المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا} - الدخيل في التفسير - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (1)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدخيل والأصيل

- ‌أنواع الدخيل، وفائدته

- ‌كيف نشأ الدخيل

- ‌معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات

- ‌الدرس: 2 الإسرائيليات (2)

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌أسباب تفشي الإسرائيليات، وخطورتها على أمة الإسلام

- ‌أقطاب الرواية الإسرائيلية:

- ‌الدرس: 3 الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1)

- ‌تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية

- ‌نماذج من الإسرائيليات

- ‌الدرس: 4 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (2)

- ‌تسلل الإسرائيليات إلى كتب التفسير

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم

- ‌الدرس: 5 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (3)

- ‌قصة عصا موسى عليه السلام، وقضية الأجلين

- ‌بعض مواقف موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

- ‌قصة "إرم ذات العماد

- ‌فتنة سليمان عليه السلام

- ‌الدرس: 6 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (4)

- ‌المسوخ من المخلوقات في روايات بني إسرائيل

- ‌ما ورد في بناء الكعبة المشرفة

- ‌الإسرائيليات في قصة التابوت

- ‌شجرة طوبَى

- ‌الدرس: 7 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (5)

- ‌قصة ذي القرنين:

- ‌قصة يأجوج ومأجوج

- ‌قصة الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 8 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (6)

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام

- ‌الدرس: 9 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (7)

- ‌تعقيب على قصة "إرم ذات العماد

- ‌الإسرائيليات التي وردت في سؤال موسى ربه الرؤية

- ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

- ‌الدرس: 10 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أصحاب الكهف

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الدرس: 11 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (9)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الدرس: 12 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (10)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة "بلقيس"، وما حدث لنبي الله سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الدرس: 13 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (11)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة نوح عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الدرس: 14 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 15 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (13)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إدريس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 16 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (14)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة لوط عليه السلام

- ‌الدرس: 17 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (1)

- ‌تعريف الحديث الموضوع

- ‌علامات الحديث الموضوع

- ‌الدرس: 18 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1)

- ‌تابع علامات الحديث الموضوع

- ‌حكم رواية الحديث الموضوع

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

- ‌ما جاء في فضل يونس عليه السلام، وما ورد في إهلاك قوم لوط

- ‌ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الدرس: 19 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (2)

- ‌تابع ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌الدرس: 20 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي

- ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌بعض القراءات الموضوعة

- ‌التفسير بالرأي

- ‌الدرس: 21 أنواع الدخيل في الرأي (1)

- ‌معنى الدخيل في الرأي

- ‌الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدرس: 22 أنواع الدخيل في الرأي (2)

- ‌تابع الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدخيل عن طريق الإلحاد

- ‌الدخيل عن طريق التفسير الصوفي

- ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

الفصل: ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا}

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس العاشر

(نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8))

‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} (الإسراء: 4 - 8).

يقول الشيخ أبو شهبة في كتابه: وليس من قصدنا هنا تحقيق مرَّتَي إفسادهم، ومن سلط الله عليهم في كلتا المرتين، فلذلك موضع آخر إن شاء الله، وعلى كل حال فالذي يترجح أن العباد ذوي البأس الشديد الذين نكَّلوا بهم - ببني إسرائيل - وأذلوهم وسبوهم هم "بختنصر" وجنوده، وأن الآخرين الذين أساءوا وجوههم ودخلوا المسجد الأقصى؛ سواء كانوا من الرومان وجيوشهم، أو كانوا من المسلمين بعد ذلك، فقد أساموهم سوء العذاب، وتأمل عاقبة الآية في قوله - جل وعلا -:{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} ، فإنه يدل على أنهم سيعودون ثم يفسدون، فيرسل الله لهم من يسومهم العذاب ألوانًا.

ونعود الآن إلى ما يتصل ببيان ما رُوي من الإسرائيليات في هاتين المرتين، والكلام عن الإفسادتين، واسم من سلط عليهم، وصفته، وكيف كان، وإلى ما صار أمره.

ص: 189

وقد كانت معظم الروايات في بيان العباد ذوي البأس الشديد الذين سُلِّطوا عليهم تدور حول هذا الرجل "بختنصر" هذا البابلي، ولكن أحاطوه بهالة من العجائب والغرائب والمبالغات التي لا تُصدَّق، ومن العجيب أن هذه الروايات قد أخرجها ابن جرير في ت فسيره، وأكثر منها جدًّا، وكذا ابن أبي حاتم والبغوي وغيرهم عن ابن عباس وابن مسعود، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وعن السدي، وعن وهب بن منبه، وابن إسحاق، وغيرهم، وخرجها من ذكر أسانيدها مع عزوها إلى مخرجيها الإمام السيوطي في تفسيره (الدر المنثور).

وفي هذه الروايات ولا شك الكثير من أكاذيب بني إسرائيل التي اختلقها أسلافهم، وتنوقلت عليهم، ورواه أخلافهم من مسلمتي أهل الكتاب الذين أسلموا، وأخذها عنهم بعض الصحابة والتابعين؛ تحسينًا للظن بهم، ورواها من غير تنبيه إلى ما جاء فيها من الكذب، وفي هذه الأخبار الإسرائيلية ما يحتمل الصدق والكذب، ولكن الأولى عدم الاشتغال به، وأن لا نفسر القرآن بها، وأن نقف عند ما قصه الله علينا من غير أن نفسد جمال القرآن وجلاله بمثل هذه الإسرائيليات.

وقد أكثر ابن جرير هنا من النقل عن ابن إسحاق، وفي بعضها روى عن ابن إسحاق عن من لا يُتَّهم عن وهب بن منبه، وفي بعضها بسنده عن وهب بن منبه بدون ذكر ابن إسحاق، وبذلك وقفنا على من كان المصدر الحقيقي لهذه المرويات، وأنه وهب بن منبه وأمثاله من مسلمة أهل الكتاب، وقد سود ابن جرير بضع صفحات من كتابه في النقل عن ابن إسحاق وعن وهب، ولا نحب أن ننقل كل ما ذكره بنصه، وإلا طال الكلام، فإن في ذلك تسويدًا للصفحات، ولكن سنذكر البعض ليكون القارئ وطالب العلم والباحث والذي يريد معرفة التفسير على حذر من مثل ذلك.

ص: 190

قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: كان مما أنزل الله على موسى في خبره عن بني إسرائيل وفي إحداثهم ما هم فاعلون بعده، فقال: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرتين ولتعلن علوًّا كبيرًا، ولما نقول: مما أنزل الله موسى؛ يعني: أنزل المعنى لا هذا اللفظ؛ لأن التوراة طبعًا لم تكن باللغة العربية، ولا كان لسان موسى عليه الصلاة والسلام عربيًّا؛ إنما أنزل عليه بلغته وبالمعنى، فكانت بنو إسرائيل وفيهم الأحداث والذنوب، وكان الله -جل وعلا- في ذلك متجاوزًا عنهم متعطفًا عليهم محسنًا إليهم.

فكان مما أنزل بهم في ذنوبهم ما كان قدَّم إليهم في الخبر على لسان موسى مما أنزل بهم في ذنوبهم، فكان أول ما أنزل بهم من تلك الوقائع أن ملكًا منهم كان يُدعَى صديقه، وكان الله إذا ملك الملك عليهم بعث نبيًّا يسدده ويرشده، ويكون فيما بينه وبين الله، ويحدث إليه في أمرهم، لا يُنزل عليهم الكتب، إنما يؤمرون ب اتباع التوراة والأحكام التي فيها، وينهونهم عن المعصية، ويدعونهم إلى ما تركوا من الطاعة.

فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه شعياء بن أمصيا، وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى، وشعياء الذي بشر بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زمانًا، فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشيعاء معه؛ بعث الله عليهم رجل يُسمى " سن ج اريب " ملك بابل ومعه ستمائة ألف راية، فأقبل سائرًا حتى نزل نحو بيت المقدس، والملك مريض في ساقه قرحة، فجاء النبي شعياء فقال له: يا ملك بني إسرائيل إن " سن ج اريب " ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده ستمائة ألف راية، وقد هابهم الناس، وفركوا منهم، فكَبُر

ص: 191

ذلك على الملك، فقال: يا نبي الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به، كيف يفعل الله بنا، وب ـ" سن ج اريب " وجنوده؟ فقال له النبي عليه السلام: لم يأتنِ ي وحي أحدث إليَّ في شأنك.

فبينما هم على ذلك أوحى الله إلى شعياء النبي أن ائت ملك بني إسرائيل فمره أن يوصي وصيته، ويستخلف على ملكه من شاء من أهل بيته؛ فإنك ميت، ثم استرسل ابن جرير في الرواية حتى استغرق أربع صفحات كبار من كتابه، لا يشك الناظر فيها أنها من أخبار بني إسرائيل، وفيما ذكره ابن جرير عن ابن إسحاق الصدق والكذب، والحق والباطل، ولسنا في حاجة إليه في تفسير الآيات.

أما الإفساد الثاني ففيه: ومن سلط الله عليهم، روى ابن جرير أيضًا قال: حدثني محمد بن سهل بن عسكر ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، قال ا: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: قال عن وهب بن منبه إلى أن قال عن ابن إسحاق، عن مَنْ لا يُتَّهم، عن وهب بن منبه اليماني، واللفظ لحديث ابن حميد أنه كان يقول -يعني: وهب-: قال الله تبارك وتعالى ل ـ" أرمي ا " حين بعثه نبيًّا إلى بني إسرائيل: يا أرميا من قبل أن أخلقك اخترتك، ولأمر عظيم اختبأتك، فبعث الله "أرم يا" إلى ذلك الملك من بني إسرائيل يسدّده ويرشده، ويأتيه بالخبر من الله فيما بينه وبين الله.

قال: ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل، وركبوا المعاصي، واستحلوا المحارم، ونسوا ما كان الله سبحانه وتعالى صنع بهم وما نجاهم من عدوهم " سنجاريب " وجنوده، فأوحى الله إلى "أرميا" أن ائت قومك من بني إسرائيل، واقصص عليهم ما آمرك به، وذكرهم نعمتي عليهم وعرفهم أحداثهم.

واسترسل وهب بن منبه فيما يذكره من أخبار بني إسرائيل حتى استغرق ذلك من تفسير ابن جرير عدة صفحات؛ ثلاث صفحات كبار إلى غير ذلك.

ص: 192

ومما ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم من قصص عجيب غريب في "بختنصر" هذا، وما خرب من البلاد وما قتل من العباد كلام كثير.

وتأمَّل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسبة هذه الإسرائيليات إليه، ولو أن هذه الإسرائيليات والأباطيل وقف بها عند رواتها من أهل الكتاب الذين أسلموا، أو عند من رواها عنهم من الصحابة والتابعين؛ لهان الأمر، ولكن عظم الإثم في أن تُنسب هذه الإسرائيليات إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم صراحة، ولا نشكّ أن هذا الدسّ من عمل زنادقة اليهود أو الفرس.

وإليك ما رواه ابن جرير في ت فسيره قال: حدثنا عصام بن راود بن الجراح، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سفيان بن سعيد الثوري، قال: حدثنا منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حذيفة بن اليماني يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل لما اعتدوا وعلو وقتلوا الأنبياء؛ بعث الله عليهم ملك فارس "بختنصر"، وكان الله ملَّكه سبعمائة سنة فصار إليهم حتى دخل بيت المقدس فحاصرها، وفتح، وقتل على دم زكريا سبعين ألفًا، ثم سبى أهلها، وبني الأنبياء، وسلب حُلي بيت المقدس، واستخرج منها سبعين ألفًا ومائة ألف من حلي حتى أوردها بابل".

انظر إلى هذه المبالغات والأكاذيب التي ينسبونها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.

قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله لقد كان بيت المقدس عظيمًا عند الله؟ قال: " أجل بناه سليمان بن داود من ذهب، ودر، وياقوت، وزبرجد، وكان بلاطة من ذهب، وبلاطة من فضة، وكانت عُمُده ذهب، أعطاه الله ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين، فصار "بختنصر" بهذه الأشياء حتى دخل بها بابل فأقام بنو إسرائيل في يديه مائة سنة تعذبهم المجوس وأبناء المجوس،

ص: 193

فيهم الأنبياء وأبناء الأنبياء، ثم إن الله رحمهم فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له:" قورش " وكان مؤمنًا أن سر إلى بقايا بني إسرائيل حتى تستنقذهم، فصار " قورش " ببني إسرائيل وحُلي بيت المقدس حتى ردَّه إليه.

فقام بنو إسرائيل مطيعين الله مائة سنة، ثم إنهم عادوا في المعاصي فسلط الله عليهم " بطي ان م وس "، فغز ابأبناء من غز امع "بختنصر"، فغز ابني إسرائيل حتى أتاهم بيت المقدس فسبى أهلها، وأحرق بيت المقدس، وقال لهم: يا بني إسرائيل إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسباء، فعادوا في المعاصي فسيَّر الله عليهم السباء الثالث، ملك روميه يقال له " فاقس بن إسبايوس "، هذا الكلام موجود في كتب التفسير حتى في (تفسير البغوي)" قاقس بن إستيانوس "، فغزاهم في البر والبحر، فسباهم وسبى حلي بيت المقدس، وأحرق بيت المقدس بالنيران، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هذا من صنعة حلي بيت المقدس، ويردّه المهدي إلى بيت المقدس، وبها يجمع الله الأولين والآخرين".

وعفا الله عن ابن جرير -هذا كلام شيخنا الشيخ أب ي شهبه- كيف استجاز ابن جرير أن يذكر هذا الهراء، وهذه التخريفات عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وكان عليه أن يصون كتابه عن أن يسوّده بأمثال هذه المرويات الباطلة.

ويرحم الله أيضًا الإمام الحافظ الناقد ابن كثير حيث قال في ت فسيره: وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثًا أسنده عن حذيفة مرفوعًا مطولًا، وهو حديث موضوع لا محالة لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث، والعجب كل العجب كيف راج عليه مع جلالة قدره وإمامته، وقد صرح شيخنا أبو الحجاج البزي رحمه الله بأنه موضوع مكذوب، وكتب ذلك على حاشية الكتاب؛ كتاب (تفسير ابن جرير).

ص: 194

وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أرَ تطويل الكتاب بذكرها؛ لأن منها ما هو موضوع من وضع بعض زنادقتهم، ومنها ما قد يُحتمل أن يكون صحيحًا، ونحن في غنية عنها، ولله الحمد، وفيما قص الله علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبلها، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم، وقد أخبر الله عنهم أنهم لما طغوا وبغوا سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم، وأذلهم، وقهرهم؛ جزاء وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمرّدوا، وقتلوا خلقًا كثيرًا من الأنبياء والعلماء. راجع في ذلك (تفسير ابن كثير)، و (تفسير البغوي) أيضًا.

أما التفسير الصحيح للآية وبه نختم؛ فنقول: وهذا هو الحق الذي ينبغي أن يُصار إليه في الآية، والقصص القرآني لا يُعنى بذكر الأشخاص ولا الأماكن؛ لأن الغرض منه العبرة والتذكرة والتعليم والتأويل، والذي دلَّت عليه الآية أنهم أفسدوا مرتين في الزمن الأول، وظلموا وبغوا؛ فسلط الله عليهم في الأولى من أذلَّهم وسباهم، ولا يعنينا أن يكون هذا الذي أذلهم هـ و " سنجاريب " أو "بختنصر" وجيشه، أو غيره؛ إذ لا يترتب على العلم به فائدة تُذكر، وسلط الله عليهم في الثانية من أذلهم وساء وجوههم، ودخل المسجد الأقصى فأفسد فيه ودمَّر، ولا يعنينا أن يكون هذا الذي نكَّل بهم هو " طيطوس " الروماني أو غيره؛ لأن المراد من سياق قصته ما قضاه الله على بني إسرائيل أنهم أهل فساد وبطر وظلم وبغي، وأنهم لما أفسدوا وطغوا وتجبروا سلط الله عليهم من عباده من نكَّل بهم وأذلَّهم وسباهم وشرَّدهم.

ثم إن الآيات دلَّت أيضًا على أن بني إسرائيل لا يقف طغيانهم ولا بغيهم وإفسادهم عند المرتين الأوليين، بل الآية توحي بأن ذلك مستمر إلى ما شاء الله، وأن الله سيسلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويبطش بهم ويردّ ظلمهم

ص: 195