الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى مكان كذا وكذا، ثم جاءته الفرس من النار فركب وألبسه الله النور، وكساه الريش، وطار مع الملائكة ملكًا إنسيًّا سماويًّا أرضيًّا، هكذا حكاه وهب بن منبه عن أهل الكتاب، وعلق عليه الإمام ابن كثير ب قوله: والله أعلم بصحة هذا.
الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام
-
ورد في القرآن الكريم ذكر لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وهو من هو، هو أبو الأنبياء، وله مواقف عظيمة في القرآن الكريم، فنعرف ما ذكره الله في شأنه:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين} (النحل: 120)، وإبراهيم عليه السلام هو صاحب الملة العظيمة التي كان عليها الأنبياء من بعد، وهو أنه كان مسلمًا، صلوات الله وسلامه عليه.
ولإبراهيم في القرآن مواقف متعددة، فله مواقف مع قومه، وله مواقف مع النمرود، وله مواقف مع أبيه:{يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (مريم: 45)، الآيات .. ، له مواقف كثيرة، وهل أبوه هو آزر الذي ذكر نص ًّ افي الآيات؟ أم أن آزر هذا ليس أباه بل هو عمه؟ كلام حول هذا في كتب التفسير، إسرائيليات وردت في هذه الآيات الكريمات، ولنعد إلى إبراهيم الخليل عليه السلام.
ذكروا أن اسمه هو إبراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن أرف ج شاز بن سام بن نوح عليه السلام طبيعي أنّ هذا النسب لم يذكر لا في القرآن ولا في صحيح السنة، إنما هذا كتب في تفسير الآيات من المفسرين، ولعله منقول من التوراة، أو كتب التاريخ القديمة، نعم؛ ولذلك هذا يذكر ولا يصدق قولًا واحدًا، ولا ينكر أيضًا قولًا واحدًا، هذا نسب موجود في التوراة،
وقد جاء في الكتاب الكريم قرآن ربي: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِين} (الأنعام: 74).
وقد اختلف المفسرون في اسم أبي إبراهيم، فقال بعضهم: إنّ لفظ " آزر " في الآية، بدل من لفظ لأبيه، ويكون مقول القول:{أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} يكون هذا الكلام موجه لأبيه " آزر "، وقال آخرون: إن اسمه "تارح" وأن لفظ "آزر" كلمة ذم في نعته ومعناه أعرج، كما قال السهيلي في (التكملة)، وقال آخرون: إن معناه الخاطئ، وفي (التكملة) يا مخطئ يا خرف، كما قال: إن كلمة "آزر" تعني وصفا ليس جيدا فمعناه الخاطئ والخرف، وقيل: معناه: يا شيخ، أو هي كلمة زجر عن الباطل.
على كل حال إن كانت هذه المعاني في معنى آزر لغة، فليس عندنا ما يجزم، أو يقطع بتحديد واحدٍ منها، بل نقول: إنه بعيد جدًّا أن يكون إبراهيم عليه السلام قد واجه أباه بكلمات فيها هذا التحقير أو العيب، أو الزجر كأعرج أو خرف أو مخطئ؛ لأنَّ إبراهيم عليه السلام كان لطيفًا في خطابه، وكان بار ًّ ابه حتى في دعوته، وإذا ما وصلنا إلى الآيات التي يخاطب فيها إبراهيم أباه:{يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} حتى وصل بالآيات: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} ، (مريم: 46) فانظر كيف كان رد إبراهيم عليه عليه السلام قال: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} ، (مريم: 47)، فلا يقبل أن يكون كلمة " آزر " كلمة تعييب أو زجر أو ردع من إبراهيم لأبيه عليه السلام والآيات في هذا الأمر واضحة.
نرى بعد ذلك أنَّ إبراهيم لما قال لأبيه: {سَلَامٌ عَلَيْكَ} هذا واضح في حسن الرد والبر الحسن بالوالد، قال آخرون: إن "تارح" هذا الذي جعلوه اسمًا لأبي إبراهيم واسمه العلم، وأن " آزر " وصف له كأنه هذا وصفه وتلك تسميته.
نقول: إذا صح أن والد إبراهيم كان له اسم علمي واسم وصفي يكون معناه القوي أو الناصر أو المعين؛ لأن لفظ " آزر " من الأزر؛ أي: القوة والنصر والعون، ومنه نقول: الوزير؛ أي: المعين، وهذا في اللفظ واللغة معروف، وقد جاء في (دائرة المعارف الإٍسلامية) ما نصه، والكلام ذكره شيخنا وأخونا الدكتور علي حسن رضوان يقول: جاء هذا النص في (دائرة المعارف): آزر اسم أبي إبراهيم في القرآن، في سورة الأنعام " الآية 74 "، ويظهر أن في هذا بعض الخلط؛ لأنّ اسم " آزر " لم يرد مطلقًا على أنه أبو إبراهيم في غير هذا الموضع، كما أن "تارح" أو "تارخ" قد ورد في روايات بعض المؤرخين والمفسرين من المسلمين على أنه أبو إبراهيم أيضًا؛ ولذلك لجئوا إلى التحايل للتوفيق بين هاتين الروايتين.
ونعقب على هذا؛ لأن هذا التحايل لا قيمة له، ونصل إلى الرأي الصحيح:
الرأي الصحيح هو أن " آزر " اسم صنم كان يعبده "تارخ" والد إبراهيم وكان سادنًا له، هذا الرأي موجود.
وروي عن مجاهد في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} ، قال: لم يكن بأبيه ولكن " آزر " اسم صنم، فموضعه نصب على إضمار الفعل، والتلاوة كأنه قال: وإذ قال إبراهيم: أتتخذ آزر إلهًا؛ أي: أتتخذ أصنامًا آلهة، وقال الصنعاني: أتتخذ آزر إلهًا، ولم ينصب باتخاذ الذي بعده؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيما قبله، ولأنه استوفى مفعوله.
وقد نقل المرحوم أحمد زكي عبارة (تاج العروس) في أول كتابه وقال: وهذا القول الذي قاله مجاهد أو ل ى الأقوال عندي بالقبول، وعلى هذا يكون والد إبراهيم لم يذكر باسمه العلمي في القرآن، ومما يستأنس له بأن " آزر " اسم إلهٍ أننا نجد في الآلهة القديمة عند المصريين الإله "إزوريس" و"إيزيس" ومعناه الإله القوي المعين، وقد كانت الأمم السابقة يقلد بعضهم بعضًا في أسماء الآلهة.
على كل حال هذا كلام اختلف فيه المفسرون على أنه لا مانع أن يكون هذا الاسم وهو " آزر " اسم أبي إبراهيم عليه السلام والكلمات تطلق في إطلاقات كثيرة وروايات ومعان ٍ كثيرة.
ننتقل بعد ذلك إلى الموضع الثاني الذي ثار حوله كلام وإسرائيليات كثيرة الآيات في سورة " الأنبياء ": {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِين} (الأنبياء: 51) إلى أن وصلنا إلى قوله - جل وعلا -: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِين * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم} (الأنبياء: 69).
فعند تفسير الآية الأولى؛ وهي قول الله - جل وعلا -: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِين} ذكر المفسرون، ومنهم أبو السعود فقال: قيل: القائل هو نمرود بن كنعان بن السنجاريد بن نمرود بن كوش بن حام بن نوح، وقيل: رجل من أكراد فارس، اسمه هايون، وقيل: هدير، خسفت بهم الأرض.
روي أنهم لما أجمعوا على إحراق إبراهيم عليه السلام بنوا له حظيرة "بكوشي" قرية من قرى الأنباط عملوا له حقلًا كبيرًا أو حظيرة كبيرة مكانًا واسعًا في هذه القرية؛ وذلك قوله تعالى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيم} (الصافات: 97).
فجمعوا له أصلاب الحطب من أصناف الخشب مدة أربعين يومًا فأوقدوا نارًا عظيمة لا يكاد يحوم حولها أحد، حتى إن كانت الطير لتمر بها وهي في أقصى الجو فتحترق من شدة وهجها، ولم يكد أحد يحوم حولها فلم يعلموا كيف يلقون إبراهيم عليه السلام فيها، فأتى إبليس وعلمهم عمل المنجنيق، فعملوه -المنجنيق هو عبارة عن حبل يوضع فيه لفافة يوضع فيها الضحية أو الغرض ويقذف به من بعيد- فعملوا له هذا، وقيل: صنعه لهم رجل من الأكراد، فخسف
الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم عمدوا إلى إبراهيم عليه السلام فوضعوه فيه مغلولًا مقيدًا فرموا به فيها، فجاءه جبريل، فقال له: هل لك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، قال: فاسأل ربك، قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي، فجعل الله ببركة قوله الحظيرة الموقع المحترق هذا النار شديدة اللهب، جعلها الله روضة رائعة له.
وعند تفسيره للآية الثانية، وهي قول الله تعالى في هذا الشأن:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم} ، قال المفسرون: روي أنّ الملائكة أخذوا بقميص إبراهيم عليه السلام وأقعدوه على الأرض، فإذا عين ماء عذب، وورود حمر؛ ورد ونرجس، ولم تحرق النار إلا وثاقه -الحبل الذي كان يربط فيه.
وروي أنه عليه السلام مكث في النار أربعين يومًا أو خمسين يومًا، وقال: ما كنت أطيب عيشًا مني إذ كنت فيها.
وصلى الله عليه وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.