفين

- ‌النوع الخامس: النظر في متن الحديث وإسناده:

- ‌النوع السادس: ضوابط في تمييز الرواة:

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌الصورة الثانية: بتر النص

المديني نقل عن والده قوله في الحسن بن موسى الأَشْيَب: "كان ببغداد -وكأنه ضعفه-"، كذا وقعت العبارة عند ابن حجر، وتعقبه بقوله:"هذا ظن لا تقوم به حجة، وقد كان أبو حاتم الرازي يقول: سمعت علي بن المديني يقول: الحسن بن موسى الأَشْيَب ثقة، هذا التصريح الموافق لأقوال الجماعة أولى أن يعمل به من ذلك الظن"

(1)

.

‌الصورة الثانية: بتر النص

، فيلاحظ من مقارنة النصوص أن بعضها قد أُسقط جزء منه، وأكثر ما يكون ذلك من آخره، أو من أوله.

ثم قد يكون هذا بسبب اختلاف الرواية، وقد يكون بسبب الناقل للنص، إما سهو منه، أو فعله عن عمد، بغرض الاختصار، أو لأن حاجته تنتهي في الجزء الذي ذكره، أو لأن ما أسقطه من النص يفسد عليه الاستدلال بالجزء الذي ذكره، لكن هذا الأخير لا يفعله إلا من تكلف الدفاع عن راو، أو تكلف القدح فيه.

وليس الكلام هنا في حكم فعل ما تقدم، فإن مرجعه إلى القصد والنية، وإنما الغرض هنا أن على الباحث أن يحرص على الوقوف على أتم لفظ للنص الذي يريد أن يستفيد منه، فقد يجد في تمام النص ما يقيده، أو يفسره، أو ينزله على حالة معينة، ثم الباحث في خاصة نفسه يلتزم سوق نصوص النقاد بتمامها، وحين يضطر للخروج عن ذلك

(1)

"هدي الساري" ص 397، و"الجرح والتعديل"3:38.

وعبارة ابن المديني في "تاريخ بغداد"7: 428، و"تهذيب الكمال"6: 330، هكذا:"كان ببغداد، كأنه! وضعفه"، فهذا جزم بتضعيفه، لكنه يبقى مع ذلك حكاية للنص، وليس نقلا له.

ص: 356

يدرس النص بعناية، حتى يغلب على ظنه أن ما أسقطه منه لا تأثير له، أو له تأثير يسير يغتفر في باب الضرورات، فالأمر كما قال السخاوي:"ينبغي حكاية أقوال أهل الجرح والتعديل بنصها، ليتبين ما لعله خفي منها على كثير من الناس"

(1)

.

ولتوضيح خطورة قطع النصوص واجتزائها سأذكر الآن نماذج مما وقفت عليه من نصوص وقع فيها ذلك، دون التعرض للغرض منه.

فمن ذلك أن البخاري روى عن عمرو بن علي الفلَّاس قوله: "كان يحيى لا يحدث عن أبي معشر المدني، ويضعفه جدا، ويضحك إذا ذكره"

(2)

.

وروى النص محمد بن إبراهيم بن شعيب، ومحمد بن الحسن البابْسِيْري، عن عمرو بن علي، وزادا فيه:"وكان عبد الرحمن يحدث عنه"، إلا أن الأول ليس في روايته:"جدا"

(3)

.

ورواه عنه محمد بن عيسى، وزاد على الزيادة:"ثم تركه"

(4)

.

وروى ابن أبي حاتم، عن عباس الدوري قوله:"سمعت يحيى بن معين يقول: أبو الأسباط الحارثي شيخ كوفي، يحدث بمناكير"

(5)

.

والنص في "تاريخ الدوري" أتم منه، ولفظه: "حاتم بن إسماعيل يروي عن أبي أسباط الحارثي، شيخ كوفي، وهو ثقة، قلت له: هو

(1)

"فتح المغيث"2: 128.

(2)

"التاريخ الصغير"2: 172، و"الكامل"7:2516.

(3)

"الجرح والتعديل"8: 494، و"الكامل"7: 2516، و"تاريخ بغداد"13:429.

(4)

"الضعفاء الكبير"4: 308.

(5)

"الجرح والتعديل"2: 357.

ص: 357

ثقة؟ قال: يحدث بمناكير"

(1)

، وكذا أخرجه ابن عدي

(2)

، وذكره المِزِّي

(3)

.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن صالح بن أحمد، عن علي بن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: "ليس أحد أحب إلي من شعبة، ولا يعدله عندي أحد"

(4)

، وأخرجه في موضع آخر وزاد فيه:"وكان أعلم بالرجال، وكان سفيان صاحب أبواب"

(5)

.

وأخرجه في موضعين آخرين باللفظ الأول، وزاد فيه -وهذا موضع الشاهد هنا-:"وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان"

(6)

، وكذا أخرجه الخطيب من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن ابن المديني بنحوه

(7)

.

وأخرج أيضا عن علي بن الحسين بن الجُنَيْد، عن محمد بن عبد الله بن نُمَيْر قوله في ذَوَّاد بن عُلْبَة:"كان شيخا صالحا صدوقا كوفيا، قرابة لمُطَرِّف بن طِرِيف"

(8)

، وأخرجه في موضع آخر، وزاد فيه:"ليس من أصحاب الحديث"

(9)

.

وروى ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه قوله في رِزَام

(1)

"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 691.

(2)

"الكامل"2: 444.

(3)

"تهذيب الكمال"4: 119.

(4)

"الجرح والتعديل"1: 160.

(5)

"الجرح والتعديل"4: 369.

(6)

"الجرح والتعديل"1: 63، 4:224.

(7)

"تاريخ بغداد"9: 166.

(8)

"الجرح والتعديل"3: 453.

(9)

"الجرح والتعديل"1: 321.

ص: 358

بن سعيد: "ثقة، حدثنا عنه وكيع، وأبو أحمد"

(1)

.

والنص عند عبد الله بن أحمد بنحوه، لكن زاد فيه بعد قوله:"ثقة"-: "ما أقرب حديثه"

(2)

.

وذكر ابن حبان بشر بن شعيب الحمصي في "الثقات"، وقال فيه:"كان متقنا"

(3)

، وذكر الذهبي، وابن حجر أن ابن حبان ذكره في الضعفاء، وذكر فيه قول البخاري:"تركناه"، وتعقباه بأن البخاري إنما قال:"تركناه حيا سنة اثنتي عشرة ومئتين"

(4)

، وترجمة بشر بن شعيب غير موجودة في النسخ المطبوعة من "المجروحين"، فلعلها في بعض النسخ.

ونقل الإسماعيلي، عن أحمد قوله في عَبَّاد بن العَوَّام:"مضطرب الحديث"، وتعقبه ابن حجر بأن كلمة أحمد فيه مقيدة بسعيد بن أبي عَرُوبة

(5)

، ولفظه:"مضطرب الحديث عن سعيد بن أبي عَرُوبة"

(6)

، وفي لفظ آخر:"روايات عَبَّاد بن العَوَّام، عن سعيد بن أبي عروبة، مضطربة"

(7)

.

وذكر المِزِّي، عن الجوزجاني قوله في أبي بكر بن أبي مريم:

(1)

"الجرح والتعديل"3: 523.

(2)

"العلل ومعرفة الرجال"2: 113.

(3)

"ثقات ابن حبان"8: 141.

(4)

"الميزان"1: 318، و"هدي الساري" ص 393، و"التاريخ الكبير"2: 76، وفيه:"ومات بعدنا".

(5)

"تهذيب التهذيب"5: 100.

(6)

"الجرح والتعديل"6: 83.

(7)

"شرح علل الترمذي"2: 746.

ص: 359

"ليس بالقوي"

(1)

، وذكر عنه الذهبي قوله فيه:"هو متماسك"

(2)

.

والنص بتمامه بلفظ: "ليس بالقوي في الحديث، وهو متماسك"

(3)

.

وذكر المِزِّي، عن النسائي قوله في حفص بن حَسَّان:"مشهور"

(4)

، وتعقبه مغلطاي، ثم ابن حجر، بأن لفظ النسائي:"مشهور الحديث"، وزاد ابن حجر:"وهي عبارة لا تشعر بشهرة حال هذا الرجل، لاسيما ولم يرو عنه إلا جعفر بن سليمان، ففيه جهالة"

(5)

.

ونقل المِزِّي عن الأثرم، عن أحمد قوله في أبي يحيى القَتَّات:"روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة، مناكير جدا"، ونقل أيضا عن ابن المديني قوله:"قيل ليحيى القطان: روى إسرائيل، عن أبي يحيى القَتَّات ثلاثمئة، قال: لم يؤت منه، أُتي منهما جميعا"

(6)

.

وتعقبه ابن حجر فقال: "في حكاية المؤلف لكلام يحيى القطان، ولكلام أحمد بن حنبل -جميعا -حذف، وها أنا أسوق كلامهما برُمَّته ليتجه ذلك، قال الأثرم، عن أحمد: روى إسرائيل، عن أبي يحيى القَتَّات أحاديث مناكير جدا كثيرة، وأما حديث سفيان عنه فمقارب، فقلت لأحمد: فهذا من قِبَل إسرائيل؟ قال: أي شيء أقدر أقول لإسرائيل، مسكين! من أين يجيء بهذه هو وحديثه عن غيره -أي أنه

(1)

"تهذيب الكمال"33: 109.

(2)

"الميزان"4: 498، و"سير أعلام النبلاء"7:65.

(3)

"أحوال الرجال" ص 294.

(4)

"تهذيب الكمال"7: 7.

(5)

"تهذيب التهذيب"2: 399، وحاشية "تهذيب الكمال"7:7.

(6)

"تهذيب الكمال"34: 403.

ص: 360

قد روى عن غير أبي يحيى فلم يجئ بمناكير-، وقال علي بن المديني: قيل ليحيى بن سعيد: إن إسرائيل روى عن أبي يحيى القَتَّات ثلاثمئة، وعن إبراهيم بن مُهَاجر ثلاثمئة، فقال: لم يؤت منه، أتي منهما جميعا -يعني من أبي يحيى، ومن إبراهيم-، فقد لاح لك أن القطان ليس في كلامه هذا ما يُوْهِن إسرائيل، بخلاف ما ساقه المِزِّي"

(1)

.

وما أشار إليه ابن حجر هو ما فهمه أحد الباحثين، إذ فهم من

(1)

"تهذيب التهذيب"12: 278، وخبر يحيى القطان أخرجه ابن عدي في "الكامل"1: 412، عن عبد الله بن محمد البغدي، عن صالح بن أحمد، عن ابن المديني، وساقه الذهبي في "سير أعلام النبلاء"7: 359، و"تذكرة الحفاظ"1: 14، وأوله عندهما: "قال يحيى بن سعيد: إسرائيل فوق أبي بكر بن عياش، وقيل ليحيى: إن إسرائيل روى

"، وعند الذهبي: "فقيل ليحيى

"

وقد ذكره ابن حجر في "هدي الساري" ص 409 - دون الزيادة - من "تاريخ ابن أبي خيثمة"، عن يحيى بن معين، فيحتمل أن يكون قد توارد عليه الإمامان: يحيى القطان، ويحيى بن معين، والاحتمال الأظهر أن النص لابن معين، فقد أخرج ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"2: 330، والعقيلي في "الضعفاء الكبير"1: 131، عن محمد بن عيسى، كلاهما -ابن أبي حاتم، ومحمد بن عيسى -عن صالح بن أحمد، عن ابن المديني قال:"سمعت يحيى بن سعيد يقول: إسرائيل فوق أبي بكر بن عياش"، لم يزد على ذلك، وكذا أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"7: 22، من طريق حنبل بن إسحاق، عن ابن المديني، فالظاهر أن قوله في رواية البغوي، عن صالح بن أحمد: "وقيل ليحيى

"، إضافة من البغوي، أو من ابن عدي، والمقصود به يحيى بن معين، ويؤيد ذلك أن يحيى القطان كان يحمل على إسرائيل بن يونس، وذكر أحمد كما في "سؤالات أبي داود" ص 311، أنه يحمل عليه في حال أبي يحيى القتات، قال: "روى عنه مناكير"، وعليه فيكون هذا من باب نسبة القول إلى غير صاحبه، وسببه تداخل النصوص، وقد تقدم بحث هذا في المبحث الأول من هذا الفصل، وبكل حال فكونه عن القطان، أو عن ابن معين لا يؤثر شيئا على التمثيل به هنا، والله أعلم.

ص: 361

النص الثاني أنه توهين لإسرائيل، فعلق عليه بقوله:"يعني أن النكارة جاءت من جهة الرجلين معا، فأبو يحيى لضعفه خَلَّط فيها، ثم زادها إسرائيل تخليطا، لأنه لم يتقن حفظها"، كذا قال.

ويمكن أن يعتذر عن المِزِّي بأن ذكره للنص في ترجمة أبي يحيى القَتَّات يفهم منه المراد، وأن الحمل في المناكير على أبي يحيى، ويتأكد ذلك بأنه لم يذكرها في ترجمة إسرائيل

(1)

، ومع ذلك فاختصار المِزِّي لنص أحمد أذهب معرفة طريقة أحمد في الدفاع عن إسرائيل، وكيفية جعله العهدة على أبي يحيى في النكارة، كما أن العبارة التي نسبها للقطان:"أتي منهما جميعا" لا تفهم من النص المختصر.

ونقل الذهبي عن أحمد قوله في عمر بن سعيد الدمشقي: "أخرج إلينا كتاب سعيد بن بَشِير، فإذا أحاديث سعيد بن أبي عَرُوْبة"

(2)

.

وتعقبه ابن حجر بأنه اختصر كلام أحمد فتغير معناه، قال:"وقد تحرفت عبارة أحمد بن حنبل على المؤلف من الاختصار، وذلك أنه قال: كتبت عنه، وتركت حديثه، وقال: إني ذهبت إليه أنا وأبو خَيْثَمة، فأخرج إلينا كتاب سعيد بن بَشِير، فقال: هذه أحاديث سعيد بن أبي عَرُوْبة، فتأمله، فبين العبارتين فرق، والذي أوردناه هكذا ساقه العقيلي، وابن عدي، وابن حبان"

(3)

.

وقد نقد ابن حجر الذهبي في مواضع بسبب الاختصار المخل.

(1)

"تهذيب الكمال"2: 515 - 524.

(2)

"الميزان"3: 199.

(3)

"لسان الميزان"4: 308، و"العلل ومعرفة الرجال"3: 210، و"التاريخ الكبير"6: 160، و"الجرح والتعديل"6: 111، و"الضعفاء الكبير"3: 167، و"المجروحين"2: 89، و"الكامل"5:1712.

ص: 362

وتكلم أحد المشايخ الفضلاء على ما رواه عائذ بن حبيب، عن عامر بن السِّمْط، عن أبي الغَرِيْف، عن علي، في صفة الوضوء، ونهي الجنب عن قراءة القرآن، وذكر فيه عللا، إحداها قوله:"عائذ بن حبيب -وإن كان ثقة- فقد قال فيه ابن عدي: روى أحاديث أنكرت عليه، قلت: ولعل هذا منها، فقد رواه من هو أوثق منه وأحفظ موقوفا على علي".

والظاهر أنه أخذ كلمة ابن عدي من "الميزان" للذهبي، لكن هي في "الميزان" أتم مما ذكره الباحث، ولفظه:"قال ابن عدي: روى أحاديث أُنكرت عليه، وسائر أحاديثه مستقيمة"، ولم يسق له شيئا"

(1)

، يعني لم يذكر ابن عدي شيئا مما أنكر عليه.

وبالرجوع إلى كتاب ابن عدي تبين أن العبارة عند الذهبي فيها نقص أيضا، وأنها بتمامها لا يستقيم الاستدلال بها على مراد الباحث، ولفظه:"عائذ بن حبيب روى عنه أهل الكوفة، وعائذ روى هو عن هشام بن عروة أحاديث أنكرت عليه، وسائر أحاديث مستقيمة"

(2)

.

وذكر الذهبي أن أبا داود قال في عافية بن يزيد الكوفي القاضي: "يكتب حديثه"

(3)

.

والنص بتمامه يدل على ضد مراد الذهبي، قال الآجُرِّي: "سألته عن عافية القاضي، فقال: عافية يكتب حديثه! وجعل يضحك

(1)

"الميزان"2: 363.

(2)

"الكامل"5: 1993.

(3)

"سير أعلام النبلاء"7: 398.

ص: 363

ويتعجب"

(1)

.

ونقل الذهبي عن أحمد قوله في سلمة بن وَهْرام: "روى مناكير، أخشى أن يكون ضعيفا"

(2)

.

ونص عبارة أحمد بتمامها: "روى عن زَمْعَة أحاديث مناكير، أخشى أن يكون حديثه حديثا ضعيفا"

(3)

، وبين العبارتين فرق، لاسيما إذا عرفنا أن زَمْعَة بن صالح ضعيف، وأن سلمة فيه توثيق كثير، ونص بعضهم على استثناء رواية زَمْعَة بن صالح عنه.

وذكر العلائي في معرض كلامه على حديث يرويه دَرَّاج أبو السَّمْح، عن أبي الهَيْثَم، عن أبي سعيد، قول أبي داود في دَرَّاج:"حديثه مستقيم"

(4)

، وغرض العلائي من ذلك تقوية الحديث.

وعبارة أبي داود بتمامها تفيد عكس ما أراده العلائي، قال أبو داود:"أحاديثه مستقيمة، إلا ما كان عن أبي الهَيْثَم، عن أبي سعيد"

(5)

.

وما قاله أبو داود أصله للإمام أحمد، وقد ذكر ابن عدي بعض الأحاديث التي أنكرت على دَرَّاج من روايته عن أبي الهَيْثَم، عن أبي سعيد، ومنها الحديث الذي تكلم عليه العلائي

(6)

.

(1)

"سؤالات الآجري لأبي داود"2: 308، و"تاريخ بغداد"12:310.

(2)

"الميزان"2: 193.

(3)

"العلل ومعرفة الرجال"2: 527.

(4)

"النقد الصحيح" ص 47.

(5)

"سؤالات الآجري لأبي داود"2: 166.

(6)

"سؤالات أبي داود" ص 247، و"العلل ومعرفة الرجال"3: 116، و"علل المروذي" ص 109، و"الكامل"3:979.

ص: 364