المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام - الدخيل في التفسير - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (1)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدخيل والأصيل

- ‌أنواع الدخيل، وفائدته

- ‌كيف نشأ الدخيل

- ‌معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات

- ‌الدرس: 2 الإسرائيليات (2)

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌أسباب تفشي الإسرائيليات، وخطورتها على أمة الإسلام

- ‌أقطاب الرواية الإسرائيلية:

- ‌الدرس: 3 الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1)

- ‌تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية

- ‌نماذج من الإسرائيليات

- ‌الدرس: 4 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (2)

- ‌تسلل الإسرائيليات إلى كتب التفسير

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم

- ‌الدرس: 5 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (3)

- ‌قصة عصا موسى عليه السلام، وقضية الأجلين

- ‌بعض مواقف موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

- ‌قصة "إرم ذات العماد

- ‌فتنة سليمان عليه السلام

- ‌الدرس: 6 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (4)

- ‌المسوخ من المخلوقات في روايات بني إسرائيل

- ‌ما ورد في بناء الكعبة المشرفة

- ‌الإسرائيليات في قصة التابوت

- ‌شجرة طوبَى

- ‌الدرس: 7 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (5)

- ‌قصة ذي القرنين:

- ‌قصة يأجوج ومأجوج

- ‌قصة الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 8 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (6)

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام

- ‌الدرس: 9 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (7)

- ‌تعقيب على قصة "إرم ذات العماد

- ‌الإسرائيليات التي وردت في سؤال موسى ربه الرؤية

- ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

- ‌الدرس: 10 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أصحاب الكهف

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الدرس: 11 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (9)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الدرس: 12 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (10)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة "بلقيس"، وما حدث لنبي الله سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الدرس: 13 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (11)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة نوح عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الدرس: 14 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 15 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (13)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إدريس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 16 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (14)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة لوط عليه السلام

- ‌الدرس: 17 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (1)

- ‌تعريف الحديث الموضوع

- ‌علامات الحديث الموضوع

- ‌الدرس: 18 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1)

- ‌تابع علامات الحديث الموضوع

- ‌حكم رواية الحديث الموضوع

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

- ‌ما جاء في فضل يونس عليه السلام، وما ورد في إهلاك قوم لوط

- ‌ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الدرس: 19 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (2)

- ‌تابع ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌الدرس: 20 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي

- ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌بعض القراءات الموضوعة

- ‌التفسير بالرأي

- ‌الدرس: 21 أنواع الدخيل في الرأي (1)

- ‌معنى الدخيل في الرأي

- ‌الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدرس: 22 أنواع الدخيل في الرأي (2)

- ‌تابع الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدخيل عن طريق الإلحاد

- ‌الدخيل عن طريق التفسير الصوفي

- ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

الفصل: ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

واحدًا بلبنات الذهب والفضة

كلام عجيب

وأن يعدوا في الميدان أعجب دواب البر والبحر؛ فأعدوها، ثم قعد على سريره وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفًا فراسخًا، وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ، وأمر الوحوش والسباع والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه وعن يساره؛ فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان ورأوا الدواب التي لم ترَ أعينهم مثلها تروث على لبن الذهب والفضة؛ تقاصرت أنفسهم، ورموا بما معهم من الهدايا، ثم كان أن استعان سليمان بجبريل والشياطين والأرضة في الإجابة عما سألته عنه. انظر (تفسير البغوي) وغيره.

يقول الشيخ أبو شهبة: ومعظم ذلك مما لا نشك أنه من الإسرائيليات المكذوبة وأي ملك في الدنيا يتسع لفرش تِسع فراسخ بلبنات الذهب والفضة؟! وفي رواية وهب ما يدل على الأصل الذي جاءت منه هذه المرويات؛ وأن من روى ذلك من السلف فإنما أخذه عن مسلمة أهل الكتاب، وما كان أجدر كتب التفسير أن تنزه عن مثل هذا اللغو والخرافات التي تدسست إلى الرواية الإسلامية فأساءت إليها.

‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

-

أما آدم عليه السلام فله في القرآن مواقف لم تخلُ أيضًا من الدخيل ومن الإسرائيليات، وهي من القصص؛ قصص الأنبياء:

قال تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} (البقرة: 36):

ورد في هذه الآية إسرائيليات أيضًا؛ فمن تلك الإسرائيليات ما رواه ابن جرير في (تفسيره) بسنده عن وهب بن منبه قال: لما أسكن الله آدم وذريته أو زوجته -الشك من أبي جعفر، وهو في أصل كتابه: وذريته- ونهاه عن الشجرة، وكانت

ص: 236

شجرة غصونها متشعبة بعضها في بعض، وكان له ثمر تأكله الملائكة لخلدهم. هذا كلام انظر إليه؛ الملائكة لا تأكل ولا تشرب، تأمل هذه الإسرائيليات؛ وكان له ثمر تأكله الملائكة لخلدهم وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته؛ فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل في جوف الحية، وكانت للحية أربعة قوائم كأنها بختية -البختية ناقة من الجمال والنوق الخراسانية- من أحسن دابة خلقها الله.

فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس؛ فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته؛ فجاء بها إلى حواء، فقال: انظري إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها؛ فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت إلى آدم؛ فقالت له مثل ذلك حتى أكل منها؛ فبدت لهما سوءاتهما؛ فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب، قال: ألا تخرج؟ قال: أستحي منك يا رب، قال: ملعونة الأرض التي خلِقْتَ منها لعنة يتحول شجرها شوكًا، ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي؛ فإنك لا تحملين حملًا إلا حملتيه كرهًا؛ فإذا أردتِ أن تضعي ما في بطنك أشرفتِ على الموت مرارًا، وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي؟ َ ملعونة أنتِ لعنة تتحول قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب

أنتِ عدوة بني آدم وهم أعداؤك. قال عمر: قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء.

انظر لما سأل عمر أحد الرواة: هل الملائكة تأكل؟ فقال: يفعل الله ما يشاء

هذا تهرب من الجواب وعجز عن تصحيح هذا الكذب الظاهر.

قال ابن جرير: وروى ابن عباس نحو هذه القصة، ثم ذكر ابن جرير بسنده عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة نحو هذا الكلام، وفي السند:

ص: 237

"أسباط عن السدي" وعليهما تدور الروايات، وقد قدمنا حال هذه الروايات وحال أسباط والسدي.

وكذلك ذكر السيوطي في (الدر المنثور) ما رواه ابن جرير وغيره في هذا مما روي عن ابن عباس وابن مسعود؛ ولكنه لم يذكر الرواية عن وهب بن منبه، وأغلب كتب التفسير بالرأي ذكرت هذا أيضًا، وكل هذا من قصص بني إسرائيل الذي تزيدوا فيه وخلطوا الحق بالباطل، ثم حمله عنهم ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين وفسروا به القرآن الكريم.

ويرحم الله الإمام ابن جرير؛ فقد أشار بذكر الرواية عن وهب إلى أن ما يرويه عن ابن عباس وابن مسعود إنما مرجعه إلى وهب وغيره من مسلمة أهل الكتاب، ويا ليته لم ينقل شيئًا من هذا، ويا ليت من جاء بعده من المفسرين صانوا تفاسيرهم عن مثل هذا، وفي رواية ابن جرير الأولى ما يدل على أن الذين رووا عن وهب وغيره كانوا يشكون فيما يروونه لهم؛ فقد جاء في آخرها: قال عمر: قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء.

فهُم قد استشكلوا عليه: كيف أن الملائكة تأكل؟ وهو لم يأتِ بجوابٍ يعتد به.

ووسوسة إبليس لآدم عليه السلام لا تتوقف على دخوله في بطن الحية؛ إذ الوسوسة لا تحتاج إلى قرب ولا مشافهة، وقد يوسوس إليه وهو على بعد أميال منه، والحية خلقها الله -يوم خلقها- على هذا، ولم تكن لها قوائم كالبختي ولا شيء من هذا.

هذا كلام فيه تعليق عليه. انظر التوراة سفر التكوين الإصحاح الثالث فإن فيه هذا الكلام ليزداد المسلم يقينًا أن هذا من الإسرائيليات التي نقلت إلينا من كتبهم وليس لنا شيء عن المعصوم -صلوات الله وسلامه عليه.

ص: 238

بعد هذا ننتقل إلى موقف آخر ألا وهو ما ذكر في قوله -جل وعلا-: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} (البقرة: 37) فمن الروايات التي لا تثبت: ما ذكره السيوطي في (الدر) قال: أخرج الطبراني في (المعجم الصغير) والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في (الدلائل) وابن عساكر: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه، رفع رأسه إلى السماء فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي؛ فأوحى الله إليه: ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك؛ لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك؛ فإذا فيه مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرًا ممن جعلت اسمه مع اسمك؛ فأوحى الله إليه: يا آدم؛ إنه آخر النبيين من ذريتك، ولولا هو ما خلقتك ".

ثم قال: وأخرج الديلمي في (مسند الفردوس) بسند واهٍ -السند الواهي، أي: الشديد الضعف الذي ربما يصل إلى حد السقوط والوضع- عن علي قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} فقال: " إن الله أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس ببيسان، والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم البعير، ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيًا على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل، وقال: يا آدم؛ ألم أخلقك بيدي؟ أم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أزوجك حواء أمتي؟ قال: بلى، قال: فما هذا البكاء؟ قال: وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن؟ قال: فعليك بهذه الكلمات؛ فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت عملتُ سوءًا وظلمت نفسي فاغفر لي؛ إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك

ص: 239

لا إله إلا أنت عملت سوءًا وظلمت نفسي، فتب علي؛ إنك أنت التواب الرحيم ". فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم.

يقول الشيخ أبو شهبة: ولا أدري ما دام سنده واهيًا -أي: شديد الضعف- لم ذكره؟! ومثل هذا عليه أمارات الوضع والاختلاق والكذب.

ويسترسل السيوطي في (الدر) فيذكر عن ابن عباس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، قال:" سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبتَ عليَّ؛ فتاب عليه "، ومثل هذا لا يشك طالب حديث في اختلاقه، وأنه من وضع الشيعة واختلاقهم وكذبهم.

ثم يسترسل في الرواية فيذكر: أن آدم لما هبط كان مسودًا جسمه، ثم بيض الله جسده بصيامه ثلاثة أيام؛ ولذلك سميت بالأيام البيض، وأنه -عليه والسلام- كان يشرب من السحاب، بل يروى عن كعب: أنه أول من ضرب الدينار والدرهم

إلى غير ذلك مما لا يخرج عن كونه من الإسرائيليات.

التفسير الصحيح:

بعد ما عرفنا هذا الكذب وهذه الإسرائيليات يجدر بنا أن نقف على التفسير الصحيح للكلمات التي وردت في قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} :

فالصحيح في الكلمات: هو ما روي من طرقٍ عدة: أنها قوله تبارك وتعالى في القرآن: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف: 23) تفسير ال قرآن ب ال قرآن، وقد رواه السيوطي في (الدر) من طرق عدة؛ ولكنه خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا، وقد أفاض ابن جرير في (تفسيره) في ترجيح هذا القول وإن ذكر غيره من الأقوال التي هي بعيدة عن الحق والصواب.

ص: 240

موقف آخر لآدم عليه السلام:

فهناك حادثة ابني آدم لما قتل أحدهما الآخر؛ لم تخلُ أيضًا من الإسرائيليات؛ فما نسب إلى ابني آدم لما قتل أحدهما الآخر كثير من الإسرائيليات، من ذلك ما ذكره ابن جرير الطبري في (تفسيره) والسيوطي في (الدر المنثور) في هذه القصة؛ قصة ابني آدم قابيل وهابيل وقتل أولهما الآخر؛ فقد روي عن كعب: أن الدم الذي على جبل قاسيون هو دم ابن آدم، وعن وهب: أن الأرض نشفت دم ابن آدم المقتول؛ فلعن ابن آدم الأرض؛ فمن أجل ذلك لا تنشف الأرض دمًا بعد دم هابيل إلى يوم القيامة، وأن قابيل حمل هابيل سنة في جراب على عنقه حتى أنتن وتغير؛ فبعث الله الغرابين اللذيْن قتل أحدهما الآخر؛ فحفر له ودفنه برجليه ومنقاره؛ فعلم كيف يصنع قابيل بأخيه.

مع أن القرآن عبر بالفاء التي تدل على الترتيب والتعقيب من غير تراخٍ؛ قال تعالى: {فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ} (المائدة: 31)، وروى أيضًا أنه لما قتله اسودَّ جسده -وكان أبيض- فسأله آدم عن أخيه؛ فقال: ما كنت عليه وكيلًا، قال: بل قتلته؛ فلذلك اسودَّ جسدك

إلى نحو ذلك.

فكل هذا وأمثاله -عدا ما جاء في القرآن- من إسرائيليات بني إسرائيل، وقد جاءت بعض الروايات صريحة عن كعب ووهب؛ وما جاء عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما فمرجعه إلى أهل الكتاب الذين أسلموا، والآيات هي قول الله -جل وعلا-: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِين * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِين، إِنِّي

ص: 241

أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِين * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِين * فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين} (المائدة: 27 - 31) إلى آخر الآيات.

ننتقل بعد ذلك إلى ما نسب إلى آدم عليه السلام ونختصر القول في ذلك؛ نُسب إلى آدم من قول الشعر أيضًا كلام.

من الإسرائيليات؛ ما رواه ابن كثير في (تفسيره) وما ذكره السيوطي في (الدر) من أن آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر مكث مائة عام لا يضحك حزنًا عليه؛ فأتى على رأس المائة فقيل له: حياك الله وبياك، وبُشر بغلام؛ فعند ذلك ضحك.

وكذلك ما ذكره من أن آدم عليه السلام رثى ابنه بشعر؛ روى ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قتل ابن آدم آخاه بكى آدم فقال:

تغيرت البلاد ومن عليها

فوجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي لونٍ وطعم

وقل بشاشة الوجه المليح

قال السيوطي: وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما قتل ابن آدم آخاه قال آدم عليه السلام

وذكر البيتين السابقين باختلاف قليل

فأجابه إبليس -عليه اللعنة-:

تنحَّ عن البلاد وساكنيها

فبي في الخلد ضاق بك الفسيح

وكنتَ بها وزوجك في رخاء

وقلبك من أذى الدنيا مريح

فما انفك مكايدتي ومكري

إلى أن فاتك الثمن الربيح

ص: 242

سبحان الله! كلام مذكور في الكتب، وقد طعن في نسبة هذه الأشعار إلى نبي الله آدم الإمام الذهبي في كتابه (ميزان الاعتدال) وقال: إن الآفة فيه من المخرمي أو شيخه. انظر كتاب (ميزان الاعتدال).

وما الشعر الذي ذكروه إلا منحول مختلق؛ فالأنبياء لا يقولون الشعر، وصدق الزمخشري حيث قال: روي أن آدم مكث بعد قتل ابنه مائة سنة لا يضحك، وأنه رثاه بشعر -وهو كذب بحت- وما الشعر إلا منحول ملحون، وقد صح أن الأنبياء معصومون من الشعر. (انظر تفسير الكشاف).

وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِين} (يس: 69). وقال الإمام الألوسي في (تفسيره): وروي عن ميمون بن مهران عن الحبر ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من قال إ ن آدم عليه السلام قد قال شعرًا فقد كذب؛ إن محمدًا صلى الله عليه وسلم والأنبياء كلهم في النهي عن الشعر سواء؛ ولكن لما قتل قابيل هابيل بكاه آدم بالسريانية؛ فلم يزل ينقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية؛ فقدم فيه وأخر وجعله شعرًا عربيًّا، وذكر بعض علماء العربية أن في ذلك لحنًا وإقواءً وارتكاب ضرورة، والأولى عدم نسبته إلى يعرب لما فيه من الركاكة الظاهرة. انظر تفسير (روح المعاني) للعلامة الألوسي.

يقول شيخنا الدكتور محمد أبو شهبة: والحق أنه شعر في غاية الركاكة، والأشبه أن يكون هذا الشعر من اختلاق إسرائيلي ليس له من العربية إلا حظ قليل، أو قصاص يريد أن يستولي على قلوب الناس بمثل هذا الهراء.

انتهينا مما نسب إلى آدم من قول الشعر بقي لنا في حق آدم جزئية أخرى في غاية الأهمية؛ ألا وهي:

ص: 243

ما نسب إليه عليه الصلاة والسلام من الشرك له ولحواء في قوله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُون} (الأعراف: 190):

هنا موقف آخر لآدم عليه السلام ففيه إسرائيليات وردت، وهذه الآية كثُر فيها القو ل مما ينسب إلى آدم وهو رسول معصوم كسائر الرسل.

فمن الروايات التي لا تصح ومرجعها إلى الإسرائيليات: ما ذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِين * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُون} (الأعراف: 189، 190).

وهذه الآية تعتبر من أشكل الآيات في القرآن من حيث إ ن ظاهرها يدل على نسبة الشرك لآدم وحواء؛ وذلك على ما ذهب إليه جمهور المفسرين من أن المراد بالنفس الواحدة: نفس آدم عليه السلام وبقوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} : حواء رضي الله عنها وقد أوَّل العلماء المحققون الآية تأويلًا صحيحًا يتفق وعصمة الأنبياء في عدم جواز إسناد الشرك إليهم -عليهم الصلاة والسلام- كما سنبين ذلك -إن شاء الله.

الحديث المرفوع والآثار الواردة في هذا:

وقد زاد الطين بلة ما ورد في الحديث المرفوع وبعض الآثار عن بعض الصحابة والتابعين في تفسير قوله: {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُون} وقد اغتر بهذه الروايات كثير من المفسرين؛ كالإمام ابن جرير، والثعلبي، والبغوي، والقرطبي، وإن كان الأخير قد ضعَّف الروايات ولم تركن نفسه إليها واعتبرها من الإسرائيليات، وصاحب (الدر المنثور) أيضًا.

والعجيب أن إمامًا كبيرًا له في رد الموضوعات والإسرائيليات فضل غير منكور ومفسرًا متأخرًا وهو عالم عظيم هو الإمام الألوسي قد انخدع بهذه المرويات،

ص: 244

والكلام في هذا لشيخنا الدكتور محمد أبو شهبة، يقول: إن الإمام الألوسي قد انخدع بهذه المرويات فقال: وهذه الآية عندي من المشكلات، وللعلماء فيها كلام طويل ونزاع عريض، وما ذكرناه هو الذي يشير إليه الجبائي وهو مما لا بأس به بعد إغضاء العين عن مخالفته للمرويات.

ثم قال: وقد يقال: أخرج ابن جرير عن الحبر أن الآية نزلت في تسمية آدم وحواء ولديهما بعبد الحارث، ومثل ذلك لا يكاد يقال من قبيل الرأي، وهو ظاهر في كون الخبر تفسيرًا للآية، وأنت قد علمت أنه إذا صح الحديث فهو مذهبي، وأراه قد صح، ولذلك أحجم كُميت قلمي عن الجري في ميدان التأويل؛ كلمة كميت قالوا: إنها من الخيل والإبل وهي أنواع جيدة، يحجم قلمه عن الجري في ميدان التأويل كما جرى غيره، والله تعالى الموفق للصواب.

وبعض المفسرين أعرض عن ذكر هذه المرويات، وذلك كما فعل صاحب (الكشاف) وتابعه النسفي، وبعض المفسرين عرض لها ثم بين عدم ارتضائه لها؛ وذلك كما صنع الإمام القرطبي في (تفسيره) فقال: ونحو هذا مذكور في ضعيف الحديث في الترمذي وغيره، وفي الإسرائيليات كثير ليس لها إثبات؛ فلا يعول عليها، ولا يعول عليها من له قلب؛ فإن آدم وحواء وإن غرهما بالله الغرور؛ فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، على أنه قد سطر وكتب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خدعهما مرتين: خدعهما في الجنة، وخدعهما في الأرض".

فارس هذه الحلبة هو الإمام ابن كثير؛ فقد نقد المرويات نقدًا علميًّا أصيلًا على مناهج المحدثين وطريقتهم في نقد الرواة، وبيَّن أصل هذه المرويات وأن مرجعها إلى الإسرائيليات؛ وإنا لنعجب كيف أن الإمام ال ألوسي وهو المتأخر لم يشِر إلى كلامه؟ لعله لم يطلع عليه.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.

ص: 245