الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيأتي إنسان ما ويؤول الآية لصالحه، ويجعل "فانصِب" أمر من النصب الذي هو عداوة علي وكراهيته؛ ولذا يقول الزمخشري: من البدع ما روي عن بعض الراوية أنه قرأ "فانصِب" بكسر الصاد أي: فانصب عليًّا للإمامة، ولو صح هذا لرافضي؛ لصح للناصبي الذي هو بغض علي وعداوته، وهذا كلام لا يقبل.
ومن أمثلة هذا النوع أيضًا، وهو استحداث قراءة لا سند لها ما أورده البعض في تفسير قوله:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} (الفلق 1، 2) فقد قرأ بعض المعتزلة "مِنْ شَرٍّ مَا خَلَقَ" بتنوين شرٍّ، وجعل ما نافية، ومعنى ذلك: أنهم يستعيذون برب الفلق من شرٍّ لم يخلقه هو، بل خلقه فاعله، وذلك وفقًا لمذهبهم الاعتزالي، وهذا ولا ريب تحريفٌ في كتاب الله العزيز.
قال ابن عطية فيما نقله عنه العلامة الألوسي عن هذه القراءة: هي قراءة عمر بن عبيد، وبعض المعتزلة القائلين: بأن الله تعالى لم يخلق الشر، وحملوا "ما" على النفي، وجعلوا الجملة في توضيح الصفة، أي: من شرٍّ ما خلقه الله تعالى ولا أوجده، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل.
الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة
والكلام عن الفرق المبتدعة يشمل أنواعًا كثيرة؛ فهو إما يشمل فرق الشيعة أو الخوارج أو المعتزلة.
فرقة الشيعة: يراد بهم أولئك الذين شايعوا عليًّا وذريته، وأهل بيته، وادعوا أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه هو الأحق بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، وأن الخلافة لا تخرج عنه في حياته، ولا عن أبنائه بعد موته.
وقد ظهرت تلك الفرقة في أواخر عهد عثمان رضي الله عنه، فلما كان عهد علي رضي الله عنه ظهروا على الساحة بشكل واضح ونما عددهم، واتسع شأنهم، فلما كان العهد الأموي، وكثر الظلم من الأمويين على العلويين، وتحركت شفقة الناس على العلويين كان هذا الظلم سببًا في اتساع المذهب الشيعي.
ورغم أن الشيعة انقسموا على أنفسهم إلى عدد من الفرق إلا أنهم جميعًا يكادون يتفقون على مبدأ واحد، وهو كما قال العلامة ابن خلدون: إن الإمامة ليست من مصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، ويعيَّنُ القائم بها تعينهم بل هي ركن الدين، وقاعدة الإسلام، ولا يجوز للنبي إغفاله، ولا تفويضه إلى الأمة. بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصومًا من الكبائر والصغائر، وأن عليًّا رضي الله عنه هو الذي عيَّنَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى رأس فرقة الشيعة فرقتان: الزيدية، والإمامية الاثنى عشرية، والإسماعيلية، وأن كانت في الحقيقة فرقٌ الشيعة كثيرة جدًّا أوصلها بعضهم إلى خمسٍ وعشرين فرقة، لكن على رأس هذه الفرق فرقتان الزيدية والإمامية.
أما الزيدية: فهم أتبع زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم الذي تمرد على الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك؛ طمعًا في استرداد الخلافة، فخذله أتباعه فَقُتِلَ وصُلِبَ، ثم أحرق جسده، وكانت الزيدية ترى: أن النبي صلى الله عليه وسلم عرَّضَ بالإمامة لعلي رضي الله عنه.
أما الإمامية: فيرون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على إمامة علي نصًّا وليس فقط عرض كما يقول الزيدية ويحصرون الإمامة بعد عليٍّ في ولده من فاطمة رضي الله عنهم أجمعين-، والإمامية انقسموا إلى فرق كثيرة، أبرزها: الإسماعيلية الإثني عشرية والإمامية الإسماعيلية.
ما الإمامية الإثنا عشرية: فسموا بذلك نسبة إلى الإمام الثاني عشر محمد المهدي المنتظر، الذين يدَّعُون أنه دخل سردابًا في دار أبيه، ولم يعد بعد، بل هو مختفي، وإنما سيخرج آخر الزمان ليملأ الكون عدلًا وأمنًا بدلًا من الظلم والخوف.
أما الإمامية الإسماعيلية: فينسبون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، الذي ينتمي إلى محمد الباقر إلى الحسين إلى علي رضي الله عنهم أجمعين.
وإلى نماذج من الدخيل في التفسير عن طريق هذه الفرقة بأقسامها:
الإمامية الإثنا عشرية: في قوله تبارك وتعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} (الانشقاق: 19) قالوا: في هذه الآية إشارة إلى أن هذه الأمة، ستسلك سبيل من كان قبلها من الأمم، في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء، في قوله تعالى:{قَالَ الَّذِينَ لَا لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} (يونس: 15) قالوا: إن الضمير في "بدله" لعلي بن أبي طالب، رغم أن علي لم يسبق له ذكر ولم يكن سياق الكلام في شأن خلافته أو ولايته.
ثالثًا: الأمر يصل بهم إلى حدِّ الزيادة في الألفاظ القرآنية، انظر إلى باطلهم وضلالهم، ففي قوله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك} (المائدة: 67) زادوا فيها لفظًا "في شأن علي"، قالوا "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في شأن علي" وهي زيادة باطلة موضوعة لم ترد إلا في زعمهم وكذبهم واختلاقِهِم.
رابعًا: روى العباس عن الباقر أنه قال: لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام)) زعم أن أنزل الله {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (الكهف: 51) وهذا كذب منهم، جاء في (أصول الكافي) -وما أكثر الأكاذيب والأباطيل في تفاسيرهم- في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} (النساء: 137) قالوا: إن هذه الآية نزلت
في أبي بكر وعمر وعثمان؛ آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أولًا، ثم كفروا، حيث عُرضت عليهم ولاية علي، ثم آمنوا بالبيعة لعلي، ثم كفروا بعد موت النبي، ثم ازدادوا كفرًا بأخذ البيعة من كل الأمة -لا حول ولا قوة إلا بالله.
انظر: كتاب (الوشيعة في نقض عقائد الشيعة) لموسى جاد الله، نقلًا عن أصول تفسيرهم (الكافي)، وما أكثر الأباطيل التي يسوقها الرافضة الشيعة في تفاسير الآيات الكثيرة، يحملون آيات الثناء والإيمان على علي وبنيه، وآيات الكفر والذم والترهيب يحملونها على صفوةِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ننتقل بعد ذلك إلى نوع آخر من الفرق التي ضلت، والفرق المبتدعة وأقوالهم ألا وهي فرقة الخوارج:
وبداية نلقي نظرة مختصرة على هذه الفرقة: نشأت هذه الفرقة بسبب التحكيم الذي كان بين سيدنا علي، وسيدنا معاوية رضي الله عنهما بشأن من أحقُّ بالخلافة منهما؛ وذلك أنه قامت عدة حروبٍ بين علي ومعاوية، وكان لكل منهما أنصاره ومشايعوه، وكانت الغلبة فيها دائمًا لعلي رضي الله عنه وجندِهِ إلى أن جاءت موقعة صفين؛ فكاد جيش معاوية أن ينهَزِمَ هزيمةً لا قائمةَ له بعدها؛ فلجأ معاوية إلى دهائه، فرفع المصاحف على أسنة الرماح وتظاهروا بها، طالبًا وقف القتال، والتحكيم بين الحزبين، حينئذٍ آثر عليٌّ رضي الله عنه بعض مشورةٍ وأخذٍ ورد قبول التحكيم رغبة منه في عدم إراقة الدماء، وحقن دماء الأمة، لعل الله أن يجمع بهذا التحكيم كلمة الأمة ويوحد صفوفها.
لكن جماعة من أصحاب علي رضي الله عنه رفضوا هذه الفكرة وخرجوا على علي، ولم يقبلوا الرجوع إليه إلا إذا كفَّر نفسه، ونقض الشروط التي بينه وبين معاوية، ولما يئسوا من رجوع علي إليهم خرجوا إلى حروراء قرية قريبة من الكوفة، ووقعت بينهم وبين علي عدة حروب هزمهم فيها كلها دون استئصال شأفتهم، فدبروا له مؤامرةً لقتلِهِ حيث قتله بعد ذلك عبد الرحمن بن ملجم.
وكان لهذه الفرقة وجودٌ قوي أيام الأمويين؛ حيث كانوا يشكلون شوكة قوية في ظهرهِم؛ فحاربهم الأمويون؛ ثم كان عهد العباسيين، فنشبت الحروب بين الفريقين حتى تفرقت كلمة الخوارج، وضعفت قوتهم، وتعددت جماعتهم، فصاروا شيعًا وأحزابًا حتى وصلوا إلى عشرين حزبًا، ورغم أن هذه الأحزاب كانت متباينةً في العقيدة والمبدأ إلا أن الخوارج جميعًا يتفقون على أمرين: الأمر الأول: تكفير علي وعثمان، والحكمين، وأصحاب موقعة الجمل، وكل من رضي، أو شارك في التحكيم.
والأمر الثاني: وجوب الخروج على السلطان الجائر، وهناك أمر ثالث يعتقد به معظم أحزاب الخوارج ألا وهو: تكفير مرتكب الكبيرة.
ولننتقل إلى نماذج من أقوالهم في التفسير:
الخوارج جعلوا عقيدتهم ومبادئهم نُصْبَ أعينهم في المقام الأول، أما التفسير: فيأتي في المرتبة التالية، وهو كالفرع الذي ينتجُ عن المذهب، فجعلوا المذهب أصلًا، مع أن المفروض أن يكون المبدأ والاعتقاد تبعًا للتفسير الصحيح للقرآن، وبناء على هذا الوضع جاءت تفاسيرهم فيها مخالفات كثيرة، من ذلك في قوله -جل وعلا-:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 97) قالوا: إن تارك الحج كافر؛ لأن الله تعالى جعل تارك الحج كافرًا.
ثانيا: في قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (آل عمران: 106) الآية قالوا:
الفاسق لا يجوز أن يكون ممن ابيضت وجوههم، فوجب أن يكون ممن اسودت وجوههم، ووجب أن يسمى كافرًا؛ لقوله تعالى {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} .
في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (الحجر: 42) قالوا: إن الغاوي الشيطان يكون مشركًا بدليل قوله تعالى في سورة النحل: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} (النحل: 100) وهكذا يأتي تفاسير الخوارج بكفر مرتكب الكبائر، مع أن النصوص الشرعية تبين أن مرتكب الكبائر ليس بكافر، وأن أمره مفوض إلى مشيئة الله، إن شاء عفا عنه بفضله، وإن شاء عذبه بعدله، وأن هذا العذاب لن يكون على سبيل التخليد، وحديث الشفاعة مشهور وهو في (الصحيحين):((ادخرت دعوتي شفاعةً لأهل الكبائر من أمتي)).
وفي سورة الحجرات أيضًا يصف الله المتقاتلين بالإيمان، ولا يرفعه عنهم فيقول {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات: 9) فجعل الطائفتين من المؤمنين، ولما أرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أنزل الله سورة الممتحنة، وفي صدرها يخاطبه الله -جل وعلا- بصفة الإيمان فيقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءِ} (الممتحنة: 1) ولما أراد عمر بن الخطاب أن يقتله؛ بحجة أنه منافق دافعَ عن نفسه أمام رسول الله، بأنه فعل ما فعل ليس نفاقًا منه ولا تكذيبًا، إنما أراد أن يكون له عند قريش يدٌ يحمون بها قرابته التي تعيش في مكة، لو أن أصحاب رسول الله أرادوا بهم سوءً حين فتحِ مكة، فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:((لعل الله اطَّلَعَ على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)) والحديث في (الصحيحين).
فرقة المعتزلة: سبب نشأة فرقة المعتزلة ما اشتهر وعُرِفَ في مجلس الحسن البصري رحمه الله الذي كان يمثل سيدَ التابعين في زمانه؛ حيث كان له مجلس زاخر بالعلم وطلاب العلم، وكان من أبرز طلابه واصل بن عطاء، وبينما الحسن كان منشغلًا بدرس العلم إذا برجل يدخل على الحسن، ويخبره عن ظهور جماعتين إحداهما تكفر مرتكب الكبيرة، وهم الخوارج.
والأخرى: تتساهل في الكبائر تساهلًا شديدًا حتى قالوا: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة وهم المرجئة، ثم سأله عن رأيه في تلك المسألة وقبل أن يجيب الحسن بادره واصل بن عطاء بالإجابة، فقال: إنه في منزلة بين المنزلتين ليس مؤمنًا على الإطلاق، ولا كافرًا على الإطلاق، ثم اعتزل المجلس بجوار أسطوانة من أسطوانات المسجد "عمود من أعمدة المسجد" فقال الحسن البصري: اعتزلنا واصل؛ فسميت الفرقة بالمعتزلة، التفَّ حولَهُ جماعة، اقتنعوا برأيِهِ؛ فأطلِقَ عليه، وعلى من تبعه اسمَ المعتزلة.
ومبادئ المعتزلة تقوم باختصار على الأمور التالية:
أولًا: استحالة رؤية الله عز وجل.
ثانيًا: أن الفاسق في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر.
ثالثًا: كل ما لم يأمر الله به، أو ينهى عنه من أعمال العباد لم يشأ الله شيئًا منها.
رابعًا: قالوا بمبدأ الحسن والقبح العقليين، وأن العقل كافٍ عن إرسال الرسل، وأما الرسل فإنما جاءوا مذكرين، أو منبهين للإنسان من غفلته.
خامسًا: قالوا: إن الجن لا تتسلط على الإنس مطلقًا، وإن أقصى شيء يفعلونه هو الوسوسة والإيحاء.
سادسًا: عدم العفو على من لم يتب من ذنبِهِ، وخالفوا بذلك عقيدة أهل السنة والجماعة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والله أعلم.