المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن - الدخيل في التفسير - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (1)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدخيل والأصيل

- ‌أنواع الدخيل، وفائدته

- ‌كيف نشأ الدخيل

- ‌معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات

- ‌الدرس: 2 الإسرائيليات (2)

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌أسباب تفشي الإسرائيليات، وخطورتها على أمة الإسلام

- ‌أقطاب الرواية الإسرائيلية:

- ‌الدرس: 3 الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1)

- ‌تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية

- ‌نماذج من الإسرائيليات

- ‌الدرس: 4 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (2)

- ‌تسلل الإسرائيليات إلى كتب التفسير

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم

- ‌الدرس: 5 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (3)

- ‌قصة عصا موسى عليه السلام، وقضية الأجلين

- ‌بعض مواقف موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

- ‌قصة "إرم ذات العماد

- ‌فتنة سليمان عليه السلام

- ‌الدرس: 6 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (4)

- ‌المسوخ من المخلوقات في روايات بني إسرائيل

- ‌ما ورد في بناء الكعبة المشرفة

- ‌الإسرائيليات في قصة التابوت

- ‌شجرة طوبَى

- ‌الدرس: 7 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (5)

- ‌قصة ذي القرنين:

- ‌قصة يأجوج ومأجوج

- ‌قصة الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 8 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (6)

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام

- ‌الدرس: 9 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (7)

- ‌تعقيب على قصة "إرم ذات العماد

- ‌الإسرائيليات التي وردت في سؤال موسى ربه الرؤية

- ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

- ‌الدرس: 10 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أصحاب الكهف

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الدرس: 11 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (9)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الدرس: 12 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (10)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة "بلقيس"، وما حدث لنبي الله سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الدرس: 13 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (11)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة نوح عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الدرس: 14 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 15 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (13)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إدريس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 16 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (14)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة لوط عليه السلام

- ‌الدرس: 17 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (1)

- ‌تعريف الحديث الموضوع

- ‌علامات الحديث الموضوع

- ‌الدرس: 18 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1)

- ‌تابع علامات الحديث الموضوع

- ‌حكم رواية الحديث الموضوع

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

- ‌ما جاء في فضل يونس عليه السلام، وما ورد في إهلاك قوم لوط

- ‌ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الدرس: 19 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (2)

- ‌تابع ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌الدرس: 20 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي

- ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌بعض القراءات الموضوعة

- ‌التفسير بالرأي

- ‌الدرس: 21 أنواع الدخيل في الرأي (1)

- ‌معنى الدخيل في الرأي

- ‌الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدرس: 22 أنواع الدخيل في الرأي (2)

- ‌تابع الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدخيل عن طريق الإلحاد

- ‌الدخيل عن طريق التفسير الصوفي

- ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

الفصل: ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

القصص أو نحو ذلك، إلا مقترنًا ببيان أنه موضوع ومكذوب؛ سواء كان في الحلال والحرام، أو في التواريخ، أو في أيِّ نوعٍ من أنواعِ الموضوعاتِ.

وفي حكم الموضوعات الإسرائيليات، التي أُلْصِقَت كذبًا وزورًا على النبي صلى الله عليه وسلم وأن فاعل ذلك يستوجب التأديب والعقاب، بل يستوجب الضرب الشديد والحبس الطويل كما نقل عن الإمام البخاري، بل بالغ بعض العلماء؛ فأحل دمَ من يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نقل شيخنا الدكتور محمد أبو شهبة هذا الرأي عن يحيى بن معين -رحم الله الجميع.

هذه خلاصة حكم رواية الحديث الموضوع.

‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

ولشيخنا الشيخ أبو شهبة في هذا المجال نقل عن عمر بن الخطاب وعن علمائنا ورجالنا، يحذرونا أشد التحذير من رواية هذه الأحاديث الموضوعة؛ لأنها تفسد عقائد الأمة وتؤثر في من يقرؤها؛ إذ إنه يرى في هذه الأحاديث طعنا في ديننا وثقافتنا الإسلامية.

ولا مانع أن نمر سريعًا على ما نقل عن بعض هؤلاء الفرق، التي نقلت أحاديث ودسوها في كتب التفسير، هناك الخوارج والقدرية والفرق الأخرى وضعوا أحاديث تؤيد مذاهبهم، قال شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية: ثم إنه لسبب تطرف هؤلاء وضلالهم دخلت الرافضة الإمامية ثم الفلاسفة ثم القرامطة وغيرهم فيما هو أبلغ من هذا، وتفاقم الأمر في الفلاسفة؛ فإنهم فسروا القرآن بأنواع لا يقضي العالم منها عجبه.

فالرافضة مثلًا يقولون في قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (المسد: 1)، يقولون هما أبي بكر وعمر، ويقولون في قوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (الزمر: 65)، يقولون: أي بين أبي بكر وعمر، وعلي في الخلافة:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ}

ص: 351

كأن الخطاب إن أشركت أب ابكر وعمر في الخلافة، وقالوا في قوله:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (البقرة: 67) قالوا: المراد عائشة، وقالوا في قوله:{فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (التوبة: 12) قالوا: هم طلحة والزبير، وقالوا في قوله:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} (الرحمن: 19) والآية: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} (الرحمن: 22){مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} علي وفاطمة، {اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الحسن والحسين، وقالوا: إنما وليكم في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة: 55) قالوا: هو علي.

ويذكرون الحديث الموضوع بإجماع أهل العلم، في أن عليًّا تصدق بخاتمه، وهو في الصلاة، وسنذكر ذلك فيما يستقبل -إن شاء الله.

في قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (البقرة: 157) قالوا: نزلت في علي لما أصيب بحمزة، ومما يقارب هذا ما ذكروه أيضًا في قوله:{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (آل عمران: 17)، إن {الصَّابِرِينَ} رسول صلى الله عليه وسلم {وَالصَّادِقِينَ} أبو بكر {وَالْقَانِتِينَ} عمر، {وَالْمُنْفِقِينَ} عثمان {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ} علي، مع أن الصفات طيبة، لكن هذا لم يرد فيه تحديد، هناك كلام كثير نغض الطرف عنه الآن، ولنعد إلى نماذج من الأحاديث الموضوعة الأخرى.

ونبدأ بأشهر ما ورد في هذا النوع من الأحاديث الموضوعة.

نقول: لا نقصدُ في ذكر الأحاديث الموضوعة في مجال التفسير، أن نستقْصِيَ كل ما ذُكِر، إنما نشير إلى نماذج منها، وعلى سبيل الإجمال ودون تفصيل، فإن الحقيقة التي لا تخفى، ولا تغيب، أننا لو أردنا استقصاء، واستقراء كل ما ورد من الأحاديث الموضوعة أو الإسرائيليات مما يسمى الدخيل والموضوعات في

ص: 352

كتب التفسير، فإنها تحتاج إلى عشرات الساعات، وبما أننا محكمون بمنهج محدد، فسنورد نماذج على سبيل الذكر والمثال، لا على سبيل الحصر والإحصاء.

من تلك الأحاديث: الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن، ومنها أيضًا سنعرفُ بعد ذلك ما وَرَدَ في أسبَابِ النُّزُولِ، فإنَّ العَاقِلَ عندما يستقرئُ كتبَ التفسير، يرى الكَمَّ الكثيرَ، والقدرَ الهائلَ في الموضوعاتِ؛ إما فِي فَضَائلِ السور، أو في فواتح السور، أو في قصص الأنبياء، أو في أسباب النزول، على كل حال معظم ما أورده المفسرون في فضلِ سورِ القرآنِ أحاديث موضوعة، وانتبه أخَا الإسلام ليست كلُّ الأحاديث التي وردت في فضائلِ السورِ موضوعة، هناك سور صح في فضلها أحاديث بينها الإمام السيوطي، ونحن إذا رجعنا إلى هذه الأحاديث سنرى أنها صحيحة في بعض السور، وقليل من الآيات.

إنما الحديث الذي شَمَلَ كُلَّ السورِ المائة والأربع عشرة سورة، ال حديث ال مشهور المروي عن أُبَي بن كعب هو حديث موضوع -إن شاء الله.

والأحاديث التي وردت وصحَّتْ في فضائل بعض السور، هي كما بينَهَا الإمام السيوطي، بقوله: واعلم أن السورَ التي صَحَّتْ الأحاديث في فضلها هي الفاتحة، والزهراوان - البقرة وال عمران - وسورة الأنعام، والسبع الطوال -الطول جمع طول ى، والطوال جمع طويلة - وهي البقرة وأل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف وبراءة أو الأنفال مع براءة، على كل حال مجملًا، وسورة الكهف، وسورةُ يس، والدخان، والملك، والزلزلة، والنصر، والكافرون، والإخلاص، والمعوذتين، وما عداها لم يصح فيه شيء.

نتحفظ قليلًا على كلام الإمام السيوطي، فأحاديث الفاتحة صحيحة والزهراوين والأنعام والكهف، أما حديث يس؛ فقد صححه البعض وحسنه آخرون

ص: 353

وضعفه آخرون، وكذلك ما ورد في الدخان والملك والزلزلة، أما سورة النصر والإخلاص والمعوذتين؛ فالأحاديث فيها صحيحة، ومعظمها متفق عليه.

على كل حال: من الأحاديث الموضوعة في فضائل السور؛ ما ذكره أبو السعود، وعند الانتهاء من سورة " يونس "، ذكر حديث في فضلها ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم:"من قرأ سورة يونس، أعطيَ لَهُ من الأجرِ عشرَ حسناتِ، بعدد من صدق يونس، وكذب به، وبعدد من غرق مع فرعون".

والأحاديث تناولت جميع السور وهي أحاديث معروفة، حديث أُبَي بن كعب رضي الله عنه وضعت في فضائل السور جملة شاملة لكل السور من الأحاديث، وواضعُوهَا قصدوا ترغيب الناس في قراءة القرآن، وزعموا أن في ذلك حسبةً إلى الله تعالى، وهذا غلط وقصدهم فاسد، وزعمهم باطل؛ لأن كُلَّ هذا داخل تحت وعيد الحديث:((من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار))، ولا فرق بين الكذب على رسول الله، والكذب له.

أما حديث أُبَي بن كعب الطويل، فهذا الحديث يروى عن أُبَي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسند هذا الحديث كما ذكره العلماء؛ ف قد بحث مؤمل بن إسماعيل حتى وصل إلى من اعترف بوضعه، قال مؤمل: حدثني شيخٌ بهذا الحديث، هذا أصل الحديث المنسوب كذبًا إلى أُبي، قال مؤمل: حدثني شيخ بهذا الحديث، فقلتُ له: من حدَّثَكَ بهذا؟ قال: رجل بالمدائن، وهو حي فسرتُ إليهِ، فَقُلْتُ: من حدَّثَكَ بِهَذا؟ قال: حدثني شيخ بواسط، فسرتُ إليه فقلتُ: من حدَّثَكَ بِهَذا؟ قال: حدثني شيخٌ بالبصرة، فسرتُ إليه فقلتُ: من حدَّثَكَ بِهَذا؟ قال: حدثني شيخ بعبَّادَان، فسرتُ إليه فأخذ بيدي، فأدخلني بيتًا، فإذا فيه قومٌ من المتصوفةِ ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ هو الذي حدثني، فسألته قلت: يا

ص: 354

شيخ من حدَّثَكَ بهذا؟ قال: لم يحدثن ي أحد. ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن - أي: انصرفوا عنه - فوضَعْنَا لَهُم هذا الحديث؛ ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن.

وقد روي هذا الحديث من طريق علي بن زيدِ بن جدعَان، وعطاء بن أبي ميمونة كلاهما عن زِرِّ بن حبيش عن أُبَي بن كعب، ومن طريق هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن أبي أمامة عن أُبَي بن كعب، ومن طريقٍ آخر، والحديث بجميع طرقه باطل موضوع.

وروي عن ابن المبارك أنه قال: أظنه من وَضْعِ الزنَادِقَة، ومن ذلك أيضًا: حديث عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن حديث مشابه؛ إلَّا أنه مسندٌ إلى ابن عباس، يشبهُ الحديثَ الذي ينسب إلى أُبَي بن كعب، وهو فِي فضائلِ القرآن سورةً سورة أيضًا، فقد سئل عنه واضعه نوح بن أبي مريم، الذي سبق القول بأنه جامع؛ إذ إ نه جمع لجمعه علومًا كثيرة، سبحان الله تلقى العلوم عن علماء لكنه كان كذبًا؛ أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى، وأخذ التفسير عن الكلبي، وعلم السير والمغازي عن محمد بن إسحاق، وأخذ الحديث عن حجاج بن أطأة، قيل: إنه كان جامع ً الكل شيء إلا الصدق؛ كما سبق أن أشرت.

فنوح بن أبي مريم قال: رأيت الناس قد اعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبةً، يقول الدكتور محمد أبو شهبة: وقد خطأ المحدثون من ذكر هذه الأحاديث من المفسرين في كتبهم؛ كالإمام الثعلبي والإمام الواحدي والزمخشري، والنسفي والبيضاوي وأبي السعود، والحقيقة أن أصحاب هذه الكتب، وهم من القدامى نقلت منهم هذه الأحاديث؛ سواء ذكرها المفسرون في أواخر السور؛ لأنها كالوصف لها،

ص: 355

أو في بيان فضلها في أوائل السور، والنسفي والبيضاوي وأ بو السعود كل هؤلاء ذكروها في كتبهم.

ولكن من أبرز سنده وذكره كالثعلبي والواحدي فهو أبسط لعذره لعل عذره يقبل؛ إذ أحال ناظره على الكشف عن السند، والبحث عن الرواة، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه، أما من لم يبرز السند، وأورد الحديثَ بصيغةِ الجزم فخطؤه كبير، بل وخطؤه أفحش وعذره أبعد، كالمتأخرين والزمخشري جاء من بعدهِم، والنسفي، والبيضاوي، وأب والسعود.

قال الإمام ابن الجوزي: وقد فرَّقَ هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره فذكر عند كل سورة منه ما خصَّها من القول، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، قال: ولا أعجب منهُمَا؛ لأنهما ليسا من أصحابِ الحديث، وإنما عجبتُ من أبي بكر بن أبي داود في كتابه الذي صنفه بعنوان (فضائل القرآن)، وذكر الحديث، وهو يعلم أنه حديثٌ محالٌ مصنوعٌ بلا شك.

يقول شيخنا الدكتور أبو شهبة: رجعت إلى (تفسير الثعلبي) ووجدته يبرز السند كاملًا تارةً، وتارةً يقول: عن أُبَي بن كعب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وذكر لنا أمثلة من سورة " هود "، قال: قال النبي: "من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من صدق نوحًا، وهودًا، وصالحًا، ولوطًا، وموسى" وفي صدر سورة " يوسف "، قال: وعن أُبَي بن كعب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا سورة يوسف؛ فإنه ما من مسلم تلاها وعلَّم أهله إلا هَوَّنَ الله عليه سكرات الموت، وأعطاه القوة ألا يحسد أحدًا" والواحدي يذكر الفضائل في أول السور؛ ليكون أدعى إلى عناية القارئ وتنشيطه.

ص: 356

الزمخشري ومن تبعه يذكر الفضائل في أواخر السور، ولما سئل الزمخشري عن هذا، فأجاب بأن الفضائل صفات، وهي تستدعي الموصوف، والموصوف مقدم على صفته، كما أنهم لا يذكرون شيئًا من السند حتى الصحابي، وإليك مثالًا مما ذكره الزمخشري من هذا الحديث الطويل عقب كل سورة؛ ليكون القارئ على حذر منها.

ومن أمثال ذلك ما ذكره في آخر سورة آل عمران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة آل عمران، أعطيَ بكل آية منها أمانًا على جسر جهنم" وعنه عليه الصلاة والسلام قال: "من قرأ السورة التي يذكر فيها " آل عمران " يوم الجمعة، صلَّى اللهُ عليه وملائكته حتى تحجب الشمس" وفي آخر " المائدة " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورةَ المائدةِ أعطيَ من الأجرِ عشرَ حسنات، ومحيَ عنه عشرُ سيئات، ورفع له عشر درجات، بعددِ كل يهوديٍّ ونصرانيٍّ يتنفس في الدنيا" أحاديث كثيرة.

ورغم أن سورة البقرة والفاتحة وآل عمران والكهف صحت في فضلها أحاديث، فقد أخرجوا أيضًا جُمَلًا من الأحاديث الموضوعة في هذه السور، وقبل أن نترك كلام أُبي، أو الحديث المسند إلى أُبَي، نقول: إن هناك أحاديث موضوعة عن غير أُبَي بن كعب؛ فبعض المفسرين قد يذكر في فضائلِ السورِ أحاديث عن غير أبي، كالذي ذكره الزمخشري والبيضاوي في فضل الفاتحة، قالا: وعن حذيفة بن اليمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتمًا مقضيًّا، فيقرأ صبيٌّ من صبيانِهِم في الكُتَّاب: الحمد لله رب العالمين، فيرفع الله عنهم العذاب أربعين سنة" قال ولي الدين العراقي: في سنده الجويباري، ومأمون الهروي كذَّبَان، فهو من وضع أحدهما.

وقد يذكر المفسرون في فضائل الآيات ما لا يعرفه المحدثون؛ وذلك مثل ما ذكره الزمخشري وتبعه النسفي وغيره في فضل آية الكرسي من قوله: "ما قرئت هذه

ص: 357

الآية في دار إلا اهتجرتها الشياطين ثلاثين يومًا، ولا يدخله ساحرٌ، ولا ساحرة، أربعين ليلة، يا علي علمها ولدك، وأهلك وجيرانك، فما نزلت آية أعظم منها" وإن كانت آية الكرسي فعلًا لها أحاديث أخرى في فضلها، لكن هذا النص من الأحاديث الموضوعة.

وكذلك الحديث الذي ذكره بعده، وهو أن الصحابة تذاكروا أفضل ما في القرآن، فقال لهم علي رضي الله عنه أين أنتم من آية الكرسي؟، ثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي سيد البشر آدم، وسيد العرب محمد ولا فخر، وسيد الفرس سلمان، وسيد الروم صهيب، وسيد الحبشة بلال، وسيد الجبال الطور، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الكلام القرآن، وسيد القرآن البقرة، وسيد البقرة آية الكرسي".

فقد قال الحافظ في تخريج أحاديث (الكشاف) لم أجدهما؛ الحافظ ابن حجر.

وهذا لا يعني أن كل ما ذكر في فضائل السور ضعيف كما أشرت؛ فقد صح في بعض السور كما سبقت الإشارة، وصح في آية الكرسي وفي الآيتين من آخر سورة البقرة، فقد جاء الحديث:((من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)) فقد رواه البخاري ومسلم، وأيضًا الحديث الآخر:((أوتيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم يؤتهن نبيٌّ قبلي)) وا لحديث أخرجه النسائي وأحمد.

وأيضًا ينبغي أن يعلم أنه ليس كل ما ذكره الزمخشري، وأمثاله عن أُبَي بن كعب يكون موضوعًا؛ فقد يذكر عن أُبَي بن كعب ما هو صحيح أو حسن، وذلك مثل ما ذكره في تفسير سورة الفاتحة، حيث قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأُبَيِّ بن كعب:((ألا أخبرك بسورة لم ينزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها؟)) قلت: بلى يا رسول الله، قال:((فاتحة الكتاب، إنها السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته)) أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي والحاكم وصححه على شرط مسلم.

ص: 358