الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريقها الاستفادة من جهود الأئمة الآخرين، لكنها في المواضع التي يشتد فيها الاشتباه ويعارضها قرينة أخرى غير كافية لوحدها.
وهناك أمر آخر مهم ينبغي التنبه له، وهو تصرفات بعض محققي كتب الأطراف، واجتهاداتهم في تفسير بعض الرواة، ولا يكون ذلك صوابًا، من ذلك أن المِزِّي ساق من "سنن النسائي الكبرى" هذا الإسناد: عن يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد، عن يحيى بن سعيد
…
(1)
، فأضاف المحقق بعد اسم حماد:(بن سلمة)، وهو اجتهاد مخطئ، إنما هو حماد بن زيد، هكذا سماه الدولابي في روايته للحديث عن يحيى بن حبيب
(2)
، ويحيى بن حبيب ليس له رواية عن حماد بن سلمة، ولم يدركه
(3)
.
النوع الرابع: طرق الحديث الأخرى:
من أهم وسائل تمييز الرواة ولا سيما حين يشتد الاشتباه النظر في الطرق الأخرى للحديث، فقد يوجد في بعض الطرق زيادة بيان لأحد الرواة كان مشتبها مع غيره في الطريق الذي مع الباحث، فتميز بالطريق الجديد.
والطرق التي يحصل بها تمييز الرواة على قسمين:
القسم الأول: الطرق إلى المؤلفين
، وأعني بها الروايات عن المؤلف صاحب الإسناد الذي مع الباحث، فقد يوجد في بعض الروايات لكتاب من كتب السنة ما يفسر من كان مهملا في الرواية
(1)
"سنن النسائي" حديث 4265، و"تحفة الأشراف"3:255.
(2)
"الكنى والأسماء"1: 72.
(3)
"تهذيب الكمال"7: 244، 259، 268.
أخرى، ولا سيما مع تعدد الروايات وتشعبها، كما في "صحيح البخاري" مثلا، أو "سنن أبي داود".
ونلاحظ استفادة أصحاب الأطراف من هذه الروايات، كالمِزِّي في "تحفة الأشراف"، وابن حجر في "النكت الظراف"، وقد تقدم مثالان على حسن استفادة المِزِّي من تعدد نسخ الكتاب الواحد
(1)
.
كما يمكن ملاحظة هذه الاستفادة بسهولة في الفصل الذي عقده ابن حجر لتفسير المهملين من شيوخ البخاري في "صحيحه"
(2)
، وفي أثناء الشرح كذلك.
ومن هنا ندرك أهمية نشر كتب السنة محققة تحقيقا علميا، مع مراعاة مقارنة روايات الكتاب ونسخه عن المؤلف.
ولم يتفطن أحد الباحثين لاختلاف النسخ والروايات عن المؤلف، فعد ما جاء في بعضها مغايرا للآخر من الأخطاء التي تقع في الأسانيد، وذلك حين جمع ما وقف عليه من هذه الأخطاء في رسالة له سماها:"الأخطاء الإسنادية وتصويبها"، فذكر من ذلك ما رواه البخاري، عن محمود بن غيلان المَرْوَزي، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كدا،
…
" الحديث
(3)
، قال الباحث:"ذكر محمود بن غيلان المَرْوَزي -هكذا منسوبا- فيه نظر، لأن الحافظ قال في "الفتح" 3: 438: تنبيهات: محمود في الطريق الثانية من حديث عائشة هو ابن غيلان، ولما ذكر
(1)
وانظر مثلا: "النكت الظراف"2: 414.
(2)
"هدى الساري" ص 235 - 255.
(3)
"صحيح البخاري" حديث 1578.
الحافظ الِمزِّي هذه الرواية في تحفة الأشراف 12: 130 حديث 16797 قال: خ في الحج، عن محمود -ولم ينسبه- والله أعلم".
وذكر الباحث مثل هذا أيضا عن نسبة محمد بن سلام في الحديث الذي أخرجه البخاري، عن محمد بن سلام، عن أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة
…
" الحديث
(1)
.
ولم يحكم الباحث صنيعه هذا، فما عده خطأ ليس كذلك، وإنما هو من اختلاف الروايات
(2)
، والنص المثبت لـ"صحيح البخاري" مع "فتح الباري" لابن حجر على رواية غير الرواية التي يشرح عليها ابن حجر، فابن حجر لم يثبت نص الحديث قبل شرحه خشية الإطالة
(3)
، فلما جاء عهد الطباعة أثبت طابعو الكتاب نص "الصحيح"، ولكن من رواية أخرى، لعدم توافر الرواية التي يشرح عليها ابن حجر عندهم، ولهذا نجد اختلافا كثيرا -وإن كان في الغالب غير مؤثر- بين النص المثبت، وبين النص الذي يشرحه ابن حجر، وعلى طريقة الباحث ينبغي أن تعد هذه الاختلافات أخطاء، وهذا بعيد جدا عن التحقيق.
ويشكل على الاستفادة مما يرد في الروايات والنسخ الأخرى عن المؤلف- وقوع الاختلاف بينها أحيانا، فيحتاج إلى الترجيح بوسائل أخرى، أو يبقى الاحتمال قائما، كما في الحديث الذي أخرجه النسائي، عن حُمَيْد بن مَخْلَد، عن محمد بن كُنَاسَة، عن هشام بن
(1)
"صحيح البخاري" حديث 1783.
(2)
انظر: "صحيح البخاري" الطبعة الأميرية الأولى 2: 178، 3: 4، "وشرح القسطلاني"4: 58، 303.
(3)
"فتح الباري"1: 5.