الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا هو الراجح والمتعين في تفسير الآية، وخير ما يُفسر به كلام الله هو ما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بينت بعض الروايات أن الترك كان نسيانًا، والمراد بصحابه؛ الم َ ل َ ك، كما جاء في بعضها.
الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام
-
قصة أخرى نعقب أيضًا على ما جاء في بعضها، ألا وهي:"قصة أيوب عليه السلام " ذلك الرسول الذي كثرت أيضًا حوله الإسرائيليات، وسبق القول فيه بإجمال، وإلى تفصيل يوضح جوانب الدخيل والإسرائيليات أكثر وأكثر في قصة هذا الرسول الكريم الذي له قصة، وله أحوال تكررت في القرآن الكريم، فمن القصص التي تزيَّد فيها المتزيدون واستغلها القصاصون وأطلقوا فيها لخيالهم العنان هذه القصة، فقد رووا فيها ما عصم الله أنبياءه عنه، وصور وهـ بصورة لا يرضاها الله لرسول من رسله.
ذكر بعض المفسرين عند الآيات في قوله - جل وعل ا -: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: 41 - 44).
هذه الآيات غير الآيات الأخرى التي ذكرت المرض والضر الذي أصاب سيدنا أيوب، وجاءت الآيات الأخرى كما ذكرت سابقًا في س ورة "الأنبياء":{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (الأنبياء: 83، 84)، هنا في هذه الآيات ذكر السيوطي في (الدر المنثور)، وغير السيوطي، ذكروا عن قتادة في قوله:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} الآية، قال:
ذهاب الأهل والمال، وأ ما الضر الذي أصابه في جسده، فقد قالوا: ابتلي سبع سنين وأشهرًا، فألقي على كناسة بني إسرائيل، تختلف الدواب في جسده، ففرج الله عنه، وأعظم له الأجر وأحسن.
قال: وأخرج الإمام أحمد في (الزهد)، وابن أبي حاتم وا بن عساكر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الشيطان عرج إلى السماء، فقال: يا ربي سلطني على أيوب عليه السلام، قال الله: قد سلطك على ماله وولده، ولم أسلطك على جسده، فنزل فجمع جنوده، فقال لهم: قد سلطت على أيوب عليه السلام فأروني سلطانكم، فصاروا نيرانًا، ثم صاروا ماء، فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق، فأرسل طائفة منهم إلى زرعه، وطائفة إلى أهله، وطائفة إلى بقره - أي: ماشيته - وطائفة إلى غنمه، فقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك عدوًّا فذهب به، وجاء صاحب الإبل فقال: ألم تر إلى ربك أرسل على إبلك عدوًّا فذهب بها، ثم جاء صاحب البقر فقال: ألم تر إلى ربك أرسل على بقرك عدوًّا فذهب بها؛ وتفرَّد هو ببنيه جمع هم في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون ويشربون؛ إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم.
فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام، فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم، فقال له أيوب: أنت الشيطان، ثم قال له: أنا اليوم كيوم ولدتني أمي، فقام فحلق رأسه، وقام يصلي، فرنَّ إبليس رنَّة سمع بها أهل السماء
وأهل الأرض، ثم خرج إلى السماء فقال: أي ربي إنه قد اعتصم فسلطني عليه فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك، قال: قد سلطك على جسده، ولم أسلطك على قلبه.
فنزل فنفخ تحت قدمه نفخة، قُرح ما بين قرنيه إلى قدمه، فصار قرحة واحدة، وأُلقيَ على الرماد حتى بدا حجاب قلبه فكانت امرأته تسعى إليه حتى قالت له: أما ترى يا أيوب قد نزل بي والله من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف فأطعمك، فادعو الله أن يشفيك ويريحك، قال: ويحك كنا في النعيم سبعين عامًّا فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عامًا، فكان في البلاء سبع سنين ودعا، فجاء جبريل عليه السلام يومًا، فأخذه بيده ثم قال: قم فقام، فنحاه عن مكانه وقال:{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} فركض برجليه فنبعت عين، فقال: اغتسل، فاغتسل منها، ثم جاء أيضًا فقال: اركض برجلك، فنبعت عين أخرى، فقال له: اشرب منها وهو قوله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} ، وألبسه الله حلة من الجنة، فتنحى أيوب فجلس في ناحية، وجاءت امرأته فلم تعرفه، فقالت: يا عبد الله أين المبتلى الذي كان هنا؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة، فقال: ويحك أنا أيوب، قد ردّ الله عليّ جسدي، وردَّ الله عليه ماله وولده عيانًا ومثلهم معهم.
والإمام أحمد أيضًا قد أخرج في (الزهد)، عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: ابتلي أيوب بماله وولده وجسده، وطرح في المزبلة، فجاءت امرأته تخرج فتكتسب عليه ما تطعمه، فحسده الشيطان بذلك، فكان يأتي أصحاب الخير والغن ى، فيقول: اطردوا هذه المرأة التي ت غ شاكم؛ فإنها تعالج صاحبها، وتلمسه بيدها، فالناس يتقذرون طعامكم من أجلها، فجعلوا لا يدنونها منهم - أي: لا يقربونها - ويقولون: تباعدي ونحن نطعمك ولا تقربينا.
وكذلك ابن جرير وابن أبي حاتم ذكرا الكثير من هذه الروايات في تفسيريهما؛ منها ما هو موقوف، ومنها ما هو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن جرير والبغوي وغيرهما عند تفسير قوله:{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} الآيات التي ذكرت في سورة " الأنبياء "، ذكروا الكثير هناك من الإسرائيليات، رويا قصة أيوب وبلائه، عن وهب بن منبه في صحائف كثيرة، والتبس فيها الحق بالباطل والصدق بالكذب، كما قال شيخنا العلامة الشيخ أبو شهبة.
أما الإمام ابن كثير فقد قال في تفسيره عند هذه الآية: وقد روي عن وهب بن منبه في خبره -يعني: أيوب- قصة طويلة ساقها ابن جرير وابن أبي حاتم بالسند عنه، وذكرها كثير من متأخري المفسرين، وفيها غرابة تركناها لحال الطول.
ومن العجيب أن الحافظ الناقد ابن كثير وقع فيما وقع فيه غيره في قصة أيوب من ذكر الكثير من الإسرائيليات، ولم يعقّب عليه، وهذا ما ينبغي أن نذكر به أبناءنا طُلَّاب العلم، أن ابن كثير مع كونه حافظًا ناقدًا علامة ومحدثًا ومفسرًا؛ إلا أن له بعض الهفوات في بعض القصص التي ذكر فيها إسرائيليات في تفسيره ولم يعقب عليها، مع أن عهدنا به أن لا يذكر شيئًا إلا بينه ونبه على مصدره، ومن أين دخل في الرواية الإسلامية؟
…
إلى آخره.
ولا نظن أنه يرى في هذا أنه مما تباح روايته، فقد ذكر أنه يقال: إنه أصيب بالج ذ ام في سائر بدنه -كلام ابن كثير- ولم يبقَ منه سليم سوى قل ب هـ ولسانه؛ يذكر بهما الله -جل وعلا- حتى عافه الجليس، وصار أيوب منبوذًا في ناحية من البلد، ولم يبقَ أحد من الناس يحنو عليه غير زوجته، وتحملت في بلائه ما تحملت، حتى صارت تخدم الناس، بل قد باعت شعرها بسبب ذلك، ثم قال: وقد روي أنه مكث في البلاء مدة طويلة، ثم اختلفوا في السبب المهيّج له على هذا الدعاء.
قال الحسن البصري وقتادة: ابتلي أيوب عليه السلام سبع سنين وأشهرًا، ملقى على كناسة بني إسرائيل، تختلف ال دواب في جسده -كما سبق القول- ففرج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن عليه الثناء.
قال وهب بن منبه: مكث في البلاء ثلاث سنين، لا يزيد ولا ينقص.
وقال السدي: تساقط لحم أيوب -انظر السدي، وإذا كان السدي الصغير فهو كذاب، وإذا كان السدي الكبير فمختلف في عدالته، على أي حال كلامه غير مقبول- قال: تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام؛ ثم ذكر القصة بطولها، وذكر أيضًا ما رواه ابن أبي حاتم بسند هـ عن الزهري، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ".
مرة يقولوا سبع سنين، ومرة ثلاثة سنين، ومرة ثماني عشر سنة، والاختلافات هذه تدل على اختلاق الكلام وأنه من الإسرائيليات، استمر في بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه، كانا من أخص إخوانه له، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم -والله- لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب عليه السلام: ما أدري ما تقول، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما؛ كراهية أن يذكرا الله إلا في حق. قال: وكان يخرج في حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحي الله إلى أيوب في مكانه؛ أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب.
والعلامة ابن كثير قال: رفع هذا الحديث غريب جدًّا، وكذا قال الحافظ ابن حجر، وأصح ما ورد في قصته ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير، وصححه ابن حبان والحاكم بسند عن أنس: أن أيوب؛ ثم ذكر مثل ذلك.
يقول شيخنا الشيخ أبو شهبة: والمحققون من العلماء على أن نسبة هذا إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم إما من عمل بعض الوضاعين الذين يركبون الأسانيد للمتون، أو من غلط بعض الرواة، وأن ذلك من إسرائيليات بني إسرائيل وافتراءاتهم على الأنبياء، والأصحية هنا نسبية، على أن صحة السند لا تنافي أن أصله من الإسرائيليات.
أنبّه أبناءنا وإخواننا الشباب طلاب العلم إلى هذه القضية مرة أخرى؛ أن صحة السند لا تنافي أن يكون المتن، الخبر نفسه، الرواية من الإسرائيليات، وقد لفَّق السند الصحيح على الرواية، وهذا كلام ينبغي ألا نغفل عنه، والإمام ابن حجر -على جلالة قدره- ربما يوافق على تصحيح بعض الروايات التي تخالف الأدلة العقلية النقلية.
هذا كلام شيخنا أبو شهبة؛ يعني: الإمام ابن حجر ليس معصومًا، فربما أورد رواية يوافق على صحة سندها، ولكن لا يعطي رأيه واضحًا في قيمة الرواية نفسها بما يضحض مخالفتها العقلية والنقلية.
ويذكر شيخنا أبو شهبة كما فعل في قصة الغرانيق وهاروت وماروت وكل ما روي موقوفًا أو مرفوعًا، كل هذا لا يخرج عما ذكره وهب بن منبه في قصة أيوب التي ذكرت آنفًا، وهذا يدل أعظم الدلالة على أن معظم ما روي في قصة أيوب إنما هو مما أُخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا، وجاء القصاصون المولعون بالغرائب فزادوا في قصة أيوب وأذاعوها، حتى اتخذ منها الشحاذون والمتسولون وسيلة لقصص يحكونها لاسترقاق قلوب الناس، واستدرار العطف عليهم.
ثم نختم بالحق في هذه القصة، يقول شيخنا الشيخ أبو شهبة: وقد دل كتاب الله الصادق على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الصادق، على أن الله تبارك وتعالى ابتلى نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام في جسده وأهله وماله، وأنه صبر حتى صار مضرب الأمثال في ذلك، وقد أثني الله عليه هذا الثناء المستطاب، فقال -جل شأنه-:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ، فالبلاء مما لا يجوز أن يشك فيه أبدًا، والواجب على المسلم أن يقف عند كتاب الله، ولا يتزيّد في القصة كما تزيّد زنادقة أهل الكتاب، وألفقوا بالأنبياء ما لا يليق بهم، وليس هذا بعجيب من بني إسرائيل الذين لم يتجرءوا على أنبياء الله ورسله فحسب، بل تجرءوا على الله تبارك وتعالى ونالوا منه وفحشوا في القول، ونسبوا إليه ما قامت الأدلة العقلية والنقلية المتواترة على استحالته عليه سبحانه وتعالى، فكلنا يعلم أن بني إسرائيل هم الذين قالوا:{إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ} (آل عمران: 181)، وهذا القول جاء في سورة " آل عمران " على لسانهم، وهم الذين جاء على لسانهم أيضًا قولهم:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} (المائدة: 64)، عليهم لعائن الله.
والذي يجب أن نعتقده أن أيوب قد ابتلي ولكن بلاءه لم يصل إلى حد هذه الأكاذيب؛ من أنه أصيب بالج ذ ام، ونعلم أن الج ذ ام مرض من أخبث الأمراض وأقذرها، وأيضًا أن جسمه أصبح قُرحة، هذا كلام لا يُقبل، وأنه ألقي على كناسة بني إسرائيل، هذا كلام لا يقبل، وأن الدود كان يرعى في جسده وتعبث به دواب بني إسرائيل، أو أصيب بمرض الجدري، كل هذا كلام ينافي سلامة الأنبياء والرسل الذين كلفهم الله بتبليغ الرسالة.
وأيوب -عليه صلوات الله وسلامه- أكرم على الله من أن يُلقى على مزبلة، وأن يصاب بمرض ينفّر الناس من دعوته ويق ز زهم منه، وأيّ فائدة تحصل من الرسالة وهو على هذه الحالة المزرية التي لا يرضاها الله لأنبيائه ورسله.
والأنبياء إنما يبعثون من أوساط قومهم؛ أي: من خيارهم وأكرمهم وأفضلهم نسبًا وعشيرة ووجاهة، فأين كانت عشيرته فتواريه أو تطعمه؟ بدل ًا أن تخدم امرأته الناس وتبيع ضفيرتيها في سبيل إطعامه، بل أين كان اتباعه والمؤمنون منه؟ فهل تخلو عنه في بلائه؟ وكيف والإيمان ينافي ذلك؟.
الحق أن هذه القصة من الأكاذيب وأن نسجها مهلهل، لا يثبت أمام النقد، ولا يؤيده عقل سليم، ولا نقل صحيح، وأن ما أصيب به أيوب من المرض إنما كان من النوع غير المنفر والمقزز، وأنه من الأمراض التي لا يظهر أثرها على البشرة؛؛ يعني: ممكن أمراض المفاصل أو الروماتيزم، الأشياء التي نعرفها، التي لا تنفّر ولا تجعل الإنسان يلقى على مزبلة .. إلى غير ذلك، أمراض العظام هذه الأمور تنال الكثير من الناس.
ويؤيد ذلك أن الله لما أمره أن يضرب الأرض بقدمه فنبعت عين، فاغتسل منها وشرب، فبرأ بإذن الله، وقيل: إ نه ضرب الأرض برجله فنبعت عين حارة فاغتسل منها، وضربها مرة أخرى فنبعن عين باردة فشرب منها، والله أعلم بالصواب.
وظاهر القرآن عدم التعدّد في الضرب ولا في نبع الماء؛ لأنه قيل: اضرب برجلك.
بعد ذلك نعرج أيضًا على مقالة الإمام القاضي أب ي بكر بن العربي في هذا الشأن، ونختم بها قصة أيوب عليه السلام يقول شيخنا الإمام أبو شهبة: يعجبني ما قاله الإمام القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله قال: ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبرنا الله عنه في كتابه في آيتين الأولى في قوله: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} ، والثانية في "ص":{أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} .
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحد، إلا قوله:((بينما أيوب يغتسل إذ خرَّ عليه رجل من جراد من ذهب)) الحديث الذي نحفظه، وقد رواه الإمام البخاري في ص حيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((بينما أيوب يغتسل عريانًا خر عليه رجل جراد -مجموعة من الجراد- من ال ذهب، فجعل يحفي في ثوبه لعله يجمع، فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا ربي، ولكن لا غنى لي عن بركتك)).
هذا هو الذي أثر لنا من صحاح الأحاديث من رسولنا صلى الله عليه وسلم في شأن أيوب؛ أما مرضه، وأما ما أصابه، وأما ما فعله الشيطان معه من المرض، وما أصابه؛ هذا شيء لم يصح فيه عن رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فيه شيئًا؛ وإذا لم يصح فيه قرآن ولا سنة إلا ما سبق ذكره، فلماذا تساق هذه الروايات المكذوبة؟!
فأخا الإسلام أعرض عن سطورها بصرك، وأصمّ عن سم اعها أذنيك، فإنها لا تعطي فكرك إلا خيالًا، ولا تزيد الفؤاد إلا خبال ًا، وفي الصحيح واللفظ للبخاري، عن ابن عباس قال:"يا معشر المسلمين لا تسألوا أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيكم أحدث الأخبار بالله - تعالى - تقرءونه محضًا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب قد بدّلوا من كتاب الله وغيَّروا، وكتبوا بأيديهم الكتب، فقالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ف لا والله ما رأينا رجل منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم" هذا الحديث في (صحيح الإمام البخاري).
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الموطأ على عمر قراءته للتوراة.
تعالوا بنا إلى الإمام ال ألوسي رحمه الله فقد قال في ت فسيره بعد أن ذكر بعضًا من هذا القصص، وعظم بلائه عليه السلام مما شاع وذاع، ولم يختلف فيه اثنان، لكن في بلوغ أمره إلى أن ألقي على كناسة ونحو ذلك، فيه خلاف، بل ربما لا يقبل.
قال الطباسي: قال أهل التحقيق: إنه لا يجوز أن يكون النبي بصفة يستقذره الناس عليها؛ لأن في ذلك تنفيرًا، فأما الفقر والمرض وذهاب الأهل فيجوز أن يمتحنه الله - تعالى - بذلك.
وأيضًا في (هداية المريد) للزرقاني أنه يجوز على الأنبياء كل عرض بشري ليس محرمًا ولا مكروهًا ولا مباحًا مذريًا ولا مزمنًا، ولا مما تعافه الأنفس، ولا مما يؤدي إلى النفرة.
وأما الإغماء فقد قال النووي: لا يشك في جوازه عليهم؛ لأنه مرض بخلاف الجنون؛ فإنه نقص.
أما أبو حامد الغزالي فقد قيَّد الإغماء بغير الطويل، وجزم به البلقيني، وقال السبكي: وليس كإغماء غ ي رهم؛ لأنه إنما يس ت ر حواسهم الظاهرة دون قلوبهم؛ ل أنها معصومة من النوم الأخف، ويمتنع عليهم الجنون وإن قلّ؛ لأنه نقص ويلحق به العمى، ولم يعمى نبي قط، وما ذ ُ كر عن شعيب من أنه كان ضريرًا، هذا كلام لم يثبت، وأما يعقوب فحصلت له غشاوة وزالت.
هذا ما تعلق بهذه القصة، ويكفينا منها ما تبين من بطلانها وما ورد فيها من الأكاذيب.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.