الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن كلام ابن حجر يفهم أن النهي عن الرجوع إلى أهل الكتاب كان ذلك في مبدأ الإسلام؛ مخافةَ الفتنة والتشويش، وأن الإذن والإباحة كان بعد استقرار أصول الشريعة الإسلامية، وزوال المحظور، إذن فلا تعارض بين هذه النصوص، والله أعلم.
ويقول الدكتور محمد أبو زهرة: ويرى بعضهم أن معنى حديث ابن عمر: ((حدثوا عن بني إسرائيل)) بما يثبت لديكم كذبه في المواعظ والقصص، لا في العقائد والأحكام، وحمل الحديث على هذا المعنى؛ يعني: التحديث عن بني إسرائيل بما لا يعلم كذبه، ولا صدقه في المواعظ والقصص، أما ما يعلم كذبه فلا بد من من التنصيص عليه، نعم ما لم يثبت كذبه عندنا نوعان:
أحدهما: ما ثبت صدقه، وهذا تجوز حكايته باتفاق، ولا ينبغي أن يخص بالمواعظ والقصص.
وثانيهما: ما لم يثبت صدقه ولا كذبه، ولا فائدة تعود على المسلمين من التحديث بهذا النوع، فشرعنا فيه الكفاية، ولا نحتاج إلى مثل هذا، وكذا مال إلى هذا الرأي فضيلة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فإنه رأى عدم الخوض في ذلك؛ صيانة لكتبنا وتراثنا مما يفهم أنه حق، وليس كذلك. والله أعلم.
قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم
نماذج من الإسرائيليات:
قصة موسى عليه السلام:
فإن في قصص موسى في القرآن دروسًا وعبرًا كثيرةً، كما أن كتب التفسير حوت كثيرًا من الإسرائيليات لا بد من بيانها لا سيما أن موسى هو أكثر الأنبياء ذِكرًا في القرآن الكريم، وهو بهذا له مواقف كثيرة كثيرة، وكل موقف له فيها منهج دعوة ومنهج هداية، والقرآن الكريم إنما يذكر ذلك لأمة الإسلام؛ لنأخذ منها العظة
والعبرة، كما قال ربنا:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (يوسف: 111).
من المواقف التي وردت في شأن موسى وفيها دروس وعظات، كما أن فيها أيضًا كثيرًا من الإسرائيليات في التفسير، العظات والدروس من الآيات، لكن التفسير ما خلا من الإسرائيليات.
قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب:
الآيات فيها دروس كثيرة وعظات، فموسى القوي الأمين، والحياء من بنات شعيب، وزواج موسى من واحدة منهما، وقال أبوها:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} كانت الأجرة والصداق أن يعمل موسى عند والد الفتاة ثماني حجج، فإن أتم عشرًا، فهذا من عنده.
والدروس واضحة في الآيات، لكن كتب التفسير سار إليها بعض الإسرائيليات في هذا، فالإمام النسفي وأبو السعود وابن جرير وغيرهم تكلموا إلى أن صهر
موسى هو شعيب عليه السلام ويقول ابن كثير: وهذا ما ذهب إليه كثير من المفسرين، والطبري يقول روايةً عن الحسن: يقولون: شعيب صاحب موسى، ولكنه سيد أهل الماء يومئذٍ. وأجيب عنها: بأن شعيبًا عليه السلام كان قبل زمان موسى بمدة طويلة، لأنه قال لقومه:{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} (هود: 89) وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل إبراهيم عليه السلام بنص القرآن الكريم، وقد علم أنه كان بين موسى والخليل إبراهيم مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة، كما ذكره غير واحد.
وما قيل: إن شعيبًا عاش مدة طويلة، إنما هو احتراز من هذا الإشكال، وورد في رواية الحسن: ولكنه سيد أهل الماء يومئذٍ، كيف يكون شعيب عليه السلام سيد أهل الماء، وتنتظر ابنتاه بدون سقي حتى يصدر الرعاء؛ أي: يرجعون بماشيتهم ويتمنون سقيها، قال تعالى:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (القصص: 23).
من الجواب أيضًا: لو كان صهر موسى عليه السلام هو شعيب لما انتظرت ابنتاه السقي حتى ينتهي الرعاء ويصدر، وله رهط كبير، قال تعالى:{قَالَ يَا قَوْم أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ} (هود: 92).
من الإجابات أيضًا: لم يذكر حديث صحيح، ولا نص قاطع يفيد بأن شعيبًا هذا الذي هو الرسول عليه الصلاة والسلام كان هو صهر موسى عليه السلام كل ما ورد فيه لا يقوى إلى درجة الاعتبار في مثل هذا الموضوع، ولا يكتفى فيه بالشهرة، وكثرة أخذ المفسرين به؛ لأن ذلك وحده لا يكفي، وإنما المعول على ذلك النقل الصحيح من المصادر المعتمدة شرعًا، وهي الكتاب والسنة.
القول الفصل في هذه القضية: إن كان الكلام الذي سبق ذكره ليس فيه جدوى كثير، كون شعيب هو الرسول الذي أرسله الله، وذكر اسمه في القرآن الكريم من بين خمسة وعشرين رسولًا أو ليس غيره، يعني: قضية لا جدوى من ورائها كثير، لكن يرى العلامة ابن جرير الطبري يقول: التوقف في تعيين صهر موسى عليه السلام هو الأفضل، وهو الأسلم، وهذا هو رأي ابن جرير، حيث يقول: إن تعيين صهر موسى مما لا يدرك علمه إلا بخبر، ولا خبر بذلك تجب حجته، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله -جل ثناؤه-:{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ويفهم أنه كان رجلًا صالحًا، لكن اسمه لم يثبت عنه من مصدر صحيح.
وأما الأثر الذي ذكره الإمام النسفي عن ابن مسعود رضي الله عنه: فقد رواه الحافظ ابن كثير هكذا: قال سفيان الثوري: عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم قال: أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر حين تفرس في عمر، وصاحب يوسف حين قال:{أَكْرِمِي مَثْوَاه} (يوسف: 21) وصاحبة موسى حين قالت: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} ". وهو الموافق للصواب؛ إذ إنه بدون تعيين لاسم أبيها.
ما ورد في كتب التفسير من تعيين أسماء بنات شعيب، هل ورد في تسميتهم نص يعتمد عليه؟
الحقيقة ذكر المفسرون ومنهم الإمام النسفي أن كُبراهما كانت تسمى صفراء، والصغرى صُفيراء، وأن موسى عليه السلام تزوج صفراء الكبرى. هكذا ذكر النسفي، ولكن هذا الذي ذكره الإمام النسفي يتنافَى مع ما رواه الطبري عن طريق وابن جريج عن شعيب الجبائي، قال: اسم الجاريتين: ليا
وصفورا، وامرأة موسى هي صفورا بنت يثرون كاهن مدين، والكاهن حبر. كما روى الطبري عن ابن إسحاق بنحوه، وقال: إن اسم الثانية شرفا ويقال: ليا.
والأولى عند ذلك عدم التعيين في اسم الجاريتين؛ لأن طرق روايات تعيينها غير صحيحة، فلم تثبت، وإن ابن جريج وابن إسحاق سبق أن ذكرنا أنهما يرويان الإسرائيليات، وإذا كان القرآن الكريم لم يحدد اسم إحداهما، فيجب علينا ألا نخوض فيما لم يذكره القرآن، وأن نتوقف عندما أجمل القرآن الكريم؛ إذ لا فائدة ولا جدوى من الخوض والتنطع، أو البحث والتقصي وراء ما أجمله القرآن الكريم، فالعظة والدرس فيما أجمل، ولا فائدةَ من تقصي تفاصيل ما أجمله أو بيان ما أبهمه القرآن الكريم، ففيه العظة والعبرة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.