المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي - الدخيل في التفسير - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 التعريف بالدخيل في التفسير وأنواعه - الإسرائيليات (1)

- ‌تمهيد

- ‌تعريف الدخيل والأصيل

- ‌أنواع الدخيل، وفائدته

- ‌كيف نشأ الدخيل

- ‌معنى الإسرائيليات، والعلاقة بين الدخيل والإسرائيليات

- ‌الدرس: 2 الإسرائيليات (2)

- ‌أقسام الإسرائيليات:

- ‌أسباب تفشي الإسرائيليات، وخطورتها على أمة الإسلام

- ‌أقطاب الرواية الإسرائيلية:

- ‌الدرس: 3 الإسرائيليات (2) - نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (1)

- ‌تابع أقطاب الرواية الإسرائيلية

- ‌نماذج من الإسرائيليات

- ‌الدرس: 4 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (2)

- ‌تسلل الإسرائيليات إلى كتب التفسير

- ‌حكم رواية الإسرائيليات

- ‌قصة موسى عليه السلام مع بنات شعيب، وما ورد في تعيين أسمائهم

- ‌الدرس: 5 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (3)

- ‌قصة عصا موسى عليه السلام، وقضية الأجلين

- ‌بعض مواقف موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

- ‌قصة "إرم ذات العماد

- ‌فتنة سليمان عليه السلام

- ‌الدرس: 6 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (4)

- ‌المسوخ من المخلوقات في روايات بني إسرائيل

- ‌ما ورد في بناء الكعبة المشرفة

- ‌الإسرائيليات في قصة التابوت

- ‌شجرة طوبَى

- ‌الدرس: 7 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (5)

- ‌قصة ذي القرنين:

- ‌قصة يأجوج ومأجوج

- ‌قصة الذبيح ابن إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 8 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (6)

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب عليه السلام

- ‌الدرس: 9 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (7)

- ‌تعقيب على قصة "إرم ذات العماد

- ‌الإسرائيليات التي وردت في سؤال موسى ربه الرؤية

- ‌موقف موسى من ألواح التوراة، وغضبه عند إلقائها

- ‌الدرس: 10 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (8)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في تفسير آية: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة أصحاب الكهف

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الدرس: 11 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (9)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة يوسف عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الدرس: 12 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (10)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة المائدة

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة "بلقيس"، وما حدث لنبي الله سليمان عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الدرس: 13 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (11)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة آدم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة نوح عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الدرس: 14 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة داود عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة موسى عليه السلام

- ‌الدرس: 15 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (13)

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إدريس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الدرس: 16 نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (14)

- ‌تابع الإسرائيليات التي وردت في قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌الإسرائيليات التي وردت في قصة لوط عليه السلام

- ‌الدرس: 17 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (1)

- ‌تعريف الحديث الموضوع

- ‌علامات الحديث الموضوع

- ‌الدرس: 18 الدخيل في المنقول عن طريق الأحاديث الموضوعة (2) - نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (1)

- ‌تابع علامات الحديث الموضوع

- ‌حكم رواية الحديث الموضوع

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن

- ‌ما جاء في فضل يونس عليه السلام، وما ورد في إهلاك قوم لوط

- ‌ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الدرس: 19 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (2)

- ‌تابع ما قيل عن عقوق الوالدين

- ‌الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌الدرس: 20 نماذج من الأحاديث الموضوعة في التفسير (3) - والدخيل في التفسير بالرأي

- ‌تابع الآثار والأحاديث الموضوعة والضعيفة في أسباب نزول الآيات

- ‌بعض القراءات الموضوعة

- ‌التفسير بالرأي

- ‌الدرس: 21 أنواع الدخيل في الرأي (1)

- ‌معنى الدخيل في الرأي

- ‌الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدرس: 22 أنواع الدخيل في الرأي (2)

- ‌تابع الدخيل عن طريق الفرق المبتدعة

- ‌الدخيل عن طريق الإلحاد

- ‌الدخيل عن طريق التفسير الصوفي

- ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

الفصل: ‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

فعل أبو عبد الرحمن السلمي في كتابه، ومحيي الدين بن عربي في كتابه التفسير وفي (فصوص الحكم) وفي (الفتوحات المكية) إلى غير ذلك من الدخيل الذي ذكر عن الصوفية وما أكثره، وهو واضح البطلان؛ لأنه لم يتفق لا مع نص شرعي، ولا مع قواعد اللغة.

‌الدخيل عن طريق التفسير العلمي

ننتقل بعد ذلك إلى النوع الأخير من الدخيل في التفسير العلمي:

والدخيل عن طريق التفسير العلمي كثر وانتشر في الآونة الأخيرة، فما معنى التفسير العلمي؟ وما المبادئ والحقائق التي ينبغي مراعاتها عند التفسير العلمي؟ وما هي آراء العلماء حول التفسير العلمي؟ ثم نختم بنماذج من التفسير العلمي الدخيل الباطل، الذي يتعارض مع تفسير القرآن الكريم.

أولًا: التفسير العلمي: هو الذي يبين الآيات القرآنية الواردة في شأن الآفاق والأنفس، وانطلقوا من قوله تبارك وتعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: 53) انطلق لفيفٌ من العلماء حول المكتشفات العلمية في الآفاق والأنفس؛ فحملوا كثيرًا من الآيات، وفسّروها بمكتشفات العلم الحديث، أولًا: هناك حقائق وقواعد لا بد من مراعاتها عند التفسير العلمي.

أولًا: العلم الذي يدعو إليه الإسلام هو العلم الذي يهدي الإنسان إلى هدايته، وحسن مآله وحسن حاله في في الدنيا والآخرة.

ثانيًا: إن القرآن الكريم أفاض في الحديث عن الكون، ولفت أنظار العلماء إلى آيات القدرة، وآيات الإبداع في هذا الكون التي توصّل إلى توحيدِ اللهِ، توحيد ربوبية وألوهية وأسماء وصفات.

ثالثًا: إن إعجاز القرآن لا يتوقف بحال من الأحوال على موافقة الاكتشافات العلمية الحديثة لبعض آيات القرآن؛ فإعجاز القرآن ثابت بوجوه لا حصر لها من قبل أن

ص: 437

تتبين هذه الاكتشافات العلمية، وإن كنا نرى أن إذا تم اكتشاف حقيقة علمية يقينية ثابتة أشارت إليها الآيات، هذا نوع من الإعجاز، ربما يتلاءم مع العصور التي تكتشفه، وبما أن القرآن هو معجزةُ الله الخالدة الباقية إلى قيام الساعة؛ فإنه قد حوى أنواعًا من الإعجاز تناسب كل العصور وكل البلاد إلى قيام الساعة.

رابعًا: يستحيل أن توجد حقيقةٌ علميةٌ ثابتةٌ يقينيةٌ تتناقض مع القرآن الكريم؛ لأن خالق الكون هو الله، ومنزل القرآن هو الله فمحال أن يتناقض هذا مع ذاك.

خامسًا: القرآن غني عن العلوم الحديثة للتدليل على صحته، بينما العلوم الحديثة هي التي تحتاج للتدليل على صحتها؛ وبالتالي ليس من العدل أن نحاكم ما يأتي في الاكتشافات العلمية- نحاكم قول الله إلى أقوال الناس.

سادسًا: الحقيقة العلمية شيء، والتعسف في تفسير القرآن بها وحمله عليها شيء آخر، فليس ضروريًّا أن نحملَ كُلَّ حقيقة علمية، ونتكلف أن نحمل النص عليها، ونؤوله بها، أو نلوي عنق الآيات، والعبارات لَيًّا؛ لنقول: إن القرآن قد سبق العلم الحديث.

سابعًا: يجب علينا أن ننظرَ إلى القرآن على أن كل ما فيه حقائق، فَمَا وافقه من الاكتشافات الحديثة على وجه القطع واليقين قبلناه، وإلا فإن النظريات تخضع للتجربة والتمحيص، وقد تصدق اليوم وتنتفي غدًا؛ فالقرآن هو كلام الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ثامنًا: يجب مراعاة معاني المفردات على النحو الذي كان مستعملًا في أثناء نزولِ القرآنِ، والحظر مما طرأ عليها من تطور بعد القرون الأولى.

تاسعًا: لا يجوز لَنَا أن نعدل عن حقيقة اللفظ القرآني، وإن اتجه إلى معنى مجازيٍّ إلا إذا كان هناك قرائن، وعلامات توجب ذلك.

ص: 438

عاشرًا: يجب مراعاة الأساليب البلاغية في القرآن ودلالاتها.

حادي عشر: عدم قصر اللفظ على معنى واحد وردُّ بقية المعاني الصحيحة الأخرى من غير مرجح.

أخيرًا: يجب الجمع بين كل آيات القرآن التي تتحدث في الموضوع الواحد، ولا نستطيع الجزم بأن ما يقال عنه حقيقة علمية ستظل إلى الأبد هكذا، فكثير مما يكتشفه العلماء، ويقولون: إنه حقائق علمية، وتبقى فترةً طويلةً- يأتي ما ينقُضَها، ويزلزل أركانها فيما بعد.

وعليه فينبغي أن نعلم أن الحقائق البشرية غير قاطعة أما الحقائق الإلهية القرآنية فهي قاطعة ونهائية.

قبل أن ننتقل إلى نماذج من الدخيل في التفسير العلمي نعرّج على آراء العلماء في التفسير العلمي، فماذا قال العلماء، أو ما رأي أكثرهم؟

نقول: لقد اختلف العلماء في التفسير العلمي منذ القرون الأولى، ويرجع في تاريخ المسلمين إلى العصر العباسي، ومن أبرز وأنشط من روّج لهذا الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله، ثم نمى هذا الاتجاه على مر الأيام بالفخر الرازي، والقاضي أبي بكر بن العربي، وابن أبي الفضل المرسي، وجلال الدين السيوطي، ولكن هذا الاتجاه لقي معارضةً قويةً من آخرين.

وعلى هذا، فإننا نقول: إن هذِهِ النزعةَ التفسيرية، كما وجدنَا لها أنصارًا ومؤيدين؛ فقد وجدنا لها أيضًا منكرينَ ومعارضين؛ فمن أبرز الزعماء لكل فريق؟ أبو حامد الغزالي، كان من أبرز الذين أيدوا هذا بصورةٍ لم يُسْبَق إليها، وفي كتابيه (إحياء علوم الدين) و (جواهر القرآن) ذكر الكثير؛ خصص في (الإحياء) الباب الرابع من أبواب آداب تلاوة

ص: 439

القرآن في فهم القرآن وتفسيره بالرأي من غير نقلٍ. وذهب إلى القول: بأن القرآن فيه إشارة إلى مجامع العلوم التي لا نهاية لها، حتى قال: لكل آية ستون ألف فهم، وما بقي في فهمها أكثر.

وقال آخرون: القرآن يحوي سبع وسبعين ألف علم ومائتي علم؛ إذ كل كلمة فيها علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف؛ لأن كل كلمة لها ظاهر وباطن، وحد ومطلع، وأما في كتابه (جواهر القرآن) المتأخر عن (الإحياء) فجعل فيه الفصل الرابع والخامس عن كل العلوم الدينية والدنيوية، كالطب، والنجوم، والهيئة، والتشريح، والطلسمات وغير ذلك، وقال: تفكر في القرآن والتمس غرائبه؛ ليتصادف فيه مجامع علم الأولين، والآخرين.

غير الإمام الغزالي نرى الإمام الرازي؛ فرفع الراية عالية، ولم يترك آية تتحدث عن السموات والأرض، والبحار والأنهار، والجبال، وكل آيات الآفاق والأنفس إلا أعمل فيها عقلَهُ وفسرها بما وصل إليه العلم في عصرِه، وجاء الإمام الزركشي في (البرهان) والسيوطي في (الإتقان) وتأثروا بالغزالي، ونقلوا عباراته: أن القرآن يحتوي على سبعة وسبعين ألف علم، والكلمة لها ظاهر وباطن، وحد ومطلع

إلى آخره؛ ثم نقل الإمام السيوطي عن أبي الفضل المرسي، وعن القاضي أبي بكر ابن العربي كثيرًا من ذلك.

وجاء بعد هذا العصرِ العصرُ الحديث باكتشافات، ومعرفة أسرار الكون، ووجدوا أسرارًا تحدثوا عنها من هؤلاء الإمام القاسمي في تفسيره والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ محمد عبد الله دراز، والشيخ محمد متولي الشعراوي تحدثوا عن كثيرٍ من الاكتشافات العلمية، وربطوا بينها وبين آياتِ القرآنِ الكريمِ، وبين ما اكتشفَهُ العلم، وبين الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

ص: 440

الشيخ محمد عبد الله دراز له كتاب (مدخل إلى القرآن الكريم) ذكر وجوهَ إعجازٍ كثيرة أيد بها الآيات، والشيخ شعراوي له كتاب (معجزة القرآن) وخاصة تكلم عن الإعجاز العلمي، وذكر أن عطاء القرآنِ متجددٌ، وفيه من الإعجاز ما يشبِعُ كُلَّ الأجيال عبر القرون، وأن آيات الإعجاز على مدى الزمان متجددة مع الهدايات القرآنية الدائمة إلى قيام الدين، وأيضًا نرى هناك الشيخ طنطاوي جوهري وله تفسيره المعروف في هذا الشأن تفسير للقرآن كامل.

وجاء كذلك دكتور محمد الغمراوي، وله:(الإسلام في عصر العلم) والأستاذ حنفي أحمد له (التفسير العلمي للآيات الكونية) والدكتور عبد العزيز إسماعيل له: (الإسلام والطب الحديث) والدكتور عبد الرازق نوفل له: (الإعجاز العددي) ولهم كلامٌ كثير في هذا المعنى.

ويقولون: إن آيات الفرائض آيات الفقه والعبادات معدودة؛ فإذا كانت سبعمائة آية عن الكون، فيها عجائب الدنيا في القرآن، أما تستحق أن تكون لها دراسات عظيمة لإعجاز القرآن

إلى آخره.

أما في المقابل؛ فنجدُ نجد هناك جبهةً معارضةً، هناك المعارضون لهذا الاتجاه، وأكثرهم ممن تخصص في العلوم الشرعية أو الأدبية على رأسهم: الإمام الشاطبي، والشيخ محمود شلتوت، والأستاذ عباس العقاد، والدكتور محمد حسين الذهبي، والأستاذ أمين الخولي في بعض كتبه.

ونرى الإمام الشاطبي في (الموافقات) والشيخ شلتوت في تفسيره للقرآن، وعباس العقاد في كتابه (الفلسفة القرآنية) تحدث عن العلم والقرآن، وأكثروا بعناوين ذكروها: إنكار التفسير العلمي، وذكروا: أن القرآن كتاب هداية، وليس بنظريات الهندسة، أو الطب، أو النجوم، ونحن نقرأ القرآن يدعو إلى العلم،

ص: 441

وهو العلم الذي يهدي البشر إلى الله تبارك وتعالى، والأصل في قولهم: أن القرآن عقيدة وشريعة وهداية، إلا أن الله نشر فيه إشاراتٍ علمية تتضح للناس في كل زمان ومكان؛ لقوله:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} إلى آخره.

ولنعد إلى نماذج عابرة على وجه السرعة فيما دخل التفسير من الدخيل في التفسير العلمي:

جاء في قوله تعالى {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} (سبأ: 53) قال دكتور صلاح الدين خطاب: يقذفُونَ بالغيب هي: المسرة التليفون، والهاتف، والتلغراف، والتليفزيون، والراديو، يعني: يريد أن يقول: إن القرآن تنبَّأَ بوجود هذه الاختراعات الحديثة؛ مع أن التفسير الصحيح للآية، كما قال قتادة والصحابة والتابعون: أن الكفار يرجمون بالظن؛ لا بعث، ولا جنة، ولا نار، والقرآن يرد عليهم هذه الأكاذيب.

مثال آخر: هو قوله تبارك وتعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} (الأنعام: 65). يقول صاحب كتاب (الجانب العلمي في القرآن) الدكتور صلاح الدين خطاب: إن العذاب الذي وضعته الآية من فوقكم ينطبق على القنابل النازلة من الطائرات، ومن فوق الرءوس، ومن الأعالي، وأما العذاب من تحت الأرجل؛ فإشارة إلى الألغام والغواصات التي تنصب في الأرض، أو في البحر، فيمر عليها من مراد إهلاكه فتنفجر تحت رجله أو سيارته فتسبب له الهلاك.

ونحن نتساءل من أتى بهذه الأمور؟ وهل قدرة البشر تساوي قدرة الله سبحانه وتعالى ألم يقرأ قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت} (الحج 1: 2) الآيات

إلى آخره.

ص: 442

وأيضًا يقولون في مثال ثالث في قوله: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} (يونس: 24). يقول: هذا إشارة إلى صنع القنابل الذرية التي تخرِّبُ العالم. وعجبًا لهذا الكلام!! فالقرآن الكريم أعم، وأعظم، وأكبر من تفسيراتهم المحدودة في مثل هذا القول.

وننتقل إلى نماذج أخرى نختتم بها ما دخل كتب التفسير من الدخيل من التفسير العلمي:

فهناك أيضًا الحقائق العلمية التي بهرت كثيرًا من الناس؛ فنسبوا إليها هذه الخرافات نسبوها إلى الآيات، بعض العلماء بُهِرَ بالاكتشافات العلمية، فراحوا يتكلمون ويربطون بينها وبين آيات القرآن الكريم، حتى نسبوا خرافاتٍ علمية إلى الإسلام، وشككوا بذلك في عصمة النبي عليه الصلاة والسلام وهو ما ينطق عن الهوى، بحجة العلم والمعرفة، ولو أن المرويات صحت أسانيدها ربما كان للمتمسكين بها بعض العذر، أما وهي ضعيفة السند، فلا قدر لها.

والشيخ أبو شهبة صاحب كتاب (الإسرائيليات والموضوعات في التفسير) يقول: وأحب أن أقول: إن معظم هذا الذي يروى في الأمور الكونية تخالف مخالفة ظاهرة المقررات والحقائق العلمية التي أصبحت في حكم البدهيات والمسلمات، ككروية الأرض ودورانها، وحدوث الخسوف والكسوف، ونحو ذلك، وهذا كلام قالوه يتناقض مع الحقائق.

ذكروا لكسوف الشمس، وخسوف القمر أشياء كثيرة منها ما هو صحيح، ومنها ما ليس كذلك، لكن نسبة ذلك إلى كتب التفسير والقرآن هذا كلام يحتاج إلى مراجعة، وهناك لا يزال البعض في عصرنا ينكر كروية الأرض ودورانها، وأسباب حدوث هذه الظواهر، ويتكلمون عن الخسوف، والكسوف، والرعد

ص: 443

والبرق والصواعق، وقانون الجاذبية ونحو ذلك مما لا يقبل عقلًا، لهم أيضًا كلام في عمر الدنيا، ذكروا في عمر الدنيا أنه سبعة آلاف سنة؛ وأن النبي محمد بعث في آخر السادسة، وحكم ابن الجوزي على كلامهم هذا بأنه كلام موضوع، لا يُقبل.

تحدثوا عن خلق الشمس والقمر، ورووا كلامًا في خلق الشمس والقمر، والخسوف والكسوف لا يتسع المقام لذكره تفصيلًا.

وابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهم، وابن الجوزي حكموا على ما يروى من كلامهم في هذا بأنها أحاديث باطلة.

وأيضًا هناك أحاديث في أن الله وكل بالشمس تسعة أملاك ويرمونها بالثلج كل يوم، ولولا ذلك ما أتت الشمس على شيء إلا أحرقته كلام وأحاديث ضعيفة، لم تصح.

أوردوا أيضًا كلامًا عن كسوف الشمس وخسوف القمر، وأن أنوارهما موكلٌ بها أملاك، كلام لا يصح ولا يقبل، فرووا أن سئل ابن عباس عن المد والجذر؟ فقال: إن ملكًا موكلًا بناموس البحر؛ فإذا وضع رجله فاضت البحار، وإذا رفعها غاضت البحار، ينسبون المد والجذر إلى هذه الأحاديث الموضوعة التي لا تصح.

والحق: أن الإمام الذهبي حكم ببطلان هذه الأخبار، وأنها أحاديث غير صحيحة، بل قال شيخنا الشيخ أبو شهبة: إنما هناك من وضع الزنادقة أحاديث، وأكاذيب نسبوها إلى الرسول، تتعلق بالكونيات والفلكيات، وأسباب الكائنات، وكل ذلك من الأباطيل التي ذكروها.

ص: 444

ما يتعلق بالرعد والبرق: أيضًا معظم كتب التفاسير، ذكرت أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب، وأن الصوت المسموع هو صوت زجره للسحاب، أو صوت تسبيحه، وأن البرق أثر من المخراق الذي يزجر به السحاب، أو لهب ينبعث منه، وأن الله في قوله:{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِه} (الرعد: 13) يقولون: إن الفلاسفة ذكروا الرعد والبرق، وأنه هذا صوت الملك، أو صوت كذا أو ضحك أو كذا، هذا كلام ساقوه، وذكره أكثر المفسرين في تفسير ظاهرة الرعد، والبرق، وكلام لا يتوافق مع الحق.

ومن العلماء من قال: إن تسبيح الرعد بلسان الحال لا بلسان المقال؛ حيث شبّه دلالة الرعد على قدرة الله وعظمته، وتنزيه الله عن الشريك والعجز بالتسبيح والتنزيه، واستعار لفظ يسبح كلام ذكره المفسرون. والعلامة الألوسي قال: والذي اختاره أكثر المحدثين أن الإسناد حقيقي، الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب:"واليهود لما سألوا رسول الله، أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، بيده مخراق من نار، يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله تعالى، قالوا: فما ذلك الصوت الذي نسمعه؟ قال: صوته" وهذا الحديث إن صح يمكن حمله على التمثيل، ولا يطمئن إليه القلب، كما يقول الشيخ أبو شهبة: ولا يكاد يصدق عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، بل جعله من الإسرائيليات.

على كل حال، من الحق أن نقول أن بعض المفسرين كانت لهم محاولات على ما كان من العلم من الظواهر في عصرهم، كتفسير الرعد والبرق، تكلم ابن عطية وغير ابن عطية، والألوسي وغيرهم، والحقيقة في هذه الظواهر الكونية: ما ينبغي أن يحمل القرآن إلا على الحق.

ص: 445

نختم بما كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سماع الرعد والبرق: عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: ((اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وقال: إذا سمعتم الرعد فسبحوا، ولا تكبروا، وكان يقول إذا سمع الرعد: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) يقول الشيخ أبو شهبة: فهذا هو اللائق برسول الله وبعصمته.

أما ما نقل أن الرعد ملك، أو صوته زجره للسحاب، وأن البرق أثر صوته- فلم يعتمد هو هذا الكلام، ولنا كلام في الرياح والكهرباء الجوية، وحدوث الرعد، والبرق، والصواعق، ذُكِرَ في كتب كثيرة لا يتسع المقام لذكر ذلك تفصيلًا.

ونختم بكلمات موجزة: هكذا نرى كثيرًا من أعداء الإسلام، يحرصون على أن يظهروا دين الإسلام بمظهر الدين الباطل الذي يشتمل على الخرافات والأباطيل، وذلك من خلال تفسير القرآن؛ لأنهم لم يصلوا إلى النص القرآني، بعد أن عجزوا أن يلحقوا بالقرآن ذاته شيء من الأباطيل لجئوا إلى التفسير، فدسوا سمومهم حول القرآن في تفسيره؛ مما يخالفُ حقائق العلم، وسنن الله في الكون، أو ما يصادم العقل والمنطق، ومؤلفو هذا الكلام هم أناس أرادوا عداوة الإسلام، أوردوا في عمر الدنيا من الإسرائيليات أن عمرها سبعة ألاف سنة، وهذا يتناقض؛ لأن معرفة قيام الساعة مفوض إلى علم الله وحده {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} (الأعراف: 187).

ص: 446

وذكروا في ظواهر الرعد والبرق، والخسوف والكسوف، وقاف ونون، والكلام الذي مر ذكره تفصيلًا، وقد حمل كبر هذا الإثم القساوسة والمستشرقون؛ حيث وجدوا في هذه الأباطيل ما يشفي حقدهم على الإسلام والمسلمين.

وهجموا على السنة، وفي سبيل إرضاء صليبيتهم الموروثة يصححون الأحاديث الموضوعة، ويحكمون بوضع كثير من الأحاديث الصحيحة، وربما يتبعهم بعضُ علماء المسلمين المثقفين؛ فينقلون كلامهم عن حسن ظن، أو عدم علم، ويتوهمون إذا نقل الكلام هذا عن علماء الإسلام أنه حق؛ فيقع كثير من المقلدين في خطر هذا الذي ينقل عن المستشرقين، وعن أعداء الإسلام.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أعلم.

ص: 447