الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحتاج إلى دليل ولا دليل، ثانيهما: أن الخبر مجهول الأصل لا يعرف له سند، وفيه يقول الحافظ ابن حجر: ذكره الثعلبي من غير سند.
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 157). قال بعض المفسرين: إنه لم يعطَ الاسترجاع أمة إلا هذه الأمة، فأكرمهم الله تعالى إذا أصابتهم مصيبة، وهذا عندنا ضعيف، هذا قول الحافظ ابن حجر، وهذا عندي ضعيف؛ لأن قوله:{إِنَّا لِلَّهِ} (البقرة: 156) إشارة إلى أنا مملكون لله، وهو الذي خلقنا وأوجدنا، وقوله:{وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: 156) إشارة إلى أنه لا بد من الحشر والقيامة، ومن المحال: أن أمة من الأمم لا يعرفون ذلك، فمن عرف عند نزول بعض المصائب أو عرف بأنه لا بد في العاقبة من رجوعه إلى الله تعالى، فهناك تحصل السلوى التامة عند تلك المصيبة، ومن المحال: أن يكون المؤمن بالله غير عارف بذلك. ومن ذلك نرى الخبر الذي أورده أبو السعود ضعيف سندًا متنًا.
ما قيل عن عقوق الوالدين
نختم بما قيل عن عقوق الوالدين في تفسير قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 23، 24).
فعند تفسير هاتين الآيتين ذكر أبو السعود عددًا من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رضا اللهِ في رضا الوالدين، وسُخْطُهُ في سخطهما" هذا الحديث رواه الهيثمي في (مجمع الزوائد) في رواية البزار عن ابن عمر، قال: في إسناده عصمة بن محمد، وهو متروك.
وقال يحيى بن معين عنه: إنه كذاب يضع الحديث، هذا راوي الحديث الذي فيه عصمة بن محمد، ورواه السيوطي في (الجامع الصغير) معزو في الطبراني في (الكبير) عن ابن مسعود، وتعقبه المناوي بأن المتهم به عصمة بن محمد كما قال الهيثمي، وروى الترمذي في (سننه) هذا الحديث بإسناد آخر مرفوعًا وموقوفًا؛ بيد أنه رجح الموقوف فقد ثبت عنه أنه رواه من حديثِ خالد بن الحارث عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا، ثم ساقه من حديث محمد بن جعفر عن شعبة به نحوه ولم يرفعه، قال: وهذا أصح.
وهكذا رواه أصحاب شعبة عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو موقوفًا، ولا نعلم أحدًا رفعَهُ غير خالد بن الحارث، وهو ثقة مأمون، وهكذا يبدو أن الوقف به أشبه، وإذا علم أن الحديث موقوف فمن الخطأ رفعه كما توهم أبو السعود وغيره، على أن في سند المرفوع ما يمنع قبوله كما سبق بيانه.
ومن الأحاديث التي قيلت في عقوق الوالدين ونقلها أبو السعود أيضًا هذا الحديث "يفعل البار ما شاء أن يفعل، فلن يدخل النار، ويفعل العاق ما شاء أن يفعل، فلن يدخل الجنة" هذه الأحاديث التي وردت في عقوق الوالدين ضعيفة أو غير صحيحة، فهذا الحديث ذكره اب ن عمران من رواية الديلمي من حديث الحسين بن علي، وقال: فيه عيسى بن عبد الله، وأصرم بن حوشب؛ الأول متهم بالكذب، والثاني: منكر الحديث، قال عنه يحيى: كذاب خبيث، وقال البخاري ومسلم والنسائي عنه: متروك، وقال ابن حبان: إنه كان يضع الحديث.
وذكر الشوكاني هذا الحديث ضمن (الأحاديث الموضوعة في الفوائد المجموعة) وقال عنه: في إسناده كذاب، وبناء على هذا فإن الحديث لا يصح من حيث السند ولا من حيث المتن، فهو كذلك من حيث المتن لا يصح؛ لأنه يدل بظاهره على أن البار بوالديه لن يدخل النار بأي حال من الأحوال، وهذا لم يقل به مسلم، فدخول النار لا يمتنع على أيِّ إنسانٍ مهما كان إلا برحمة من الله تعالى، حتى يقال: إن البار لن يدخلها، ولو ارتكب من المعاصي ما شاء، وكذلك دخول الجنة لا يرحم منه أي إنسان نطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، حتى يقال: إن العاق لن يدخلها، ولو عمل من الطاعات ما شاء.
على كل حال: ليست الطاعات محصورة في بر الوالدين، ولا المعاصي محصورة في عقوق الوالدين.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.