المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كيف نشأ الدخيل - الدخيل في التفسير - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (1)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدخيل والأصيل

- ‌أنواع الدخيل، وفائدته

- ‌كيف نشأ الدخيل

- ‌معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات

- ‌الدرس: 2 الإسرائيليات (2)

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌أسباب تفشي الإسرائيليات، وخطورتها على أمة الإسلام

- ‌أقطاب الرواية الإسرائيلية:

- ‌الدرس: 3 الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1)

- ‌تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية

- ‌نماذج من الإسرائيليات

- ‌الدرس: 4 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (2)

- ‌تسلل الإسرائيليات إلى كتب التفسير

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم

- ‌الدرس: 5 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (3)

- ‌قصة عصا موسى عليه السلام، وقضية الأجلين

- ‌بعض مواقف موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

- ‌قصة "إرم ذات العماد

- ‌فتنة سليمان عليه السلام

- ‌الدرس: 6 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (4)

- ‌المسوخ من المخلوقات في روايات بني إسرائيل

- ‌ما ورد في بناء الكعبة المشرفة

- ‌الإسرائيليات في قصة التابوت

- ‌شجرة طوبَى

- ‌الدرس: 7 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (5)

- ‌قصة ذي القرنين:

- ‌قصة يأجوج ومأجوج

- ‌قصة الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 8 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (6)

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام

- ‌الدرس: 9 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (7)

- ‌تعقيب على قصة "إرم ذات العماد

- ‌الإسرائيليات التي وردت في سؤال موسى ربه الرؤية

- ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

- ‌الدرس: 10 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أصحاب الكهف

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الدرس: 11 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (9)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الدرس: 12 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (10)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة "بلقيس"، وما حدث لنبي الله سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الدرس: 13 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (11)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة نوح عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الدرس: 14 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 15 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (13)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إدريس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 16 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (14)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة لوط عليه السلام

- ‌الدرس: 17 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (1)

- ‌تعريف الحديث الموضوع

- ‌علامات الحديث الموضوع

- ‌الدرس: 18 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1)

- ‌تابع علامات الحديث الموضوع

- ‌حكم رواية الحديث الموضوع

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

- ‌ما جاء في فضل يونس عليه السلام، وما ورد في إهلاك قوم لوط

- ‌ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الدرس: 19 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (2)

- ‌تابع ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌الدرس: 20 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي

- ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌بعض القراءات الموضوعة

- ‌التفسير بالرأي

- ‌الدرس: 21 أنواع الدخيل في الرأي (1)

- ‌معنى الدخيل في الرأي

- ‌الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدرس: 22 أنواع الدخيل في الرأي (2)

- ‌تابع الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدخيل عن طريق الإلحاد

- ‌الدخيل عن طريق التفسير الصوفي

- ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

الفصل: ‌كيف نشأ الدخيل

عرفت الشر لا

للشر بل لتوقيه

ومن لم يعرف الشر

من الناس يقع فيه

فالفائدة من دراسة علم الدخيل باختصار شديد وإيجاز غير مخل، يتلخص في ثلاثة أشياء:

أولًا: الانتفاع بتفسير القرآن الكريم، والاهتداء بهدي القرآن الكريم الصحيح، والامتثال لشريعة الإسلام امتثالًا صحيحًا.

ثانيًا: رد مطاعن الطاعنين على القرآن الكريم، وكشف ضلالهم وكيدهم، والحقد الذي يطفح منهم، معرفة ذلك يساعدنا على أن نرد كيدهم، وأن ندافع عن قرآننا، الذي:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} .

أخيرًا: الوقوف على التفسير الصحيح السليم حتى نبلغ دعوة الإسلام تبليغًا صحيحًا، فنتجنب الأباطيل التي دست في التفسير، وألحقت به، إذا عرف المسلم هذه الأمور استطاع أن يميز بين الصحيح وبين الضعيف، وبين الأصيل وبين الدخيل، ويستطيع بذلك أن يسلم من حقد وأخطاء هؤلاء الذين أرادوا للإسلام أن لا ترتفع رايته.

‌كيف نشأ الدخيل

؟

كيف نشأ الدخيل؟ كيف سرى إلى علم التفسير، والتفسير يتعلق بشرح كتاب الله سبحانه وتعالى؟

نقول: إن الدخيل له مصدران أساسيان:

المصدر الأول: أعداء الإسلام.

المصدر الثاني: التباس، وسوء فهم من الفِرق المنسوبة إلى الِإسلام، أو حتى بعض الصحابة والتابعين، وسنرى ذلك واضحًا.

ص: 16

المصدر الأول: وهو ما يتعلق بأعداء الإسلام:

هذا المصدر هم: أعداء الإسلام من الكفار، المشركين، اليهود والنصارى، الحاقدون على الإسلام، كل أولئك عندما نزل القرآن الكريم، وارتفعت رايتُه بدأت شبهات الكفار الذين يريدون إظهار القرآن بمظهر المتناقض، ليتوصلوا بذلك إلى أنه ليس من عند الله، وإسقاط حجيته، والطعن بعد ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاءهم به، لا سيما وأن القرآن الكريم قد رفع راية التوحيد، وأظهر أن أصنامهم هي شرك، وحَطَّمَ مكانتها، وأنزل معنوياتهم، فالقرآن هو الذي يقول لهم:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (الأنبياء: 98) وبين لهم أن هذه الأصنام لا تنفع، ولا تضر، وليس لها من جدوى، فحطم ما ألفوا عبادته مئات السنين أو قرونًا طويلة فيما مضى.

فبدأ الكفار يثيرون الشبهات، ويعترضون على بعض الآيات، وينتشر كلامهم وأباطيلهم، ويعلنونها بين الناس، من أمثلة ذلك: حديث أخرجه الإمام مسلم يقول: عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالوا: أريت ما تقرءون: {يَا أُخْتَ هَارُون} (مريم: 28) وموسى كان قبل عيسى بمئات السنين، فيقول: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء الصالحين قبلهم؟)).

إن أهل نجران أرادوا أن يلبسوا الأمر على المسلمين زاعمين أن القرآن تكلم عن هارون، وجعلت مريم أختًا لهارون، وهارون أخو موسى عليهم السلام بينما هناك فترة زمنية عدة قرون بين موسى وعيسى، فأرادوا بذلك أن يظهروا أن القرآن كلامه غير صحيح. تصدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الشبهة الدخيلة، وبين أن هارون هذا الذي نسبت مريم، وقيل في شأنها:{يَا أُخْتَ هَارُون} ليس هو أخو موسى عليه السلام إنما هو هارون آخر، إلى غير ذلك.

ص: 17

وبدأ الكفار يتندرون ببعض الآيات، لما نزلت:{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} (الدخان: 43 - 45) إلى آخر الآيات: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} (الصافات: 65) بدأ الكفار يتندرون ويتكلمون حول الآيات عن شجرة الزقوم.

ولما نزل قول الله -جل وعلا-: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (المدثر: 30) عن النار، بدءوا يتكلمون ويسخرون من هذا الكلام، وهذه الآيات.

كما تندر اليهود لما نزل قول الله -جل وعلا-: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًاَ} (البقرة: 245) بدءوا يتكلمون: الله يريد القرض؟ الله فقير؟ وأخذوا يثيرون الشبهات، وأنزل الله -جل وعلا- ردًّا على افتراءاتهم:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (آل عمران: 181).

آيات من هذا النوع كانت تنزل لهم، وتعلن عليهم واقعًا وحقائق، لكنهم الكفر يملأ جوانحهم، والحقد على الإسلام وعلى القرآن، الذي حطم أصنامهم، ورفع التوحيد راية عالية، بدءوا يثيرون الشُّبه، والدخيل، والأباطيل حول هذه الآيات.

المصدر الثاني لنشأة الدخيل في العهد النبوي الكريم، سواء كان من الالتباس أو سوء فهم لبعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كانت لبعض الفرق التي حسبت على الإسلام، وظهر آثارها بعد ذلك:

هناك من غير سوء قصد، كان هناك لبس، تعجل بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض الآيات، لما نزل قول الله -جل وعلا-:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (البقرة: 187) لم تكن

ص: 18

كلمة: {مِنَ الفَجْرِ} قد نزلت، هناك حديث في البخاري في صحيحه، عن سهيل بن حزم: لما نزلت هذه الآية، ولم ينزل قوله:{مِنَ الفَجْرِ} وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيضَ والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتها؛ فأنزل الله -جل وعلا- بعد ذلك:{مِنَ الْفَجْرِ} . فعلموا أنما المراد من الخيط الأبيض والخيط الأسود هو بياض النهار، وسواد الليل.

وهكذا بدأ التباس في الفهم، فدخل شيء من هذا الفهم في عصر نزول القرآن الكريم، هم لا يريدون هذا اللبس، ولا يقصد منهم، ولكنه وقع.

كذلك لما نزل قول الله -جل وعلا-: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} (المائدة: 93) كان هناك موقف لبعض الصحابة، سنعرفه.

كذلك: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الأنعام: 82) بعض الصحابة بكى، وفهم أن الظلم هو أي ظلم ولو كان قليلًا، والآية تحذر، فإذا لبس الإنسان إيمانه -أي: خلط إيمانه- بشيء من الظلم لم يكن في مأمن، وقع هذا اللبس، فبينه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما الآية: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية. فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه، ونقله عنه الحافظ بن حجر في (الإصابة في تمييز الصحابة) أن أحد الصحابة تأول هذه الآية، وهو قُدامة بن مظعون، أخو عثمان بن مظعون فشرب الخمر، وزعم أنه لا حرجَ في شربها إذا كان الإنسان مؤمنًا تقيًّا، فلما علم عمر بذلك رد عليه، وبين له الفهم الصحيح للآية وقال له: "يا قدامة أخطأت التأويل، أنت إذا اتقيت الله

ص: 19

اجتنبت ما حرم الله". وأصر عمر على جلده بعد ثبوت سكره بالشهود، رغم أن قدامة بن مظعون، هو خال أولاد عمر، خال حفصة، وخال عبد الله بن عمر.

والحديث مروي بسنده وروايته، وينتهي في آخر المطاف حتى لا نطيل الكلام، إلى أن عمر أقام عليه الحد، وغضب كل منهما من الآخر، عمر غضب على قدامة لفهمه السقيم، وقدامة كان غاضبًا حتى إنهم لما حج قدامة في بعض الأعوام تقابل مع عمر، وكان كل منهم غاضبًا من الآخر، عمر غضب؛ لأنه تأول تأولًا خطئًا، فقام عمر واستدعاه، فأبى قدامة أن يأتي، فأمر عمر أن يحضروه، فكلمه واستغفر له؛ لأن هذا تأويل غير صحيح.

تعالوا بنا بعد ذلك أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه- حدث ما لا تتوقعه الأمة، حدثت فتنة التحكيم، التي على أثرها حدثت اختلافات بين المسلمين، نعلم أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه- كان هو الأرجح لأن يكون أمير المؤمنين بعد عثمان، وحدثت فتنة التحكيم، وافترق المسلمون على أثرها كما نقرأ في السيرة والتاريخ- افترقوا إلى شيع وأحزاب. ظهر على الساحة فرقة الخوارج الذين خرجوا على علي، كما ظهرت فرقة الشيعة، والمرجئة، والقدرية، والمعتزلة، وكل من هذه الفرق أراد أن يفسر القرآن الكريم على هواه، بحيث يخدم التفسير المبادئ التي يدعو إليها كل فريق، على الأقل لا تتصادم مع مبادئهم، فكانوا يجعلون المذهب أصلًا والتفسير فرعًا.

كما ظهر على الساحة جماعات من المتصوفين، ونحن لا نكره التصوف، نحن نحب التصوف المعتدل الذي يقوم على شُعب الإيمان: الزهد، الصبر، التوكل، الخوف، الرجاء، الورع، أما إذا كان التصوف شطحاتٍ ونطحاتٍ ومعانٍ باطلةً تخرج عن نصوص القرآن الكريم، وهذا هو الذي ظهر، ظهرت الفرقة الباطنية،

ص: 20

وزعموا أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، وأن النص الظاهري هذا علم العوام، وأن العلم الباطني هو العلم الحقيقي اللدني، ووصلت بهم الشطحات أن فضلوا أتباعهم على الأنبياء، وكانوا يقولون: أنتم تتلقون علومكم عن البشر، ونحن نتلقى علومنا عن الله سبحانه وتعالى. كلام دخيل على الإسلام، ومدسوس على شريعة الله سبحانه وتعالى.

أرادوا بذلك أن يتحللوا ويتخلصوا من شريعة الإسلام، وأن يقضوا على تفسير القرآن التفسير الصحيح، فمالوا بذلك إلى تفاسير فاسدة، وفرقة الباطنية هذه اتسع أتباعها، وتلونت في كل وقتٍ ومكانٍ حتى نرى منها فرق: البابية، والبهائية، والقاديانية، كما وجدنا فرقًَا تتلون بأسماء مستحدثة في عالمنا الذي نعيشه.

كل هؤلاء، أقوالهم، تفسيرهم، اجتهاداتهم، كلها تعتبر دخيلًا على تفسير القرآن الكريم.

وأخيرًا نقول:

إن هناك نوعًا آخرَ ظهر على أيدي بعض العلماء، أو أرادوا يوفقوا بين نصوص القرآن وبين النظريات العلمية واكتشافات العلم الحديث، كلما ظهرت نظرية أو كلما وجدوا إعجازًا علميًّا قالوا: إن القرآن تحدَّث عنه، ودعا إليه، وحملوا آيات القرآن ما لا تحتمل، فهؤلاء تحت زعم الإعجاز العلمي للقرآن ظهر في توفيقهم للآيات كثير من التعسف، كثير من تحميل القرآن ما لا يتحمله، فهذا لون من ألوان الدخيل في تفسير القرآن الكريم.

بعد هذا اتسع نطاق هذه الفِرق، كثر أتباعها، زاد تعصبها، حتى إننا أصبحنا نجد هذه الفرق بأتباعها وتابعيها تشمِّر عن سواعدها، وتسخر كل طاقاتها، سواء المشركون، سواء الأحقاد من الفرق الضالة، أو سواء من الصوفية أو سواء من

ص: 21