الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويشاطره نعمته، ويشركه في أمره، فوفى له ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله من النبوة العظيمة؛ ولهذا قال تعالى:{وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} ، الملك الذي كان بيد طالوت، والحكمة؛ أي النبوة بعد "شمويل"، {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء}؛ أي: من العلم الذي اختصه به عليه الصلاة والسلام.
الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام
-
في قصة موسى عليه السلام الكثير والكثير، وكنا تكلمنا عن نبي الله موسى وعن زواجه من بنات شعيب، وتكلمنا عن إفساد بني إسرائيل، وتكلمنا عن مواقف عدة، وها نحن ننتقل إلى عنوانٍ جديد، وهو: الإسرائيليات في عظم خلق الجبارين؛ القوم الجبارون الذين قال بنو إسرائيل لموسى: إن فيها قومًا جبارين، وخاف وا منهم، وما ورد في شأن عوج بن عنق من الخرافات.
الإسرائيليات التي وردت في هذا أيضًا كثيرة، أما الآيات فهي قول الله سبحانه وتعالى:{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون} (المائدة: 22)، الحقيقة إنّ بني إسرائيل مواقفهم كثيرة، فيها التعنت، فيها الجبن والخور، فيها الخوف، فيها الكبرياء، فيها الإفساد الذي لم يحدث له نظير بين البشر، إلى ما ذكر في هذا الشأن.
ذكر الجلال السيوطي في (الدر) عندما نتكلم عن السيوطي نحدد كتابه، لماذا؟ لأن الإمام السيوطي دون غيره من علماء التفسير والمفسرين عبر القرون له أكثر من تفسير؛ يعني إذا عرف ابن جرير بتفسيره في تفسير القرآن الكريم، هو تفسير واحد، (تفسير ابن جرير الطبري)، ابن كثير تفسير واحد، إنما الإمام السيوطي له (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) وله (تفسير الجلالين) وله (مطلع البدرين ومجمع
البحرين) وله (ترجمان القرآن) وله أيضًا تفسير (نواهد الأبكار وشواهد الأفكار) فعندما نقول السيوطي نحدد تفسيره.
الكتاب الذي حوى كثيرًا من الإسرائيليات هو الكتاب الذي عني فيه بالتفسير بالمأثور، وهو (الدر المنثور)، ولعله أوسع التفاسير عنده، ذكر كثيرًا من الروايات في صفة هؤلاء القوم وعظم أجسادهم، مما لا يتفق هو وسنة الله في خلقه، ومما يخالف ما ثبت في الأحاديث الصحيحة؛ من ذلك ما أخرجه ابن عبد الحكم عن أبي ضمرة قال:"استظل سبعون رجلًا من قوم موسى في خفِّ رجلٍ من العماليق"، خفِّ رجلٍ وسع سبعين رجلًا -يعني: كأنه خيمة كبيرة وسعت قبيلة من القبائل، ومثل ما أخرجه البيهقي في (شعب الإيمان) عن زيد بن أسلم قال:"بلغني أنه ر ئ يت ضبع وأولادها رابضة في حجاج عين رجل من العماليق"، في حجاج؛ يعني: حاجب عظيم، الحاجب فقط، كان داخله هذه الضبعة وأولادها، جالسة بأولادها في هذه المقلة الكبيرة.
ومثل ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "أُمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين، فسار بمن معه حتى نزل قريبًا من المدينة -وهي أريحاء- فبعث إليهم اثني عشر نقيبًا من كل سبطٍ منهم عين، ليأتوه بخبر القوم، فدخلوا المدينة، فرأوا أمرًا عظيمًا من هيبتهم وجسمهم وعظمهم، فدخلوا حائطًا -أي بستانًا لبعضهم- فجاء صاحب الحائط ليجني الثمار فنظر إلى آثارهم فتبعهم، فكلما أصاب واحدًا منهم أخذه، فجعله في كمه مع الفاكهة، وذهب إلى ملكهم، فنثرهم بين يديه، فقال الملك: قد رأيتم شأننا وأمرنا، اذهبوا فأخبروا صاحبكم، قال: فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوه من أمرهم، فقال: اكتموا عنا، فجعل الرجل يخبر أخاه وصديقه، ويقول: اكتم عني، فأشيع في عسكرهم،
ولم يكتم منهم إلا رجلان؛ يوشع بن نون وكا رم بن يوحنا، وهما اللذان أنزل الله فيهما:{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} (المائدة: 23).
ويروي ابن جرير بسنده عن مجاهد نحوًا مما قدمنا الآن، ثم يذكر:"أن عنقود عنبهم، لا يحمله إلا خمسة أنفس، بينهم فيه خشبة، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس، أو أربعة" إلى غير ذلك من الإسرائيليات الباطلة.
هيا ننتقل إلى خرافة عوج بن ع ن ق:
فمن الإسرائيليات الظاهرة البطلان أيضًا التي ولع بذكرها بعض المفسرين والإخباريين عند ذكر الجبارين؛ قصة عوج بن عنق، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع، وأنه كان يمسك الحوت فيشويه في عين الشمس، وأن طوفان نوح لم يصل إلى ركبتيه، وأنه امتنع عن ركوب السفينة مع نوح، وأن موسى كان طوله عشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع، ووثب في الهواء عشرة أذرع، فأصاب كعب عوج بن عنق فقتله، فكان جسرًا لأهل النيل سنة، إلى نحو ذلك من الخرافات والأباطيل التي تصادم العقل والنقل، وتخالف سنن الله في الخليقة.
يقول شيخنا الدكتور محمد أبو شهبة: ولا أدري كيف يتفق هذا الباطل، وقول الله تبارك وتعالى:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَاّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين} (هود: 42، 43) اللهم إلا إذا كان عوج أطول من جبال الأرض.
فمن تلك الروايات الباطلة المخترعة ما رواه ابن جرير بسنده عن أسباط عن السدي في قصة ذكرها من أمر موسى وبني إسرائيل، وبعث موسى النقباء الاثني
عشر، وفيها: فلقيهم رجل من الجبارين، يقال له: عوج، فأخذ الاثني عشر فجعلهم في حجزته -الحجزة: موضع الرباط على السروال- يعني أخذ الاثني عشر رجلًا فجعلهم في داخلة جزءٍ من الإزار، وعلى رأسه حملة حطب، وانطلق بهم إلى امرأته، فقال: انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا، فطرحهم بين يديها، فقال: ألا أطحنهم برجلي، فقالت امرأته: بل خلي عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا، ففعل ذلك، كلام لا يصدقه العقل.
وكذلك ذكر مثل هذا وأشنع منه غير ابن جرير والسيوطي بعض المفسرين والقصاصين، وهي كما قال ابن قتيبة: أحاديث خرافة، كانت مشهورة في الجاهلية، ألصقت بالحديث، بقصد الإفساد.
وينقل شيخنا الدكتور محمد أبو شهبة، يقول: وإليك ما ذكره الإمام الحافظ الناقد ابن كثير في ت فسيره، قال: وقد ذكر كثير من المفسرين ها هنا أخبارًا من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين، وأنَّ منهم عوج بن عنق، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعًا وثلثا ذراع " تحرير الحساب " وهذا شيء يُستحيا من ذكره، ثم هو مخالف لما ثبت في (الصحيحين)؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن)).
أنا أقف مع هذا الحديث وقفة يسيرة، ستون ذراعًا؛ أي ثلاثون مترًا، والخلق من آدم يتناقصون، فإذا ذكروا أن عوج بن عنق هذا كان طوله ثلاثة آلاف ذراع؛ يعني آدم عليه السلام ستون ذراعًا، وهذا الذي جاء من بعده بأجيال، طوله ثلاثة آلاف ذراع، وكان يمسك الحوت فيشويه في عين الشمس، وأن طوفان نوح لم يصل
إلى ركبتيه، وأن موسى كان بطوله هذا وعشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع ووثب في الهواء، ثم ما بلغ كعب عوج هذا، هذا كلام لا يعقل، وما أجمل سوق هذا الحديث من ابن كثير:((إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن)).
ثم ذكروا أنّ هذا الرجل كان كافرًا، وأنه كان ولد زانية، وأنه امتنع من ركوب سفينة نوح، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبتيه، وهذا كذب وافتراء؛ صدق ابن كثير، العلامة الناقد الحافظ، يستدرج أو يواصل الكلام فيقول: وهذا كذب وافتراء، فإنّ الله تعالى ذكر أن نوحًا عليه السلام دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال:{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (نوح: 26)، وقال تعالى:{فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُون * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِين} (الشعراء: 119، 120)، وقال تعالى:{لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَاّ مَن رَّحِمَ} ، وإذا كان ابن نوح الكافر قد غرق فكيف يبقى عوج بن ع ن ق وهو كافر وولد زانية أو ولد امرأة زنية، هذا لا يسوغ في العقل، ولا في الشرع، ثم في وجود رجل يقال: له عوج بن ع ن ق نظر؛ يعني: في وجود رجل بهذا الاسم نظر والله أعلم. هذا كلام العلامة ابن كثير في ت فسيره.
وينقل الدكتور أبو شهبة، فيقول: وقال العلامة ابن قيم الجوزية، بعد أن ذكر حديث عوج بن عنق: وليس العجب من جرأة من وضع هذا الحديث، وكذب على الله، وإنّما العجب ممن يدخل هذا في كتب العلم من التفسير وغيره، فكل ذلك من وضع زنادقة أهل الكتاب، الذين قصدوا الاستهزاء والسخرية بالرسل وأتباعهم، أقول -الكلام لابن القيم-: وسواء أكان عوج بن عنق شخصية وجدت حقيقة، أو شخصية خيالية فالذي أنكره هو ما أضفوه عليه من صفات، وما حاكوه حوله من أثواب الزور والكذب والتجرؤ على أن يفسر كتاب الله بهذا
الهراء، وليس في نص القرآن ما يشير إلى ما حكوه وذكروه، ولو من بعد أو على وجه الاحتمال، ثم أين زمن نوح من زمن موسى عليهما السلام وما يدل عليه آية:{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا} (المائدة: 22)، كان في زمن موسى قطعًا، ولا مرية في هذا، فهل طالت الحياة بعوق حتى وصل إلى زمن موسى؟ بل قالوا: إن موسى هو الذي قتله، ألا لعن الله اليهود، فكم من علمٍ أفسدوا، وكم من خرافات وأباطيل وضعوا وزينوا.
بهذا ننتهي من الحديث عن هذا الشخص الذي يدعى عوج بن عنق والخرافات التي انتشرت وفشت في إسرائيليات بني إسرائيل.
ننتقل بعد ذلك إلى قصة أخرى وهي تتعلق بموسى عليه السلام وما أكثر مواقف موسى في القرآن.
كان هناك قصة تسمى قصة التيه التي وردت فيها الآية، وهي قول الله - جل وعلا - بعد أن قال موسى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَاّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِين * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين} (المائدة: 25، 26).
حول هذه الآية في تفسيره أخبار عجيبة، رواها المفسرون، وتناقلوها في قصة التيه، من ذلك ما رواه ابن جرير بسنده عن الربيع، قال: لما قال لهم القوم ما قالوا، ودعا موسى عليهم، أوحى الله إلى موسى:{فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين} ، وهم يومئذٍ ستمائة ألف مقاتل، فجعلهم فاسقين بما عصوا، فلبثوا أربعين سنة في فراسخ
ستة، أو دون ذلك، يسيرون كل يوم جادين؛ لكي يخرجوا منها حتى يمسوا وينزلوا، فإذا هم في الدار التي منها ارتحلوا، وأنهم اشتكوا إلى موسى ما فعل بهم، فأنزل عليهم المن والسلوى.
المن والسلوى من نعم الله على بني إسرائيل، المن شيء كالعسل كان ينزل على الشجر من السماء فيأخذون ويأكلون، والسلوى طير لذيذ الطعم جدًّا يشبه طائر السماني، كما قال العلماء.
أنزل عليهم المن والسلوى، وأعطاهم من الكسوة ما هي قائمة لهم، ينشأ الناشئ فتكون معه على هيئته، وسأل موسى ربه أن يسقيهم، فأتى بحجر الطور، وهو حجر أبيض، إذا ما أنزل القوم، ضربه بعصاه فيخرج منه اثنتا عشرة عينًا، لكل سبط منهم عين {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} (الأعراف: 160).
وكذلك روي أن ثيابهم ما كانت تبلى ولا تتسخ، وكذلك نقل بعض المفسرين؛ كالزمخشري وغيره: أنهم كانوا ستمائة ألف وسعة المعسكر اثن اعشر ميلًا، وكذلك ذكروا أن الحجر كان من الجنة، ولم يكن حجرًا أرضي ًّ ا، ومنهم من قال: كان على هيئة رأس إنسان، ومنهم من قال: كان على هيئة رأس شاة، وقيل: كان طوله عشرة أذرع وله شعبتان تتقدان في الظلام إلى غير ذلك من تزيدات بني إسرائيل.
وليس في القرآن ما يدل على هذا الذي ذكروه في وصف الحجر، مع أنّه لو أريد بالحجر الجنس وأن يضرب أيَّ حجر ما، لكان أدل على القدرة وأظهر في الإعجاز.
لاحظ ابن خلدون من قبل المغالط التي تدخل في مثل هذه المرويات، فقال في مقدمته: اعلم أنّ فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية، إذ هو
يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يروم في أحول الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثبت.
ويستطرد قائلًا: ولو قيس الغائب منها على الشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق، وكثيرًا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع؛ لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غث ًّ اأو سمينًا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها ولا ثبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات.
ويستطرد ويقول: إن هذه الحكايات هي مظنة الكذب، ومطية الهذر ولا بد من ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد، وهذا كما نقل المسعودي وكثير من المؤرخين في جيوش بني إسرائيل وأن موسى أحصاهم في التيه، بعد أن أجاز من كان يطيق حمل السلاح خاصة من ابن عشرين فما فوقها، فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون، ويذهل في ذلك عن تقدير مصر والشام واتساعهما لمثل هذا العدد، ولقد كان ملك الفرس ودولتهم أعظم من ملك بني إسرائيل بكثير، يشهد لذلك ما كان من غلب " بختنصر " لهم والتهامه بلادهم واعتدائه على أمرهم وتخريب بيت المقدس، إلى آخره، وكانت ممالكهم بالعراق وخرسان وما وراء النهر، أوسع من ممالك بني إسرائيل بكثير، ومع ذلك لم تبلغ جيوش الفرس قط مثل هذا العدد ولا قريبًا منه، وأعظم ما كانت جموعهم بالقادسية مائة وعشرين ألفًا كلهم متبوع إلى آخره.
ويستطرد ابن خلدون، يقول: فلو بلغ بنو إسرائيل مثل هذا العدد لاتسع نطاق ملكهم، وانفسح مدى دولتهم، إلى آخره، وأيضًا فالذي بين موسى وإسرائيل
إن هو إلا أربعة آباء على ما ذكره المحققون، فإنه موسى بن عمران بن يصفر بن قاهف بن لاوي بن يعقوب، وهو إسرائيل؛ إسرائيل الله، هكذا نسبه في التوراة، والمدة بينهما على ما نقله المسعودي، قال: دخل إسرائيل مصر مع ولده الأسباط، وأولادهم حين أتوا إلى يوسف، إلى آخر ما ذكره.
ثم قال في آخر قوله: إنَّ هذا الذي ذكروه من الأعداد، والذي تجاوز ما يعقل، وكل هذا نجد زعمًا باطلًا ونقلًا كاذبًا، فالذي ثبت في الإسرائيليات أنَّ جنود سليمان كانت اثني عشر ألفًا خاصة، وأن مركوباته كانت ألفًا وأربعمائة فرس.
هذا هو الصحيح من أخبارهم، ولا يلتفت إلى خرافات العامة، منهم، وفي أيام سليمان عليه السلام وملكه كان عنفوان دولتهم.
وهذا الفصل من النفاسة بمكان؛ فلذلك حرصت على ذكره؛ لأنه يفيدنا في رد الكثير من الإسرائيليات التي وقعت فيها المغالط والأخبار الباطلة والخرافات التي كانت سائدة في العصور الأولى.
هذا ما ختم به شيخنا الدكتور محمد أبو شهبة، نقل عن ابن خلدون من مقدمته ما يؤكد كذب أخبارهم وخرافاتهم التي تناقلها المفسرون في معاني الآيات.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.