الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي مُجَرَّدِ السُّؤَالِ بِوَجْهِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفِي مَنْعِ السَّائِلِ بِذَلِكَ لَا عَنْ اضْطِرَارِهِ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَتِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته.
فَإِنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَفِيهِ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ وَقَدْ تَنْقَلِبُ الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمُّ إلَيْهَا، وَتَنْقَلِبُ الْكَبِيرَةُ فَاحِشَةً بِانْضِمَامِ قَرِينَةٍ إلَيْهَا إلَّا الْكُفْرَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّهُ أَفْحَشُ الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ مِنْ نَوْعِهِ صَغِيرَةٌ وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْت، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْعُ الزَّكَاةِ كَبِيرَةٌ وَرَدُّ السَّائِلِ صَغِيرَةٌ، فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى مَنْعِهِ، أَوْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَى الْمَنْعِ الِانْتِهَارَ وَالْإِغْلَاظَ فَذَاكَ كَبِيرَةٌ، وَهَكَذَا إنْ رَأَى مُحْتَاجٌ رَجُلًا مُوَسَّعًا عَلَيْهِ عَلَى طَعَامٍ فَتَاقَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَسَأَلَهُ مِنْهُ فَرَدَّهُ فَذَلِكَ كَبِيرَةٌ. انْتَهَى.
وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ رَدَّ السَّائِلِ صَغِيرَةٌ وَأَنَّ رَدَّ الْمُحْتَاجِ - الَّذِي تَاقَتْ نَفْسُهُ وَسَأَلَ مِنْ الْمُوسِرِ فَرَدَّهُ - كَبِيرَةٌ مُشْكِلَانِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ، وَكَلَامُهُ بَعِيدٌ مِنْ التَّأْوِيلِ انْتَهَى.
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ.
قُلْت: يُحْمَلُ كَلَامُهُ الثَّانِي عَلَى الْمُضْطَرِّ وَالْأَوَّلُ عَلَى سَائِلٍ لِمَنْ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ فِي بَلَدٍ فُقَرَاؤُهُ مَحْصُورُونَ انْتَهَى.
فَمَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ تَأْوِيلًا لِكَلَامِ الْحَلِيمِيِّ صَرِيحٌ فِي تَأْيِيدِ مَا ذَكَرْته. نَعَمْ إطْلَاقُ الْجَلَالِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ آخِرًا صَغِيرَةٌ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُمْ إذَا انْحَصَرُوا فِي ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ مِنْ صِنْفٍ مَلَكُوا الزَّكَاةَ مِلْكًا تَامًّا مُسْتَقِرًّا، فَمَنْعُ أَحَدِهِمْ حِينَئِذٍ كَبِيرَةٌ بِلَا شَكٍّ، فَإِنْ انْحَصَرُوا حَصْرًا يَقْتَضِي وُجُوبَ اسْتِيعَابِهِمْ عَلَى الْمَالِكِ بِأَنْ سَهُلَ ضَبْطُهُمْ عَلَيْهِ عَادَةً وَوَفَّى الْمَالُ بِهِمْ اُتُّجِهَ أَنَّ الرَّدَّ حِينَئِذٍ صَغِيرَةٌ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ فَكَانَ الرَّدُّ صَغِيرَةً لَا كَبِيرَةً، وَعَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْجَلَالِ.
[خَاتِمَةٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِ الصَّدَقَةِ وَأَحْكَامِهَا وَأَنْوَاعِهَا]
: وَقَدْ أَلَّفْت فِيهَا كِتَابًا حَافِلًا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ مِثْلِهِ فَضَائِلَ وَأَحْكَامًا وَفَوَائِدَ وَفُرُوعًا فَعَلَيْك بِهِ.
اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَسْرُدُهُ فِي هَذِهِ الْخَاتِمَةِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ إلَّا قَلِيلًا
مِنْهَا فَإِنَّهُ حَسَنٌ فَلَمْ أَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ مُخَرِّجِيهَا. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا طَيِّبًا فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ» - أَيْ مُلْتَبِسَةً بِيَمِينِهِ وَبَرَكَتِهِ - «ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ» - بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ: مُهْرَهُ أَوَّلَ مَا يُولَدُ - «حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ حَتَّى إنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ» ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104]{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] . «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ عز وجل» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا مَدَّ عَبْدٌ يَدَهُ لِصَدَقَةٍ إلَّا أُلْقِيَتْ فِي يَدِ اللَّهِ» : أَيْ إلَّا قَبِلَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - وَرَضِيَ بِهَا «قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ» ، «وَمَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ لَهُ عَنْهَا غِنًى إلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ» . «يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي مَالِي وَإِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، مَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ» . «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» .
«لِيَقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» . «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» .
«يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ وَدَمٌ نَبَتَا عَلَى سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ النَّاسُ غَادِيَانِ فَغَادٍ فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ فَمُعْتِقُهَا وَغَادٍ مُوبِقُهَا. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ الصَّلَاةُ قُرُبَاتٌ وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يَذْهَبُ الْجَلِيدُ عَلَى الصَّفَا» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» .
«إنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«إنَّ اللَّهَ لَيَدْرَأُ» أَيْ يَدْفَعُ «بِالصَّدَقَةِ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ مِيتَةِ السُّوءِ» . «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، لَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا» . «أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ جُهْدُ الْمُقِلِّ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» . «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَخَذَ مِنْ عُرْضِهِ - أَيْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْمُهْمَلِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ جَانِبُهُ - مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَصَدَّقَ بِهَا،
وَرَجُلٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ» . «لَا تَرُدَّ سَائِلَك وَلَوْ بِظِلْفٍ» ، هُوَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ لِلْفَرَسِ.
«سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» . «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَالصَّدَقَةُ خُفْيًا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ» . وَفِي أُخْرَى لَهُ وَلِأَحْمَدَ: «مَا الصَّدَقَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ وَعِنْدَ اللَّهِ الْمَزِيدُ، ثُمَّ قَرَأَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سِرٌّ إلَى فَقِيرٍ أَوْ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] » .
«الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي رَحِمٍ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» .
«أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» أَيْ الْمُضْمِرِ لِعَدَاوَتِك فِي كَشْحِهِ أَيْ خَصْرِهِ، كِنَايَةً عَنْ بَاطِنِهِ.
«كُلُّ قَرْضٍ صَدَقَةٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ: «رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى
بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ» .
«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً» «مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» : «أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ. قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتُقْرِئُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» . «أَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ. خُلِقَ مِنْ الْمَاءِ، فَقُلْت: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ إذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: أَطْعِمْ الطَّعَامَ وَأَفْشِ السَّلَامَ وَصِلْ الْأَرْحَامَ وَصَلِّ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلْ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» . «اُعْبُدُوا الرَّحْمَنَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَأَفْشُوا السَّلَامَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» ، «مِنْ مُوجِبَاتِ الرَّحْمَةِ إطْعَامُ الْمُسْلِمِ الْمِسْكِينِ» . «مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ حَتَّى يُشْبِعَهُ وَسَقَاهُ مِنْ الْمَاءِ حَتَّى يَرْوِيَهُ بَاعَدَهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ سَبْعَ خَنَادِقَ مَا بَيْنَ كُلِّ خَنْدَقَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» .
«يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تُوصِ أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَعَلَيْك بِالْمَاءِ» . «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا. «مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّاءُ مِنْ جِنٍّ وَلَا إنْسٍ وَلَا طَائِرٍ إلَّا آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ قُرْحَةٍ فِي رُكْبَتِهِ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ وَقَدْ أَعْيَتْ الْأَطِبَّاءَ فَأَمَرَهُ بِحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَحَلٍّ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى الْمَاءِ فِيهِ وَقَالَ لَهُ أَرْجُو أَنْ يَنْبُعَ فِيهِ عَيْنٌ فَيُمْسَكَ الدَّمُ عَنْك ".
وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ: أَنَّ شَيْخَهُ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبَ الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرِهِ أَنَّ وَجْهَهُ تَقَرَّحَ وَعَجَزَ فِي مُعَالَجَتِهِ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ، فَسَأَلَ الْأُسْتَاذَ أَبَا عُثْمَانَ الصَّابُونِيَّ أَنْ
يَدْعُوَ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدَعَا لَهُ فَأَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ التَّأْمِينِ، فَفِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى أَلْقَتْ امْرَأَةٌ رُقْعَةً فِي الْمَجْلِسِ بِأَنَّهَا عَادَتْ لِبَيْتِهَا وَاجْتَهَدَتْ فِي الدُّعَاءِ لِلْحَاكِمِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَرَأَتْ فِي نَوْمِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهُ يَقُولُ: قُولُوا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يُوَسِّعُ الْمَاءَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَجِئْت بِالرُّقْعَةِ إلَى الْحَاكِمِ فَأَمَرَ بِسِقَايَةٍ بُنِيَتْ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَحِينَ فَرَغُوا مِنْ بِنَائِهَا أَمَرَ بِصَبِّ الْمَاءِ فِيهَا وَطَرْحِ الْجَمَدِ فِي الْمَاءِ، وَأَخَذَ النَّاسُ فِي الشُّرْبِ فَمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُسْبُوعٌ حَتَّى ظَهَرَ الشِّفَاءُ وَزَالَتْ تِلْكَ الْقُرُوحُ وَعَادَ وَجْهُهُ إلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ ".
وَرَوَى الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ: «سَبْعٌ تَجْرِي لِلْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أَيْ حَفَرَهُ، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا صَالِحًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ مَوْضِعَ حَفْرِ الْبِئْرِ وَغَرْسِ النَّخْلِ الصَّدَقَةَ وَبَيْتَ ابْنِ السَّبِيلِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا: أَنَّ «سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ الْمَاءُ فَحَفَرَ بِئْرًا وَقَالَ هَذِهِ لِأُمِّ سَعْدٍ» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «لَيْسَ صَدَقَةٌ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ الْمَاءِ» أَيْ فِي مَحَلِّ الِاحْتِيَاجِ فِيهِ لِلْمَاءِ أَكْثَرَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ، فَإِنْ كَانَ الِاحْتِيَاجُ لِغَيْرِ الْمَاءِ أَكْثَرَ فَهُوَ الْأَفْضَلُ.