الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدل عليه، على أن الاعتبار بقصته والانتفاع بها لا يتوقف على شيء من ذلك، وتلك سمة من سمات القصص القرآني، وخصيصة من خصائصه أنه لا يُعنى بالأشخاص والزمان والمكان مثلما يُعنى بانتزاع العبرة منها، والاستفادة منها، والدروس التي ينتفع بها البشر فيما سيقت لها.
قصة يأجوج ومأجوج
يتعلق أيضًا بقصة " ذي القرنين " ما يتصل بقصة "يأجوج ومأجوج"، وهي كذلك لم تسلم من إيراد الإسرائيليات، يقول شيخنا الشيخ أبو شهبة: ومن الإسرائيليات التي اتسمت بالغرابة، والخروج عن سنة الله في الفطرة وخلق بني آدم ما ذكره بعض المفسرين في تفسيرهم عند قوله:{قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} (الكهف: 94)، ففي معناها ذكروا عن يأجوج ومأجوج الش يء الكثير من العجائب والغرائب.
قال العلامة السيوطي في (الدر المنثور) الجزء الخامس، في تفسير هذه الآيات: أخرج ابن أبي حاتم وابن مردوي هـ وابن عدي وابن عساكر وابن النجار، عن حذيفة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج، فقال:"يأجوج ومأجوج أمة، كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صُلبه، كل حمل السلاح، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم ثلاثة أصناف؛ صنف منهم أمثال الأرز، قلت: وما الأرز؟ قال شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى، لا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم بالشام وساقتهم يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية".
وقد ذكر ابن جرير في تفسيره هذه الرواية وغيرها من الروايات الموقوفة، وكذلك صنع القرطبي في تفسيره، وإذا كان بعض الزنادقة استباحوا لأنفسهم نسبة هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف استباح هؤلاء الأئمة ذكر هذه المرويات المختلقة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم، وهذا الحديث المرفوع، نص الإمام أبو الفرج بن الجوزي في موضوعاته وغيره على أنه موضوع، وأ ذكر أيضًا (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة)، ووافقه السيوطي في كتابه (اللآلئ)، فكيف يذكره في تفسيره ولا يعقب عليه، وحُقَّ له أن يكون موضوعًا، فالمعصوم صلى الله عليه وسلم أجل من أن يروى عنه مثل هذه الخرافات.
وفي كتب التفسير من هذا الخلط وأحاديث الخرافة شيء كثير، ورَوَوْا في هذا عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وعن كعب الأحبار، ولكي تتأكد أن ما رُفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي إسرائيليات نُسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم زورًا وكذبًا، نذكر لك ما روي عن كعب، قال:
"خلق يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف؛ صنف كالأرز، وصنف أربعة أذرع طول وأربعة أذرع عرض، وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى، يأكلون مشائم نسائهم". المشائم طبعًا جمع مشيمة، وهي ما ينزل مع الجنين حين يولد، ومنها يتغذى الجنين في بطن أمه، أشياء عجيبة، وعلى حين نراهم يذكرون م ن هول وعظم خلقهم ما ذكرت الآن وما سمعنا إذ اهم يرون عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"إن يأجوج ومأجوج شبر وشبران، وأطولهم ثلاثة أشبار، وهم من ولد آدم"، كل هذا كلام متناقض، بل رَوَوا عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثني الله ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج، فدعوتهم إلى دين الله وعبادته، فأبوا أن يجيبوني، فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وإبليس"، والعجب أن الإمام
السيوطي قال عن هذا الحديث: إن سنده واهن، ولا أدري لما ذكره مع وهاء سنده، الإمام الشيخ أبو شهبة يتعجب من صنع الإمام السيوطي؛ إذا كان حكم على سنده بأنه واهن فيه ضعف فلما يذكره؟
قال صاحب (الدر) الإمام السيوطي:
"وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والطبراني والبيهقي في (البعث) وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن يأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم، ولا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا، وإن من ورائهم ثلاث أمم، تاويل وتاريس ومنسك ".
قال: وأخرج أحمد والترم ذ ي وحسنه وابن ماج هـ وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في (البعث) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستفتحونه غدًا ولا يستثني " يعني: لا يقول: إن شاء الله؛ لأنه إذا قال: إن شاء الله هي في معنى الاستثناء؛ يعني: إلا أن يشاء الله يقول: ستفتحونه غدًا ولا يستثني، " فإذا أصبحوا وجدوه قد رجع كما كان، فإذا أراد الله خروجهم على الناس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستفتحونه إن شاء الله ويستثني، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فيستقون المياه ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون: قهرنا من في الأرض، وعلونا من في السماء، قسوا وعلوا، فيبعث الله عليه نغفًا في أعناقهم فيهلكون "، يبعث الله عليهم النغف، النغف: نوع من الحشرات هـ والدود، عادة يكون في أنوف الإبل والغنم، والنغف جمع مفرده نغفه، الله يرسل عليهم هذه الحشرات والديدان في أعناقهم فيهلكون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فوالذي نفس محمد بيده، إن دوابّ الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرًا من لحومهم "، هذا من أثر أنهم يأكلون منه م، هذا الحديث على كل حال، أورده صاحب (الدر المنثور) الإمام السيوطي، ومهما كان سند مثل هذا، فهو من الإسرائيليات عن كعب وأمثاله، وقد يكون رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم غلطًا وخطأً من بعض الرواة، أو كيدًا يكيد به الزنادقة اليهود للإسلام، وإظهار رسوله صلى الله عليه وسلم بمظهر من يروي ما يخالف القرآن، فالقرآن قد نص بما لا يحتمل الشك على أنهم لم يستطيعوا أن يعلوا السد، الآيات واضحة:{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} (الكهف: 97)، فهم لم يستطيعوا أن يعلوا السد، ولا أن ينقبوه كما جاء في الآية السابعة والتسعين.
وإليك ما ذكره في هذا الإمام الحافظ ابن كثير وهو ناقد بصير، يقول ابن كثير في ت فسيره بعد أن ذكر من روى هذا الحديث، قال: وأخرجه الترمذي من حديث أبي عوانة عن قتادة، ثم قال: غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه، وإسناده جيد قوي، ولكن متنه في رفعه نكارة؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه، ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدَّته، ولكن هذا قد رُوي عن كعب الأحبار أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه، حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون: غدًا نفتحه، فيأتون من الغد وقد عاد كما كان فيلحسونه، حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون كذلك فيصبحون وهو كما كان، فيلحسونه ويقولون: غدًا نفتحه، ويُلهمون أن يقولوا: إن شاء الله، فيصبحون وهو كما فارقوه فيفتحونه، وهذا متجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويُحدّثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع، فر ف عوه، والله أعلم. هذا مذكور في (تفسير ابن كثير).