المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخامسة: تقوية الراوي إذا حدث من كتابه، وتضعيفه إذا حدث من حفظه: - الجرح والتعديل - اللاحم

[إبراهيم اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌ ماذا يمكن أن يستفيده الباحث المتخصص من هذه السلسلة

- ‌الأول: فهم كلام الأئمة

- ‌الثاني: تفهم كلام الأئمة

- ‌الثالث: إتقان عرض التخريج والدراسة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول: الحكم على الراوي

- ‌ مدخل:

- ‌المبحث الأول: وسائل الحكم على الراوي

- ‌أولا: التأمل في أفعال الراوي وتصرفاته، والنظر في سيرته

- ‌ثانيا: إلقاء الأسئلة على الراوي

- ‌ثالثًا: اختبار الراوي وامتحانه:

- ‌الأولى: تلقين الراوي

- ‌الثانية: المذاكرة:

- ‌رابعًا: النظر في أصول الرواة وكتبهم:

- ‌خامسًا: النظر في أحاديث الراوي ومروياته:

- ‌1 - اعتداله أو مجازفته في الرواية:

- ‌2 - مشاركته لغيره أو تفرده:

- ‌3 - ثباته أو اضطرابه فيما يرويه:

- ‌4 - موافقته أو مخالفته لغيره:

- ‌المبحث الثاني: اختلاف حال الراوي

- ‌الأولى: توثيق الراوي أو تضعيفه في شيخ معين، أو في شيوخ معينين:

- ‌الثانية: توثيق الراوي في روايته عن أهل بلد معين، وتضعيفه في روايته عن أهل بلد آخر:

- ‌الثالثة: توثيق الراوي أو تضعيفه في رواية أهل بلد معين عنه:

- ‌الرابعة: توثيق الراوي أو تضعيفه في صفة معينة في الرواية:

- ‌الخامسة: تقوية الراوي إذا حدث من كتابه، وتضعيفه إذا حدث من حفظه:

- ‌السادسة: تضعيف الراوي في آخر عمره، وتقويته قبل ذلك:

- ‌المبحث الثالث: مقارنة الراوي بغيره

- ‌القسم الأول: المقارنة المطلقة

- ‌الضرب الأول: أن تكون المقارنة فيه بين راو أو أكثر وبين من سواه بإطلاق

- ‌الضرب الثاني: أن يقيد الناقد من يقارن الراوي بهم بشيء ما، كأن يقيدهم بأهل بلد الراوي، أو بمن رآهم الناقد

- ‌القسم الثاني: المقارنة المقيدة بشيء معين كبلد، أو شيخ:

- ‌المبحث الرابع: عوائق الحكم على الراوي

- ‌أولاً: اشتباه الراوي بغيره على الناقد

- ‌ثانيًا: تعارض وسائل الحكم على الراوي

- ‌ثالثًا: نقد النقد

- ‌رابعًا: انعدام وسائل الحكم على الراوي أو ضعفها

- ‌الفصل الثاني: أحكام النقاد على الرواة ومراتبها

- ‌مدخل:

- ‌المبحث الأول: الأحكام النظرية على الرواة

- ‌القسم الأول: ما وصلنا من أحكام أطلقها الأئمة على الرواة

- ‌القسم الثاني: حركات وإشارات تصدر من النقاد حين يرد ذكر بعض الرواة

- ‌المبحث الثاني: الأحكام العملية على الرواة

- ‌القسم الأول: الانتقاء العام للرواة

- ‌القسم الثاني: الانتقاء الخاص للرواة:

- ‌المبحث الثالث: مراتب أحكام النقاد على الرواة

- ‌الفصل الثالث: ضوابط النظر في أحكام النقاد على الرواة

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: ثبوت النقل عمن نسب إليه

- ‌المبحث الثاني: سلامة النص

- ‌الصورة الأولى: حكاية معنى النص

- ‌الصورة الثانية: بتر النص

- ‌الصورة الثالثة: تحريف النص

- ‌المبحث الثالث: قائل النص

- ‌المبحث الرابع: دلالة النص

- ‌الفصل الرابع: تمييز رواة الإسناد

- ‌مدخل:

- ‌المبحث الأول: كثرة وقوع الاشتباه بين الرواة

- ‌المبحث الثاني: أسباب وقع الخلط بين الرواة

- ‌المبحث الثالث: الوسائل المساعدة على تمييز الرواة

- ‌النوع الأول: الولادة والوفاة:

- ‌النوع الثاني: الشيوخ والتلاميذ:

- ‌النوع الثالث: كتب الأطراف:

- ‌النوع الرابع: طرق الحديث الأخرى:

- ‌القسم الأول: الطرق إلى المؤلفين

- ‌القسم الثاني: الطرق بعد المؤلفين

- ‌النوع الخامس: النظر في متن الحديث وإسناده:

- ‌النوع السادس: ضوابط في تمييز الرواة:

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌الخامسة: تقوية الراوي إذا حدث من كتابه، وتضعيفه إذا حدث من حفظه:

حسن الحديث، ولكنه إذا جمع عن رجلين، قلت: كيف؟ قال: يحدث عن الزهري ورجل آخر، فيحمل حديث هذا على هذا"

(1)

.

وسأله أيوب بن إسحاق بن سَافِرِي عن ابن إسحاق هل يقبله إذا تفرد بحديث، فقال:"لا والله، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا"

(2)

.

وربما كان الراوي ضعيفا في نفسه، ويزداد ضعفا إذا صنع ذلك، مثل ليث بن أبي سُلَيم، قال ابن معين فيه:"ضعيف الحديث عن طاوس، وإذا جمع طاوس وغيره زيادة هو ضعيف"

(3)

.

‌الخامسة: تقوية الراوي إذا حدث من كتابه، وتضعيفه إذا حدث من حفظه:

ضبط الرواية له طريقان، أحدهما: حفظها في الصدور، والآخر: تقييدها بكتاب، ولكل واحد منهما ما يميزه، فأما حفظ الصدر فأهم ميزاته أنه لا يدخله التحريف والتبديل، إذ هو علم في صدر صاحبه، وأما الكتب فهي عرضة لذلك، فتحتاج إلى مزيد صيانة وحفظ، وإلا حُرِّفت وأدخل فيها ما ليس منها، وكانت الكتب تمثل عبئا على صاحبها حين يريد السفر، فيبحث عن شخص كفؤ ليودعها إياه

(4)

.

(1)

"علل المروذي" ص 61.

(2)

"تاريخ بغداد"1: 230.

(3)

"علل المروذي" ص 216.

وانظر: "الجرح والتعديل"6: 178، و"سؤالات البرقاني للدارقطني" ص 58، و"شرح علل الترمذي"2:814.

(4)

انظر: "معرفة الرجال"1: 86.

ص: 120

ولهذا السبب -وهو الخوف من التلاعب بها- عمد بعض الرواة إلى كتبه فدفنها أو أحرقها، أو غسلها، خشية أن تقع في يد من لا يعرف قيمتها أو يزورها، ومنهم من كان يوصي بذلك بعد موته

(1)

، قال الذهبي بعد أن ذكر عن شعبة بن الحجاج أنه أوصى بغسلها:"هذا قد فعله غير واحد، بالغسل، وبالحرق، وبالدفن، خوفا من أن تقع في يد إنسان واهٍ يزيد فيها أو يغيرها"

(2)

.

وقد يقع ذلك -وهو التغيير في الكتاب- بسبب حادث، كما في قصة أحمد بن عمر الوادي، انهدمت داره، وتقطعت الكتب، واختلطت عليه، فصار يخطئ من كتابه

(3)

.

وحفظ الصدر لا يعتريه حين التحديث به والنقل منه ما يعتري التحديث والنقل من الكتاب، ولاسيما حين الكبر وضعف البصر، إذ يعتري التحديث من الكتاب أو النقل منه الخطأ في قراءة بعض الكلمات، وانتقال البصر من إسناد حديث أو متنه إلى إسناد أو متن حديث آخر، وهو ما يعرف بسبق النظر، وقد تقدم شيء من ذلك في الكلام على الفرق بين أصول الرواة العتيقة وبين كتبهم الجديدة ومصنفاتهم في المبحث الأول من هذا الفصل.

روى معاوية بن صالح قال: "قال يحيى (يعني ابن معين) يومًا لرجل ذاكره بحديث من حديث سفيان، عن الزبير بن عدي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها

"، فقال: من حدث بذا؟

(1)

انظر: "العلل ومعرفة الرجال"1: 215.

(2)

"سير أعلام النبلاء"7: 213، 223.

(3)

"الضعفاء الكبير"3: 267.

ص: 121

قال: أبو عصام (يعني رَوَّاد بن الجَرَّاح)، قال يحيى: نعم رَوَّاد، نعم ذاك حدث عن سفيان، تخايل له سفيان، لم يحدثه سفيان بذا قط، إنما حدثه عن الزبير: "أتينا أنسا نشكو الحجاج

"، وينبغي أن يكون إلى جانب سفيان: عن الربيع بن صُبَيْح، عن يزيد الرَّقَاشي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم "

(1)

.

ثم إن الحفظ في الصدر قريب التناول، يرتحل وينزل مع صاحبه حيث حَلَّ وارتحل، ولا يتهيأ ذلك في الكتاب دائما.

وقد كان الاعتماد في الصدر الأول على حفظ الصدر قبل انتشار الكتابة، واتساع الرواية، بل كان بعضهم ينهى عن الكتابة، وربما عيروا من اعتمد عليها، كما قال الأوزاعي:"كان هذا العلم كريما، يتلاقاه الرجال بينهم، فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله"

(2)

.

ثم لما اتسعت الرواية وطالت الأسانيد، وانتشرت الكتابة، وذلك في نهاية القرن الأول وما بعده، صار الاعتماد على ضبط الكتاب، إلى جانب حفظ الصدر، كما قال ابن المبارك:"لولا الكتاب ما حفظنا"

(3)

، وقال أيضا:"الحبر في الثوب خلوق العلماء"

(4)

، حتى خشي بعض الأئمة أن يعتمد الطلبة على الكتاب ويدعو الحفظ، قال عبد الله بن

(1)

"تاريخ دمشق" 18: 209.

وانظر أمثلة أخرى في: "علل ابن أبي حاتم"1: 77 مسألة 207، و"المعرفة والتاريخ"1: 714 - 715، و"الجرح والتعديل"9: 248، و"الكفاية" ص 146، و"تهذيب الكمال"7: 150 - 153.

(2)

"الكامل"1: 101، و"سير أعلام النبلاء"7:114.

وانظر: "الجامع لأخلاق الراوي"2: 250 - 254.

(3)

"سير أعلام النبلاء"8: 409.

(4)

"سير أعلام النبلاء"8: 409.

ص: 122

إدريس: "كان أبي يقول لي: احفظ، وإياك والكتاب، فإذا جئت فاكتب، فإن احتجت يوما، أو شغلك قلبك وجدت كتابك"

(1)

.

وليس معنى ذلك أن الاعتماد على الحفظ وحده قد انقرض، فقد استقر العمل على الاكتفاء بأحد الأمرين للحفظ، حفظ الصدر، أو ضبط الكتاب، كما قال الشافعي في شروط المحدث الذي تقبل روايته:"حافظا إن حدث من حفظه، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه"

(2)

.

وقال محمد بن أبي الحوَاري: "سمعت مروان -يعني ابن محمد- يقول: ثلاثة ليس لصاحب الحديث عنها غِنَى: الحفظ، والصدق، وصحة الكتب، فإن أخطأ واحدة وكانت فيه ثنتان لم يضره، إن أخطأ الحفظ ورجع إلى الصدق، وصحة كتب- لم يضره، قال مروان: طال الإسناد وسيرجع الناس إلى الكتب"

(3)

.

والأمر كما قال مروان، فالاعتماد على الحفظ وحده قد قل جدا، ولذا نرى الأئمة ينصون على من ليس له كتب، فالحفظ وحده لا يقوم به إلا قوي الحافظة، وإلا وقع في أوهام، فقد سئل أحمد عن الحكم بن عطية البصري فقال:"لا أعلم إلا خيرًا"، فذكر له حديث يرويه فتعجب، ثم استدرك قائلا: "هؤلاء الشيوخ لم يكونوا يكتبون، إنما كانوا يحفظون، ونسبوا إلى الوهم، أحدهم يسمع الشيء فيتوهم

(1)

"المعرفة والتاريخ"3: 30.

(2)

"الرسالة" ص 370.

وانظر كلام الحميدي في شروط قبول التحديث من الكتاب وإن لم يحفظ ما فيه في: "الجرح والتعديل"2: 27.

(3)

"الكامل"1: 166، و"الجرح والتعديل"2: 36، وليس فيه قول مروان الأخير.

ص: 123

فيه"

(1)

.

وكذا قال أبو حاتم حين ذكر جماعة من الرواة وأنه لا يحتج بحديثهم، فقيل له: ما معنى لا يحتج بحديثهم؟ فقال: "كانوا قوما لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطرابا ما شئت"

(2)

.

ومن هو قوي الحافظة موصوف بذلك ربما لم يسلم من الوقوع في الخطأ إذا لم يكن له كتاب، كما في قصة أيوب السَّخْتِيَاني أحد الحفاظ الكبار، فقد سئل ابن معين عن أحاديث أيوب: اختلاف ابن عُلَيَّة، وحماد بن زيد، فقال:"إن أيوب كان يحفظ، وربما نسي الشيء"، وروى ابن معين عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن أيوب، أنه كان إذا قدم البصرة يقول:"خذوها رطبة قبل أن تتغير -ولم يكن يَكتب، ولا يُكتب-"، وقيل ليحيى: كان شعبة هَمَّ أن يترك حديث أيوب؟ قال: "كان أيوب خيرا من شعبة، ولكن لحال أنه كان يحفظ ولم يكن يكتب"

(3)

.

ويشار هنا إلى أن انتشار الكتابة لم يحل مشكلة الخطأ في الرواية تماما، وذلك لأسباب عديدة، منها ما تقدمت الإشارة إليه من وقوع التحريف والتبديل فيها، ومنها أن كثيرا ممن كان يكتب إنما يكتب من حفظه بعد سماعه من شيخه بمدة تطول أو تقصر، وذلك لأمر يقوم في

(1)

"تهذيب التهذيب"2: 436، وانظر:"علل المروذي" ص 103، و"الجرح والتعديل"3:126.

(2)

"الجرح والتعديل"2: 133.

(3)

"من كلام ابن معين-رواية الدقاق" ص 80 - 81.

ص: 124

الراوي نفسه كأن يكون بطيء الكتابة، فلا يمكنه ذلك في وقت السماع، أو يكتب في المجلس كتابة مبدئية، ثم ينقلها إلى الكتاب بعد، أو يقوم في شيخه، فكان بعضهم يأبى أن يكتب عنه شيء، وهذا يفسر لنا جانبا من وقوع الأخطاء في أصول الرواة وكتبهم.

قال الترمذي: "أكثر من مضى من أهل العلم كانوا لا يكتبون، ومن كتب منهم إنما كان يكتب لهم بعد السماع"

(1)

.

ومن الأسباب أيضا -وهو موضع الشاهد هنا- أن بعض من ضبط أصوله وكتبه لم يلتزم حين التحديث أن يحدث منها، بل ربما حدث من حفظه، ونحن نعرف أن من أهم مميزات ضبط الكتاب أن التحديث منه -إذا ضبط الكتاب وحرر، وصين عن الزيادة والنقص- أبعد عن الغلط والسهو، إذ حفظ الصدر مهما كانت قوة الحافظة عرضة لذلك، كما قال أحمد:"كان ابن المبارك يحدث من الكتاب، فلم يكن له سقط كثير، وكان وكيع يحدث من حفظه، فكان يكون له سقط، كم يكون حفظ الرجل؟ "

(2)

.

وقال الذهبي: "لا ريب أن الأخذ من الصحف، وبالإجازة، يقع فيه خلل، ولاسيما في ذلك العصر، حيث لم يكن بعد نقط ولا

(1)

"سنن الترمذي"7: 746.

وهذه المسألة من دقائق علم (النقد)، ولم أر من تعرض لها بتوسع، وانظر نصوصا أخرى فيها في:"العلل ومعرفة الرجال"2: 367 فقرة 193، 2629، و"معرفة الرجال"2: 75 - 78، 193، 195، 219، و"المعرفة والتاريخ"1: 721، 2: 130، 131، 829 - 830، و"تاريخ بغداد"10: 312، 14: 122 - 124، و"الكفاية" ص 241.

(2)

"سير أعلام النبلاء"8: 407.

ص: 125

شكل، فتتصحف الكلمة بما يحيل المعنى، ولا يقع مثل ذلك في الأخذ من أفواه الرجال، وكذلك التحديث من الحفظ يقع فيه الوهم، بخلاف الرواية من كتاب مُحَرَّر"

(1)

.

وقد دفع هاجس الخوف من الخطأ والسهو حين التحديث من الحفظ جماعة من الرواة إلى التزام التحديث من الكتب، مع قوة حافظتهم، قال أبو بكر الخلال:"عن عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: دخلت على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فقلت له: أوصني، فقال: لا تحدث المسند إلا من كتاب، قال: وكذلك قال علي بن المديني: قال لي سيدي أحمد بن حنبل: لا تحدث إلا من كتاب"

(2)

.

وقال ابن المديني أيضا: "ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة"

(3)

.

وقال ابن حبان في محمد بن المثنى أبي موسى المعروف بالزَّمِن: "كان صاحب كتاب، لا يحدث إلا من كتابه"

(4)

.

ومن طريف ما يذكر هنا قصة أبي بكر بن أبي شيبة حين ورد بغداد، فقد روى الخطيب من طريق محمد بن إبراهيم الأنماطي المعروف بمُرَبَّع قال: "قدم علينا أبو بكر بن أبي شيبة، فانقلبت به

(1)

"سير أعلام النبلاء"7: 114.

(2)

"تهذيب الكمال"1: 165.

(3)

"شرح علل الترمذي"1: 481.

(4)

"الثقات"9: 111.

ص: 126

بغداد، ونصب له المنبر في مسجد الرُّصَافة، فجلس عليه، فقال من حفظه: حدثنا شَرِيْك، ثم قال: هي بغداد، وأخاف أن تزل قدم بعد ثبوتها، يا أبا شيبة (يعني ابنه إبراهيم) هات الكتاب"

(1)

.

ودفع هذا السبب بعض الأئمة إلى التزام عدم السماع من بعض الرواة الذين يخشى من خطئهم إذا حدثوا من حفظهم إلا من كتبهم، قال أحمد:"كان حفظ المقرئ (يعني عبد الله بن يزيد) رديئا، وكنت لا أسمع منه إلا من كتاب"

(2)

.

وقال أحمد أيضا: "كل ما سمعنا من غندر من أصل كتابه -قرأه علينا-، إلا حديثا واحدا عن عبد الرحمن بن القاسم، طويل، من حديث شعبة، في بيعة أبي بكر"

(3)

.

وقال يحيى بن معين: "قال لي عبد الرزاق: اكتب عني ولو حديثا واحدا من غير كتاب، فقلت: لا، ولا حرفا"

(4)

.

ولا شك أن التزام الرواة التحديث من كتبهم لو تم أضبط للرواية وأحكم، كما قال الذهبي:"الورع أن المحدث لا يحدث إلا من كتاب، كما كان يفعل ويوصي به إمام المحدثين أحمد بن حنبل"

(5)

.

غير أن الواقع بخلاف ذلك، فقد حدث الكثير من الرواة من

(1)

"تاريخ بغداد"10: 67.

(2)

"العلل ومعرفة الرجال"3: 474.

(3)

"العلل ومعرفة الرجال"2: 175، وانظر:"المعرفة والتاريخ"2: 156 - 157، و"تهذيب التهذيب 9:97.

(4)

"مسند أحمد"3: 297، وانظر:"العلل ومعرفة الرجال"2: 605 - 606، 3:15.

(5)

"سير أعلام النبلاء"9: 383.

ص: 127

حفظهم، مع أن لهم كتبا صحيحة، ومن هؤلاء من قيل فيهم إنهم لا يحدثون إلا من كتاب، أي أنهم ربما حدثوا من الحفظ أيضا، كما قال أبو زرعة الرازي في إبراهيم بن موسى الرازي:"أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة، وأصح حديثا منه، لا يحدث إلا من كتابه، لا أعلم أني كتبت عنه خمسين حديثا من حفظه"

(1)

.

وللتحديث من الحفظ أسباب عديدة، أحدها العامل النفسي، فإن القوم أصحاب حفظ، يتفاخرون بذلك، وليس من السهل على أحدهم أن يلتزم التحديث من الكتاب، ففيه غضاضة عليه، لاسيما حين يشعر أنه مقصود بذلك لخوف خطئه، كما تقدم آنفا في كلام عبد الرزاق مع يحيى بن معين.

ومن ذلك قصة همام بن يحيى البصري، كان يحدث من حفظه فيخطئ أحيانا، ويخالَف فيما يروي فلا يرجع إلى كتابه، ثم إنه رجع بعد فعرف أنه يخطئ، قال عفان:"كان همام لا يكاد يرجع إلى كتابه ولا ينظر فيه، وكان يخالَف فلا يرجع إلى كتابه، ثم رجع بعد فنظر في كتبه، فقال: يا عفان كنا نخطئ كثيرا، فنستغفر الله تعالى"

(2)

.

وقد اضطره إلى الرجوع إلى كتبه أخيرا أنه أصابته مثل الزمانة (الزمانة: المرض الدائم) فكان يحدثهم من كتبه، قاله أحمد

(3)

.

وقد توارد جماعة من الأئمة على أن هماما يخطئ إذا حدث من

(1)

"الجرح والتعديل"2: 137.

(2)

"تهذيب التهذيب"11: 70، وانظر:"سؤالات أبي داود" ص 335، و"العلل ومعرفة الرجال 1:357.

(3)

"سؤالات أبي داود" ص 335.

ص: 128

حفظه، وأنه قوي إذا حدث من كتابه، منهم يزيد بن زُرَيْع، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد، وابن المديني، وأبو حاتم، والساجي

(1)

.

ومن الأسباب أيضا: رحلة الراوي إلى غير بلده، فيضطر إلى التحديث من حفظه، حيث لا كتب معه، كما تقدم في الصورة الثالثة في قصة معمر، وتحديثه بالبصرة من حفظه، وشَبِيْب بن سعيد الحَبَطي، وأبي أمية الطَّرْسُوسي، وتحديثهما بمصر من حفظهما.

وقال أبو حاتم في معرض كلامه عن حديث أخطأ فيه جعفر بن بُرْقَان: "قدم جعفر الكوفة وليس معه كتب، فكان يحدث من حفظه فيغلط"

(2)

.

ومنها: أن يحال بين الراوي وبين كتابه، فقد يضيع منه، كما تقدم في الصورة الثانية في قصة معمر مع شيخه الأعمش، حيث سقطت منه صحيفته.

ومثله حماد بن سلمة مع شيخه قيس بن سعد، ضاع منه كتابه في طريق مكة، فكان يحدث عنه من حفظه فيخطئ عليه

(3)

، وقد قيل إنه كتبه على باب، ثم محاه

(4)

.

وكان هُشَيْم يضعف في الزهري، فيقال إنه ضاع منه كتابه، فكان

(1)

"سؤالات أبي داود" ص 335، و"العلل ومعرفة الرجال"1: 357، و"معرفة الرجال"1: 122، و"الجرح والتعديل"9: 108، و"شرح علل الترمذي"2: 758، و"تهذيب التهذيب"11:70.

(2)

"علل الحديث"1: 254.

(3)

"العلل ومعرفة الرجال"3: 127، و"المعرفة والتاريخ"2:152.

(4)

"المحدث الفاصل" ص 383.

ص: 129

يحدث بما علق في ذهنه

(1)

.

وكذلك أبو عَوَانة في قتادة، قال ابن المديني: "كان أبو عَوَانة في قتادة ضعيفا، لأنه كان ذهب كتابه

"

(2)

.

وذكر أحمد حديثا استنكره على شيخه محمد بن عبد الله الأنصاري، فقال:"كانت كتب الأنصاري ذهبت في أيام المنتصر، فكان بعد يحدث من كتب غلامه، وكان هذا من تلك"

(3)

.

أو تسرق كتبه، كما تقدم في الصورة الأولى في قصة عبد الرزاق بن عمر الدمشقي، حيث سرق كتابه عن الزهري.

أو يُتلف الراوي كتبه بالدفن وغيره كما تقدم الحديث عنه في أول هذه الصورة، وكما في حال يوسف بن أسباط، قال البخاري:"قال صدقة: دفن يوسف بن أسباط كتبه، فكان بعد يقلب عليه فلا يجيء كما ينبغي، يضطرب في حديثه"

(4)

، وقال البخاري أيضا في يوسف:"دفن كتبه، فكان لا يجيء حديثه بعد كما ينبغي"

(5)

.

ومثله مُؤَمَّل بن إسماعيل العدوي، دفن كتبه فكان يحدث من حفظه، فكثر خطؤه

(6)

.

أو يصاب بالعمى فلا يتمكن من قراءة كتابه، قال عبد الله بن علي بن المديني: "سئل أبي عن سُوَيْد بن سعيد الأنباري فحرك رأسه،

(1)

انظر: "تاريخ بغداد"14: 87، و"الجامع لأخلاق الراوي"2:142.

(2)

"تاريخ بغداد"13: 463.

(3)

"مجموع فتاوى ابن تيمية"25: 252.

(4)

"التاريخ الصغير"2: 265.

(5)

"التاريخ الكبير"8: 385.

(6)

"تهذيب الكمال"29: 178.

ص: 130

وقال: ليس بشيء، وقال: الضرير إذا كانت عنده كتب فهو عيب شديد، وقال: هذا أحد رجلين: إما رجل يحدث من كتابه، أو من حفظه

"

(1)

.

ومن هؤلاء: علي بن مُسْهِر، ثقة، قال فيه العجلي: "صاحب سنة، ثقة في الحديث، ثبت فيه، صالح الكتاب

"

(2)

، لكنه عمي في آخر عمره فصار يحدث من حفظه فيخطئ، قال أحمد لما سئل عنه:"لا أدري كيف أقول، كان قد ذهب بصره، وكان يحدثهم من حفظه"

(3)

.

وقد قيل إنه دفن كتبه قبل ذلك، قاله عبد الله بن نُمَيْر

(4)

، وأشار إليه أحمد أيضا، قال ابن رجب:"ذكر الأثرم عن أحمد أنه أنكر حديثا، قيل له: رواه علي بن مُسْهِر، فقال: إن علي بن مُسْهِر كانت كتبه قد ذهبت، فكتب بعد، فإن كان روى هذا غيره وإلا فليس بشيء يعتمد"

(5)

.

ومحمد بن ميمون أبو حمزة السُّكَّري، ثقة صحيح الكتاب، كما قال ابن المبارك

(6)

، لكنه عمي في آخر عمره، قال أحمد: "من سمع من أبي حمزة السُّكَّري -وهو مروزي- قبل أن يذهب بصره فهو

(1)

"تاريخ بغداد"9: 229، وانظر أقوال العلماء في قبول سويد للتلقين بعدما عمي في:"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 408، و"تاريخ بغداد"9: 229، 230، 231.

(2)

"تهذيب التهذيب"7: 384.

(3)

"الضعفاء الكبير"3: 251.

(4)

"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 423.

(5)

"شرح علل الترمذي"2: 755.

(6)

"الجرح والتعديل"8: 81.

ص: 131

صالح، سمع منه علي بن الحسن قبل أن يذهب بصره، وسمع عتاب بن زياد منه بعدما ذهب بصره"

(1)

.

وقال النسائي: "لا بأس به، إلا أنه كان قد ذهب بصره في آخر عمره، فمن كتب عنه قبل ذلك فحديثه جيد"

(2)

.

وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، ثقة إمام مشهور، لكن الذي يظهر أن في حفظه شيئا، فكان الأئمة يأخذون عنه من كتابه وهو صحيح البصر، كما تقدم آنفا عن ابن معين، ومثله عن أحمد أيضا وغيره، وقد خطأه الأئمة في أحاديث، وذكروا أنه كان يحدث بها من حفظه

(3)

، وذلك أنه لما عمي صار يحدث من حفظه، وربما لُقِّن ما ليس في كتابه، فجاءت عنه أحاديث مناكير، قال أحمد:"حديث عبد الرزاق حديث أبي هريرة: "النار جبار"، إنما هو: "البئر جبار"، وإنما كتبنا كتبه على الوجه، وهؤلاء الذين كتبوا عنه سنة ست ومئتين إنما ذهبوا إليه وهو أعمى، فلُقِّن فقَبِلَه ومَرَّ فيه"

(4)

، وقال أحمد أيضا:"أتينا عبد الرزاق قبل المئتين، وهو صحيح البصر، ومن سمع منه بعدما ذهب بصره فهو ضعيف السماع"

(5)

.

فهذه أسباب للتحديث من الحفظ دون الكتاب، وقد يكون هناك

(1)

"سؤالات أبي داود" ص 359، وانظر:"شرح علل الترمذي"2: 754.

(2)

"سنن النسائي الكبرى"2: 122 بعد حديث 2677.

(3)

"علل الدارقطني"9: 253، و"شرح علل الترمذي"2: 756 - 757.

(4)

"مسائل إسحاق"2: 202.

(5)

"تاريخ أبي زرعة الدمشقي"1: 457، وانظر:"العلل ومعرفة الرجال"3: 15 - 16، و"مسائل إسحاق"2: 204، 233، و"مقدمة ابن الصلاح" ص 597، و"تهذيب الكمال"18: 57 - 58، و"شرح علل الترمذي"2: 752 - 754.

ص: 132

غيرها.

والحاصل أن التحديث من الحفظ ووقوع الخطأ من الراوي مع صحة كتابه كثير في الرواة، وقد أكثر الأئمة من النص عليه، كما في الأمثلة السابقة.

ومن أمثلته أيضا: جرير بن حازم، ثقة، لكنه يخطئ ويهم، وعزا الأئمة ذلك إلى تحديثه من حفظه، فإن كتابه صحيح، قال ابن معين:"جرير بن حازم أمثل من أبي هلال، وكان صاحب كتاب"

(1)

.

وقال البخاري: "هو صحيح الكتاب، إلا أنه ربما وهم في الشيء"

(2)

.

وقال ابن حبان: "كان يخطئ؛ لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه"

(3)

.

ويونس بن يزيد الأيلي، وثقه الجمهور، لكن وصفه وكيع بسوء الحفظ

(4)

، وقال ابن المبارك:"يونس ما حدث من كتابه فهو ثقة"، عقب عليه ابن المديني بقوله:"هو بمنزلة همام، إذا حدث من كتابه عن قتادة فهو ثقة"

(5)

.

وقال ابن المبارك أيضا: "كتابه صحيح"

(6)

.

(1)

"الجرح والتعديل"2: 505.

(2)

"العلل الكبير"1: 380.

(3)

"الثقات"6: 145.

(4)

"سؤالات أبي داود" ص 268، و"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 685، و"الجرح والتعديل"9:284.

(5)

"معرفة الرجال"1: 122.

(6)

"الجرح والتعديل"9: 248.

ص: 133

وقال عبد الرحمن بن مهدي: "لم أكتب حديث يونس بن يزيد إلا عن ابن المبارك، فإنه أخبرني أنه كتبها عنه من كتابه"

(1)

.

وقال أحمد: "إذا حدث من حفظه يخطئ"

(2)

.

وقال أبو زرعة: "كان صاحب كتاب، فإذا حدث من حفظه لم يكن عنده شيء"

(3)

.

وعبد العزيز الداروردي، قال فيه أحمد:"كتابه أصح من حفظه"

(4)

، وقال أيضا:"إذا حدث من كتابه فهو صحيح، وإذا حدث من كتب الناس وهم، كان يقرأ من كتبهم فيخطئ"

(5)

.

وقال ابن معين: "الداروردي ما روى من كتابه فهو أثبت من حفظه"

(6)

.

وقال أبو زرعة: "سيء الحفظ، فربما حدث من حفظه الشيء فيخطئ"

(7)

.

وعبد الله بن نافع الصائغ المدني، مختلف فيه، قال فيه البخاري:"في حفظه شيء"

(8)

، وقال أيضًا: "تعرف حفظه وتنكر، وكتابه

(1)

"شرح علل الترمذي"2: 765.

(2)

"شرح علل الترمذي"2: 765، وانظر:"مسائل أبي داود" ص 409.

(3)

"أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 685.

(4)

"سؤالات أبي داود" ص 221.

(5)

"الجرح والتعديل"5: 396، وانظر:"علل المروذي" ص 122، "شرح علل الترمذي"2:758.

(6)

"من كلام ابن معين-رواية الدقاق" ص 93.

(7)

"الجرح والتعديل"2: 505.

(8)

"التاريخ الصغير"2: 309.

ص: 134

أصح"

(1)

.

وقال أبو حاتم: "ليس بالحافظ، هو لين، تعرف حفظه وتنكر، وكتابه أصح"

(2)

.

وقال ابن حبان: "كان صحيح الكتاب، وإذا حدث من حفظه ربما أخطأ"

(3)

.

ومن دقائق هذه المسألة أن يوثق الشخص في كتابه، ويُلَيَّن في حفظه، ويستثنى من حفظه حديثه عن شيخ معين له، قال أحمد في عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري:"ما كان من حفظه ففيه تخليط، وما كان من كتاب فلا بأس به، وكان يحفظ حديث يونس (يعني ابن عبيد) مثل سورة من القرآن"

(4)

.

وغير خاف أن الفائدة من التفريق بين تحديث الراوي من حفظه وبين تحديثه من كتابه إنما تتم إذا نص الأئمة على علامة تميزهما، وقد فعلوا ذلك في كثير من الرواة، والعلامة قد تكون بعض شيوخ الراوي، أو بعض البلاد التي حدث عن أهلها، أو بعض البلاد التي حدث بها، فتلتقي هذه الصورة إذن مع الصور السابقة، وتكون سببا لها في بعض

(1)

"التاريخ الكبير"5: 213.

(2)

"الجرح والتعديل"5: 184.

(3)

"ثقات ابن حبان"8: 348.

وانظر نصوصا أخرى في هذا الباب في: "مسائل أبي داود ص 393، و"العلل ومعرفة الرجال"3: 239، و"التاريخ الكبير"6: 105، و"المعرفة والتاريخ"2: 156 - 157، و"المجروحين"2: 189، و"تاريخ بغداد"11: 4، 5، و"تهذيب الكمال"5: 190، 25: 374، و"تهذيب التهذيب"1: 210، 12:37.

(4)

"سؤالات أبي داود" ص 346.

ص: 135

الأمثلة.

وقد تكون العلامة زمانية، كما تقدم آنفا في كلام أحمد في عبد الرزاق

(1)

، ومثله علي بن مُسْهِر، فإنه أصيب بالعمى بعيد توليه قضاء أرمينية، فترك القضاء ورجع إلى الكوفة

(2)

.

وقد تكون بالنص على من سمع منه في الحالتين، كما تقدم آنفا أيضا عن أحمد في السماع من أبي حمزة السُّكَّري.

ومثله السماع من همام بن يحيى، فقد كان أولا يحدث من حفظه، ثم صار يراجع كتابه، كما سبقت الإشارة إليه، فحالته نادرة، وقد نص أحمد على بعض من سمع منه في الحالتين، قال:"سماع من سمع من همام بأخرة هو أصح، وذلك أنه أصابته مثل الزمانة، فكان يحدثهم من كتابه، فسماع عفان، وحَبَّان، وبَهْز، أجود من سماع عبد الرحمن، لأنه كان يحدثهم -يعني لعبد الرحمن، أي أيامهم- من حفظه"

(3)

.

وإذا لم يوقف على نص للأئمة في تمييز التحديث من الحفظ والتحديث من الكتاب فيمكن معرفة ذلك في الحديث المعين، كأن يكون خالف فيه من هو أوثق منه، أو تفرد تفردا استنكره الأئمة، كما تقدم آنفا في كلام أحمد على علي بن مُسْهِر، وبحث هذا سيأتي موسعا في (مقارنة المرويات) إن شاء الله تعالى.

وفي ختام الكلام على هذه الصورة أنبه إلى أن تقوية الأئمة لراو في كتابه -إذا لم ينصوا على خطئه إذا حدث من حفظه- لا يلزم منه

(1)

وانظر أيضا: "الكواكب النيرات" ص 266 - 281.

(2)

"تاريخ الدوري عن ابن معين"2: 423.

(3)

"سؤالات أبي داود" ص 335، وانظر:"العلل ومعرفة الرجال"1: 357.

ص: 136