الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمرة
…
"، فقال: "هو (يعني الراوي الذي لم يسم) علي البارقي الأزدي"، وقال أيضا: "روى هذا الحديث الحسن بن صالح وغيره، عن ليث بن أبي سليم، عن حميد، عن ابن عمر، نحو هذا الكلام، فكنت أحسب أن حميدا هذا شيخ أدرك ابن عمر، حتى تبين لي بعد أنه حميد الطويل، عن علي البارقي"
(1)
.
وهذا الاعتراض وارد، لكن في أحيان كثيرة يوجد التصريح بالتحديث، فلا إرسال إذن، وأيضا فإن رواية الراوي عمن لم يدركه قلَّت كثيرا في الطبقات المتأخرة، وتوجد بكثرة في طبقة التابعين وتابعيهم، ومع وجود الإرسال في الطبقات المتقدمة، فالوقوف على أن ذلك الراوي الذي يريد الباحث تفسير من في الإسناد به لم يدرك من فوقه في الإسناد، أو لم يدركه من دونه- يثير ريبة في نفس الباحث تمنعه من الجزم بأنه هو، حتى يتأكد بوسائل أخرى.
والخلاصة أن النظر في الولادة والوفاة وسيلة مهمة جدا لتمييز رواة الإسناد، لكنه لا يكفي لوحده في أحيان كثيرة.
النوع الثاني: الشيوخ والتلاميذ:
وفائدته لتمييز راو في الإسناد من جهة أن كثيرا من الرواة وإن اشتركوا في الاسم والطبقة قد ينفرد بعضهم عن بعض في الأخذ عن بعض الشيوخ، أو في رواية بعض التلاميذ عنه.
ولهذا أسباب كثيرة، منها اختلاف البلدان، فيأخذ هذا الراوي عن جماعة من أهل بلده، لم يأخذ عنهم الآخر، ويروي عنه كذلك جماعة
(1)
"علل الحديث"1: 276.
من أهل بلده لم يرووا عن الآخر.
ومنها الرحلة، فقد يرحل أحد الراويين إلى بلد لم يرحل إليه الآخر، فيأخذ عن شيوخه، أو يأخذ عنه أهل ذلك البلد.
ومنها التفاوت في السن، فالراويان وإن جمعتهما طبقة واحدة واشتركا في بعض الشيوخ قد يكون أحدهما أسنّ من الآخر، فيدرك شيوخا لم يدركهم، وقد يُعَمَّر أحدهما فيأخذ عنه جماعة لم يدركوا الآخر.
ولكل هذه الأسباب أمثلة كثيرة.
وقد قام الأئمة بجهد كبير جدا في تتبع شيوخ الراوي، والآخذين عنه، والتقاط ذلك من الأسانيد المتفرقة، ويوجد شيء كثير من ذلك في الكتب الأولى، كتب السؤالات، والتواريخ، ثم لما جاء التصنيف المخصص للرواة اهتموا بذلك أيضا، كما نلاحظه في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و"تاريخ بغداد" للخطيب، وغيرهما، فبعد أن يذكر المؤلف اسم الراوي وكنيته ونسبته يعقبه بذكر من روى عنه المترجم له، ومن روى عن المترجم له، على سبيل التمثيل في المكثرين من الرواية، وعلى سبيل الاستقصاء في المقلين منهم.
ولا يختلف اثنان على أن أوفى من جمع شيوخ الراوي والآخذين عنه هو المِزِّي، في كتابه "تهذيب الكمال في أسماء الرجال"، يعني رجال أصحاب الكتب الستة، وقد بنى كتابه هذا على كتاب عبد الغني المقدسي:"الكمال في أسماء الرجال"، فيذكر المِزِّي شيوخ المترجم له بعد عبارة (روى عن)، وتلاميذه بعد عبارة (روى عنه)، مرتبا كل قسم على حروف المعجم.
ومع حرص المِزِّي على تتبع شيوخ الراوي والآخذين عنه إلا أنه قد فاته عدد منهم، ذكر طائفة منهم مغلطاي في كتابه الذي أكمل به كتاب المِزِّي، وهو "إكمال تهذيب الكمال".
وكان من المناسب جدا أن يقوم ابن حجر حين جمع بين هذين الكتابين واختصرهما في كتابه "تهذيب التهذيب" بإضافة ما يقف عليه من شيوخ الراوي والآخذين عنه، لاستكمال الفائدة، لكنه نحى منحىً آخر، دفعه إليه أمران، الأول: هاجس كثير من المؤلفين وهو خوف الاستدراك عليهم أو تعقبهم، ولا سيما في مثل هذا الأمر، حيث تفرقت الأسانيد وانتشرت، وأصبح حصر الشيوخ والتلاميذ متعذرا في المكثرين من الرواية، والثاني: قصره فائدة جمع الرواة عن الراوي في رفع الجهالة عنه، فحذف ابن حجر كثيرا من شيوخ المترجم له، والآخذين عنه، إلا في حالات خاصة، وأعاد ترتيبهم على طريقة أخرى غير الترتيب المعجمي
(1)
.
فإذا أراد الباحث تمييز رواة إسناده بهذه الطريقة ابتدأ من أحد رواة الإسناد ممن هو واضح لا يشتبه بغيره، كالصحابي، أو شيخ المؤلف إن كان كذلك، أو راو من وسط الإسناد، ثم انطلق من الراوي الذي اختاره صعودا في تمييز من فوقه في الإسناد، ونزولا في تمييز من دونه في الإسناد، فكل حلقة من سلسلة الإسناد تساعد في الكشف عن الحلقة التي فوقها والتي دونها.
مثال ذلك ما تقدم في المبحث الأول في الحديث الذي أخرجه ابن
(1)
"تهذيب التهذيب"1: 3 - 5.
ماجه من طريق عبد الله بن موسى التيمي، عن أسامة بن زيد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه.
فقد تقدم أن بعض الأئمة والباحثين فسروا أسامة بن زيد بأنه أسامة بن زيد بن أسلم، وبالرجوع إلى ترجمة عبد الله بن موسى التيمي، يجد الباحث في شيوخه أسامة بن زيد الليثي، وإلى ترجمة ابن شهاب الزهري يجد في تلاميذه أيضا أسامة بن زيد الليثي، لا ذكر فيهما لأسامة بن زيد بن أسلم، فتحدد من هو أسامة بن زيد إذن.
وبإمكان الباحث -بعد طول تجربة- أن يتكون لديه ضوابط مبنية على هذه الوسيلة، ففائدتها سرعة الكشف إذن، كما تقدم مثله في الوسيلة التي قبلها، وهي النظر في الولادة والوفاة، أو الطبقة، فهذه مكملة لتلك، فقد يحفظ الباحث من روى عن حماد بن سلمة، ولم يرو عن حماد بن زيد، ومن روى عن حماد بن زيد، ولم يرو عن حماد بن سلمة، إذ قد ميز الأئمة ذلك، وذكروا فيهم عددا قليلا من الرواة روى عن الآخر شيئًا يسيرًا
(1)
، ومثل ذلك في الرواة عن السفيانين
(2)
.
ومن ذلك أن يعرف الباحث أن مسلما، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، إذا كان بينهم وبين حماد راو واحد فحماد هو ابن زيد، فإنهم لم يرووا عن أحد من أصحاب حماد بن سلمة، فلم يدركوا عامة
(1)
"تهذيب الكمال"7: 269، و"سير أعلام النبلاء 6: 464 - 466، و"التقييد والإيضاح" ص 391 - 393، و"حماد بن سلمة ومروياته في مسند أحمد عن غير ثابت" لمحمد الفوزان ص 65 - 69.
(2)
"سير أعلام النبلاء"7: 466.
أصحابه ومن أدركوهم - وهم قليل - فلم يسمعوا منهم، وأما البخاري وأبو داود، فقد رويا عن بعض أصحاب حماد بن سلمة، كأبي الوليد الطيالسي، وموسى بن إسماعيل التَّبُوذكي.
وكذلك الحال في سفيان الثوري، وابن عُيَيْنة، فالأربعة الأولون لم يسمعوا من أحد من أصحاب الثوري، فإذا كان بين أحدهم وبين سفيان راو واحد فقط فسفيان هو ابن عُيَيْنة، وأما البخاري وأبو داود فسمعا من بعض أصحاب الثوري، كمحمد بن يوسف الفِرْيابي، ومحمد بن كثير.
ومن هذا الباب قول أحد الباحثين: "يشترك روح بن عبادة، وروح بن أسلم، في الرواية عن حماد (يعني ابن سلمة)، وكثيرا ما يرد في "المسند" اسم روح مبهما، والمراد به روح بن عبادة، لأنه ليس لأحمد رواية عن روح بن أسلم"
(1)
.
وأحمد قد أدرك روح بن أسلم، فوفاته سنة مئتين أو بعدها، لكنه لا يروي عنه
(2)
.
ويعترض الباحث في تطبيقه لهذه الوسيلة في تمييز الرواة عدة إشكالات، منها أن كثيرا من الرواة يأتون في الأسانيد بكناهم كأن يقول الراوي: حدثنا أبو خالد، أو أبو معاوية، أو يأتون منسوبين إلى آبائهم من غير تسميتهم، كأن يقول: حدثنا ابن شهاب، أو ابن أبي عمر، أو إلى قبيلة أو بلد أو حرفة، كأن يقول: حدثنا التّيْمي، أو الفِرْيابي، أو الخَفَّاف، وربما جاء الراوي بلقبه، كأن يقول: حدثنا الأعمش، أو بُنْدار، أو غُنْدَر.
(1)
"حماد بن سلمة ومروياته في مسند أحمد عن غير ثابت" لمحمد الفوزان ص 57.
(2)
"مناقب الإمام أحمد" ص 64، و"تهذيب التهذيب"3:291.
ولتجاوز هذا يستعين الباحث بفصول خصصها الأئمة للكنى، وللأنساب، وللألقاب، وضعوها بعد نهاية الأسماء، فإن كان الراوي معروف الاسم أحالوا القارئ إلى اسمه، فعليه أن يرجع إلى هناك، وإن لم يعرف له اسم على وجه التحديد ترجموا له هنا.
وقد يحتاج الباحث أن يرجع إلى الكتب المفردة للكنى والأنساب والألقاب، ففي كل منها كتب مفردة.
ومن الإشكالات أيضا أن حصر الشيوخ والتلاميذ أمر متعذر، وحينئذ فقد يكون فات المِزِّي وبعده مغلطاي ذكر راو في شيوخ من روى عنه، وهو له رواية عنه قد تكون هي التي مع الباحث، ومثله في التلاميذ، فينقطع التسلسل على الباحث.
وينقطع كذلك بأمر آخر، وهو أن المِزِّي وإن كان قد ذكر أنه سيثبت الشيخ في ترجمة التلميذ مع شيوخه ثم يعيد التلميذ في ترجمة الشيخ مع الآخذين عنه، وعلل ذلك بقوله:"لتكون كل ترجمة شاهدة للأخرى بالصحة، والأخرى شاهدة لها بذلك"
(1)
، إلا أنه في ثنايا الكتاب ربما اكتفى بذكر الشيخ في ترجمة التلميذ، دون أن يذكر التلميذ في ترجمة الشيخ، أو العكس، وكأنه فعل ذلك اختصارا، مثاله: إسحاق بن عيسى البغدادي المعروف بابن الطباع، يروي عن حماد بن سلمة، وقد ذكر المِزِّي هذا في ترجمته لكنه لم يذكره في الرواة عن حماد
(2)
، ومثله أمية بن خالد القَيْسي
(3)
، وذكر المِزِّي في الرواة عن
(1)
"تهذيب الكمال"1: 152.
(2)
"تهيب الكمال"3: 462، 7:257.
(3)
"تهذيب الكمال"3: 331، 7:257.
إياس بن معاوية: حماد بن سلمة، ولم يذكر إياسا في شيوخ حماد
(1)
.
وعلى الباحث إذا انقطع التسلسل أن يختار حلقة أخرى من حلقات الإسناد، أو يقرأ تراجم كل من يحتمل أن يكون هو الذي في الإسناد، وينظر في شيوخهم وتلاميذهم.
ومن الإشكالات أيضا أن يجد في ترجمة الراوي أكثر من شيخ يوافق من فوقه في الإسناد، أو في تلاميذه كذلك، كأن يكون الإسناد فيه عطاء، عن ابن عباس، فإذا ذهب إلى ترجمة ابن عباس وجد فيها أربعة ممن اسمه عطاء يروون عن ابن عباس، أو كان في الإسناد: حفص بن غياث، عن أشعث، فإذا ذهب إلى ترجمة حفص بن غياث وجد فيها ثلاثة ممن اسمه أشعث يروي عنهم حفص.
وهذا الإشكال يمكن تجاوزه بإحدى طريقتين:
الأولى: مشروطة بأن يكون الإسناد الذي مع الباحث من أحد كتب الأئمة الستة، وذلك أن المِزِّي التزم أن يذكر فوق كل شيخ من شيوخ صاحب الترجمة من أخرج للمترجم له عن ذلك الشيخ، بالرمز لهم، وفوق كل تلميذ من تلاميذ المترجم له من أخرج روايته عن المترجم له منهم، بالرمز لهم كذلك، وهذه الرموز وضعها طابعوا الكتاب بعد اسم الشيخ أو التلميذ، فإن كانت رواية المترجم له عن ذلك الشيخ، أو رواية التلميذ عن المترجم له خارج هذه الكتب أغلفه المزي دون رمز.
فبإمكان الباحث أن يستفيد من هذه الرموز لتحديد الراوي الذي في
(1)
"تهذيب الكمال"3: 408، 7:254.
الإسناد، كما في رواية حفص بن غياث، عن أشعث، فقد ذكر المِزِّي في شيوخه أشعث بن سَوَّار، وأشعث بن عبد الله الحُدَّاني، وأشعث بن عبد الملك الحُمْراني، وذكر رمز البخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي، وابن ماجه، عند أشعث بن سَوَّار، ولم يضع رمزا عند الآخرين
(1)
، فإذا كان الإسناد الذي مع الباحث مأخوذا من أحد الكتب الثلاثة عرف أنه أشعث بن سَوَّار.
ولابد من الحذر في التعامل مع هذه الرموز، فالرواة كثيرون، وهي عرضة للسقط والتصحيف؛ فقد أخرج ابن ماجه إسنادا فيه رواية يزيد بن زريع، عن خالد الحذاء عن عكرمة، عن ابن عباس
(2)
، وبالرجوع إلى ترجمة خالد، وإلى ترجمة يزيد، لا نجد رمز ابن ماجه في رواية يزيد، عن خالد
(3)
، ولهذا أمثلة أخرى.
الثانية: الرجوع إلى من دون الراوي الذي وجدنا جماعة يتفقون في اسمه، للنظر عمن يروي منهم؟ أو مراجعة تراجمهم، للنظر عن أيهم يروي؟ .
ويستمر الإشكال إذا كان من دون ذلك الراوي يروي عن اثنين أو أكثر ممن اتفقوا في الاسم، ويمكن تجاوز هذا عن طريق الرموز، كما تقدم آنفا، وإن لم يمكن فيبقى الإشكال دون أن يحل عن طريق النظر في التلاميذ والشيوخ، ولا بد من الاستعانة بوسيلة أخرى.
وهناك أمر آخر مهم في الاستعانة بالشيوخ والتلاميذ لتمييز الراوي،
(1)
"تهذيب التهذيب"7: 56.
(2)
"سنن ابن ماجه" حديث (3050).
(3)
"تهذيب الكمال"8: 180، 32:125.