الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في التيه، وقيل: عصى موسى ونعلاه، وعصى هارون وعمامته، وثياب موسى وثياب هارون، ورضاض الألواح. إلى غير ذلك.
على كل حال، هي أقوال متقاربة، كما قال شيخنا الشيخ أبو شهبة، ولا يردّ بعضها بعضًا، وكلها محتملة، فالله أعلم بالصواب منها.
وهي على كل حال، من الأخبار التي تحتمل الصدق والكذب، فلا نصدقها ولا نكذبها، بل نتوقف عندها، والذي نقطع به ويجب الإيمانُ به، أنه كان في بني إسرائيل تابوت أي: صندوق من الخشب مثلًا ونحوه، من غير بحث في حقيقته وهيئته، من أين جاء؟ لا يلزمنا أن نسأل من أين جاء؟ إذ ليس في ذلك خبر صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وأن هذا التابوت كان فيه مخلفات، وآثار من مخلفات موسى وهارون عليهما السلام مع احتمال أن يكون تعيين ذلك في بعض ما ذكرنا آنفًا، وأن هذا التابوت كان مصدرَ سكينة وطمأنينة لبني إسرائيل لا سيما عند قتال عدوهم، وأنه عاد إلى بني إسرائيل تحمله الملائكة، من غير بحث في الطريق الذي حملته بها الملائكة، وبذلك كان التابوت آية دالة على صدق طالوت في كونه ملِكًا عليهم، وما وراء ذلك من الأخبار التي نقلناها، أو نقلنا بعضًا منها لم يقم عليه دليل.
شجرة طوبَى
من الأشياء التي وردت فيها إسرائيليات: شجرة طوبى:
كلمة طوبَى: كلمة طيبة، وحسنة، وجميلة، إلا أن الإسرائيليات لم تتركها أيضًا، أورد المفسرون في كلمة طوبى ومعناها كلامًا كثيرًا، وإسرائيلياتٍ كثيرةً.
إليك هذه الإسرائيليات:
من الإسرائيليات ما ذكره بعض المفسرين عند الآية وهي قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} (الرعد: 29)، أورد ابن جرير بسنده وغيره عن وهب، قال: إن في الجنة شجرة يقال لها: طُوبى، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، زهرتها رياط، وورقها برود، وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووحلها مسك، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل، وهي مجلس لأهل الجنة، فبينما هم في مجلسهم؛ إذ أتتهم ملائكة من ربهم، يقودون نجبًا مزمومةً -النجب أي: الإبل الكرام- بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح حسنًا، ووبرها كخز المرعزي من لينه -الخز الحرير- عليها رحال، ألواحها من ياقوت، دفوفها من ذهب، وثيابها من سندس وإستبرق، فيفتحونها، يقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه، وتسلموا عليه، قال: فيركبونها، فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش، نُجبًا من غير مهنة، يسير الرجل إلى جنب أخيه، وهو يكلمه ويناجيه لا تصيب أذن راحلة منها أذن الأخرى، ولا برك راحلة برك الأخرى -أي: الصدر- حتى إن الشجرة لتتنحى عن طريقهم؛ لئلا تفرق بين الرجل وأخيه.
قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيُسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه، قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام، وحق لك الجلال والإكرام، قال: فيقول الله تعالى عند ذلك: أنا السلام ومني السلام وعليكم السلام، حقت رحمتي ومحبتي، مرحبًا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري، قال: فيقولون: ربنا لم نعبدك حق عبادتك، ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا في السجود قدامك، قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نَصَب ولا عبادة، ولكنها دار ملك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة، فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنية، فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول: ربي تنافس
أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها، ربي فآتني مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا، فيقول الله تعالى: لقد قصرت بك أمنيتك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني؛ لأنه ليس في عطائي نكد ولا قصر يد.
قال: ثم يقول: اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ولم يخطر لهم على بال، قال: فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قُبة من ذهب مفرَّغة فيه، كل قبة منها فرش من فرش الجنة، متظاهرة، في كل منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما، ولا ريح ولا طيب إلا قد عبق بهما، ضوء وجوههما غلظ القبة، حتى يظن مَن يراهما أنهما دون القبة، يرى مخهما من فوق سوقهما كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صاحبه كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل، ويرى هو لهما مثل ذلك، ويدخل إليهما فيحييانه، ويقبِّلانه، ويتعلقان به، ويقولان له: والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفًّا في الجنة، حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له.
هذا الكلام رواه ابن جرير عند تفسير هذه الآية، وكذا (الدر المنثور) للإمام السيوطي عند تفسيره لهذه الآية.
أما العلامة ابن الكثير فقد وصف في تفسيره هذا الأثر بعدما أورده باختصار بأنه غريب، وعجيب، وساقه، وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده عن وهب أيضًا، وزاد زيادات أخرى رغم أن ابن أبي حاتم قد اشترط ألا يُخرج إلا ما صح، لكن أورد هذا الأثر أيضًا، وكذا ذكره البغوي وغيرهم.
التفسير الصحيح لقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ} :
المأثور عن السلف في تفسير طوبى غير الذي ذكر، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها قال:"فرح لهم وقرة عين: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ} ". قال عكرمة: نِعم مالهم، وقال قتادة: حسنى لهم، وقال إبراهيم النخعي: خير لهم وكرامة، وروي أيضًا عن بعض الصحابة وغير واحد من السلف: أن: {طُوبَى} هي شجرة في الجنة، بل ورد ذلك عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا قال:((طوبى شجرة في الجنة، ظلها مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة، تخرج من أكمامها)) هذا كلام ذكره العلامة ابن كثير.
بل قيل أيضًا: إن الشجرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثة: ((إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها)) والحديث طبعًا في (مسند أحمد) ومتفق عليه في البخاري، ومسلم، قيل: إنها الشجرة أي: شجرة طوبى هي التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الراكب يسير في ظلالها مائة عام، فلا يقطع ظلالَها. وفي بعض روايات الإمام أحمد والبخاري، اقرءوا إن شئتم:{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (الواقعة: 30) إلى آخره.
ونحن لا ننكر احتمال أن تكون هذه الشجرة المذكورة في الحديث الصحيح أن تكون هي هذه الشجرة، ولكن الذي ننكره، ونقول إنه من الإسرائيليات: هذه الزيادات التي زادها وهب، ومن أخذ عنه من هذه التخريفات والتهويلات، ونحن في غُنية عن هذا بما ثبت في الأحاديث الصحاح، ونحن نرى أن الأحاديث الصحاح جاءت خاليةً من هذه التخريفات والتهويلات التي ننزّه عنها الرواية الإسلامية.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.