الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث
(الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1))
تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أما وهب بن منبه فهو من خراسان، أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه، هكذا يروى.
ولد باليمن، ولكنه -على كل حال- لم يحظ بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وطعن فيه من بعض علماء الإسلام، كالشيخ محمد رشيد رضا، ومِن أحمد أمين الذي يكتب عن علماء التفسير من الصحابة والتابعين. وقد اتهمه الشيخ محمد رشيد رضا وأحمد أمين بالكذب، رغم أنه من العلماء الأفاضل، وإن نسب إليه بعض الراويات، فربما لم يكن يتعمد الكذب أو الغش أو الدس، كما نسب إليه.
الرد على هذا الكلام عن وهب بن منبه، وعن كعب الأحبار وغيرهم، نقول:
ليس كل ما ينسب إليهم من الإسرائيليات صحيح، فهناك قصص وروايات لم تنقل عنهم أصالةً، إنما نسبت إليهم، ووضعت كذبًا عليهم.
ثانيًا: لقد حكم العلماء بالقبول والثقة والعدل على كلام هؤلاء، فأحاديثهم في كتب الصحاح، في كتب السنة، روى البخاري لهم، كما روى لغيرهم، وقال العلماء عن وهب بن منبه: إنه تابعي ثقة، وكان على قضاء صنعاء. قال عنه أبو زرعة والنسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في (الثقات) كفى أن الإمام البخاري روى له بعض الأحاديث من روايته عن أخيه عن أبي هريرة رضي الله عنهم.
بعد سرد هؤلاء الأعلام من الصحابة والتابعين، ولا ننسى أن ما نسب إليهم فيه افتراء كثير، فهؤلاء الأئمة من الصحابة والتابعين ما نقلوا لنا هذا بهدف الإساءة إلى الإسلام أو إفساد عقيدة المسلمين أو الدس والغش، كما اتهمهم هؤلاء الناس.
المشتهرين من تابعي التابعين:
هناك اشتهر محمد بن السائب الكلبي، كما اشتُهر عبد الملك بن جريج، وكذا مقاتل بن سليمان، ومحمد بن مروان السدي الصغير.
نقول: إن محمد بن السائب الكلبي، وهو صاحب التفسير، وعِلم النسب، وكان سبئيًّا من أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، كذَّبه العلماء، وأجمعوا على تركه، قال أبو حاتم: الناس يجمعون على ترك حديثه، وهو ذاهب الحديث، لا يستقل به. قال النسائي عنه: ليس بثقة، ولا يُكتب حديثُه. على كل حال إذا كان هذا حاله، فكل رواية ينقلها لنا ترد ولا تقبل.
أما عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، هذا كان نصرانيًّا فأسلم على ما كان عنده من ثقافة نصرانية، ولما أسلم كان صاحب علم غزير، وكان ثقة، إلا أن ما كان يحدث به كان فيه الغث والسمين، فيعرض ما ينقل عنه على موازين القبول والرد.
ما يروى عنه من الإسرائيليات: فنحن نحكم فيه ما عرفناه، ما كان موافقًا لشرعنا يقبل، وما كان مخالفًا يرد ويرفض، أما ما لا يثبت موافقته أو مخالفته، فنتوقف فيه كما سبقت الكلمات في هذا المنهج.
أما مقاتل بن سليمان: فكان حقًّا مكثرًا في الأخذ عن أهل الكتاب، وكان يفسر القرآن بما عندهم من نصوص، طَعن العلماء في علمه وعقيدته وتفسيره، وما
نقل عنه يحوي كثيرًا من الإسرائيليات والضلالات والخرافات، وبخاصة ما يتعلق بالتجسيم والتشبيه، وعلى هذا ما ينقل عنه يرفض أكثر.
محمد بن مروان السدي الصغير، أجمع العلماء على تركه وكذبه، قال ابن معين عنه: إنه ليس بثقة. وقال غيره: إنه لا يكتب حديثه.
بعد هذا نستطيع أن نقول: إن هؤلاء هم أقطاب الرواية الإسرائيلية التي نقلت وسرت إلى كتب التفسير، وإلى كتب الحديث عندنا.
إن لكل مفسر في تفسيره منهجًا خاصًّا تجاه الإسرائيليات، فمن المفسرين من يذكر تلك الإسرائيليات بأسانيدها دون تعقيب عليها بتصحيح أو تضعيف، كما فعل شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره. هل هو أخطأ في ذلك؟
نقول: إن حجتهم في ذلك أنه ساق لك السند، ومن أسند لك فقد حملك؛ أي: إنهم أتوا لك بالإسناد، وعليك أن تبحث عن مدى صحتها ومدى بطلانها.
من المفسرين من يذكر تلك الإسرائيليات بأسانيدها مع التعقيب عليها غالبًا، كما فعل العلامة ابن كثير في تفسيره، فهذا منهجه، وهو جهد عظيم، إلا أن الحيرة لا تزال تتعلق بالقارئ فيما لم يحكم عليه من الإسرائيليات.
من المفسرين من يذكر في تفسيره ما استطاع ذكره، فلا يترك صغيرة، ولا كبيرة، ولا شاردة، ولا واردة إلا أتى بها دون إسناد ودون تعقيب، وهذا أخطر التفاسير؛ لأن القارئ عندما يقرأ هذه الإسرائيليات يتوهم أنها صحيحة أو أنها أخبار موثوق فيها، بينما تحمل في طياتها ما هو مكذوب وموضوع يصل في بعض الأحيان إلى إفساد العقيدة، وأبرز مثال لهذه التفاسير تفسير مقاتل بن سليمان، وتفسير الثعلبي، المسمى (الكشف والبيان عن تفسير آي القرآن) هذا الكتاب
جمع كثيرًا من الإسرائيليات، ويعتبر من المراجع القديمة التي تناقل المفسرون عنها أكثر الإسرائيليات والأقوال الباطلة.
من المفسرين من يذكر الإسرائيليات بدون إسناد دون إشارة إلى ضعفها إلا نادرًا عندما يقول: روي أو قيل، ومثال ذلك تفسير الإمام الخازن المسمى (لباب التأويل في معاني التنزيل) وقيل: إنه مختصر من تفسير البغوي، كما نص الخازن في مقدمته على ذلك، وتفسير البغوي مختصر من تفسير الثعلبي، كما نص على ذلك ابن تيمية في (مقدمة أصول التفسير) إلا أن تفسير الإمام صاحب (معالم التنزيل) الإمام البغوي يعتبر أقرب إلى الصحة، وأقل كثيرًا من الإسرائيليات.
من المفسرين من يذكر الإسرائيليات بدون سند؛ لقصد بيان ما فيها من الباطل وتنبيه الناس على خطئها، وإن ذكر شيئًا منها تعقبه بالنقد والبيان، وإبراء الذمة، الذي فعل هذا هو إمام المفسرين بالرأي، هو جمع بين التفسير بالرأي والتفسير بالمأثور، وغيره، ألا وهو العلامة شهاب الدين الألوسي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني).
نختم ونقول:
من المفسرين الكبار العظماء من سلك في تفسيره تجاه الإسرائيليات مسلك المحارب المنبه، الذي شَنَّع عليها وعلى رواتها، حتى ولو كانوا من طبقة الصحابة، الذين شهدوا الوحي، فعل ذلك الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار) الذي كنا نتمنى أن يكون قد أتم هذا التفسير وأكمله، هو على كل حال ما فسر إلا قريبًا من ثلث القرآن، وصل إلى قوله:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (يوسف: 11) فتوفاه الله ولم يكمل تفسيره، نقل في تفسيره كثيرًا من التوراة، وهذا يوهم أنها غير محرفة، لكنه أشار إلى أنها منقولة، وبين أكثرَ ذلك.