الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان عبد الله بن وهب المصري يتساهل قليلا في السماع، ويصرح بالتحديث في الإجازة، وقد قيل لأحمد بعد أن أثنى عليه وبين صحة حديثه: أليس كان سيء الأخذ؟ قال: "قد كان يسيء الأخذ، ولكن إذا نظرت في حديثه وما روى عن مشايخه وجدته صحيحا"
(1)
.
ولا شك أن هذه مهمة شاقة جدا، سهلها عليهم استعدادهم المسبّق للنقد والتمحيص؛ إذ يمضي الناقد قدرا كبيرا من عمره في الجمع والتحصيل، ليتمكن من المقارنة والموازنة والنظر، فالسنة أو غالبها بين ناظريه.
وهناك عدة محاور يدور حولها النظر في أحاديث الراوي ومروياته تكشف حاله، وهي:
1 - اعتداله أو مجازفته في الرواية:
مما يستدل به على صدق الراوي وثبته أن يروي أشياء يمكن تصديقه فيها، فيروي عمن يحتمل سنه إدراكهم، ويروي أحاديث مستقيمة المتون، ولا يعرف عنه رواية ما لا يقبله العقل.
ومن هذا الباب أن يستدل الأئمة على صدق الراوي بروايته عن شخص مباشرة، وروايته عنه بواسطة واحد أو أكثر، ولو كان مجازفا لحدث عنه بالجميع دون واسطة، كما في قول ابن معين وسئل عن روح بن عبادة:"ليس به بأس، صدوق، حديثه يدل على صدقه، يحدث عن ابن عون، ثم يحدث عن حماد بن زيد، عن ابن عون"
(2)
.
(1)
"الجرح والتعديل"5: 189.
(2)
"تاريخ بغداد"8: 404.
وقال أبو داود في الليث بن سعد: "روى الليث بن سعد عن الزهري، وروى عن خمسة عن الزهري، حدث عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن الهاد، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري"
(1)
، وقال أيضا: "روى أحاديث عن رجل، ورواها عن الرجل، عن الرجل، كان يكتب على الوجه
…
، ليس أحد ينزل نزوله"
(2)
.
ومما يستدل به على صدق الراوي وتثبته اعترافه بالخطأ إذا نبه عليه، وعدم إصراره، قال الميموني:"أكبر ظني أن أبا عبد الله ذكر عبد الله بن رجاء فوثقه وفَضَّله، قلت: فما قصته؟ قال: كان ثَمَّ غلط ووهم، وقد حدَّث يوما بحديث، فقيل له: غلطت فيه، فقال: الله المستعان على غلطنا في غيره أيضا -أو قد غلطنا-، قال لي أبو عبد الله: فإذا كان الشيخ يقر بهذا تعلم أنه سليم، وربما خرج الشيء من الإنسان فيشهد له القلب بالصدق"
(3)
.
وكذلك مما يستدل به على تثبت الراوي تقصيره بالأحاديث، كأن يقفها على شخص، وغيره يرفعها عن آخر فوقه، كما في قول أبي حاتم عن عمر بن الوليد الشَّنِّي:"ما أرى بحديثه بأسا، ومن تثبت عمر أن عامة حديثه عن عكرمة فقط، ما أقل ما يجوز به إلى ابن عباس، لا شبه شبيب بن بشر الذي جعل عامة حديثه عن عكرمة، عن ابن عباس"
(4)
.
(1)
"سؤالات الآجري لأبي داود"2: 167، 173، و"تهذيب التهذيب"8:465.
(2)
"سؤالات الآجري لأبي داود"2: 173.
(3)
"علل المروذي" ص 198.
وانظر نصا آخر بهذا المعنى في: "أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 580.
(4)
"الجرح والتعديل"6: 140.
وبضد ذلك إذا جازف في الرواية، وادعى السماع من أناس لا يحتمله سنهم، أو حكى حكايات يبعد وقوعها، أو نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يترفع عن مثله آحاد الناس، أو روى ما فيه مبالغة في الثواب والعقاب، أو روى أحاديث مشهورة عن إمام، ثم قلبها عن إمام آخر، أو لزم إسنادا واحدا كلما عنَّ له شيء رواه بهذا الإسناد، ونحو ذلك، فإن هذا يستدل به العلماء على كذب الراوي أو شدة غفلته.
قيل لشعبة: من أين تعلم أن الشيخ يكذب؟ قال: "إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها"- علمت أنه يكذب"
(1)
.
وحدث عبد الله بن زياد بن سَمْعان، عن مجاهد، وعنده ابن إسحاق، فقال ابن إسحاق:"تالله ما رأيت كاليوم قط، أنا أكبر منك، ما سمعت من مجاهد ولا رأيته"
(2)
.
وروى عبد الله بن أحمد قال: "حدثني أبي، عن أبي بكر بن عَيَّاش، قال: قلت للأحوص بن حكيم في حديث، قلت له: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أوليس الحديث كله عن النبي صلى الله عليه وسلم "
(3)
.
وقال عبد الرزاق: "سالت وكيعا عن يحيى بن العلاء: ما تقول فيه؟ قال: ما رأيت فصاحته؟ قلت: على ذلك ما تنكرون منه؟ قال: يكفي أنه روى عشرين حديثا في خلع النعل على
(1)
"المحدث الفاصل" ص 316، و"الجمع لأخلاق الراوي"2:257.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال"1: 352، و"سؤالات أبي داود" ص 363، و"علل المروذي" ص 84، و"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 308، و"أسئلة الرذعي لأبي زرعة" ص 412، و"الجرح والتعديل"5: 60، و"الكامل"4: 1444، 1445، و"تاريخ بغداد"9:455.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال"3: 153.
الطعام"
(1)
.
وقال يحيى بن سعيد القطان: "قلت لحرام بن عثمان: عبد الرحمن بن جابر، ومحمد بن جابر، وأبو عتيك بن جابر - هم واحد؟ قال: إن شئت جعلتهم عشرة"، فسأله علي بن المديني: أي شيء يريد هذا؟ قال: "كأنه لا يبالي"
(2)
.
وقال أحمد: "أبو بكر بن أبي سَبْرة كان يضع الحديث، قال حجاج: قال لي أبو بكر السَّبْري: عندي سبعون ألف حديث في الحلال والحرام"
(3)
.
وقال أحمد أيضا: "كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال له: الهيثم بن عبد الغفار الطائي، يحدثنا عن همام، عن قتادة رأيه، وعن رجل يقال له: الربيع بن حبيب، عن ضِمَام، عن جابر بن زيد، وعن رجاء بن أبي سلمة- أحاديث، وعن سعيد بن عبد العزيز، وكنا معجبين به، فحدثنا بشيء أنكرته وارتبت به، ثم لقيته بعد فقال لي: ذاك الحديث اتركه -أو دعه-، فقدمت على عبد الرحمن بن مهدي فعرضت عليه بعض حديثه، فقال: هذا رجل كذاب -أو قال: غير ثقة-، ولقيت الأقرع بمكة فذكرت له بعض هذه الأحاديث، فقال: هذا حديث البُرِّي، عن قتادة -يعني أحاديث همام- قلبها، فَخَرَّقت حديثه، وتركناه
(1)
"أحوال الرجال" ص 341، و"الجرح والتعديل"1: 228، 9: 180، و"الضعفاء الكبير"4:437.
(2)
"الجرح والتعديل"3: 282، وانظر:"التاريخ الكبير"3: 101، و"الضعفاء الكبير"1: 320، و"الكامل"2:851.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال"1: 510، و"علل المروذي" ص 93.
بعد"
(1)
.
وقال أبو طالب: "قال أحمد بن حنبل: عباد بن كثير أسوأ حالا من الحسن بن عمارة، وأبي شيبة إبراهيم بن عثمان، روى أحاديث كاذبة لم يسمعها، وكان من أهل مكة، وكان صالحا، قلت: فكيف كان يروي ما لم يسمع؟ قال: البلاء الغفلة"
(2)
.
وسئل أبو داود عن بَزِيْع بن عبد الله صاحب الضحاك بن مُزاحِم فقال: "ليس بشيء، سمعت يحيى بن معين قال: كان كلما قيل له في شيء قال: سمعت الضحاك"
(3)
.
وسئل أبو داود أيضا عن الحسن بن علي اللؤلؤي فقال: "كذاب، غير ثقة ولا مأمون، قال لي أبو ثور: ما رأيت أكذب من اللؤلؤي، كان على طرف لسانه: ابن جريج، عن عطاء"
(4)
.
وسأل البَرْذَعي أبا زرعة عن حُمَيْد المكي مولى علقمة فضعفه، ثم سأل أبا حاتم عنه فقال:"إنه قد لزم عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم "
(5)
.
وقال أبو حاتم أيضا في ناصح بن عبد الله الكوفي: "ضعيف الحديث، منكر الحديث، عنده عن سماك، عن جابر بن سَمُرة، مسندات في الفضائل، كلها منكرات، كأنه لا يعرف غير سماك، عن
(1)
"العلل ومعرفة الرجال"2: 56، وانظر: 2: 42، و"تاريخ بغداد"14:55.
(2)
"الجرح والتعديل"6: 84، وانظر:"الكامل"4: 1640.
(3)
"سؤالات الآجري لأبي داود"1: 167.
(4)
"سؤالات الآجري لأبي داود"2: 288.
(5)
"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 356.
جابر
…
"
(1)
.
وقال البَرْذَعي: "سألت أبا زرعة عن معاوية بن أبي العباس، فقال: نظرت بدمشق في كتاب لمروان بن معاوية، عن معاوية هذا، فرأيت أحاديث عن شيوخ الثوري، وأحاديث يعرف بها الثوري، وأبوابا للثوري، فاستربته وتركته، قال أبو زرعة: فذكرت ذلك لابن نُمَيْر، فقال: كان هذا جار الثوري، أخذ كتب الثوري فرواها عن شيوخه"
(2)
.
وقال البَرْذَعي أيضا: "قلت: عبد الله بن محمد بن عجلان؟ قال: قد سمعت به ولم أكتب من حديثه شيئا
…
، قلت: فمحله عندك محل أهل الصدق؟ قال: لا أدري حتى يُعرض عليَّ من حديثه شيئا، ثم قال لي: هل تحفظ من حديثه شيئا؟ قلت: كتبت من حديثه حديثا شبه الباطل، عن إبراهيم بن حمزة عنه، قال: ما هو؟ قلت: يحدث عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أهل لا إله إلا الله"، فقال: سبحان الله، ما أعظم ما قال، ما أعرف هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي سهيل بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لي: ينبغي أن يُتَّقَى حديث هذا الشيح"
(3)
.
وذكر علي بن المديني أبا داود سليمان بن عمرو النخعي فقال: "أخبرني سهل بن حسان قال: كان في حجر أبي داود كتاب فيه مصنف ابن أبي عروبة، وهو يركب عليه الأسانيد يقول: حدثنا خُصَيْف، وحدثنا حصين، وحدث عن مشيخة حسبت مولده وموتهم فإذا موتهم
(1)
"الجرح والتعديل" 8: 503، و"تهذيب الكمال"29:263.
(2)
"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 365.
(3)
"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 542، وانظر:"الجرح والتعديل"5: 156.
قبل مولده، منهم مَعْبَد بن خالد، ومهاجر أبو الحسن"
(1)
.
وقال الآجُرِّي: سألت أبا داود عن إسماعيل بن رافع المدني ثم البصري، فقال:"ليس بشيء، سمع من الزهري، فذهبت كتبه، فكان إذا رأى كتابا قال: هذا قد سمعته"
(2)
.
وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه عبد الكريم بن الناجي، عن الحسن بن مسلم، عن الحسين بن واقد، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من حبس العنب أيام القطاف ليبيع من يهودي أو نصراني كان له من الله مَقْت"- قال أبي: هذا حديث كذب باطل، قلت: تعرف عبد الكريم هذا؟ قال: لا، قلت: فتعرف الحسن بن مسلم؟ قال: لا، ولكن تدل روايتهم على الكذب"
(3)
.
وقال أبو جعفر الشَّعِيْري: "لما حدث غلام خليل عن بكر بن عيسى، عن أبي عَوَانة، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبيه، قلت: يا أبا عبد الله فإن هذا الرجل حدث عنه إبراهيم بن عَرْعَرة، وأحمد بن حنبل، وهو قديم الوفاة، ولم تلحقه أنت ولا من في سنك، ففكر في هذا، قال: ثم خفته فقلت له: أحسبك سمعت من رجل يقال له: بكر بن عيسى، حدثك عن بكر بن عيسى هذا، قال: فسكت، وافترقنا، فلما كان من الغد قال لي: يا أبا جعفر علمت أني نظرت البارحة فيمن سمعت منه بالبصرة يقال له: بكر بن عيسى- فوجدتهم ستين رجلا"
(4)
.
(1)
"تاريخ بغداد"9: 17.
(2)
"إكمال تهذيب الكمال"2: 168.
(3)
"علل الحديث"1: 389.
(4)
"تاريخ بغداد"5: 78، وراوي الحكاية عن الشعيري هو أبو بكر النقاش، وهو متهم بالكذب، لكن الحكاية لائقة جدا بحال غلام خليل.
وترجم ابن حبان، وابن عدي، لأحمد بن طاهر بن حرملة أبي طاهر المصري، وذكرا عنه حكايات تدل على كذبه ومجازفته، منها ما ذكره ابن حبان عنه أنه كان على سطح، فمر به حمام فقال: يشبه أن يكون حمامنا الفلاني الذي طار، فقال له إنسان: هذا في الهواء كيف تعرفه؟ فذرق الطير فإذا هو مكتوب: "صدق" على الأرض بذرقه، وقال فيه ابن عدي:"ضعيف جدا، يكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا روى، ويكذب في حديث الناس إذا حدث عنهم"
(1)
.
وقال ابن حبان في أحمد بن محمد بن الصلت البغدادي: "يروي عن العراقيين، كان يضع الحديث عليهم، كان في أيامنا ببغداد باق، فراودني أصحابنا على أن أذهب إليه، فأخذت جزءا لأسمع منه بعضها، فرأيته حدث عن يحيى بن سليمان بن نَضْلَة، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لرد دانق من حرام أفضل عند الله عز وجل من سبعين حجة مبرورة"
…
، فعلمت أنه يضع الحديث، فلم أذهب إليه، ورأيته يروي عن أبي عبيد، وإسماعيل بن أبي أُوَيْس، وعن مُسَدَّد، وما أحسبه رآهم"
(2)
.
وقال ابن عدي في أحمد هذا: "رأيته في سنة سبع وتسعين ومئتين، يحدث عن ثابت الزاهد، وعبد الصمد بن النعمان، وغيرهما من قدماء الشيوخ، قوم قد ماتوا قبل أن يولد بدهر، وما رأيت في الكذابين أقل حياء منه
…
"
(3)
.
(1)
"المجروحين"1: 151، و"الكامل"1:199.
(2)
"المجروحين"1: 153.
(3)
"الكامل"1: 202، و"التراجم الساقطة من الكامل" ص 97، وانظر:"تاريخ بغداد"5: 33، 104، و"اللسان"1:269.
وانظر نصوصا أخرى في هذا الباب في: "العلل ومعرفة الرجال"3: 210 فقرة 4910، و"علل المروذي" ص 178 فقرة 317، و"معرفة الرجال"2: 213، فقرة 712، و"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 403، 415، 476 - 477، 494، 499، 025، 530 - 531، 935 - 541، 732 - 735، و"الجرح والتعديل"8: 330، 9: 193، و"المجروحين"1: 154 - 163، 165، و"الكامل"1: 205 - 206، 207، و"الجامع لأخلاق الراوي"2: 165 - 172.