الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَعْوَانِهِ: اُنْظُرُوا مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ، فَإِنْ كَانَ مَطْعَمُهُ مَطْعَمَ سُوءٍ يَقُولُ دَعُوهُ يَتْعَبُ وَيَجْتَهِدُ فَقَدْ كَفَاكُمْ نَفْسَهُ أَيْ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ مَعَ أَكْلِهِ الْحَرَامَ لَا يَنْفَعُهُ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: أَطِبْ مَطْعَمَك وَمَا عَلَيْك أَنْ لَا تَقُومَ اللَّيْلَ وَلَا تَصُومَ النَّهَارَ. وَصَحَّ: «لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ بَأْسٌ» . وَصَحَّ: «فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمْ الْوَرَعُ» . وَصَحَّ أَيْضًا: «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ وَتَرَدَّدَ الصَّدْرُ وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: «إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، وَسَأَضْرِبُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَثَلًا: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَا حَرَّمَ وَإِنَّ مَنْ يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطَهُ فَإِنَّهُ مَنْ يُخَالِطُ الرِّيبَةَ يُوشِكُ أَنَّهُ يَجْسُرُ» .
[الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ الِاحْتِكَارُ]
ُ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا فَهُوَ خَاطِئٌ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ: «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْخَاطِئُ بِالْهَمْزَةِ الْعَاصِي الْآثِمُ. وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ: «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تبارك وتعالى» . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِي هَذَا الْمَتْنِ غَرَابَةٌ وَبَعْضُ أَسَانِيدِهِ جَيِّدَةٌ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
وَالْأَزْدِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلِيَّ بْنَ سَالِمٍ عَلَى حَدِيثِهِ، وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: لَا أَعْلَمُ لِعَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي عِدَادِ الْمَجْهُولِينَ انْتَهَى، لَكِنْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مُتَّصِلٍ:«مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» وَالْأَصْبَهَانِيّ: «إنَّ طَعَامًا أُلْقِيَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: مَا هَذَا الطَّعَامُ؟ فَقَالُوا طَعَامٌ جُلِبَ إلَيْنَا أَوْ عَلَيْنَا فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الَّذِينَ مَعَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ اُحْتُكِرَ. قَالَ وَمَنْ احْتَكَرَهُ؟ قَالُوا احْتَكَرَهُ فَرُّوخُ وَفُلَانٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمَا فَأَتَيَاهُ فَقَالَ مَا حَمَلَكُمَا عَلَى احْتِكَارِ طَعَامِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا وَنَبِيعُ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ فَرُّوخُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي أُعَاهِدُ اللَّهَ وَأُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لَا أَعُودَ إلَى احْتِكَارِ طَعَامٍ أَبَدًا فَتَحَوَّلَ إلَى بَرِّ مِصْرَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُمَرَ فَقَالَ نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا وَنَبِيعُ فَزَعَمَ أَبُو يَحْيَى أَحَدُ رُوَاتِهِ أَنَّهُ رَأَى مَوْلَى عُمَرَ مَجْذُومًا مَشْدُوخًا» .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ: «بِئْسَ الْعَبْدُ الْمُحْتَكِرُ إنْ أَرْخَصَ اللَّهُ الْأَسْعَارَ حَزِنَ وَإِنْ أَغْلَاهَا فَرِحَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «إنْ سَمِعَ بِرُخْصٍ سَاءَهُ وَإِنْ سَمِعَ بِغَلَاءٍ فَرِحَ» ، وَذِكْرُ رَزِينٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُصُولِهِ. وَأَخْرَجَ رَزِينٌ أَيْضًا وَفِيهِ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ:«أَهْلُ الْمَدَائِنِ هُمْ الْحُبَسَاءُ فِي اللَّهِ فَلَا تَحْتَكِرُوا عَلَيْهِمْ الْأَقْوَاتَ وَلَا تُغْلُوا عَلَيْهِمْ الْأَسْعَارَ فَإِنَّ مَنْ احْتَكَرَ عَلَيْهِمْ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَفَّارَةٌ» . وَأَخْرَجَ رَزِينٌ أَيْضًا: «يُحْشَرُ الْحَاكِرُونَ وَقَتَلَةُ الْأَنْفُسِ فِي دَرَجَةٍ، وَمَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ سِعْرِ الْمُسْلِمِينَ يُغْلِيهِ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعَذِّبَهُ فِي مُعْظَمِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَدِيثَيْنِ قَبْلَهُ نَكَارَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَأَحْمَدُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: " ثَقُلَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُ يَا مَعْقِلُ أَنِّي سَفَكْتُ دَمًا حَرَامًا؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُ. قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي دَخَلْت فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: مَا عَلِمْتُ. قَالَ أَجْلِسُونِي، ثُمَّ قَالَ اسْمَعْ يَا عُبَيْدَ اللَّهِ حَتَّى أُحَدِّثَك شَيْئًا مَا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ، سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تبارك وتعالى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعَظِيمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ: أَنْتَ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تبارك وتعالى أَنْ يَقْذِفَهُ فِي مُعْظَمٍ مِنْ النَّارِ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ قَالَ: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ يُغْلِيهِ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَقْذِفَهُ فِي جَهَنَّمَ رَأْسُهُ إلَى أَسْفَلِهِ» . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَعْرُوفُونَ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا أَعْرِفُهُ، وَمَرَّ خَبَرُ:«احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ إلْحَادٌ» . وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ فِيهِ مَقَالٌ: «مَنْ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ، وَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحِ بَعْضُهَا مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ كَاللَّعْنَةِ وَبَرَاءَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ وَالضَّرْبِ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ وَغَيْرِهَا، وَبَعْضُ هَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى الْكَبِيرَةِ، فَاتَّجَهَ عَدُّ ذَلِكَ كَبِيرَةً لَكِنْ سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ بِمَا فِيهِ. ثُمَّ الِاحْتِكَارُ الْمُحَرَّمُ عِنْدَنَا هُوَ أَنْ يَمْسِكَ مَا اشْتَرَاهُ فِي الْغَلَاءِ لَا الرُّخْصِ مِنْ الْقُوتِ حَتَّى نَحْوِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بِقَصْدِ أَنْ يَبِيعَهُ بِأَغْلَى مِمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ بِالْقُوتِ كُلَّ مَا يُعِينُ عَلَيْهِ كَاللَّحْمِ وَالْفَوَاكِهِ، وَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا حُرْمَةَ كَأَنْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ زَمَنَ الْغَلَاءِ لَا لِيَبِيعَهُ بَلْ لَيَمْسِكَهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أَوْ لِيَبِيعَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ، كَأَنْ أَمْسَكَ غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ وَلَوْ لِيَبِيعَهَا بِأَغْلَى الْأَثْمَانِ نَعَمْ إذَا اشْتَدَّتْ ضَرُورَةُ النَّاسِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِدَادِ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا فَوْقَ كِفَايَةِ سَنَةٍ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ مَا لَمْ يَخَفْ جَائِحَةً فِي زَرْعِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِلَّا فَلَهُ إمْسَاكُ كِفَايَتِهَا فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا احْتِكَارَ فِي غَيْرِ الْقُوتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ، نَعَمْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُكْرَهُ إمْسَاكُ الثِّيَابِ أَيْ احْتِكَارًا.
فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي مَا قَرَّرْته أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَاوِي حَدِيثِ «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» قِيلَ لَهُ فَإِنَّك تَحْتَكِرُ قَالَ إنَّ مَعْمَرًا الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَانَ يَحْتَكِرُ.