الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَصَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ وَاهِيًا:«الدَّيْنُ رَايَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَذِلَّ عَبْدًا وَضَعَهُ فِي عُنُقِهِ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ ذَيْنِك كَبِيرَتَيْنِ هُوَ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ صَرِيحُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْقَى اللَّهَ سَارِقًا. وَالْحَدِيثَانِ يَشْمَلَانِ ذَيْنِك. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ «خَدَعَهُ حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ أَخَذَ دَيْنًا لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً مِنْ جِهَةِ ظَاهِرِهِ وَالدَّائِنُ جَاهِلٌ بِحَالِهِ فَقَدْ خَدَعَ الْآخِذَ مِنْهُ حَتَّى أَعْطَاهُ مَالَهُ، إذْ لَوْلَا خَدِيعَتُهُ لَهُ لَمْ يُعْطِهِ لَهُ، وَجَمِيعُ التَّغْلِيظَاتِ فِي الدَّيْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا يَنْبَغِي حَمْلُهَا عَلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَتْهُمَا فِي التَّرْجَمَةِ أَوْ عَلَى مَا لَوْ اسْتَدَانَهُ لِيَصْرِفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ كَالْإِعَانَةِ وَالْقَضَاءِ عَنْهُ وَغَيْرِهِمَا يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا لَوْ اسْتَدَانَهُ فِي طَاعَةٍ نَاوِيًا أَدَاءَهُ وَلَهُ وَجِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يُؤَدِّي مِنْهَا أَوْ وَالدَّائِنُ عَالِمٌ بِحَالِهِ، وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْته وَإِنْ لَمْ أَرَهُ تَجْتَمِعُ الْأَحَادِيثُ وَيَزُولُ مَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُهَا مِنْ التَّعَارُضِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ فِيهَا عَلَى نَحْوِ مَا قَرَّرْته، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
[الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مَطْلُ الْغَنِيِّ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ]
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ» : أَيْ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أُحِيلَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَتَشْدِيدُ الْمُحَدِّثِينَ التَّاءَ خَطَأٌ «أَحَدُكُمْ عَلَيَّ مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» . وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: «لَيُّ الْوَاجِدِ» : أَيْ مَطْلُ الْقَادِرِ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ «يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» : أَيْ يُبِيحُ أَنْ يُذْكَرَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْمَطْلِ وَسُوءِ الْمُعَامَلَةِ لَا غَيْرِهِمَا، إذْ الْمَظْلُومُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ ظَالِمَهُ إلَّا بِالنَّوْعِ الَّذِي ظَلَمَهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيُبِيحُ أَيْضًا عُقُوبَتَهُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ وَغَيْرِهِمَا. وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ وُثِّقَ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُتَابَعَاتِ:«إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْغَنِيَّ الظَّلُومَ، وَالشَّيْخَ الْجَهُولَ، وَالْعَائِلَ الْمُخْتَالَ» : أَيْ الْفَقِيرَ الْمُتَكَبِّرَ. وَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ: «مَا قَدَّسَ اللَّهُ أُمَّةً لَا
يَأْخُذُ ضَعِيفُهَا الْحَقَّ مِنْ قَوِيِّهَا غَيْرَ مُتَعْتَعٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ انْصَرَفَ غَرِيمُهُ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ صَلَّتْ عَلَيْهِ دَوَابُّ الْأَرْضِ وَنُونُ الْمَاءِ: أَيْ حُوتُهُ وَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُلَوِّي غَرِيمَهُ وَهُوَ يَجِدُ إلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَجُمُعَةٍ وَشَهْرٍ ظُلْمٌ» . وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مِنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ وَأَحْمَدُ بِنَحْوِهِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ جَيِّدٍ عَنْ خَوْلَةَ زَوْجَةِ حَمْزَةَ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسْقُ تَمْرٍ فَأَمَرَ أَنْصَارِيًّا أَنْ يَقْضِيَهُ فَقَضَاهُ دُونَ تَمْرِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبِضَهُ فَقَالَ أَتَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ أَحَقُّ بِالْعَدْلِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاكْتَحَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدُمُوعِهِ، ثُمَّ قَالَ صَدَقَ، وَمَنْ أَحَقُّ بِالْعَدْلِ مِنِّي لَا قَدَّسَ اللَّهُ أُمَّةً لَا يَأْخُذُ ضَعِيفُهَا حَقَّهُ مِنْ شَدِيدِهَا وَلَا يُتَعْتِعُهُ، ثُمَّ قَالَ يَا خَوْلَةُ عُدِّيهِ وَاقْضِيهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ غَرِيمٍ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ غَرِيمُهُ رَاضِيًا إلَّا صَلَّتْ عَلَيْهِ دَوَابُّ الْأَرْضِ وَنُونُ الْبِحَارِ، وَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُلَوِّي غَرِيمَهُ وَهُوَ يَجِدُ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إثْمًا» ، وَتَعْتَعَهُ بِفَوْقِيَّتَيْنِ وَمُهْمَلَتَيْنِ: أَقْلَقَهُ وَأَتْعَبَهُ بِكَثْرَةِ تَرَدُّدِهِ إلَيْهِ وَمَطْلِهِ إيَّاهُ، وَيُلَوِّي: يَمْطُلُ وَيُسَوِّفُ. وَصَحَّ أَيْضًا. «لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يُعْطَى الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِقِصَّةٍ، وَهِيَ:«أَنَّ أَعْرَابِيًّا كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ فَتَقَاضَاهُ إيَّاهُ وَاشْتَدَّ حَتَّى قَالَ أُحَرِّجُ عَلَيْك إلَّا قَضَيْتَنِي فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا وَيْحَك تَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ؟ قَالَ إنِّي أَطْلُبُ حَقِّي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ؟ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى خَوْلَةَ فَقَالَ لَهَا إنْ كَانَ عِنْدَك تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرٌ فَنَقْضِيَك، فَقَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْرَضَتْهُ، فَقَضَى الْأَعْرَابِيَّ وَأَطْعَمَهُ فَقَالَ أَوْفَيْتَ أَوْفَى اللَّهُ لَك فَقَالَ أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ إنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ» . تَنْبِيهٌ: عُدَّ هَذَا كَبِيرَةً لَمْ أَرَهُ لَكِنَّهُ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ، إذْ الظُّلْمُ وَحِلُّ الْعِرْضِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ أَكْبَرِ الْوَعِيدِ، بَلْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَزَعَمُوا فِيهِ الِاتِّفَاقَ بِأَنَّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ لَهُ بِهِ، لِلْحَاكِمِ أَنْ يُشَدِّدَ عَلَيْهِ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَنْخُسَهُ بِحَدِيدَةٍ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ يَمُوتَ كَمَا قِيلَ بِنَظَرِهِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهٍ. قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: إنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى مَا هُنَا، فَهُوَ قِيَاسُ ضَعِيفٍ عَلَى ضَعِيفٍ لِأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يَكُونُ عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ