المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام - الدخيل في التفسير - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (1)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدخيل والأصيل

- ‌أنواع الدخيل، وفائدته

- ‌كيف نشأ الدخيل

- ‌معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات

- ‌الدرس: 2 الإسرائيليات (2)

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌أسباب تفشي الإسرائيليات، وخطورتها على أمة الإسلام

- ‌أقطاب الرواية الإسرائيلية:

- ‌الدرس: 3 الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1)

- ‌تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية

- ‌نماذج من الإسرائيليات

- ‌الدرس: 4 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (2)

- ‌تسلل الإسرائيليات إلى كتب التفسير

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم

- ‌الدرس: 5 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (3)

- ‌قصة عصا موسى عليه السلام، وقضية الأجلين

- ‌بعض مواقف موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

- ‌قصة "إرم ذات العماد

- ‌فتنة سليمان عليه السلام

- ‌الدرس: 6 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (4)

- ‌المسوخ من المخلوقات في روايات بني إسرائيل

- ‌ما ورد في بناء الكعبة المشرفة

- ‌الإسرائيليات في قصة التابوت

- ‌شجرة طوبَى

- ‌الدرس: 7 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (5)

- ‌قصة ذي القرنين:

- ‌قصة يأجوج ومأجوج

- ‌قصة الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 8 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (6)

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام

- ‌الدرس: 9 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (7)

- ‌تعقيب على قصة "إرم ذات العماد

- ‌الإسرائيليات التي وردت في سؤال موسى ربه الرؤية

- ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

- ‌الدرس: 10 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أصحاب الكهف

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الدرس: 11 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (9)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الدرس: 12 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (10)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة "بلقيس"، وما حدث لنبي الله سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الدرس: 13 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (11)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة نوح عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الدرس: 14 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 15 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (13)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إدريس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 16 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (14)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة لوط عليه السلام

- ‌الدرس: 17 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (1)

- ‌تعريف الحديث الموضوع

- ‌علامات الحديث الموضوع

- ‌الدرس: 18 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1)

- ‌تابع علامات الحديث الموضوع

- ‌حكم رواية الحديث الموضوع

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

- ‌ما جاء في فضل يونس عليه السلام، وما ورد في إهلاك قوم لوط

- ‌ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الدرس: 19 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (2)

- ‌تابع ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌الدرس: 20 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي

- ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌بعض القراءات الموضوعة

- ‌التفسير بالرأي

- ‌الدرس: 21 أنواع الدخيل في الرأي (1)

- ‌معنى الدخيل في الرأي

- ‌الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدرس: 22 أنواع الدخيل في الرأي (2)

- ‌تابع الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدخيل عن طريق الإلحاد

- ‌الدخيل عن طريق التفسير الصوفي

- ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

الفصل: ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الرابع عشر

(نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12))

‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

-

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي يوم العبادة بينما كان مشتغلًا بعبادة ربه في محرابه دخل عليه خصمان، ت س ورا عليه من ال س ور، ولم يدخلا من المدخل المعتاد - أي: من الباب - فارتاع منهما، فوجئ وحصل له شيء من المفاجأة وفزع فزعًا لا يليق بمثله من المؤمنين، فضلًا عن الأنبياء المتوكلين على الله غاية التوكل الواثقين بحفظه ورعايته، وظن بهما سوءًا، وأنهما جاءا ليقتلاه، أو ليبغيا به شرًّا، ولكن تبين له أن الأمر على خلاف ما ظن، وأنهما خصمان جاءا يحتكمان إليه فلما قضى بينهما وتبين له أنهما بريئان مما ظنه بهما، استغفر ربه، وخر ساجدًا لله تعالى تحقيقًا لصدق توبته والإخلاص له، وأناب إلى الله غاية الإنابة.

ومثل الأنبياء في علو شأنهم وقوة ثقتهم بالله والتوكل عليه، ألا تعلق نفوسهم بمثل هذه الظنون بالأبرياء، ومثل هذا الظن وإن لم يكن ذنبًا بالعادة إلا أنه بالنسبة للأنبياء يعتبر خلاف الأولى، والأليق بهم، وقديمًا قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فالرجلان خصمان حقيقة وليسا ملكين كما زعموا، والنعاج على حقيقتها، وليس ثمة رموز ولا إشارات وهذا التأويل هو الذي يوافق نظم القرآن، ويتفق مع عصمة الأنبياء، فالواجب الأخذ به ونبذ الخرافات والأباطيل التي هي من صنع بني إسرائيل، وتلقفها القصاص، وأمثالهم ممن لا علم عندهم ولا تمييز بين الغث والسمين.

ص: 267

وقيل: إنَّ الذي صنعه داود أنه خطب على خطبة "أوريا" فآثره أهلها عليه، وقد كانت الخطبة على الخطبة حرامًا في شريعتهم، كما هي حرام في شريعتنا، وقيل: إنه طلب من زوجها "أوريا" أن ينزل له عنها، وقد كان هذا في شريعتهم ومستساغًا عندهم، وقيل: إنه أوخذ بأنه حكم بمجرد سماعه لكلام أحد الخصمين كما نرى، جاء له الأول وقال:{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} (ص: 23)، وقال: إنه له نعجة واحدة، فحكم له داود عليه السلام دون أن يسمع حجة الآخر، وهذا الرأي موجود، وقد قيل: إنه أوخذ؛ لأنه حكم بمجرد سماعه لكلام أحد الخصمين، وكان عليه أن يسمع كلام الخصم الآخر.

وقد قيل: إذا جاءك أحد الخصمين وقد فقئت عينه، فلا تحكم له؛ لجواز أن يكون خصمه قد فقئت عيناه معًا، وهذه الأقوال الثلاثة ونحوها، لا يطمأن إليها بعض المفسرين، يقول شيخنا الشيخ أبو شهبة: لست منها على ثلج - يعني لا تبرد القلب ولا يطمئن إليها - فإنَّها وإن كانت لا تخل بالعصمة، لكنها تخدشها، ثم هي لا تليق بالصفوة المختارة من الخلق وهم الأنبياء.

فالوجه الجدير بالقبول في تفسير الآيات هو الرأي الأول، ومفاده أنَّ الخصمين جاءا فجأة، ت س ورا عليه المحراب، فارتاع منهما وفزع، وظن بهما سوءًا، ظن أنهما جاءا ليقتلاه أو يبغيا شرًّا، ولكن تبين أنَّ الأمر على خلاف ما ظنَّ وأنهما خصمان جاءا يحتكمان إليه في أمر خاص، فلما قضى بينهما وتبين له براءتهما مما ظنه بهما استغفر ربه، وخر ساجدًا لله سبحانه وتعالى.

فهذا الرأي الذي ارتضاه كثير من المفسرين، ف إن شاء الله يبقى هو الرأي الراجح، وفي هذا المقام اتضحت الأمور في قضية الخصمين مع نبي الله داود عليه السلام.

ولننتقل الآن إلى القصة التي ذكرت في سورة " البقرة " في قصة قتل داود لجالوت؛ وورد فيها أيضًا من الإسرائيليات الكثير والكثير وتناقل المفسرون كابن جرير

ص: 268

الطبري والبغوي والثعلبي والخازن وصاحب (الدر المنثور) وغيرهم أشياء كثيرة تزيد عن اثنتي عشرة صفحة ولسوف أختصرها وأوجزها إيجازًا.

فمن الإسرائيليات ما يذكره المفسرون في قصة قتل داود وهو جندي صغير في جيش طالوت، قتل داود جالوت الملك الجبار، وذلك في تفسير الآيات في قوله تبارك وتعالى:{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين} (البقرة: 251)، ومعلوم أن هذه الآية تسبقها آيات:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَاّ تُقَاتِلُواْ} (البقرة: 246)، الآيات، وتتوالى:{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم * وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ} (البقرة: 247 - 249).

وتتوالى الآيات في بيان ما جرى بين طالوت الملك، وما حدث لجالوت، وما جرى من نبي الله داود عليه السلام فالآيات تصل بنا إلى قوله تعالى:{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء} إلى آخر الآية.

ص: 269

ذكر "الثعلبي" و"البغوي" و"الخازن" وصاحب (الدر) وغيرهم ما خلاصته:

أنَّه عبر النهر فيمن عبر مع طالوت داود وهو جندي صغير، عبر النهر مع طالوت ملك بني إسرائيل، وفي ثلاثة عشر ابنًا له؛ يعني الذي عبر مع طالوت إيشا أبو داود، وكان له أولاد كثيرون، ثلاثة عشر ابنًا، وكان داود أصغرهم، وكان يرمي بالقذافة - شيء يقذف به كالمقلاع - فلا يخطئ هدفه، وأنه ذكر لأبيه أمرَ قذافته تلك، وأنه دخل بين الجبال فوجد أسدًا، فأخذ بأذنيه فلم يهبه، وأنه مشى بين الجبال، فسبّح فما بقي جبل حتى سبح معه، فقال له أبوه: أبشر، فإن هذا خير أعطاك الله تعالى إياه.

تتوالى الأخبار والقصص في هذا، فأرسل جالوت إلى طالوت، أن أبرز إليَّ من يقاتلني، فإن قتلني فلكم ملكي، وإن قتلته فلي ملككم، فشق ذلك على طالوت، فنادى في عسكره من قتل جالوت زوجته ابنتي، وناصفته ملكي، فهاب الناس جالوت فلم يجبه أحد.

فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله تعالى، فدعا الله في ذلك، فأتى بقرن في هـ دهن القدس، وتنور من حديد، فقيل: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي يوضع هذا القرن على رأسه، فيغلي الدهن حتى يدهن منه رأسه، ولا يسيل على وجهه، بل يكون على رأسه كالإكليل -الإكليل التاج الذي يلبسه الملوك على رء وسهم- ويدخل هذا التنور فيمل ؤ هـ، ولا يتقلقل فيه، فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم فلم يوافقه منهم أحد، فأوحى الله إلى نبيهم: إن في ولد إيشا من يقتل الله به جالوت.

فدعا طالوت إيشا فقال: اعرض هذا على بنيك، فأخرج له اثن اعشر رجلًا أمثال السواري -السواري يعني الطوال كالأعمدة كانوا طوالًا- فجعل يعرضهم على

ص: 270

القرن فلا يرى شيئًا، فقال لإيشا: هل بقي لك ولد غيرهم؟ قال: لا، فقال نبي هذا الزمان: يا رب إ نَّه زعم أنه لا ولد له غيرهم، فقال الله: كذب، فقال هذا النبي لإيشا: إن الله كذبك، فقال إيشا: صدق الله يا نبي الله، إن لي ابنًا صغيرًا، يقال له: داود، استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته، فخلفته في الغنم يرعاها، وهو في شعب كذا وكذا.

وكان داود رجلًا قصيرًا مسقامًا مصفارًا أزرق أمعر -يعني: ضعيف البنية، وأمعر قليل الشعر، ونحيف الجسم- ورغم كل هذا كل هذا أخا الإسلام من أكاذيب بني إسرائيل، ومن رميهم الأنبياء بأبشع الصفات فقاتلهم الله أنى يؤفكون.

وما كان لأبيه وقد أخبره داود بما ذكره أول القصة أن ينتقصه، ويصفه بهذه الأوصاف، ومع هذا سنسرد القصة الإسرائيلية. فدعاه طالوت، ويقال: بل خرج إليه، فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزبيبة التي كان يريح إليها، فوجده يحمل شاتين يجيز بهما السيل، ولا يخوض بهما الماء، فلما رآه قال: هذا هو لا شك فيه، هذا يرحم البهائم، فهو بالناس أرحم، فدعاه ووضع القرن على رأسه، ففاض -يعني من غير أن يسيل على وجهه- فقال طالوت: هل لك أن تقتل جالوت، وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي؟ قال: نعم، قال: وهل آنست من نفسك شيئًا تتقوى به على قتله؟ قال: نعم، وذكر بعض ذلك.

فأخذ طالوت داود، ورده إلى عسكره، وفي الطريق مرَّ داود بحجر، فناداه: يا دود احملني؛ فإني حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا، فحمله في مخلاته، ثم مضى بآخر، فناداه قائلًا: إنه حجر موسى الذي قتل به ملك كذا، فأخذه في مخلاته، ثم مر بحجر ثالث فناداه قائل ً اله: احملني فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت، فوضعه في مخلاته، فلما تصافوا للقتال وبرز جالوت، وسأل

ص: 271

المبارزة، انتدب له داود، فأعطاه طالوت فرسًا ودرعًا وسلاحًا، فلبس السلاح وركب الفرس وسار قريبًا، ثم لم يلبس أن نزع ذلك، وقال لطالوت: إن لم ينصرني الله لم يغنِ عني هذا السلاح شيئًا، فدعني أقاتل جالوت كما أريد، قال: فافعل ما شئت، قال: نعم، أخذ داود مخلاته، فتقلدها - يعني لبسها على كتفه - وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت، وكان جالوت من أشد الرجال وأقواهم، وكان يهزم الجيش وحده، وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد -البيضة هي ما يلبسه المحارب على رأسه - ولكن هذا الثقل، ثلاثمائة رطل حديد، هذا من أكاذيب بني إسرائيل وتخريفاتهم، فيعني أي عاقل يدري كيف يمكن لجالوت أن يحارب وعلى رأسه هذا الثقل، وهذا القدر من الحديد، ثلاثمائة رطل يعني 150 كيلو جرامًا من الحديد، طبعًا هذا كلام لا يعقل، وأيضًا يكون حمل على رأسه ما يزيد على ثلاثة قناطير من الحديد، وذكروا في وصفه أنَّ ظله كان ميلًا، وهذا لا شك من خرافات بني إسرائيل.

المهم تقدم جالوت كما ذكروا على رأسه هذا الثقل، فلما نظر إلى داود، ألقى الله في قلبه الرعب، وبعد مقاولة بينهما، وتوعد كل منهما الآخر، أخرج داود حجرًا من مخلاته، ووضعه في مقلاعه، وقال: ب اسم إله إبراهيم، ثم أخرج الآخر وقال: ب اسم إله إسحاق ووضعه في مقلاعه، ثم أخرج الثالث وقال: باسم إله يعقوب، ووضعه في مقلاعه، فصارت كلها حجرًا واحدًا، ودور داود المقلاع، ورمى به فسخر الله له الريح، حتى أصاب الحجر أنف البيضة، فخلص إلى دماغه، وخرج من قفاه -أي: جالوت - وقتل من ورائه ثلاثون رجلًا، وهزم الله تعالى الجيش وخر جالوت قتيلًا صريعًا، وأخذه يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرح جيش طالوت فرحًا شديدًا؛ لأنَّ الله نصر داود على جالوت.

ص: 272

وانصرفوا إلى مدينتهم سالمين والناس يذكرون بالخير داود، فجاء داود طالوت، وقال له أنجز لي ما وعدتني، فقال: وأين الصداق؟ فقال له داود: ما شرطت علي صداقًا غير قتل جالوت، ثم اقترح عليه طالوت أن يقتل مائتي رجل من أعدائه م، ويأتيه بغلفهم -الغلف هي ما يقطع عند الختان- ففعل داود فزوجه طالوت ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه، فمال الناس إلى داود وأحبوه، وأكثروا ذكره فحسده طالوت، وعزم على قتله، فأخبر ابنة طالوت رجلًا من أتباعه، فحذرت داود وأخبرته بما عزم أبوها عليه، وبعد مغامرة من طالوت لقتل داود ومكيدة وحيلة من داود، أنجى الله داود عليه السلام فلما أصبح الصباح وتيقن طالوت أن داود لم يقتل، خاف منه فتوجس خيفة واحتاط لنفسه، ولكن الله أمكن داود منه ثلاث مرات ولكن لم يقتله، ثم كان أنَّ فر داود من طالوت في البرية، انظر إلى هذا الكذب، فرآه طالوت ذات يوم فيها فأراد قتله، ولكن داود دخل غارًا وأمر الله العنكبوت فنسجت عليه من خيوطها، وبذلك نجى من طالوت، ولجأ إلى الجبل، وتعبد مع المتعبدين.

فطعن الناس في طالوت بسبب داود واختفائه، فأسرف طالوت في قتل العلماء والعباد، ثم كان أن وقعت التوبة في قلبه، وندم على ما فعل وحزن حزنًا طويلًا، وصار يطلب من يفتيه أن له توبة، فلم يجد؛ حتى دُل على امرأة عندها اسم الله الأعظم، فذهب إليها وأمن روعها، فانطلقت به إلى قبر "إشماويل" فخرج من قبره، وأرشده إلى طريق التوبة، وهو أن يقدم ولده ونفسه في سبيل الله حتى يقتلوا، ففعل وجاء قاتل طالوت إلى داود؛ ليخبره بقتله، فكانت مكافأته على ذلك أن قتله، وأ تى بنو إسرائيل إلى داود، وأعطوه خزائن طالوت وملكوه على أنفسهم.

ص: 273

هذه الإسرائيليات، يعلق شيخنا، يقول: استغرق ذلك من (تفسير البغوي) بضع صحائف؛ يعني هذه القصة فيها تفاسير وكلام فيه الحق والباطل والصدق والكذب، وليس عندنا ما يدل على وجه اليقين على ثبوت شيء من ذلك.

يقول شيخنا: وفي هذا الذي ذكروه الحق والباطل والصدق والكذب، ونحن في غنية عنه لما في أيدينا من القرآن والسنة، وليس في كتاب الله ما يدل على ما ذكرو هـ، ولسنا في حاجة إلى شيء من هذا في فهم القرآن وتدبره؛ أي أنَّ تفسير الآيات لا يحتاج إلى هذا الكلام، وتلك الإسرائيليات التي أكثرها باطل لا يصدق ولا يعقل، فلا تلقي إلى ذلك بالًا، وارمِ به دبر أذنيك، كما قال شيخنا الشيخ أبو شهبة؛ فإن فيه تجنيًا على من اصطفاه الله ملكًا عليهم؛ يعني الصفات التي ذكروها عن طالوت، وهو الملك الذي اصطفاه عليهم، صفات تنقيص لا تليق بمن اصطفاه الله واجتباه ملكًا عليهم.

كما أنَّ في هذه الإسرائيليات كذبًا على نبي الله داود عليه السلام، ويرحم الله الإمام العلامة ابن كثير، فقد أعرض عن ذكر هذه الترهات، وهذه الأباطيل، ونبه إلى أنها من الإسرائيليات، فقال في قوله تعالى:{وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} (البقرة: 251)، ذكروا في الإسرائيليات أنه قتله بمقلاع كان في يده، رماه به فأصابه فقتله، حتى كلمة ابن كثير وهو يقول: ذكروا في الإسرائيليات؛ هذا يؤكد أنه من الإسرائيليات، وأن هذا أكثره مأخوذ من كتبهم التي حرفت واتهمت الأنبياء والرسل بما لا يليق بعصمتهم، " انظر (التوراة) صفر صمويل الأول، الإصحاحات 16، 17، 18 " ترى فيها من الأكاذيب ما نقل نصًّا في كتب التفاسير، ونحن في غنًى عن كل ذلك.

كلام ابن كثير، يقول: ذكروا في الإسرائيليات أن داود قتل جالوت بمقلاعٍ كان في يديه أصابه فقتله، وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته،

ص: 274