الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن عشر
(الدخيل في المنقو ل عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1))
تابع علامات الحديث الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
العلامة الخامسة من علامات الحديث الموضوع - العلامة التي تعود إلى النص-: أن يكون الحديث مخالفًا للعقل، ومثل هذا ما ذكر له السيوطي أمثلة، بقوله: ومن المخالف للعقل ما رواه ابن الجوزي من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا، وصَلَّتْ عند المقام ركعتين" وسبق هذا الحديث، فيما تكلمنا عن الدخيل في سفينة نوح عليه السلام.
وقد أسند من طريقه محمد بن شجاع البلخي، عن الحسان بن هلال، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة مرفوعًا:"إن الله خلق الفَرَسَ فأجراها فعرقت، فخلق نفْسَهُ منه" هذا الحديث سنورده بتفصيل أكثر ونعرف أنه لا يضعه مسلم ولا عاقل، فهذا الحديث كما نقلته كتب النقد البينة الواضحة؛ قد نقل عن ابن قتيبة.
الحديث يدخله الشوب والفساد من وجوه ثلاثة من الزنادقة واجتيالهم للإسلام، وكالأحاديث التي ذكروها من عرق الخيل، وعيادة الملائكة، وقصص الذهب على جملٍ أورق، وزغب الصدر، ونور الذراعين، مع أشياء لا تعقل، وليست تخفى على أهل الحديث.
قال شيخنا أبو شهبة، وهو يروي لنا هذا الحديث بتفصيل، يقول: حديث عرق الخيل هو ما روي كذبًا " أن الله لما أراد أن يخلق نفسه، خلق الخيل وأجراها فعرقت، فخلق نفسه منها"، قال ابن عساكر: هذا حديث موضوع، وضعه الزنادقة؛ ليشنعوا على أهل الحديث في روايتهم المستحيلَ، وهو مما يقطع ببطلانِهِ عقلًا وشرعًا.
أما حديث عيادة الملائكة: فهو ما روي كذبًا أيضًا "أن الله اشتكت عيناه، فعادته الملائكة" وأما حديث قصص الذهب فلعل المراد به ما روي كذبًا "ينزل ربنا عشية عرفه على جمل أورق، يصافح الركبان ويعانق المشاة" قال العلامة ابن تيمية: هو من أعظم الكذب، أما حديث زغب الصدر؛ فهو أيضًا ما روي زورًا "خلق الله تعالى الملائكة من شعر ذراعيه وصدره، أو نورهما".
أحاديث كلها كذب لا تقبل لا عقلًا ولا شرعًا ولا منطقًا، وربما يكون لنا عودة إلى أنواع من الأحاديث، التي ذكرتها الفرق الضالة والزنادقة، كما فعلت الخوارج والقدرية والمرجئة والكرامية والباطنية.
ونظرة سريعة: الخوارج: هم الذين خرجوا على علي ومعاوية وأتباعهما، بعد ارتضاءِ عليٍّ ومعاوية بالتحكيم، وقالوا -أي الخوارج-: لا حكم إلا لله.
القدرية هم الذين يقولون: إن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، فقد سلبوها عن الله سبحانه ونسبوها لأنفسهم.
المرجئة: هم الذين يؤخرون الأعمال عن الإيمان، ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفرِ طاعة.
أما الكرَّامية: فهم أتباع محمد بن كرَّام السجستاني.
الباطنية: هم الذين يقولون: إن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، والمراد الباطن، ونسبة الباطن إلى الظاهر كنسبة اللب إلى القشر، ولهؤلاء أحاديث وضعوها تؤيد مذاهبهم، وينتصرون بها لأهوائهم، لنا عودة إلى نماذج من كلام هؤلاء فيما يأتي -إن شاء الله.
نعود إلى استكمال هذا الحديث، الذي ذكره لنا الإمام السيوطي رحمه الله في (تدريب الراوي)، يقول: هذا الحديث: "إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت، فخلق نفسه منه" لا يضعه مسلم ولا عاقل، والمتهم به محمد بن شجاع كان زائغًا في دينه، وفيه أبو المهزم؛ قال شعبة: رأيته ولو أعطي درهمًا وضع خمسين حديثًا.
سادسًا: من علامات وضع الحديث الراجع إلى متنه: أن يكون الحديث مخالفًا لما ثبت من حقائق تاريخية.
وذلك كالحديث الذي رواه ابن الجوزي في (الموضوعات) في فضائل السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وَرَدَ من طريقين عن عمر رضي الله عنه ومن أربعة طرق عن عائشة رضي الله عنها وينص هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيرًا ما يقبل فاطمة، فقالت له أم المؤمنين عائشة: يا رسول الله، أراك تفعل شيئًا لم تفعله، قال:"أو ما علمتي يا حميراء، أن الله عز وجل لما أسري بي إلى السماء أمر جبريل فأدخلني الجنة، ووقفني على شجرة، ما رأيت أطيبَ منها رائحةً، ولا أطيبَ ثمرًا، فأقبل جبريل يفرك، ويطعمني، فخلق الله عز وجل في صلبي منها نطفة، فكما صرت إلى الدنيا، وو اقعت خديجة فحملت بفاطمة، كلما اشتقت إلى رائحة تلك الشجرة شممت نحو فاطمة، فوجدت رائحة تلك الشجرة فيها، وأنها ليست من نساء أهل الدنيا، ولا تفعل، كما يفعل أهل الدنيا".
هناك روايات فيها أكثر من ذلك، قال عن هذا الحديث ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، لا يشك المبتدئُ في العلم في وضعه، فكيف بالمتبحر؟ ولقد كان الذي وضعه أجهل الجهال بالنقل والتاريخ، فإن فاطمة ولدت قبل النبوة بخمسِ سنين، وقد تلقفه منه جماعة أجهل منه؛ فتعددت طرقه، وذكره الإسراء كان أشد لفضيحته، فإن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة بعد موت خديجة رضي الله عنها فلما
هاجر أقام بالمدينة عشر سنين، فعلى قول من وضع هذا الحديث يكون لفاطمة يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين وأشهر.
وقال عنه الحافظ ابن حجر: فاطمة ولدت قبل ليلة الإسراء بالإجماع، وقال الذهبي: فاطمة ولدت قبل النبوة فضلًا عن الإسراء، كل هذا يدل على أن راوي هذا الحديث واضح كذبه، فقد ذكر ولادتها بعد التوقيت الصحيح بسنين طويلة.
سابعًا: من علامات الوضع في الحديث: أن يكون الخبر مخالفًا لسنة الله في الكون والإنسان، وذلك مثل حديث:"ابنتي فاطمة حوراءُ آدميةٌ، لم تحض ولم تطمث، وإنما سماها الله فاطمة؛ لأن الله تعالى فطمَهَا وحجبَهَا عن النار"، قال ابن عراق تعقيبًا على هذا الحديث: أخرجه الخطيب من حديث ابن عباس، وقال: ليس بثابت، وفيه غير واحد من المجهولين.
ثامنًا: أن يكون الخبر ركيكًا؛ هذه علامة من علامات الوضع الراجعة إلى متن الحديث: أن يكون الخبر ركيكًا في معناه؛ سواء اجتمعت مع ركاكة المعنى ركاكة في اللفظ أو لا، قال الحافظ ابن حجر: المدار في الركة ركة المعنى، فحينما وجدت دلت على الوضع، وإن لم ينضم إليها ركةُ اللفظ؛ لأن هذا الدين كله محاسن، والركة ترجع إلى الرداءة، أما ركاكةُ اللفظِ؛ فلا تدل على ذلك؛ لاحتمال أن يكون رواه بالمعنى؛ فغيَّرَ ألفاظه بغير فصيح.
تاسعًا: من علامات الوضع: أن يشتمل الحديث على إفراط ومبالغة في الثواب العظيم على العمل اليسير، أو اشتماله على المبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير.
وأكثر ما يكون ذلك في أخبار القصاص وحكايات المتصوفين، مثال ذلك حديث "من سمع سورة " يس " عدلت له عشرين دينارًا في سبيل الله، ومن قرأها عدلت له عشرين حجة، ومن كتبها وشربها أدخلت جوفه ألف يقين، وألف نور، وألف رحمة، وألف رزق، وألفَ هداية، ونزعت منه كل غل".
قال عنه الإمام الشوكاني: رواه الخطيب عن علي رضي الله عنه مرفوعًا، وهو ضعيف.
ومثال الثاني؛ أن يكون فيه وعيد شديد على العمل اليسير، حديث "من لم يداوم على أربع قبل الظهر، لم تنله شفاعتي" قال ابن عراق الدمشقي: سئل عنه الحافظ ابن حجر، فقال: لا أصل له.
ومن ذلك خبر "من أعان تارك الصلاة بلقمة، فكأنما أعان على قتل الأنبياء كلهم" قال الشوكاني: قال السيوطي في (الذيل): موضوع.
عاشرًا: من علامات الوضع: أن يكون الراوي رافضيًّا والحديث في فضائل آل البيت؛ لأن الروافض متعصبون لآل البيت، وذلك مثل حديث "خلقت أنا وعلي من نور، وكنا على يمين العرش، قبل أن يخلق آدم بألفي عام، ثم خلق الله آدم، فانقلبنا في أصلاب الرجال، ثم جعلنا في صلب عبد المطلب، ثم شق أسماء نا من اسمه، فالله محمود، وأنا محمد، والله الأعلى، وهذا علي" قال الشوكاني: هو موضوع، وضعه جعفر بن أحمد بن علي، وكان رافضيًّا وضاعًا.
وقد يعرف الوضع أيضًا، وهذا رقم حادي عشر والأخير: يعرف الوضع بقرائن في الراوي؛ وهذه الأشياء ترجع إلى الراوي أو المروي أو فيهما معًا، ومثال ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التيمي، أنه قال: كنت عند سعد بن طريف فجاء ابنه من الكُتَّابِ يبكي، فقال: ما لك؟ قال: ضربني المعلم، قال: لأخزينه اليوم، الحديث الذي سبقه، فقال الحديث، حدثني عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا:"معلمو صبيانكم شراركم؛ أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المسكين" هذا كلام واضح أنه موضوع من كلام الراوي، وسع ي د بن طريف هذا المذكور في السند، قال فيه يحي بن معين: لا يحل لأحدٍ أن يرويَ عنه، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث، وراوي القصة عنه سيفُ بن عمر، قال فيه الحاكم: اتهم بالزندقة، وهو في الرواية ساقط.