الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْخًا كُلِّيًّا. وَصَارَ بِأَرَثِّ هَيْئَةٍ وَأَقْبَحِ مَنْظَرٍ وَأَفْظَعِ حَالَةٍ بَدَنًا وَدُنْيَا وَعَقْلًا وَكَلَامًا؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ سبحانه وتعالى مِنْ الزَّلَّاتِ، وَنَسْأَلُهُ سبحانه وتعالى أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْ الْفِتَنِ إلَى الْمَمَاتِ، إنَّهُ أَكْرَمُ كَرِيمٍ وَأَرْحَمُ رَحِيمٍ. وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ مَنْ أَعْرِفُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَعَتْ مِنْهُ هَنَاتٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَعُوجِلَ عَلَيْهَا بِعِقَابٍ شَدِيدٍ فِي بَدَنِهِ وَدِينِهِ أَيْضًا. وَكَذَا وَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ بَلَغْنَا ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي زَمَنِنَا، وَلَوْلَا ضِيقُ الْمَقَامِ وَخَوْفُ الْفَضِيحَةِ وَطَلَبُ السَّتْرِ بَسَطْت أَحْوَالَهُمْ، وَلَكِنْ فِي الْإِشَارَةِ مَا يُغْنِي عَنْ الْعِبَارَةِ، وَإِنَّمَا قَصَدْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا اغْتَرَّ، فَظَنَّ مِمَّا يَرَى مِنْ عَدَمِ تَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّهُ لَا يُعَاجَلُ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ، بَلْ لَا بُدَّ لِمَنْ تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ أَوْ قَدِمَ عَلَيْهِ آمِنًا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةُ الظَّاهِرَةُ أَوْ الْبَاطِنَةُ، هَذَا قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ الَّذِي أَشَارَ سبحانه وتعالى إلَى عَظَمَتِهِ، بَلَى وَإِلَى عَظَمَةِ عَذَابِ الدُّنْيَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] .
[خَاتِمَةٌ فِي أُمُورٍ مُشِيرَةٍ إلَى بَعْضِ فَضَائِلِ الْحَرَمِ وَمَا فِيهِ وَمَنْ فِيهِ]
(خَاتِمَةٌ: فِي أُمُورٍ مُشِيرَةٍ إلَى بَعْضِ فَضَائِلِ الْحَرَمِ وَمَا فِيهِ وَمَنْ فِيهِ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ: «إنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يَنْزِلُ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ مَكَّةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِشْرِينَ وَمِائَةِ رَحْمَةٍ، سِتِّينَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعِينَ لِلْمُصَلِّينَ، وَعِشْرِينَ لِلنَّاظِرِينَ» . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَجَاءَ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ، كَمَا بَيَّنْته فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِمِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ غَيْرِ الْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ مِمَّا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالصَّلَاةُ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ، وَفِي حَدِيثِ:«بِأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ» . وَصَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ فِيهَا مَا ذُكِرَ، فَإِذَا ضَرَبْت بَلَغَ الْحَاصِلُ مَا ذَكَرْته، فَتَأَمَّلْ سَعَةَ هَذَا الْفَضْلِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ، فِي الْأَوْسَطِ:«إنَّ لِلْكَعْبَةِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَلَقَدْ اشْتَكَتْ فَقَالَتْ: يَا رَبِّ قَلَّ عُوَّادِي، وَقَلَّ زُوَّارِي، فَأَوْحَى اللَّهُ عز وجل: إنِّي خَالِقٌ بَشَرًا خُشَّعًا سُجَّدًا يَحِنُّونَ إلَيْك كَمَا تَحِنُّ الْحَمَامَةُ إلَى بَيْضِهَا» . وَالْبَزَّارُ: «رَمَضَانُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ» .
وَابْنُ مَاجَهْ: «مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ فَصَامَهُ وَقَامَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِيمَا سِوَاهَا، وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ وَكُلِّ لَيْلَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَكُلِّ يَوْمٍ حُمْلَانَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ حَسَنَةً، وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ حَسَنَةً» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ: «إنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْتَقَهُ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ قَطُّ» . وَالْبَيْهَقِيُّ: «أَوَّلُ بُقْعَةٍ وُضِعَتْ فِي الْأَرْضِ الْبَيْتُ ثُمَّ مُدَّتْ مِنْهَا الْأَرْضُ، وَإِنَّ أَوَّلَ جَبَلٍ وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَبُو قُبَيْسٍ، ثُمَّ مُدَّتْ مِنْهُ الْجِبَالُ» . وَالْأَرْبَعَةُ: «مَكَّةُ أُمُّ الْقُرَى» . وَالدَّارَقُطْنِيُّ: «مَنْ أَكْرَمَ الْقِبْلَةَ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى» . وَابْنُ مَاجَهْ: «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا، فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ هَلَكُوا» . وَالشَّيْخُ: «النَّظَرُ إلَى الْكَعْبَةِ عِبَادَةٌ» . وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «أَوَّلُ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، وَمَا بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَةً» ، الْحَدِيثَ. وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ:«لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهَا الدَّجَّالُ إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَافِّينَ تَحْرُسُهَا فَيَنْزِلُ بِالسَّبَخَةِ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ يَخْرُجُ إلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ: «مَا أَطْيَبَك مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّك إلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْك مَا سَكَنْت غَيْرَك» . وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ: «وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت» وَأَيْضًا: «لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ الْيَوْمِ، أَيْ يَوْمِ الْفَتْحِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَمُسْلِمٌ: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ» . وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا: «يَا عَائِشَةُ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْت بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلَتْ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ: أَيْ وَهُوَ شَاذَرْوَانُهُ، وَسِتَّةُ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعَةُ مِنْ
الْحِجْرِ وَأَلْزَقْتُهُ أَيْ بَابَهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْت لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلَغْت بِهِ أَسَاسَ إبْرَاهِيمَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ زِيَادَةُ:«لَأَنْفَقَتْ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَفِي أُخْرَى: «أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا بَنَتْهُ اسْتَقْصَرَتْ: أَيْ النَّفَقَةُ بِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَبْنُوهُ إلَّا مِنْ مَالٍ مُتَيَقَّنِ الْحِلِّ فَأَعْوَزَهُمْ فَتَرَكُوا الشَّاذَرْوَانَ وَمِنْ الْحِجْرِ مَا ذُكِرَ وَقَلَّلُوا طُولَهَا فِي السَّمَاءِ، وَسَدُّوا بَابَهَا الْغَرْبِيَّ وَرَفَعُوا بَابَهَا الشَّرْقِيَّ، لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا» . وَلَمَّا سَمِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما مِنْ خَالَتِهِ عَائِشَةَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ بَادَرَ لِهَدْمِهِ وَأَعَادَهُ عَلَى مَا فِيهِ، ثُمَّ جَاءَ الْحَجَّاجُ فَأَزَالَ بِنَاءَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْحِجْرِ فَقَطْ وَجَعَلَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَسَدَّ الْبَابَ الْغَرْبِيَّ، وَرَفَعَ الشَّرْقِيَّ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ:«يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ خُسِفَ بِأَوَّلِهِمْ وَآخَرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» . وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: «يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إلَيْهِ بَعْثٌ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ» . وَبَيَّنْت فِي كِتَابِي [الدُّرَرُ فِي عَلَامَاتِ الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظِرِ] : أَنَّهُ ذَلِكَ الْعَائِذُ، وَأَنَّ تِلْكَ الْبَيْدَاءَ الْخَلِيفَةُ، وَأَنَّهُ لَا يُخَصُّ مِنْهُمْ إلَّا اثْنَانِ أَوْ وَاحِدٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ:«فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ إلَّا الشَّرِيدُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْهُمْ وَأَنَّهُمْ أَرْسَلُوا إلَى الْمَهْدِيِّ مِنْ الشَّامِ لِيَقْتُلُوهُ فَيَفِرَّ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ عَائِذًا بِهَا» . وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَسْوَدَ أَفْحَجُ يَنْقُضُهَا حَجَرًا حَجَرًا، يَعْنِي الْكَعْبَةَ» . وَجَاءَ فِي أَحَادِيثَ: «أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُ يُرْفَعُ بَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ بِهِ إذْ أَصْبَحُوا وَقَدْ فَقَدُوهُ، وَأَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْحَجَرِ:«أَنَّهُ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ» ، سَنَدُهُ حَسَنٌ، وَكَذَلِكَ سَنَدُ: «يَأْتِي الرُّكْنُ
الْيَمَانِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ لَهُ لِسَانٌ وَشَفَتَانِ وَأَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ حَتَّى سَوَّدَتْهُ خَطَايَا أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ إلَّا شُفِيَ» ، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ:«وَأَنَّهُ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ فَوُضِعَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ كَأَنَّهُ مَهَاةٌ: أَيْ بِالْقَصْرِ بِلَّوْرَةٌ بَيْضَاءُ فَمَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ» . وَصَحَّ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَهُوَ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَأَنَّهُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ، أَيْ يُمْنُهُ وَبَرَكَتُهُ يُنَزِّلُهُمَا عَلَيْهِمْ إذَا اسْتَلَمُوهُ، وَأَنَّهُ وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يَحُطَّانِ الْخَطَايَا حَطًّا، وَأَنَّهُمَا يُبْعَثَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهُمَا عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَشْهَدَانِ لِمَنْ اسْتَلَمَهُمَا بِالْوَفَاءِ، وَأَنَّ عِنْدَهُ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتِ، وَأَنَّهُ وَالْمَقَامَ يَاقُوتُتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ، فَرِوَايَةُ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ الْجَنَّةِ غَيْرُهُ مَخْصُوصَةٌ بِذَلِكَ، وَأَنَّ اللَّهَ طَمَسَ نُورَهُمَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَضَاءَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَأَنَّ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعِينَ مَلَكًا مُوَكَّلًا يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَنْ قَالَهُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201] الْآيَةَ، وَأَنَّ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ مُلْتَزَمٌ مَا يَدْعُو بِهِ صَاحِبُ عَاهَةٍ إلَّا بَرِئَ، وَأَنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا وَكَزَ زَمْزَمَ بِعَقِبِهِ، جَعَلَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ تَجْمَعُ الْبَطْحَاءَ. رَحِمَ اللَّهُ هَاجَرَ، لَوْ تَرَكَتْهَا كَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا، وَأَنَّهَا هَزْمَةُ جِبْرِيلَ، وَسُقِيَا إسْمَاعِيلَ، وَأَنَّ مَاءَهَا لِمَا شُرِبَ لَهُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنَّ التَّضَلُّعَ مِنْهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ، وَأَنَّهُ خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَهَاكِ سَرْدُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ أَوْ حَسَنَةٍ:«أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ» ، أَيْ وَهُوَ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَلَوْ صَغِيرَةً مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ إلَى التَّحَلُّلِ الثَّانِي. «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وَالرَّفَثُ اسْمٌ لِكُلِّ فُحْشٍ أَوْ لِمَا يُرِيدُهُ مِنْ حَلِيلَتِهِ أَوْ الْجِمَاعِ أَقْوَالُ قَالَ بِكُلٍّ جَمَاعَةٌ. «الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةَ» . وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ فَاطْلُبْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. «أَمَا عَلِمْت يَا عُمَرُ: أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ
قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ. إنِّي جَبَانٌ وَإِنِّي ضَعِيفٌ، فَقَالَ: هَلُمَّ إلَى جِهَادٍ لَا شَوْكَةَ فِيهِ الْحَجُّ أَفْضَلُ جِهَادٍ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ» . «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا حَجَّةً مَبْرُورَةً أَوْ عُمْرَةً مَبْرُورَةً» . «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةَ، قِيلَ وَمَا بِرُّهُ؟ قَالَ إطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ» . وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي تَفْسِيرِ الْمَبْرُورِ فَتَأَمَّلْهُ. «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» . «لَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلَّا الْجَنَّةَ» . «مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ كُلُّ حَسَنَةٍ مِثْلُ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ» ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ لَكِنْ فِيهِ ابْنُ سِوَادَةَ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. «إنَّ آدَمَ أَتَى الْبَيْتَ أَلْفَ أَتِيَّةٍ، لَمْ يَرْكَبْ قَطُّ فِيهِنَّ مِنْ الْهِنْدِ عَلَى رِجْلَيْهِ» . صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَاعْتَرَضَ، بِأَنَّ فِيهِ وَاهِيًا. «وَالْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ» «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ اسْتَمْتَعُوا بِهَذَا الْبَيْتِ فَقَدْ هُدِمَ مَرَّتَيْنِ وَيُرْفَعُ فِي الثَّالِثَةِ» : أَيْ بَعْدَهَا. «لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ: إنِّي مُهْبِطٌ مَعَك بَيْتًا أَوْ مَنْزِلًا يُطَافُ حَوْلَهُ كَمَا يُطَافُ حَوْلَ عَرْشِي وَيُصَلَّى عِنْدَهُ كَمَا يُصَلَّى حَوْلَ عَرْشِي. فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الطُّوفَانِ رُفِعَ، وَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ يَحُجُّونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَكَانَهُ، فَبَوَّأَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ فَبَنَاهُ مِنْ خَمْسَةِ أَجْبُلٍ: حِرَاءٌ وَثَبِيرٌ، وَلُبْنَانُ، وَجَبَلُ الطَّيْرِ، وَجَبَلُ الْخَيْرِ، فَتَمَتَّعُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . صَحَّ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَكَانَ كَالْمَرْفُوعِ، وَفِي حَدِيثٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مُوَثَّقُونَ: «إنَّ مَنْ أَمَّ الْبَيْتَ لَا تَضَعُ نَاقَتُهُ خُفًّا وَلَا تَرْفَعُهُ إلَّا كُتِبَ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَمُحِيَ عَنْهُ خَطِيئَةٌ، وَإِنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إسْمَاعِيلَ وَالسَّعْيَ كَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً، وَالْوُقُوفَ تُغْفَرُ بِهِ الذُّنُوبُ وَإِنْ كَانَتْ بِعَدَدِ الرَّمَلِ أَوْ كَقَطْرِ الْمَطَرِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ، وَبِكُلِّ حَصَاةٍ مِنْ الْجِمَارِ تَكْفِيرُ كَبِيرَةٍ مِنْ الْمُوبِقَاتِ وَالنَّحْرُ مَذْخُورٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَبِكُلِّ شَعْرَةٍ حُلِقَتْ حَسَنَةٌ وَمَحْوُ خَطِيئَةٍ، وَبِالطَّوَافِ بَعْدَ ذَلِكَ