المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات - الدخيل في التفسير - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (1)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدخيل والأصيل

- ‌أنواع الدخيل، وفائدته

- ‌كيف نشأ الدخيل

- ‌معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات

- ‌الدرس: 2 الإسرائيليات (2)

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌أسباب تفشي الإسرائيليات، وخطورتها على أمة الإسلام

- ‌أقطاب الرواية الإسرائيلية:

- ‌الدرس: 3 الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1)

- ‌تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية

- ‌نماذج من الإسرائيليات

- ‌الدرس: 4 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (2)

- ‌تسلل الإسرائيليات إلى كتب التفسير

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم

- ‌الدرس: 5 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (3)

- ‌قصة عصا موسى عليه السلام، وقضية الأجلين

- ‌بعض مواقف موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

- ‌قصة "إرم ذات العماد

- ‌فتنة سليمان عليه السلام

- ‌الدرس: 6 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (4)

- ‌المسوخ من المخلوقات في روايات بني إسرائيل

- ‌ما ورد في بناء الكعبة المشرفة

- ‌الإسرائيليات في قصة التابوت

- ‌شجرة طوبَى

- ‌الدرس: 7 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (5)

- ‌قصة ذي القرنين:

- ‌قصة يأجوج ومأجوج

- ‌قصة الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 8 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (6)

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام

- ‌الدرس: 9 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (7)

- ‌تعقيب على قصة "إرم ذات العماد

- ‌الإسرائيليات التي وردت في سؤال موسى ربه الرؤية

- ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

- ‌الدرس: 10 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أصحاب الكهف

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الدرس: 11 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (9)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الدرس: 12 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (10)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة "بلقيس"، وما حدث لنبي الله سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الدرس: 13 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (11)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة نوح عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الدرس: 14 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 15 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (13)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إدريس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 16 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (14)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة لوط عليه السلام

- ‌الدرس: 17 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (1)

- ‌تعريف الحديث الموضوع

- ‌علامات الحديث الموضوع

- ‌الدرس: 18 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1)

- ‌تابع علامات الحديث الموضوع

- ‌حكم رواية الحديث الموضوع

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

- ‌ما جاء في فضل يونس عليه السلام، وما ورد في إهلاك قوم لوط

- ‌ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الدرس: 19 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (2)

- ‌تابع ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌الدرس: 20 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي

- ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌بعض القراءات الموضوعة

- ‌التفسير بالرأي

- ‌الدرس: 21 أنواع الدخيل في الرأي (1)

- ‌معنى الدخيل في الرأي

- ‌الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدرس: 22 أنواع الدخيل في الرأي (2)

- ‌تابع الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدخيل عن طريق الإلحاد

- ‌الدخيل عن طريق التفسير الصوفي

- ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

الفصل: ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

كتاب (تمييز الطيب من الخبيث) أخرجه ابن ماجه، والطبراني في (الأوسط) و (الصغير) من طريق المنكدر بن محمد المنكدر عن أبيه عن جابر، والمنكدر هذا ضعفوه من قِبَلِ حفظه، وهو في الأصل صدوق، لكن في السند من لا يعرف، والحديث عند البزار منقطع، قال شيخنا بعد إيراده من طرق كثيرة: وهو قوي.

وهذا الحديث أورده القاضي أبو بكر بن العربي من نفس الطريق في (أحكام القرآن)، وقال تعقيبًا عليه: قال سليمان: لا يروى هذا الحديث عن محمد بن المنكدر بهذا التمام والشعر إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الله بن خلصة.

كما أورد هذا الحديث ابنُ جرير في (المطالب العالية) من رواية بن أبي عمر عن الشعبي، وعنه قال حبيب الرحمن تعقيبًا عليه في كتابه (المطالب العالية)، ضعف البوصيري السند؛ لضعف محمد بن أبي ليلى، وإذا ثبت أن الحديث ضعيف السند منقطع غير متصل لا نعلم صحةَ نسبِهِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الخطأ البَيِّنِ رفعُهُ إلى المعصوم عليه الصلاة والسلام على أنه قد روي في بر الوالدين في (الصحيحين) وغيرهما ما يغني عن هذه الأحاديث، فقد ورد في فضل البر ما لا يحصى كثرة من الأحاديث، وصح عن العقوق أنه من أكبر الكبائر، وأقبح الذنوب.

‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

ننتقل بعد ذلك إلى أسباب وأحاديث أخرى لها صلةٌ بمثل هذا:

نَرى كثيرًا من المفسرين حول الموضوع والضعيف من أسباب النزول، قد أوردوا كثيرًا من الأسباب، فذكَرُوا في تفاسيرهم أسبابًا للنزول، ولم يلتزموا الصحة فيما ذكروهُ من أسباب، بل إنهم سودوا كتبهم بما هو ضعيف السند، أو واهي الأساس، وربما ذكروا ما يتعارض مع نصٍّ من نصوص الإسلام، أو يتنافى مع الإجماع.

ص: 366

من تلك الروايات في قوله سبحانه وتعالى حول هذه الآية: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} (هود: 5) قال أبو السعود عند تفسير هذه الآية: روي عن بن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في الأخنس بن شريق، وكان رجلًا حلوَ المنطق حسنَ السياق للحديث، يُظْهِرُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة، ويضمر في قلبه الحقد والبغضاء، هذا السبب ذكره الواحدي عن الكلبي بدون إسناد، والكلبي هذا متهم بالكذب من علماء الجرح والتعديل، قال أبو النضر: الكلبي تركه يحيى بن معين، وابن مهدي، ثم قال البخاري: قال علي: حدثنا يحيى عن سفيان، قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح، فهو كذب. انظر:(ميزان الاعتدال) للذهبي، وذكره أيضًا ابن الجوزي في (الموضوعات) في تفسيره (زاد المسير) وبيَّن أنه حديث ضعيف، وقال: رواه أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما ومعلوم: أن طريق أبي صالح عن ابن عباس من أوهى الطرق.

وقال الحافظ ابن حجر: إن ما ذكره أبو السعود سبب في نزول الآية، وفي أنها نزلت في المنافقين بعيدٌ جدًّا عن الصواب؛ لأن الآية مكيةٌ، والنفاق إنما حدثَ بالمدينةِ، فكيف يتسنَّى القول: بأنها نزلت با لمنافقين، هذا ما أورده البعض.

في قوله -جل وعلا-: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} (الرعد: 31)، قال أبو السعود في سبب نزول هذه الآية، قيل: إن أبا جهل وأضرابه قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن كنت نبيًّا سَيِّر بقرآنك الجبال عن مكة، حتى تتسع لنا، ونتخذ فيها البساتين والقطائع، وقد سُخِّرَتْ لداود عليه السلام فلست بأهون على الله منه، إن كنت نبيًّا كما زعمت، أو سخر لنا به الريح كما سخرت لسليمان عليه السلام لنتَّجِرَ عليها إلى الشام؛ فقد شق

ص: 367

علينا قطع المسافة البعيدة، أو ابعث لنا رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا" فنزلت الآية.

قال عنه الحافظ ابن حجر، بعد أن ذكر هذا الكلام بالنص: لم أجدْهُ بهذا السياق، وذكره الطبري ابن جرير بنحوه، حيث أخرج في تفسيره روايات عديدة حول هذا المعنى بسندٍ ضعيفٍ، وكذا الواحدي في أسبابه، بهذا المعنى مطولًا بسندٍ فيه ضعف، حيث أخرجَهُ من طريق عبد الجبار بن عمر الإيلي عن عبد الله بن عطاء عن جدته أم عطاء مولاة الزبير، فابن عمر ضعيف، عنده مناكير، كما قال عنه الإمام البخاري، وابن عطاء قال عنه الحافظ ابن حجر في (التقريب): صدوق يخطئ ويدلس.

وإضافة إلى ما سبق: ف إن السورة مدنية في قول أكثر العلماء، كذا قال صاحب (الإتقان)، وعلى هذا إذا كانت السورة مدنية؛ فإن ما ذكره أبو السعود سببًا لنزولِ الآية، يحول دون صحتِهِ الواقع التاريخي لزمن النزول، فسورةُ " الرعد " مدنيةٌ نزلت بالمدنية، وأبو جهل كان بمكةَ، فكيف يتسنَّى القول ب أنها نزلت في أبي جهل.

أيضًا من الأسباب في قوله -تبارك تعالى-: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} (الإسراء: 73)، أوردوا في سبب نزولها أحاديث، وأسباب واهية، فهذا أبو السعود يقول: نزلت في ثقيف، إذ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:"لا ندخل في أمرك، حتى تعطينا خصالًا نفتخر بها على العرب؛ لا نحشر، ولا نعشر، ولا ننحني في صلاتنَا، وكل رِبًا لنا فهو لنا، وكل رِبًا علينا فهو موضوع عنَّا، وأن تمتعنَا باللاتِ سنة، وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة، فإذا قالت العرب: لما فعلت؟ فقل: إن الله أمرني بذلك"(تفسير أبي السعود).

ص: 368

هذا السبب ذكره الواحدي أيضًا في أسبابه دون سند، عن عطاء عن ابن عباس، وعنه قال الحافظ ابن حجر: لم أجده، وذكره الثعلبي عن ابن عباس من غير سند.

وتتوالى أسباب النزول الضعيفة والإسرائيليات، وما أكثرها، نوجز منها أيضًا هذه المواقف التي وردت معنا في المنهج.

ف أيضًا حول سورة {ق وَالقرآن الْمَجِيدِ} (ق: 1)، ذكروا حول جبل " ق " المزعوم وحدوث الزلازل التي تحصل كلامًا ضعيفًا أو باطلًا لا يعقل ولا يقبل؛ فمن ذلك ما ذكره بعضهم في تفسير قوله تعالى:{ق وَالقرآن الْمَجِيدِ} ذكر صاحب (الدر المنثور) وغيره روايات كثيرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"خلق الله من وراء هذه الأرض، بحرًا محيطًا بها، ثم خلق من وراء هذا البحر جبلًا يقال له: " ق " سماء الدنيا مرفوعة عليه، ثم خلق الله تعالى من وراء هذا الجبل أيضًا مثل تلك الأرض سبع مرات، واستمر على هذا حتى عد سبع أراضين، وسبعة أبحر، وسبعة أجبل، وسبع سماوات؛ وهذا الأثر لا يصح سنده عن ابن عباس، وفيه انقطاع، ولعل البلاء فيه من المحذوف.

ولو سلمنَا صحته عنه؛ فقد أخذه ابن عباس من الإسرائيليات.

وأخرج بن أبي الدنيا، وأبو الشيخ عنه أيضًا، قال:"خلق الله جبلًا يقال له: " ق " محيط بالعالم، وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل قريةً، أمر ذلك الجبل فيحرك العرق الذي يلي تلك القرية، فيزلزلهَا ويحركهَا، فمن ثم تتحرك القرية دون القرية" وكل ذلك كما قال القرافي: لا وجود له، ولا يجوز اعتمادُ ما لا دليل عليه، وهو من خرافات بني إسرائيل الذين يقع في كلامهم الكذب والتغيير والتبديل، دست على هؤلاء الأئمة، أو

ص: 369

تقبلوها بحسن نية، ورووها لغرابَتِها لا اعتقادًا بصحتها، ونحمد الله أن وُجِدَ في علماء الأمة من ردَّ هذا الباطل وتنبه له، قبل أن تتقدم العلوم الكونية، كما هي عليه اليوم.

ومن العجيب: أن يتعقب كلام القرافي ابن حجر الهيتمي، فقال: ما جاء عن ابن عباس مروي من طرق خرجها الحفاظ، وجماعة ممن التزموا تخريج الصحيح، وقول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وأنا أقول للشيخ الهيتمي: إن تخريجَ من التزم الصحةَ ليس بحجة، وكم من ملتزمٍ شيئًا لم يفِ بِهِ، والشخص قد يسهو ويغلط مع عدالَتِهِ، وأنظار العلماء تختلف؛ هذا كلام شيخنَا أبو شهبة، يقول: انظر العلماء تختلف، والإمام الحاكم على جلالته، صحح أحاديث حكم عليها الإمام الذهبي وغيره بالوضع، وكذلك ابن جرير على جلالة قدرِهِ أخرج رواياتٍ في تفسيره حكم عليها الحفاظ بالوضع والكذب، ولو سلمنَا صحتهَا عن ابن عباس فلا ينافي ذلك أن تكون من الإسرائيليات الباطلة، كما قال العلماء غير مرة.

وأما أن لها حكم الرفع فغير مُسَلَّم؛ لأن المحققين من أئمة الحديث على أن ما لا مجال للرأي فيه له حكم الرفع؛ إذا لم يكن الصحابي ممن عُرِفَ بأنه يأخذ عن مسلمةِ أهلِ الكتاب، وابن عباس ممن أخذ عنهم، فلا يسلَّمُ لكلامه أن يكون له حكم الرفع، ثم يقول الشيخ أبو شهبة: أقول للهيتمي، ومن يرى رأيه: أي فائدةٍ نجنيهَا من وراء هذه المرويات التي لا تتقبلها عقول تلاميذ المدارس فضلًا عن العلماء، اللهم إلا أننا نفتح با لانتصار لها بابًا للطعن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا جاز هذا في عصور الجهل والخرافات فلا يجوز اليوم؛ وقد أصبح رواد الفضاء يطوفونَ حولَ الأرض، ويرونها معلقة في الفضاء بلا عمد ولا جبال ولا

ص: 370

بحار ولا صخرة استقرت عليها الأرض، فهذه الإسرائيليات مخالفة للحس والمشاهدة قطعًا، فكيف نتعلق بها؟

وهو يقصد بكلمة عصور الجهل والخرافات، المراد عصور جهل أهل الكتاب الذين بدل وا وغيروا، أما عصور المسلمين وحكم المسلمين فهي -بفضل الله- زاهية، وعصور تقدم وازدهار.

يقول شيخنا: ورحم الله الإمام الألوسي حيث قال: والذي أذهب إليه ما ذهب إليه القرافي؛ من أنه لا وجود لهذا الجبل بشهادة الحِس، فقد قطعوا هذه الأرض برَّهَا وبحرهَا على مدار السرطان مرات، فلم يشاهدوا ذلك، والطعن في صحةِ الأخبارِ، وإن كانَ جماعةٌ من رواتِهَا ممن التزم تخريجَ الصحيح أهون من تكذيب الحس، وأمْرُ الزلازل لا يتوقف أمرها على ذلك الجبل، بل هي من الأبخرة المتولدة من شدة حرارة جوف الأرض، وطلبها والخروج مع صلابة الأرض، فيحصل هذا الاهتزاز، وإنكار ذلك مكابرة عند من له عرق من الإنصاف.

هذا كلام العلامة الألوسي، وهو على كل حال ليس متخصصًا في علوم الفيزياء والطبيعة، لكن هذا اجتهاده، والمشاهد والحس الذي نراه يبين أنه لا صلة ب هذه الجبال والبحار التي ذكرت؛ فهي خرافات وأباطيل نقلت عن بني إسرائيل.

يقول شيخنا: ولا أدري لو أن الإمام الجليل الألوسي عاش في عصرنا هذا، ووقف على ما وقفنا عليه من عجائبِ الرحلات الفضائية ماذا كان يقول؟ إن كل مسلم ينبغي أن يكون له من العقل الواعي المتفتح والنظر الثاقب البعيد ما لهذا الإمام الكبير.

وإليك ما قاله عالم حافظ ناقد سبق الإمام الألوسي بنحو خمسة قرون؛ ألا وهو الإمام ابن كثير، المتوفى سنة أربعمائة أربعة وسبعين قبل الإمام الألوسي بخمسة

ص: 371

قرون، فقد قال في تفسيره عند هذه الآية، وقد روي عن السلف أنهم قالوا:" ق " جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل "ق"، وكأن هذا -والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب، وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افتري في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائِهَا وحفظاهَا وأئمتهَا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم، فكيف بأمر بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه، وتبديل كتبِ الله وآياته؟

وإنما أباحَ الشارع الروايةَ عنهم في قوله: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تحيله العقول، ويحكم عليه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل والله أعلم. هذا كلام العلامة ابن كثير.

قال: وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين، وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم ولله الحمد والمنة، حتى إن الإمام ابن أبي حاتم الرازي أورد هنا أثرًا غريبًا لا يصحُ سنده عن ابن عباس، ثم ساق السند والمتن الذي سبق ذكره، ثم قال: ف إسناد هذا الأثر فيه انقطاع؛ أي: راوٍ سقط من رواته.

والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما-في قوله: عز وجل {ق} هو اسم من أسماء الله عز وجل والذي ثبت عن مجاهد، وهو من تلاميذ ابن عباس الملازمين له الناشرين لعلمِهِ، أنه حرفٌ من حروف الهجاء، كقوله تعالى:{ص} (ص: 1){ن} (القلم: 1){حم} (غافر: 1){طس} (النمل: 1){الم} (البقرة: 1)، فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما.

ص: 372

ولننقل إلى سبب آخر مما أورده المفسرون، حول قوله تعالى:{ن * وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (القلم: 1، 2) فقد ورد فيها إسرائيليات؛ ففي قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ} ذكروا أنه الحوت الذي على ظهره الأرض ويسمى اليهموت، وقد ذكر ابن جرير، والسيوطي روايات عن ابن عباس؛ منها:"أول ما خلق الله القلم؛ فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء، وخلقت منه السموات، ثم خلق النون فبسطت الأرض عليه، فاضطرب النون فمادت الأرض؛ أي: تحركت ومالت، فأثبتت أو أثبتت بالجبال".

وقد روي عن ابن عباس أيضًا في معنى {ن} أنه الدواة، ولعل هذا هو الأقرب والمناسب لذكر القلم، وقد أنكر الزمخشري، ورود {ن} بمعنى الدواة في اللغة، ور وي عنه أيضًا أنه الحرف الذي في آخر كلمة الرحمن؛ أي: روي عن ابن عباس هذا، وأن هذا الاسم الجليل فرق في {الر} (الحجر: 1) و {حم} (غافر: 1) و {ن} (القلم: 1) واضطراب النقل عنه يقلل الثقة بما روي عنه؛ ولا سيما الأثر الأول عنه، والظاهر أنه افتراء عليه أو هو من الإسرائيليات ألصق به رضي الله عنه.

وإليك ما قاله إمام حافظ؛ وهو الإمام ابن القيم إمام حافظ ناقد من مدرسة اشتهرت بأصالة النقد، قال في أثناء كلامه على الأحاديث الموضوعة: ومن هذا حديث أن {ق} جبل من زمردة خضراء، محيط بالدنيا، كإحاطةِ الحائط بالبستان، والسماء واضعة أكنافها عليه، ومن هذا حديث أن الأرض على صخرة، والصخرة على قرن ثور، فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة؛ فهذا من وضع أهل الكتاب الذين قصدوا الاستهزاء بالرسل.

وقال الإمام أبو حيان في تفسيره لا يصح من ذلك شيء ما عدا كونه اسمًا من أسماء حروف الهجاء، ولعل هذا الرأي بأن {ق} و {ن} إنما هي أسماء

ص: 373

من أسماء الحروف، هو الرأي الراجح في فواتح السور من أمثال:{الم} و {حم} وغيرها، فهي أسماء مسمياتُهَا الحروف الهجائية؛ لتكون بمثابةِ الدليلِ على إعجاز القرآن، والدليل على كونِهِ من عندِ اللهِ -جل وعلا- كأن الله يقول: إن القرآن مؤلَّفٌ من جنس هذه الحروف، ومن كلمات من هذه الحروف، وقد تحدى به النبي صلى الله عليه وسلم الإنس والجن فعجزوا، وما ذلك إلا لأنه ليس من كلام بشر، وإنما هو من عند خالق القوى والقدر.

إذا ما انتقلنا إلى الأحاديث الموضوعة والأسباب التي أوردها المفسرون سنراها كثيرة، نجتزئ منها أيضًا ما أوردوه في فضائل السور والآيات، ولعل هذا العنوان سبق بإيجاز.

فقد أورد المفسرون ما يتعلق بأسباب النزول، وفيما يتعلق بفضائل السور، وفيما يتعلق بسيرةِ النبي صلى الله عليه وسلم كقصةِ الغرانيق، وتزوجه عليه الصلاة والسلام بالسيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها ومن هذه الموضوعات ما هو خفي دقيق لا يدركه إلا الحفاظ المتقنون العارفون بقواعد الجرح والتعديل وتواريخ الرجال، ومنهَا مَا لا يدركه من ليسَ له قدمٌ ثابتةٌ في حفظ الحديث ونقده، والعلم برجاله وأحوال رواته؛ لأن ذلك يصادم المعقول، ويناقض ما أجمع عليه العلماء من عصمةِ الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فلذلك رد العلماء النقاد هذه الأكاذيب التي يكذبها القل والنظر، ولم يت وسعوا في نقلها وروايتها، فكان على الجميع أن يستدرك ما فاتهم، وأن نتوسع نحن في نقد ما أوردوه سواء من جهة السند أو من جهة المتن.

ومن هذه المرويات المختلقة ما أجمع العلماء على الحكمِ بوضعه واختلاقه، ولكن الوقوف على كلامِهِم وكتبهم ليس متيسرًا، ولا سهلًا على كل قارئ؛ فمن ثم وقع فيما وقع فيه الكثيرون من الاغترار بهذه المرويات وأمثالها، ولذلك

ص: 374

إتمامًا للفائدة وإكمالًا للبحث كان لزامًا أن نتعرض لما علمناه من الموضوعات، ونكشف عما قاله العلماء في تزييف هذه الموضوعات.

الأحاديث الموضوعة في فضائل السور والآيا ت:

وضعت أحاديث كثيرة في فضائل السور والآيات، وقصد واضعوها ترغيب الناس في قراءة القرآن، وزعموا أن في ذلك حسبة إلى الله تعالى، وهذا غلط وسوء قصد وزعم باطل؛ لأن الحديث واضح وهو قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:((من كذب علي متعمد ً افليتبوأ مقعده من النار))، حديث متفق عليه.

من الأحاديث في فضائل السور حديث أبي بن كعب ولعلني ذكرته فيما مضى باختصار، هذا الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل القرآن سورة سورة، فقد بحث مؤمل بن إسماعيل حتى وصل إلى من اعترف بوضع هذا الحديث، قال مؤمل: حدثني شيخ بهذا الحديث فقلتُ له: مَن حَدَّثَكَ بهذا؟، قال: رجل بالمدائن، وهو حي، فسرتُ إليه فقلتُ: مَن حَدَّثَكَ بهذا؟، قال: حدثني شيخ بواسط، فسرتُ إليه فقلتُ: مَن حَدَّثَكَ بهذا؟، قال: حدثني شيخ بالبصرة، فسرتُ إليه فقلتُ: مَن حَدَّثَكَ بهذا؟، فقال: حدثني شيخ بعبادان، فسرتُ إليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتًا، فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ الذي حدثني، فقلتُ: يا شيخ مَن حَدَّثَكَ بهذا؟ فقال: لم يحدثني أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن؛ فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن الكريم.

وهذا الحديث روي من طرق كثيرة؛ روي من طريق علي بن زيد بن جدعان وعطاء بن أبي ميمونة كلاهما عن ذر بن حبيش عن أبي بن كعب، ومن طريق

ص: 375

هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي بن كعب، ومن طريق آخر؛ والحديث بجميع طرقه باطل موضوع. وا بن المبارك روي عنه أنه قال: أظنه من وضع الزنادقة.

ومن ذلك أيضًا حديث عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، فقد سئل عنه واضعه نوح بن أبي مريم، فقال: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة، ونوح بن أبي مريم هذا هو ملقب بالجامع لجمعه علوم ً اكثيرة؛ درس الفقه عن أبي حنيفة وا بن أبي ليلى، ودرس التفسير عن الكلبي، والمغازي والسير عن محمد بن إسحاق، والحديث عن حجاج بن أرطاء، قيل: إ نه قيل إنه كان جامع ً الكل شيء إلا الصدق وسبقت الإشارة إلى مثل هذا.

على كل حال: إن المحدثين قد خطئوا من ذكر هذه الأحاديث في تفاسيرهم، كالثعلبي في (الكشف والبيان) والواحدي في ت فسيره وأسباب نزوله، والزمخشري والنسفي والبيضاوي وأبي السعود وغيرهم كثير وكثير، إلا أننا نلتمس العذر القليل للسابقين، فمن أبرز السند وذكره كالثعلبي والواحدي فعذره أيسر؛ إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، أما من لم يبرز السند وأورده بصيغة الجزم فخطأه كبير وعذره كبير؛ كالزمخشري والنسفي والبيضاوي وأبي السعود وغيرهم إلى آخره.

ننتقل بعد ذلك إلى ما أورده المفسرون، هناك أحاديث موضوعة عن غير أبي بن كعب، ففي فضائل السور ذكر الزمخشري والبيضاوي في فضل الفاتحة،

ص: 376

قالا: وعن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتمًا مقضيًّا، فيقرأ صبيًّا من صبيانهم في الكتاب، الحمد لله رب العالمين، فيرفع الله عنهم العذاب أربعين سنة" قال ولي الدين العراقي: في سنده الجويباري، ومأمون الهروي وهما كذابان، فهذا الكلام من وضع أحدهما، إلى آخر ما يورده المفسرون حول بعض الآيات.

أيضًا أوردوا في فضل آية الكرسي كلام ً اكثير ً اوأحاديث موضوعة كثيرة. راجع (الكشاف) فيما أورده، فقد أورد حول هذه الآية " ما قرئت هذه الآية في دار، إلا إهتجرتها الشياطين ثلاثين يومًا، ولا يدخله اساحر ولا ساحرة، أربعين ليلة، يا علي علمها ولدك وأهلك وجيرانك، فما نزلت آية أعظم منها".

ومع هذه الأحاديث الموضوعة فلا يخفى أن سورة الفاتحة وآية الكرسي، قد ورد في فضلهما أحاديث صحيحة كثيرة، ليس المقام الآن مقام ذكرها.

مما ينبغي أن نشير إليه أن المفسرين قد يذكرون أحاديث صحيحة في الفضائل، فلا يظن إخواننا طلاب العلم أن جميع ما أورده المفسرون؛ كالزمخشري والبيضاوي والنسفي وغيرهم في الفضائل موضوع، فهناك أحاديث في غاية الصحة، هناك ((من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)) متفق عليه.

وهناك أيضًا: ((أوتيت خواتيم سورة البقرة من كنز من تحت العرش، لم يؤتهن نبي قبلي))، وهناك الأحاديث في الفاتحة ((ألا أخبرك بسورة لم ينزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فاتحة الكتاب؛ إنها السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته)) وتفسير الحافظ ابن كثير والعلامة الألوسي كلاهما، من أجل ما يعتمد عليه في أحاديث الفضائل ما صح منها وما لم يصح.

ص: 377

ولا يخفى أن السور التي صحت في فضلها الأحاديث هي الفاتحة والزهراوان -أي البقرة وآل عمران - والأنعام والسبع الطوال مجملة وسورة الكهف وسورة يس، والدخان والملك والزلزلة على اختلاف في تصحيح هذه الأحاديث أو تحسينها وسورة النصر والكافرون والإخلاص والمعوذتان، وما عدا هذه السور لم يصل إلى علمنا أنه صح فيها شيء يرقى إلى درجة الصحة، وأصح ما ورد في فضائل السور ما ورد في سورة الإخلاص والبقرة، والحمد لله وردت أحاديث كثيرة حسان، وبعضها اختلف العلماء في تحسينها أو تضعيفها، لكن لم تصل إلى حد الوضع.

هيا بنا ننتقل إلى جزء آخر من الأحاديث الموضوعة في أسباب النزول؛ فمن الأحاديث والآثار الموضوعة في كتب التفاسير وما يتعلق بأسباب النزول ما سأذكره في هذه الروايات.

من ذلك قصة الغرانيق، وقصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها سبق الكلام تفصيلًا عن قصة السيدة زينب، لكن لا مانع أن نزيد من بيان ما فيها من دخيل، وردود العلماء على هذه الشبهة التي أكثر المفسرون فيما رووا من الأحاديث الباطلة والموضوعة في هذه القصة.

وما روي في سببِ نزولِ قوله تعالى أيضًا: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} (البقرة: 14)، روى ابن عباس: أنها نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه، حينما خرجُوا ذات يوم، فاستقبلهم نفرٌ من الصحابة، فقال ابن أبي: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فأخذ بيد الصديق رضي الله عنه فقال: مرحبًا بالصديق سيدٍ بني تميم، وثاني رسول الله في الغار، وأخذ بيد عمر فقال: مرحبًا بالفاروق، ثم أخذ بيد علي فقال: مرحبًا بابن عم النبي وختنه - الختن؛ أي: زوج الابنة فهو زوج السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها- سيد بني هاشم، ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم افترقوا، فقال ابن أبي لأصحابه: انظروا كيف أرد هؤلاء؟ فإذا قابلتموهم فافعلوا مثل ما فعلت.

ص: 378

وهذا من رواية السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال ابن حجر في تخريج أحاديث (الكشاف) هو سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب، وآثار الوضع لائحة عليه، وسورة " البقرة " نزلت في أوائل الهجرة، وتزوج علي بفاطمة كان في السنة الثانية، انظر: كيف نقد الحافظ القصة من جهة السند والمتن، وهذا يرد مزاعم المستشرقين وأتباعهم من أنهم عنوا بنقد السند دون المتن، وقد ذكر هذا السبب الثعلبي، والواحدي، والزمخشري والنسفي في تفاسيرهِم، ولم يتنبه أحد منهم إليه، وتنبه له شيخ المفسرين ابن جرير فلم يذكره، وكذا ذكره السيوطي في (الدر) إلا أنه قال: بسندٍ واهٍ، وكان عليه ألا يذكره ما دامَ سندهَا واهيًا، وقد سمعتَ مقالة الحافظ ابن حجر فيه.

من ذلك أيضًا من أسباب النزول الموضوعة: ما ذكره بعض المفسرين في سبب نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} (البقرة: 104)، فقد روى أبو نعيم في (الدلائل) من رواية محمد بن مروان السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال:{رَاعِنَا} بلسان اليهود السب القبيح، فكانت اليهود تقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرًّا، فلما سمعها أصحابه أعلنوا بِهَا، فكانوا يقولونها، ويضحكون منها، فسمعها سعد بن معاذ منهم، فقال: لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقَهُ فنزلت.

قال الحافظ ابن حجر في تخريجه: السدي الصغير متروك وكذا شيخه، أقول: وهي سلسلة الكذب -كما تقدم- وقد ذكر هذا الزمخشري والبيضاوي الألوسي وغيرهم.

ومن ذلك ما ذكره المفسرون أيضًا كالزمخشري والنسفي والخازن وغيرهم في سبب نزول قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة: 55)، فقد ذكروا: أنها نزلت في سيدنا علي، انظر: كلام الشيعة، وتعصب الفرق، قالوا: إنها نزلت في سيدنا علي رضي الله عنه حينما مر به سائل

ص: 379

وهو في الصلاة، فطرح له خاتمَهُ وتصدق به عليه، وهو راكع، وقد حكم عليه ابن الجوزي بالوضع، كما حكم عليه بالوضع أيضًا الإمام ابن تيمية، وغيره من الأئمة وأثر التشيع ظاهر عليه، وجميع أسانيده لا تخلو من ضعف وجهالة.

والمعروف عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم، أنهم ما كانوا يشتغلون في الصلاة بغيرها، بل كانوا في غاية الخشوع والاستغراق في الصلاة، والركوع هنا على معناه اللغوي؛ وهو الخشوع والخضوع، وهذا السبب ذكره ابن كثير في ت فسيره، وحكم على كل طرقِهِ بالضعفِ أو بالوضعِ؛ حيث جاء من طريق الكلبي.

إذا ما انتقلنا إلى قصة عظيمة الأثر، لها صدى واسع في كتب التفاسير، والتقطها المستشرقون ونسجوا منها خيوطًا كثيرة؛ ألا وهي قصة الغرانيق، فإن هذه القصة ذُكِرَت في كتب التفسير وغيرهَا، ولا يخفَى على عالمٍ أنها من نسجِ أعداءِ الإسلام، وأنها من الموضوعات، فسنبدأ بها.

ونقو ل: إن بعض المفسرين ذكروا في تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الحج: 52 - 54)، ويتعلق بهذه الآيات أيضًا ما ورد في تفسير قوله:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (النجم: 1، 2) إلى أن وصلنا إلى الآية: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْآخرى} (النجم: 19، 20) الآيات.

ذكر بعض المفسرين في سبب هذه الآيات ما قاله السيوطي أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر من طرق بسند صحيح -كما زعموا- زعموا أن السند

ص: 380

صحيح، ذكروا عن سعيد بن جبير قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} فلما بلغ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْآخرى} ألقى الشيطان على لسانه "تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى" فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجدوا وسجد"، فنزلت الآيات.

وأخرجه البزار وابن مردويه بوجهٍ آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما نحسبه وقال: لا يروى إلا متصلًا بهذا الإسناد، وبعد أن ذكر له طرقًا كثيرة، قال: وكلها إما ضعيفة وإما منقطعةٌ سوى طريق سعيد بن جبير الأولى، وهذا الطريق وطريقان آخران مرسلان عند ابن جرير هم معتمدُ المصححين للقصة كابن حجر والسيوطي.

والحق يقال: إن هذه القصة غيرُ ثابتة لا من جهة النقل، ولا من جهة العقل والنظر؛ أما من جهة النقل: فقد طعن فيها كثير من المحققين والمحدثين، قال الإمام البيهقي -وهو من كبار رجال السنة-: هذه القصة غير ثابتة من جهةِ النقلِ، وقال القاضي عياض في كتابه (الشفا): إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون، والمولعون بكل غريبٍ، المتلقفون من الصحف كل صحيحٍ وسقيم، ومن حُكِيَت عنهم هذه المقالة من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة وواهية.

وإذا ما أردنا أن نتابع أقوال العلماء النقاد؛ فيقول أبو بكر البزار: هذا الحديث لا نعرفه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل، وإنما يعرف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وأحاديث الكلبي مما لا يجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.

ص: 381