المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها - الدخيل في التفسير - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (1)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدخيل والأصيل

- ‌أنواع الدخيل، وفائدته

- ‌كيف نشأ الدخيل

- ‌معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات

- ‌الدرس: 2 الإسرائيليات (2)

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌أسباب تفشي الإسرائيليات، وخطورتها على أمة الإسلام

- ‌أقطاب الرواية الإسرائيلية:

- ‌الدرس: 3 الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1)

- ‌تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية

- ‌نماذج من الإسرائيليات

- ‌الدرس: 4 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (2)

- ‌تسلل الإسرائيليات إلى كتب التفسير

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم

- ‌الدرس: 5 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (3)

- ‌قصة عصا موسى عليه السلام، وقضية الأجلين

- ‌بعض مواقف موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

- ‌قصة "إرم ذات العماد

- ‌فتنة سليمان عليه السلام

- ‌الدرس: 6 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (4)

- ‌المسوخ من المخلوقات في روايات بني إسرائيل

- ‌ما ورد في بناء الكعبة المشرفة

- ‌الإسرائيليات في قصة التابوت

- ‌شجرة طوبَى

- ‌الدرس: 7 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (5)

- ‌قصة ذي القرنين:

- ‌قصة يأجوج ومأجوج

- ‌قصة الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 8 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (6)

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام

- ‌الدرس: 9 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (7)

- ‌تعقيب على قصة "إرم ذات العماد

- ‌الإسرائيليات التي وردت في سؤال موسى ربه الرؤية

- ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

- ‌الدرس: 10 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أصحاب الكهف

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الدرس: 11 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (9)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الدرس: 12 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (10)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة "بلقيس"، وما حدث لنبي الله سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الدرس: 13 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (11)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة نوح عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الدرس: 14 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 15 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (13)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إدريس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 16 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (14)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة لوط عليه السلام

- ‌الدرس: 17 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (1)

- ‌تعريف الحديث الموضوع

- ‌علامات الحديث الموضوع

- ‌الدرس: 18 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1)

- ‌تابع علامات الحديث الموضوع

- ‌حكم رواية الحديث الموضوع

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

- ‌ما جاء في فضل يونس عليه السلام، وما ورد في إهلاك قوم لوط

- ‌ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الدرس: 19 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (2)

- ‌تابع ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌الدرس: 20 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي

- ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌بعض القراءات الموضوعة

- ‌التفسير بالرأي

- ‌الدرس: 21 أنواع الدخيل في الرأي (1)

- ‌معنى الدخيل في الرأي

- ‌الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدرس: 22 أنواع الدخيل في الرأي (2)

- ‌تابع الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدخيل عن طريق الإلحاد

- ‌الدخيل عن طريق التفسير الصوفي

- ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

الفصل: ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

موقف آخر من مواقف نبي الله موسى: إن الإسرائيليات في قصص الأنبياء لا تتوقف، وها نحن مع الموقف الثاني من مواقف الإسرائيليات، أو من أقوال الإسرائيليات عند موقف موسى من ألواح التوراة.

فمن الإسرائيليات ما ذكره الإمام الثعلبي والإمام البغوي والزمخشري والإمام القرطبي والعلامة ال ألوسي عند تفسير قوله - جل وعلا -: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (الأعراف: 145) هذه الآية ذُكر فيها عند تفسيرها كلام في الألواح مما هي؟ يعني: الألواح من أي شيء؟ وما عددها؟

ذُكر في هذا أقوال كثرة عند بعض الصحابة والتابعين وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه من أهل الكتاب الذين أسلموا مما يُشير إلى منبع هذه الروايات، وأنها من أكاذيب بني إسرائيل وإسرائيلياتهم؛ إذ فيها من المرويات ما يخالف المعقول والمنقول.

وإليك ما ذكره الإمام البغوي في هذا؛ قال: قوله تبارك وتعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ} أي: لموسى في الألواح، قال ابن عباس: يريد ألواح التوراة، وفي الحديث:((كانت من سدر الجنة، طول اللوح اثن اعشر زراع ًا)) - يعني: ستة أمتار - وجاء في الحديث ((خلق الله آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس شجرة طوبى بيده)) والحديث ان لم يخرجهما البغوي ولم يبرز سندهما، إنما العلامة الألوسي ذكر أن الحديث الأول رواه ابن أبي الحاتم، واختار القول به إن صح السند إليه، وأما الحديث الثاني فقال: إنه مروي عن علي، وعن ابن عمر وعم غيرهما من التابعين، وانظر تفسير العلامة الألوسي في هذه الآية.

ص: 177

وقال الحسن: كانت الألواح من خشب، وقال الكلبي: كانت من زبرجدة خ ض راء، وقال سعيد بن جبير: كانت من ياقوت أحمر، وقال الربيع: كانت الألواح من برد؛ أي: ثوب مختلط.

هذا كلام نراه متناقض، ومع ذلك قال ابن جريج: كانت من زمرد أمر الله جبريل حتى جاء بها من عدن وكتبها بالقلم الذي كتب به الذكر، واستمد من نهر النور، وقال وهب: أمر الله بقطع الألواح من صخرة صماء لينها الله له فقطعها بيده، ثم شققها بيده، وسمع موسى صرير القلم بالكلمات العشر، وكان ذلك في أول يوم من ذي القعدة، وكانت الألواح عشرة أزرع على طول موسى.

وقال مقاتل ووهب في قوله: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ} قال: كنقش الخاتم، وقال الربيع بن أنس: نزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير يُقرأ الجزء منه في سنة لم يقرأها إلا أربعة نفر؛ موسى، ويوشع، وعزير، وعيسى؛ سبحان الله يُعلق على هذا الكلام صاحب كتاب شيخ أبو شهبه كيف يقبل عقل أنها حِمل سبعين بعير ًا، وإذا لم يقرأها إلا أربعة فلماذا أنزلها الله سبحانه وتعالى؟

انظر حقيقة هذه الروايات التي لا يقبلها عقل، فن قول ن علق على هذا الكلام: وكل هذه الروايات المتضاربة التي يرد بعضها بعضًا مما نحيل أن يكون مرجعها المعصوم صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من إسرائيليات بني إسرائيل، حمل ها عنهم بعض الصحابة والتابعين بحسن نية، وليس تفسير الآية متوقفًا على كل هذا الذي رووه، والذي يجب أن نؤمن به أن الله سبحانه وتعالى أنزل الألواح على موسى وفيها التوراة، أما هذه الألواح مما صنعت وما طولها وما عرضها، وكيف كتبت فهذا لا يجب علينا الإيمان به، والأولى عدم البحث فيه؛ لأن البحث فيه لا يؤدي إلى

ص: 178

فائدة، ولا يوصل إلى غاية، وطبعًا قيل: إن الألواح أعطيها موسى قبل التوراة، والصحيح أن الله أنزل الألواح على موسى وفيها التوراة.

بعد ذلك نقول: مما ذكروه حول هذا المعنى في قوله - تعالى -: {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} أي: وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلًا لكل شيء، فقد جعلوا التوراة مشتملة على كل ما كان، وكل ما يكون، وهذا لا يعقل ولا يصدق.

فمن ذلك ما ذكره الإمام الألوسي في ت فسيره، قال: وما أخرجه الطبراني والبيهقي في (الدلائل) عن محمد بن يزيد الثقفي قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الأحبار حتى إذا بلغ صفين، وقف كعب، ثم نظر ساعة، ثم قال: ليغرقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يراق ببقعة من الأرض مثله، فقال قيس: ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله - تعالى - به، فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزلها الله - تعالى - على موسى ما يكون منه، وما يخرج منه إلى يوم القيامة.

وهذا من المبالغات التي روى أمثالها كثيرون عن كعب، ولا نصدق ذلك، ولعلها من الكذب الذي لاحظه عليه الصحابي الداهية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على ما أسلفنا سابقًا، ولا يعقل قط أن يكون في التوراة كل أحداث الدنيا إلى قيام الساعة، أو إلى يوم القيامة.

فالمحققون من المفسرين سلفًا وخلفًا على أن المراد أن في التوراة أو في الألواح تفصيلًا لكل شيء مما يحتاجون إليه من الحلال والحرام، والمحاسن والقبائح مما يلائم شريعة موسى وعصره، وإلا فقد جاء القرآن الكريم بأحكام وآداب وأخلاق لا توجد في التوراة قط، وقد ساق الإمام الألوسي هذا الخبر للاستدلال

ص: 179

به لمن يقول: إن لفظ من كل شيء هذا عام، وكأنه استشعر بعد هذا القول، فقال عقبه: ولعل ذك ر من باب الرمز كما ندعيه في القرآن الكريم.

وإنني لأقول للعلامة ال ألوسي ومن لفّ لفه؛ الكلام لشيخنا الشيخ أبو شهبه: إنه أراد أن يبين أن هذا مردود وغير معقول أن يقال: إن التوراة فيها تفصيل لكل شيء لا هي فيها تفصيل لما يحتاجون إليه في شريعاتهم في الحلال والحرام، والمحاسن والقبائح فقط، أما أن تشمل التوراة كل شيء قد كان وكل ما يكون، هذا كلام لا يُعقل، وهو مردود وغير مقبول، ونحن أيضًا لا نسلم بأن في القرآن رموز وإشارات لأحداث، وإن قاله البعض والحق أحق أن يتبع.

ننتقل بعد ذلك إلى ما ورد في غضب موسى عندما ألقى الألواح؛ فمن الإسرائيليات التي وردت في غضب موسى، والآية صرحت بأن موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه غضبان أسفًا، ألقى الألواح، وحول هذا المعنى وردت إسرائيليات كثيرة، فقد روى ابن جرير في ت فسيره والبغوي في ت فسيره وغيرهما في سبب غضب سيدنا موسى عليه السلام حين ألقى الألواح من يديه، وهذا في قوله - تعالى -:{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأعراف: 150).

ألقى الألواح؛ معنى هذه الكلمة أي: طرحها وألقى بها، إنما الإسرائيليات غمرت هذا التفسير عند هذه الآية، فقد رُوي عن قتادة أنه قال: نظر موسى في التوراة فقال: ربي إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن أمتي اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال: ربي إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون -أي: آخرون في الخلق- سابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال: ربي إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها، وكان من قبلهم يقرءون كتابهم نظرًا حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئًا، ولم يعرفوه، وأن الله أعطاهم من الحفظ شيئًا لم يعطه أحد من الأمم، قال: ربي اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال: ربي إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فصول الضلالة حتى لا يقاتلون الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

ص: 180

قال: ربي إني أجد أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها، وكان من قبلهم إذا تصدق بصدقة فقُبلت منه بعث الله نارًا فأكلتها، وإن رُدت عليه تركت فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم، قال: ربي فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال: ربي إني أجد في الألواح أمة إذا همَّ أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ربي اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال: ربي إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون والمشفوع لهم فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال قتادة: فذُكر لنا أن نبي الله موسى نبذ الألواح، فقال: اللهم اجعلني من أمة محمد.

هذه هي الرواية؛ أقول -الكلام لشيخنا الشيخ أب ي شهبة -: إن آثار الوضع والاختلاق بادية عليه، والسند مطعون فيه، وهي أمور مأخوذة من القرآن والأحاديث، ثم صيغت هذه الصياغة الدقيقة، وجعلت على لسان موسى عليه السلام -

ص: 181

والظاهر المتعين أن إلقاء سيدنا موسى بالألواح إنما كان غضبًا وحميَّة لدين الله، وغيرة لانتهاك حرمة توحيد الله تبارك وتعالى، وأما ما ذكره قتادة فغير مُسلَّم.

وإن كنا نرى أن المعاني التي وردت أن أمة الإسلام أمة محمد عليه الصلاة والسلام هم سابقون إلى الجنة، نعم، وأن قرآنهم يُحفظ في الصدور أناجيلهم في صدورهم هذه ميزة لأمة الإسلام؛ إذ لا نجد أمة من الأمم تحفظ كتابها ووحيها كأمة الإسلام التي جعل الله لها القرآن الكريم ميسرًا {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرٍِ} (القمر: 17)، والأوصاف التي وردت في الصدقات وفي الحسنات وفي الشفاعات كلها ما شاء الله من فضائل أمة الإسلام.

وإليك ما قاله الإمام الحافظ الناقل ابن كثير في ت فسيره عند هذه الآية قال: ثم ظاهر السياق أنه -أي: سيدنا موسى- ألقى الألواح غضبًا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفًا وخلفًا.

وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولًا غريبًا لا يصح إسناده إلى حكاية قتاد ة، وقد ردَّه ابن عطية وغير واحد من العلماء، وهو جدير بالرّدّ، وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب، وفيهم كذَّابون وواضعون وأفاقون وزنادقة، وصدق ابن كثير فيما قال، وأرجح أن يكون من وضع زنادقتهم كي يظهروا الأنبياء بمظهر المتحاسدين، لا بمظهر الإخوان المتحابين.

قال الإمام القرطبي عند تفسير قوله: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} ؛ أي: مما اعتراه من الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل، وعلى أخيه في إهمال أمرهم، قال سعيد بن جبير: ولذا قيل: ليس الخبر كالمعاينة، ولا التفات لما رُوي عن قتادة إن صح، ولا يصح؛ ولا يصح أن إلقاء الألواح إنما كان لما رأى من فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك ل أمته، فهذا قول رديء لا ينبغي أن يضاف إلى موسى عليه السلام.

ص: 182

ومما يؤيِّد أنه من وضع بعض الإسرائيليين الدُّهَاة أن نحوًا من هذا المروي عن قتادة قد رواه الثعلبي وتلميذه البغوي عن كعب الأحبار، ولا خلاف إلا في تقديم بعض الفضائل وتأخير البعض إلا إنه لم يذكر إلقاء الألواح، وفي آخره فلما عجب موسى من الخير الذي أعطى الله محمدًا وأمته قال: يا ليتني من أصحاب محمد، فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} (الأعراف: 144) إلى قوله {دَارَ الْفَاسِقِينَ} (الأعراف: 145)، {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (الأعراف: 159) قال فرضي موسى كل الرض اء.

هذا ما ورد في إلقاء الألواح وغضب موسى عليه السلام.

من الإسرائيليات والخرافات ما ذكره أيض ً ابعض المفسرين عند تفسير قوله - تعالى -: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} في سورة الأعراف، وسورة الأعراف من السور التي أكثرت من مواقف بني إسرائيل مع موسى، ومن الصراعات التي وقعت في حياتهم مع رسل الله وخاصة رسول الله موسى عليه السلام.

ذكر ابن جرير في تفسير هذه الآية خبرًا عجيبًا، فقال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج في قوله:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياء هم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطًا تبرأ سبطًا منهم مما صنعوا، واعتذروا وسألوا الله عز وجل أن يفرّق بينهم وبينهم، ففتح الله لهم نفقًا في الأرض فصاروا حتى خرجوا من وراء الصين، فهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا، قال ابن جريج: قال ابن عباس: فذلك قوله: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} (الإسراء: 104) ووعد الآخرة هو عيسى ابن مريم، قال ابن جريج:

ص: 183

قال ابن عباس: صاروا في السرب سنة ونصفًا، قال ابن عيينة: عن صدقة عن أبي الهزيل عن السدي {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: قوم بينكم وبينهم نهر من شهد.

وقد وصف العلامة ابن كثير ما رواه ابن جرير ب أنه خبر عجيب.

وقال البغوي في ت فسيره: قال الكلبي والضحاك والربيع: هم قوم خلف الصين بأقصى الشرق على نهر مجرى الرمل يُسمى نهر الأرداف، ليس لأحد منهم مال دون صاحبه، يُمطرون بالليل ويصحون بالنهار، ويزرعون لا يصل إليهم منا أحد، وهم على دين الحق.

وذكر أن جبريل عليه السلام ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به إليهم فكلمهم، فقال لهم جبريل: هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا: لا، فقال: لهم هذا محمد النبي الأمي فآمنوا به، فقالوا: يا رسول الله إن موسى أوصانا أن من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه مني السلام، فردّ النبي صلى الله عليه وسلم على موسى وعليهم، ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة، وأمرهم بالصلاة والزكاة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم، وكانوا يسبتون -أي: يعظمون السبت كاليهود- فأمرهم أن يجمعوا -أي: يعظموا يوم الجمعة- ويتركوا السبت، وقيل: هم الذين أسلموا من اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح.

وهذا على كل حال من خرافات بني إسرائيل ولا محالة، والعجب من الإمام البغوي أن يجعل هذه الأكاذيب أصح من القول الآخر الذي هو أجدى بالقبول وأولى بالصحة، ونحن لا نشك في أن ابن جريج وغيره ممن رَوَوْا ذلك إنما أخذوه عن أهل الكتاب الذين أسلموا، ولا يمكن أبدًا أن يكون متلقى عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.

ص: 184

وقال الإمام ال ألوسي بعد ذكر ما ذكرناه: وضعف هذه الحكاية واضح، وقد ضعفها ابن الخازن، وأنا لا أراها شيئًا، وأظنك لا تجد لها سند ًا يعول عليه، ولو ابتغيت نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء.

نختم هذه القصة بالتفسير الصحيح للآية، وما ورد فيها، والآية {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} يروي لنا الشيخ أبو شهب ة نقلًا عن التفاسير يقول: والذي يترجح عندي أن المراد بهم أناس من قوم موسى عليه السلام اهتدوا إلى الحق، ودعوا الناس إليه، وفي وبالحق يعدلون فيما يعرض لهم من الأحكام والقضايا، وأن هؤلاء الناس وُجدوا في عهد موسى وبعده، بل وفي عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمثال عبد الله بن سلام وأضرابه.

وقد بيَّن الله تبارك وتعالى إن اليهود وإن كانت الكثرة الكاثرة فيهم تجحد الحق وتنكره، وتجور في الأحكام، وتعادي الأنبياء، وتقتل بعضهم، وتكذب البعض الآخر، وفيهم من شكاسة الأخلاق والطباع ما فيهم، فهنالك أمة كثيرة منهم يهدون بالحق وبه يعدلون، فهم لا يتأبون عن الحق، ففيه شهادة وتزكية لهؤلاء، وتعريض بالكثرة الغالبة منهم التي ليست كذلك، والتي جحدت نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيمن جحدها من طوائف البشر، وناصبته العداوة والبغضاء، وهو ما يُشعر به قوله - سبحانه - قبلُ {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف: 158).

وبذلك تظهر المناسبة بين هذه الآية والتي قبلها مباشرة والآيات التي قبل ذلك.

ص: 185

أما ما ذكروه فليس هناك ما يشهد له من عقل ولا نقل صحيح، بل هو يُخالف الواقع الملموس والمشاهد المتيقن، وقد أصبحت الصين وما وراءها والبلاد في هذه المنطقة وغيرها معلومًا كل ما فيها، وكل شبر فيها معلوم، فأين هم؟ ثم ما هذا النهر من الشهد؟ وما هذا النهر من الرمل؟ وأين هما؟ ثم أي فائدة تعود على الإسلام والمسلمين من التمسك بهذه الروايات التي لا فائدة منها، ولا خطام، ولا زمام؟ وماذا يكون موقف الداعية إلى الإسلام في هذا العصر الذي نعيش فيه إذا انتصر لمثل هذه المرويات الخرافية الباطلة؟ إن هذه الروايات لو صحت أسانيدها لكان لها بسبب مخالفتها للمعقول، والمشاهد الملموس ما يجعلنا في حلٍّ من عدم قبولها، فكيف وأسانيدها ضعيفة واهية؟ وقد قلنا كثيرًا: إن كونها صحيحة السند فرضًا لا ينافي كونها من الإسرائيليات.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 186