المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات - الدخيل في التفسير - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (1)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدخيل والأصيل

- ‌أنواع الدخيل، وفائدته

- ‌كيف نشأ الدخيل

- ‌معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات

- ‌الدرس: 2 الإسرائيليات (2)

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌أسباب تفشي الإسرائيليات، وخطورتها على أمة الإسلام

- ‌أقطاب الرواية الإسرائيلية:

- ‌الدرس: 3 الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1)

- ‌تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية

- ‌نماذج من الإسرائيليات

- ‌الدرس: 4 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (2)

- ‌تسلل الإسرائيليات إلى كتب التفسير

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم

- ‌الدرس: 5 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (3)

- ‌قصة عصا موسى عليه السلام، وقضية الأجلين

- ‌بعض مواقف موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

- ‌قصة "إرم ذات العماد

- ‌فتنة سليمان عليه السلام

- ‌الدرس: 6 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (4)

- ‌المسوخ من المخلوقات في روايات بني إسرائيل

- ‌ما ورد في بناء الكعبة المشرفة

- ‌الإسرائيليات في قصة التابوت

- ‌شجرة طوبَى

- ‌الدرس: 7 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (5)

- ‌قصة ذي القرنين:

- ‌قصة يأجوج ومأجوج

- ‌قصة الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 8 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (6)

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام

- ‌الدرس: 9 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (7)

- ‌تعقيب على قصة "إرم ذات العماد

- ‌الإسرائيليات التي وردت في سؤال موسى ربه الرؤية

- ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

- ‌الدرس: 10 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أصحاب الكهف

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الدرس: 11 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (9)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الدرس: 12 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (10)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة "بلقيس"، وما حدث لنبي الله سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الدرس: 13 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (11)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة نوح عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الدرس: 14 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 15 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (13)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إدريس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 16 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (14)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة لوط عليه السلام

- ‌الدرس: 17 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (1)

- ‌تعريف الحديث الموضوع

- ‌علامات الحديث الموضوع

- ‌الدرس: 18 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1)

- ‌تابع علامات الحديث الموضوع

- ‌حكم رواية الحديث الموضوع

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

- ‌ما جاء في فضل يونس عليه السلام، وما ورد في إهلاك قوم لوط

- ‌ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الدرس: 19 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (2)

- ‌تابع ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌الدرس: 20 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي

- ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌بعض القراءات الموضوعة

- ‌التفسير بالرأي

- ‌الدرس: 21 أنواع الدخيل في الرأي (1)

- ‌معنى الدخيل في الرأي

- ‌الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدرس: 22 أنواع الدخيل في الرأي (2)

- ‌تابع الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدخيل عن طريق الإلحاد

- ‌الدخيل عن طريق التفسير الصوفي

- ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

الفصل: ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس العشرون

(نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي)

‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

وكذلك أنكر هذه القصة القاضي أبو بكر بن العربي، وطعن فيها من جهة النقل، ولما سئل محمد بن إسحاق بن خزيمة عن هذه القصة، قال: هذا من وضع الزنادقة، وصنف في ذلك كتابًا، كما قال الإمام الرازي في تفسيره وفي الألوسي أيضًا نقلًا عن (تفسير البحر) أنه محمد بن إسحاق جامع السيرة، ولكن تبين لنا أن ابن إسحاق جامع السيرة ذكرها في (سيرته)؛ فربما كان ابن خزيمة هو الشخص الآخر.

على كل حال ذهب إلى أن هذه القصة موضوعة الأئمة؛ منهم: الإمام أبو منصور الماتريدي في كتاب (حصص الأتقياء) حيث قال: الصواب أن قوله: "تلك الغرانيق العلا" من جملة إيحاء الشياطين إلى أوليائه من الزنادقة؛ حيث إنهم يلقوا بين الضعفاء وأرقاء الدين هذا الكلام؛ ليرتابوا في صحة الدين، وحضرة الرسالة بريئة من مثل هذه الرواية.

فهكذا نري أن العلماء قد أنكروها، وقضوا بوضعها، ونحن أذا أوجزنا القول؛ نقول: إن هذه القصة لم يخرجها أحد ممن التزم الصحيح، والتحقيق العلمي يثبت أن حديث الغرانيق مكذوبٌ مختلق وضعه الزنادقة الذين يحاولون إفساد الدين، والطعن في خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام والقصة مصادمة للقرآن فقولهم: إن الشيطان تسلط على النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة هذا كذب؛ لأن الله تعالي يقول: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (الحجر: 42)، ليس هناك أحدٌ أحق بهذه العبودية من الأنبياء؛ فبطلان القصة من جهه العقل واضح، وقد أجمعت الأمة وقام الدليل على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذا.

ص: 385

ومع ما ذكرنا من قول المحققين في القصة؛ فالإمام ابن حجر حكمت الصنعة والقواعد الاصطلاحية عليه؛ فقال: القصة سندها صحيح، وجعل لها أصلًا هكذا قال في (الفتح) ولكن الحق: إن كان سندها صح في بعض الروايات؛ فالمتن لا محالة يخالف العقل والنقل، فإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما فيها على احتمال ما يقول ابن حجر؛ لأن فيها ما يستنكر، وهو قولهم: إن الشيطان ألقى على لسان النبي تلك الغرانيق العلا؛ فهذا لا يجوز حمله على ظاهره؛ لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يرد على لسانه لفظٌ أو حرف أو يزيد في القرآن شيئًا ليس منه لا عمدًا ولا سهوًا؛ لأن ذلك يخالف العصمة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يرتل القرآن ترتيلًا؛ فهذا الكلام الذي ذهب إليه البعض كلامٌُ غير صحيح والقصة مختلقة، ومردود عليها، ولم يخرجها أحد من أصحاب الصحاح.

من هنا نستطيع أن نقول: فما معني الآية إذًا: {إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} (الحج: 52) فالإجابة: ذكر العلماء الأئمة في تفسيرها وجهين؛ الأول: أن التمني بمعني القراءة، ورد في (صحيح البخاري) تعليقًا إلا أنه جعله مرجوحًا لا راجحًًا، وهو تفسير التمني بالتشهي وبالقراءة؛ إلا أن الإلقاء لا بالمعنى الذي ذكره هؤلاء المبطلون بل بمعني إلقاء الأباطيل والشبه، مما يحتمله الكلام؛ فالشيطان يلقي الأباطيل والشبه، ولا يكون مرادا للمتكلم، ولا يحتمله، ولكن يُدَّعَي أن ذلك يؤدي إليه، ونسبة الإلقاء إلى الشيطان حينئذ؛ لأنه يثير الشبهات بالوساوس والعراقيل؛ فيكون المعني: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا حَدث قومه عن ربه، أو تلا وحيًا أنزل الله فيه هداية لهم قام في وجهه مشاغبون معارضون يتقوَّلُونَ عليه ما لم يَقُلْهُ، ويحرِّفُون الكَلِمَ عن مواضعِهِ، وينشرون ذلك بين الناس، ولا يزال الأنبياء يجاهدونهم ويجاهدون في سيبل الحق حتى ينتصر؛ فينسخُ الله ما يلقي الشيطان

ص: 386

من شبه، ويثبت الحق ويقويه، وقد وضع الله هذه السنة في الخلق؛ ليتميز الخبيثُ من الطيب؛ فيفتتن ضعفاءُ الإيمان الذين في قلوبهم مرض، ثم يمحص الله الحق ويظهره، ويقبله من أراد الله له الهداية، وهم الذين أوتوا العلم؛ فيعلمون أنه الحق من ربهم، وتخبت له قلوبهم.

ثانيًا: أن المراد به -بالتمني- تشهي حصول الأمر المرغوب فيه وحديث النفس بما كان ويكون، والأمنية من هذا المعني كأن المعني: وما أرسل الله من رسول ولا نبي ليدعو قومه إلى هدًى جديدًا وشرعًا سابقًا إلا وغاية مقصودِة وجل أمانيه أن يؤمن قومه، وأن يصدقوا بالهداية التي جاء بها، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك في المقام الأعلى؛ فكان شديد الحرص على إيمان قومه، وكان إذا أعرضوا عنه حزن فقال له ربه:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف: 6){وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف: 103){فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} (يس: 76) مثل هذه الآيات تبين أن النبي كان يريد هدايتهم، والمعني: وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمني هذه الأمنية السامية، وهي هداية قومه ألقى الشيطان في سبيله العثرات، وأقام بينه وبين مقصده العقبات، ووسوس في صدور الناس؛ فثاروا في وجهه، وجادلوه بالسلاح حين وبالقول حين آخر، فإذا ظهروا عليه والدعوة في بدايتها ونالوا منه، وهو قليل الأتباع ظنوا أن الحق في جانبهم، وقد يستدرجهم الله جريًا على سنته يجعل الحرب بينهم وبين المؤمنين سجالا؛ فينخدع بذلك الذين في قلوبهم شك ونفاق، ولكن سرعان ما يمحو الله ما ألقاه الشيطان من الشبهات، ويزيل العراقيل، وينشئ من ضعفِ أنصار الآيات قوة ويبدلهم من ذلهم عزة، وتكون في النهاية كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى؛ ليعلم الذين أوتوا العلم أن ما جاء به الرسل هو الحق؛ فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط

ص: 387

مستقيم. نعود بعد ذلك إلى الشبهات التي أثارها بعض الزنادقة، وبعض المعادين للإسلام حول قصة السيدة زينب بنت حجش رضي الله عنها وقد سبق الكلام فيها، وفي هذه القصة وتفنيد أقوالهم، لكن لا مانع من تكمله الردود في هذا الأمر؛ ليتضح الموقف، ونكون على بينةٍ من هذا الأمر؛ فالآية التي في سورة الأحزاب:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب: 37).

روى المبطلون كلامًا كثيرًا سبق ذكره: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب إلى بيتِ زيدٍ في غيبته، فرأى زينب، والريح كشفت عن ستر بيتها فرآها في حسنها؛ فوقع حبها في قلبه؛ من هذا الكلام الخبيث الذي ذكره المبطلون، ونحن نعلم أنه لمَّا حضر زيد أخبرته بكلامِ رسول الله، فذهب زيد وقال: بلغني أنك أتيت منزلي فهلَّا دخلت يا رسول الله، لعل زينب أعجبتك فأفارقها، هذا كلام أورده بعض المفسرين، قال له الرسول عليه الصلاة والسلام:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} فنزلت الآية.

يبقي لنا ما هو الشيء الذي عاتبه ربه فيه وهو قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي زوجها لزيد بن حارثة مولاه، وكانت معلومة يعرفها رسول الله -صلي الله عليه وسلم- فلما تزوجها زيد كرهت ذلك، ثم رضيت بما صنعَ رسول الله وأمره فزوجها إياه، ثم أعلم الله رسوله بعد أن تزوجها زيد بأن زينب ستكون من أزواجه؛ فكان يستحي أن يعلن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك.

فلما حدث بين سيدنا زيد وزوجه بعض الأمور، وأشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره الرسول أن يمسك عليه زوجه، وأن يتقي الله، وكان يخشي رسول الله أن

ص: 388

يعيب عليه الناس ويقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، وكان قد تبني زيدًا، وهذا هو السبب الصحيح في هذه الرواية.

وابن أبي حاتم والطبري رووا بسندهم قالوا: أعلم الله نبيه أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد يشكوها، قال له النبي: اتق الله، وأمسك عليك زوجك، قال الله: قد أخبرتك أني مزوجكها، وتخفي في نفسك ما الله مُبديه؛ فالذي أخفاه النبي عليه الصلاة والسلام هو أن الله أخبره بأنها ستكون من زوجاته، وخشي النبي أن العرب يلومون هذا التصرف؛ لأن العرب كانوا من عادتهم التبني، وكانت العرب تلحق الابن المتبنى بالعصبي، وتجري عليه حقوقه في الميراث، وتحرم زوجته على الوالد أو الأب الذي تبناه، وكانت تلك العادة متأصلة في نفوسهم.

فلما أخبر الله رسوله بذلك، وأن الله سيزوج رسوله منها؛ خشي النبي لومَ العرب وعتابهم، فيما ألفوها وتعودوه، وأن الإسلام سيقضي على حرمه زوجة الابن المتبنى، وسيقضي بأن زوجه الابن المتبني ليست كزوجة الابن العصبي، وبينت الآيات القرآنية أن ذلك:{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} (الأحزاب: 38).

فواضح في هذه الآيات: أن زواجَ رسول الله من السيدة زينب كان بأمرٍ من الله، وأن الله عز وجل أراد يبطل ما تعود عليه العرب من حرمه زوجة المتبني، فلما قضي الله ذلك أتم أمره، وأظهر هذا الأمر، وكان جبريل قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن زينب ستكون زوجة له، وسيبطل الله بزواجه منها عادة العرب، ولكن النبي وجد غضاضةً على نفسه أن يأمر زيدا بطلاقِهَا، فتشيع المقالة بين الناس أن محمدًا تزوج حليلة ابنه، وبذلك يصير عرضةً للقيل والقال من أعدائه، وهو في دعوته لدين

ص: 389

الله أحوج إلى تأييد المؤيدين، فهذا المقدار من خشية الناس حتى أخفى ما أخبره الله به، وهو نكاحها، وهو ما عاتبه الله عليه.

وقد صرح الله في القرآن في كلامه بالسبب الباعث على هذا الزواج فقال: {لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} هذا هو التفسير الذي يتفق مع الحق والواقع، أما المستشرقون والمبشرون وأعداء الإسلام فقد نسجوا من تلك الروايات الباطلة المختلقة الواهية ثوبًا من الكذب والخيال؛ طعنًا في الدين، وطعنًا في رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

هيا بنا ننتقل إلى بعض الأسباب التي وردت؛ وهي ضعيفة؛ لنستكمل بذلك الموضوعات في أسباب النزول:

هناك أيضًا في قوله -جل وعلا-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (الإنسان: 8، 9) أورد غالب المفسرين في سبب نزول هذه الآية روايات عن سيدنا علي وعن الحسن والحسين؛ فقد روي عن ابن عباس: أن الحسن والحسين مرضا؛ فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، وعادهما من عادهما من الصحابة، جاءوا لزيارتهم فقالوا لعلي رضي الله عنه لو نذرت على ولديك؛ أي: تقدم نذرًا فنذر عليٌ وفاطمة وفضلة جاريةٌ كانت لهما، نذروا إن برآ -يعني: إن شفاهما الله سبحانه وتعالى أن يصوموا ثلاثة أيام شكرًا لله، فألبس الله الغلامين ثوب العافية، فاستقرض سيدنا عليًّا ثلاثة آصع؛ أي: قدرًا من الطحين، أو من القمح، استعار ذلك من رجل يهودي شمعون الخيبري، فجاء بها فقامت السيدة فاطمة إلى صاع فطحنته، وخبزت منه خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم؛ ليفطرُوا فوقف بالباب سائل؛ السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا شيئًا من الطعام.

وفي اليوم الثاني جاء يتيم فأعطوه الأقراص الخمسة كذلك، وفي اليوم الثالث جاء أسيرٌ فعل مثل الأولين، وبات عليٌ وفاطمة من غير طعام، هكذا ورد الكلام،

ص: 390

واشتمل الخبرُ على شعر قيل في هذا الشأن ركيك، ثم هبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خذها يا محمد فأقرأه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} (الإنسان: 1) إلى قوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} .

وقد أخرج هذا الخبر معظم المفسرين ويكادوا لم يسلم تفسير منهم حتى إن الحافظ السيوطي ذكره في (الدر) مع أنه وافق على ضعفه في (اللآلئ).

وقد نبه على وضعه الحكيم الترمذي في كتابه (نوادر الأصول) في الأصل الرابع والأربعين، حيث قال: ومن الحديث الذي تنكره قلوب المحقين؛ فذكر هذه القصة، وقال: هذا حديث مذوق، وانظر كذلك (تخريج حديث الكشاف) للحافظ الزيلعي، وانظر (الموضوعات) لابن الجوزي؛ كل هؤلاء ذكروا أنه موضوع.

والحافظ ابن الجوزي ذكره، وابن حجر في كتاب (التخريج) حيث تعقب هذا الحديث في (الكشاف) وقال: أخرجه الثعلبي عن ابن عباس من رواية الكلبي، وقال: إن آثار الوضع لائحةٌ عليه لفظًًا ومعنى؛ فبناء سيدنا عليٌ بالسيدة فاطمة، كان بالمدينة في السنة الثانية مع أن هذه السورة مكية؛ السورة مكية، وسيدنا عليٌ ما تزوج فاطمة إلا في المدينة، ثم أنجب فيما بعد -بعد ذلك بسنوات- فواضح أن هذه القصة فيها كذبً ُواضح، وبطلان صريح.

والسورة مكية كما روي عن ابن عباس والجمهور: فليس من المعقول أن يكون هذا هو السبب. ومن العجيب: أن الإمام الألوسي قد حاول إثبات الخبر؛ بالخلاف في مكية السورة ومدنيتها، وبأن ابن الجوزي متساهل في الحكم بالوضع، ومعظم التفاسير ذكرت هذا السبب؛ لأن الحكمَ بوضعِه يخفى إلا على الحافظ الناقد البصير.

ص: 391

هناك أسباب كثيرة؛ عندنا أيضًا: ما أورده البعض من حديث: "أنا ابن الذبيحين" ذكر الإمام الزمخشري في كشافه وتبعه النسفي في تفسيره وغيرهما عند قوله تعالي: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظر مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات: 102) هذه الآيات ذكروا في الاستدلال على أن الذبيح إسماعيل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا ابن الذبيحين" يعني: جده الأعلى إسماعيل، وأباه عبد الله بن عبد المطلب، وهذا الحديث لا يثبت عند المحدثين، قال الإمامان الزيلعي، وابن حجر في (تخريج أحاديث الكشاف) لم نجد هذا الحديث بهذا اللفظ، وقال الحافظ العراقي: إنه لم يقف عليه، ولا يعرف بهذا اللفظ.

وأما حديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبًا العطاء، فقال فيما قال: فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه. فهو حديث حسن بل صححه الحاكم، وقد ورد من طرق عدة يقوي بعضه بعضًا.

أما حديث: "أنا ابن الذبيحين" فهذا لم يثبت.

انظر إلى بعض الأقوال الشيعية ذكر بعض المفسرين كابن جرير والسيوطي في (الدر المنثور) ومفسرو الشيعة في تفاسيرهم عند قوله -جل وعلا-: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (الرعد: 7) فسره المنذر بالنبي صلى الله عليه وسلم والهادي بأنه عليٌ رضي الله عنه وجمهور المفسرين سلفًا وخلفًا على أن المنذر والهادي، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك ما روي عند تفسير قوله تعالي: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} (الحاقة: 12) قالوا: إن المراد بها أُذن عليٍّ، فقد رووا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت الآية أخذ بأذن عليٌ،

ص: 392

وقال: "هي أذنك يا عليٌ". وفي رواية: "اللهم اجعلها أٌذن عليٌ" وهذا كلامٌ موضوعٌ، فالحديثان موضوعان، كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره من الأئمة.

هناك أيضًا ما ينشر وما يشتهر من قولهم: "المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء" ذكر الزمخشري في كشافه وتابعه النسفي في تفسيره قوله تعالي: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31) وذكروا روايات: يحكى أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعليٌ بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان؛ علم الأديان، وعلم الأبدان، فقال له: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه، فقال: وما هي؟ قال: هي قوله تعالي: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم شيء في الطب؟ فقال: قد جمع رسولنا الطب في ألفاظ يسيرة، فقال: وما هي؟ قال: في قوله صلى الله عليه وسلم: "المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء"، الحمية معروفة وهيالتقليل من الطعام والامتناع منه، والبعض يعتقد أن الحمية هي ما كان من الكي.

على كل حال: الحديث الذي أوردوه: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وأعْطِي كلَّ بدنٍ ما عودتَهُ"، فقال النصراني: ما ترك كتابكم، ولا نبيكم لجالينوس طبًّا" ويقول شيخنا الشيخ أبو شهبة معلقًا على هذا وناقلًا وناقدًا، يقول: لئن أصاب في الآية بأن الآية فيها طب وحكمة؛ فقد أخطأ في ذكره الحديث؛ يعني: الآية فعلًا: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} ما شاء الله فيها الطب، وفيها الحكمة، أما إيرادهم للحديث: فقد أخطئوا؛ فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام بعض أطباء العرب؛ هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب.

ص: 393