الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ» .
وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: «مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ: «إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ» .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَهْلُ التَّكَبُّرِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ التَّكَبُّرِ فِي الْآخِرَةِ» .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ» .
وَمَالِكٌ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِي وَالْمُتَجَالِسِينَ فِي، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِي، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِي» .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» .
[الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ وَالْخُيَلَاءُ]
(الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ: الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ وَالْخُيَلَاءُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146]{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15]{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35]{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: 23]{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] أَيْ صَاغِرِينَ.
وَالْآيَاتُ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ كَثِيرَةٌ.
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ» : أَيْ مُمَشِّطٌ رَأْسَهُ «مُخْتَالٌ فِي مِشْيَتِهِ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَجُرُّ إزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ
فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَالْخُيَلَاءُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ كَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الْيَاءِ مَمْدُودًا هُوَ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ، وَيَتَجَلْجَلُ بِجِيمَيْنِ: أَيْ يَغُوصُ وَيَنْزِلُ فِيهَا.
وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَ فِي بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ مُخْتَالًا فِيهِمَا، أَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَصَحَّ أَيْضًا «أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ فَتَبَخْتَرَ وَاخْتَالَ فِيهَا فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَمُسْلِمٌ: «إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ يَجُرُّ إزَارَهُ بَطَرًا، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قِيلَ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ» : أَيْ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ، رَدُّهُ وَدَفْعُهُ، «وَغَمْطُ النَّاسِ» : أَيْ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَبِالْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ وَكَذَا غَمْصُهُمْ بِالْمُهْمَلَةِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فَقَالَ:«وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ» . وَقَدْ احْتَجَّا: أَيْ الشَّيْخَانِ: بِرُوَاتِهِ.
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «إنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثِيَابَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَالتِّرْمِذِيُّ: «خَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي حُلَّةٍ لَهُ يَخْتَالُ فِيهَا، فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» .
وَالتِّرْمِذِيُّ: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَكَبَّرُ وَيَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ» . وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَان يُسَاقُونَ إلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ» ، وَبُولَسُ بِمُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ فَوَاوٍ سَاكِنَةٍ فَلَامٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُهْمَلَةٍ، وَالْخَبَالُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ فَالْمُوَحَّدَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَرًّا فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الصَّغَارِ ثُمَّ يُسَاقُونَ إلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ عُصَارَةَ أَهْلِ النَّارِ» . وَفِي أُخْرَى: «يُحْشَرُ الْجَبَّارُونَ، وَالْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُوَرِ الذَّرِّ تَطَؤُهُمْ النَّاسُ لِهَوَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ» .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، فَمَنْ نَازَعَنِي فِي رِدَائِي قَصَمْتُهُ» .
وَمَيْمُونَةُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعِزُّ إزَارِي، مَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ» .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: الْعِزُّ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، فَمَنْ نَازَعَنِي فِيهِمَا عَذَّبْتُهُ» .
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْته فِي جَهَنَّمَ» .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَعَاظَمُ فِي نَفْسِهِ وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «إيَّاكُمْ وَالْكِبْرَ، فَإِنَّ الْكِبْرَ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ، وَإِنَّ عَلَيْهِ الْعَبَاءَةَ» .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ» : أَيْ بِضَمَّتَيْنِ فَشَدَّةٍ: الْغَلِيظُ الْجَافِي، «جَوَّاظٍ» : أَيْ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ الْجَمُوعُ الْمَنُوعُ، وَقِيلَ: الضَّخْمُ الْمُخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، وَقِيلَ: الْقَصِيرُ
الْبَطِينُ «جَعْظَرِيٍّ مُسْتَكْبِرٍ» . وَالشَّيْخَانِ، «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» . وَأَبُو دَاوُد:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْجَوَّاظُ وَلَا الْجَعْظَرِيُّ» .
قَالَ: وَالْجَوَّاظُ الْغَلِيظُ الْفَظُّ.
وَالطَّبَرَانِيُّ: «إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ ابْنَ سَبْعِينَ فِي أَهْلِهِ ابْنَ عِشْرِينَ فِي مِشْيَتِهِ وَمَنْظَرِهِ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ: «إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْبَذِخِينَ الْفَرِحِينَ الْمَرِحِينَ» .
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ لَالٍ وَعَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ عَدِيٍّ: «اجْتَنِبُوا الْكِبْرَ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَزَالُ يَتَكَبَّرُ حَتَّى يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى: اُكْتُبُوا عَبْدِي هَذَا فِي الْجَبَّارِينَ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ: أَيْ يَرْتَفِعُ وَيَتَكَبَّرُ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ» .
وَصَحَّ: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَخَشِيتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ الْعُجْبَ» .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ: «الْكِبْرُ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَغَمَطَ النَّاسَ» .
وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ: «بَرَاءَةٌ مِنْ الْكِبْرِ لُبْسُ الصُّوفِ وَمُجَالَسَةُ فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَرُكُوبُ الْحِمَارِ وَاعْتِقَالُ الْعَنْزِ» .
وَالْبَيْهَقِيُّ: «مَنْ حَمَلَ سِلْعَتَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْكِبْرِ» .
وَأَحْمَدُ: «الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ» .
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ» أَيْ فَقِيرٌ «مُسْتَكْبِرٌ» .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمْ اللَّهُ: الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ» .
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ: «عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ: أَمِيرٌ
مُسَلَّطٌ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِيهِ، وَفَقِيرٌ فَخُورٌ» .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْإِمَامُ الْكَذَّابُ، وَالْعَائِلُ الْمَزْهُوُّ» : أَيْ الْمُعْجَبُ بِنَفْسِهِ الْمُتَكَبِّرُ.
وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِسْكِينٌ مُتَكَبِّرٌ، وَلَا شَيْخٌ زَانٍ، وَلَا مَنَّانٌ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِهِ» .
وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ: «مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ وَاخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ابْنَ عِشْرِينَ إذَا كَانَ شَبَهَ ابْنِ ثَمَانِينَ» : أَيْ فِي التَّضَعُّفِ وَالتَّوَاضُعِ، «وَيُبْغِضُ ابْنَ السِّتِّينَ إذَا كَانَ شَبَهَ ابْنِ عِشْرِينَ» .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا» .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَابْنُ لَالٍ: «الْجَبَرُوتُ فِي الْقَلْبِ» . وَالْبَيْهَقِيُّ: «إنَّ النَّاسَ لَا يَرْفَعُونَ شَيْئًا إلَّا وَضَعَهُ اللَّهُ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ: «إنَّ الْعُجْبَ يُحْبِطُ عَمَلَ سَبْعِينَ سَنَةً» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَوْ كَانَ الْعُجْبُ رَجُلًا لَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ» .
وَالْبَيْهَقِيُّ: «لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ الْعُجْبُ» .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ:«الْتَقَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى الْمَرْوَةِ فَتَحَدَّثَا ثُمَّ مَضَى ابْنُ عَمْرٍو وَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ يَبْكِي. قَالُوا: وَمَا يُبْكِيك يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: هَذَا، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ أَكَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا، إنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ» - أَيْ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ: دُوَيْبَّةٌ أَرْضِيَّةٌ، «- الَّذِي يُدَهْدِهُ» -: أَيْ يُدَحْرِجُ وَزْنًا وَمَعْنًى «- الْخَرْأَةَ بِأَنْفِهِ. إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، إنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ» .
وَعُبِّيَّةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ كَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ هِيَ الْكِبْرُ وَالْفَخْرُ وَالنَّخْوَةُ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا يَوْمًا لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ: اُخْرُجُوا فَخَرَجُوا فِي مِائَتَيْ أَلْفٍ مِنْ الْإِنْسِ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ مِنْ الْجِنِّ، فَرُفِعَ حَتَّى سَمِعَ زَجَلَ الْمَلَائِكَةِ بِالتَّسْبِيحِ فِي السَّمَوَاتِ، ثُمَّ خُفِضَ حَتَّى مَسَّتْ قَدَمَاهُ الْبَحْرَ فَسَمِعَ صَوْتًا: لَوْ كَانَ فِي قَلْبِ صَاحِبِكُمْ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ لَخَسَفْتُ بِهِ أَبْعَدَ مِمَّا رَفَعْتُهُ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ يَجُرُّ إزَارَهُ بَطَرًا» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: دَخَلْت عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَمَرَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ جَدِيدٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ ارْفَعْ إزَارَك فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَرْفُوعِ دُونَ ذِكْرِ مُرُورِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: إنَّ الْمَارَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ غَيْرُ مُسَمًّى.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ: «إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَزَقَ يَوْمًا عَلَى كَفِّهِ وَوَضَعَ أُصْبُعَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَتُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُك مِنْ مِثْلِ هَذِهِ؟ حَتَّى إذَا سَوَّيْتُك وَعَدَلْتُك مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ، وَلِلْأَرْضِ مِنْك وَئِيدٌ، جَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ قُلْتَ أَتَصَدَّقُ وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ» .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ عَقْرَبٌ لَهُ أُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَعَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ: وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ، وَبِالْمَصُورِينَ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتْ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: مَالِي لَا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَأَسْقَاطُهُمْ وَعَجَزَتُهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لِلْجَنَّةِ: إنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِك مَنْ أَشَاءُ مِنْ
عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِك مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «احْتَجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتْ النَّارُ: فِي الْجَبَّارُونَ، وَالْمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: فِي ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينُهُمْ، فَقَضَى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا؛ إنَّك الْجَنَّةُ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِك مَنْ أَشَاءُ، وَإِنَّك النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِك مَنْ أَشَاءُ وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا» .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ بَخِلَ وَاخْتَالَ وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى وَنَسِيَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشَّهَوَاتِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمٍ الْغَطَفَانِيِّ أَخَصْرَ مِنْهُ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَا وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ سُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، وَالْمُطَيْطَا بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ مُصَغَّرًا وَلَمْ يُسْمَعْ مُكَبَّرًا مَمْدُودًا وَيُقْصَرُ: هُوَ التَّبَخْتُرُ وَمَدُّ الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْيِ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوْ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَالْحَاكِمُ بِزِيَادَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّ نُوحًا صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا ابْنَيْهِ وَقَالَ: إنِّي آمُرُكُمَا بِاثْنَتَيْنِ وَأَنْهَاكُمَا عَنْ اثْنَتَيْنِ أَنْهَاكُمَا عَنْ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ، وَآمُرُكُمَا بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوُضِعَتْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى كَانَتْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَرْجَحَ مِنْهَا، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا حَلْقَةً فَوُضِعَتْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَلَيْهِمَا لَقَصَمَتْهُمَا، وَآمُرُكُمَا بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَا يُرْزَقُ كُلُّ شَيْءٍ» .
وَقَالَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ
عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ: طُوبَى لِمَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ كِتَابَهُ ثُمَّ لَمْ يَمُتْ جَبَّارًا.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ فِي السُّوقِ، وَعَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ فَقِيلَ لَهُ: مَا يَحْمِلُك عَلَى هَذَا وَقَدْ أَغْنَاك اللَّهُ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَدْفَعَ الْكِبْرَ عَنْ نَفْسِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ مِنْ كِبْرٍ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالْأَصْبَهَانِيّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ:«مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» .
وَعَنْ كُرَيْبٍ قَالَ: كُنْت أَقُودُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي زُقَاقِ أَبِي لَهَبٍ فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ بَلَغْنَا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا؟ قُلْت: أَنْتَ عِنْدَهُ الْآنَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ وَيَنْظُرُ إلَى عِطْفَيْهِ فَأَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَهْلُ النَّارِ كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ الضُّعَفَاءُ الْمَغْلُوبُونَ» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ: «يَا سُرَاقَةُ أَلَا أُخْبِرُك بِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَالضُّعَفَاءُ الْمَغْلُوبُونَ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ رُوَاتُهَا رُوَاةُ الصَّحِيحِ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ اللَّهِ؟ الْفَظُّ الْمُسْتَكْبِرُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ؟ الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ ذُو الطِّمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُسْتَضْعَفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ» : أَيْ الْمُتَوَسِّعُونَ فِي الْكَلَامِ «الْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَأَحْمَدُ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ:
وَالثَّرْثَارُ - بِمُثَلَّثَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَتَكْرِيرِ الرَّاءِ - كَثِيرُ الْكَلَامِ تَكَلُّفًا، وَالْمُتَشَدِّقُ الْمُتَكَلِّمُ بِمِلْءِ شِدْقِهِ تَفَاصُحًا وَتَعَاظُمًا وَاسْتِعْلَاءً عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْمُتَفَيْهِقِ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ فَقُلْت لَهُ: يَا بِلَالُ إنَّ أَبَاك حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: هَبْهَبُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْكُنَهُ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، فَإِيَّاكَ يَا بِلَالُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْكُنُهُ» ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
وَهَبْهَبُ بِفَتْحِ الْهَاءَيْنِ وَبِمُوَحَّدَتَيْنِ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُوَرِ الذَّرِّ» ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ فِي النَّارِ تَوَابِيتَ يُجْعَلُ فِيهَا الْمُتَكَبِّرُونَ فَتُغْلَقُ عَلَيْهِمْ» .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَارَقَتْ رُوحُهُ جَسَدَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: الْكِبْرِ وَالدَّيْنِ وَالْغُلُولِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» . وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: الْكَنْزِ، بِالنُّونِ وَالزَّايِ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: لَا تُحَقِّرَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ حَقِيرَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ اللَّهِ كَبِيرٌ.
وَقَالَ وَهْبٌ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى جَنَّةَ عَدْنٍ نَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُتَكَبِّرٍ.
وَقَالَ الْأَحْنَفُ: عَجَبًا لِابْنِ آدَمَ يَتَكَبَّرُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْعَجَبُ لِابْنِ آدَمَ يَغْسِلُ الْخِرَاءَ بِيَدِهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُعَارِضُ جَبَّارَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
وَسُئِلَ سُلَيْمَانُ عَنْ السَّيِّئَةِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ مَعَهَا حَسَنَةٌ؟ فَقَالَ: الْكِبْرُ.
وَنَظَرَ الْحَسَنُ إلَى أَمِيرٍ يَمْشِي مُتَبَخْتِرًا فَقَالَ: أُفٍّ أُفٍّ لِشَامِخٍ بِأَنْفِهِ ثَانٍ عِطْفَهُ مُصَعِّرٍ خَدَّهُ يَنْظُرُ فِي عِطْفَيْهِ: أَيْ حُمَيْقٍ أَيْنَ تَنْظُرُ فِي عِطْفَيْك؟ فِي نِعَمٍ غَيْرِ مَشْكُورَةٍ وَلَا مَذْكُورَةٍ، غَيْرِ الْمَأْخُوذِ بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهَا وَلَا الْمُؤَدَّى حَقُّ اللَّهِ مِنْهَا، فَسَمِعَ فَجَاءَهُ مُعْتَذِرًا فَقَالَ: لَا تَعْتَذِرْ إلَيَّ وَتُبْ إلَى رَبِّك، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:{وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} [الإسراء: 37] وَاخْتَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مِشْيَتِهِ قَبْلَ الْخِلَافَةِ، فَغَمَزَ طَاوُسٌ جَنْبَهُ بِأُصْبُعِهِ وَقَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ مِشْيَةَ مَنْ فِي بَطْنِهِ خَيْرٌ، فَقَالَ كَالْمُعْتَذِرِ: يَا عَمِّ لَقَدْ ضُرِبَ
كُلُّ عُضْوٍ مِنِّي عَلَى هَذِهِ الْمِشْيَةِ حَتَّى تَعَلَّمْتُهَا.
وَرَأَى مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ وَلَدَهُ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَتَدْرِي مَا أَنْتَ؟ أَمَّا أُمُّك فَاشْتَرَيْتُهَا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَأَمَّا أَبُوك فَلَا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ مِثْلَهُ.
وَرَأَى مُطَرِّفٌ الْمُهَلَّبَ يَتَبَخْتَرُ فِي جُبَّةِ خَزٍّ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إنَّ هَذِهِ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ لَهُ الْمُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: بَلَى أَعْرِفُك، أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ الْعَذِرَةَ، فَتَرَكَ الْمُهَلَّبُ مِشْيَتَهُ تِلْكَ.
تَنْبِيهَاتٌ: مِنْهَا: عَدُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ، الْكِبْرُ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَالْعُجْبُ وَالتِّيهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ اللِّبَاسِ بَسْطٌ فِيهِ، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِبَعْضِ مَا مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» ، وَحَدِيثِ الْخَسْفِ بِالْمُتَبَخْتِرِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ فِي قَوْلِهِ تبارك وتعالى:{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} [النور: 31] إنْ فَعَلَتْهُ تَبَرُّجًا وَتَعَرُّضًا لِلرِّجَالِ حَرُمَ، وَكَذَا مَنْ ضَرَبَ بِنَعْلِهِ مِنْ الرِّجَالِ عُجْبًا حَرُمَ لِأَنَّ الْعُجْبَ كَبِيرَةٌ.
وَمِنْهَا: الْكِبْرُ إمَّا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ. كَتَكَبُّرِ فِرْعَوْنَ وَنُمْرُودَ حَيْثُ اسْتَنْكَفَا أَنْ يَكُونَا عَبْدَيْنِ لَهُ تَعَالَى وَادَّعَيَا الرُّبُوبِيَّةَ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] أَيْ صَاغِرِينَ.
{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ} [النساء: 172] الْآيَةَ، وَإِمَّا عَلَى رَسُولِهِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الِانْقِيَادِ لَهُ تَكَبُّرًا جَهْلًا وَعِنَادًا كَمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ كُفَّارِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ، وَإِمَّا عَلَى الْعِبَادِ بِأَنْ يَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَحْتَقِرَ غَيْرَهُ وَيَزْدَرِيَهُ فَيَأْبَى عَلَى الِانْقِيَادِ لَهُ أَوْ يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ وَيَأْنَفَ مِنْ مُسَاوَاتِهِ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ عَظِيمٌ إثْمُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَظَمَةَ إنَّمَا يَلِيقَانِ بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ الْقَوِيِّ الْمَتِينِ دُونَ الْعَبْدِ الْعَاجِزِ الضَّعِيفِ، فَتَكَبُّرُهُ فِيهِ مُنَازَعَةٌ لِلَّهِ فِي صِفَةٍ لَا تَلِيقُ إلَّا بِجَلَالِهِ، فَهُوَ كَعَبْدٍ أَخَذَ تَاجَ مَلِكٍ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَا أَعْظَمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَقْتِ وَأَقْرَبَ اسْتِعْجَالَهُ لِلْخِزْيِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى كَمَا مَرَّ فِي أَحَادِيثَ: إنَّ مَنْ نَازَعَهُ الْعَظَمَةَ وَالْكِبْرِيَاءَ أَهْلَكَهُ، أَيْ لِأَنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ تَعَالَى، فَالْمُنَازِعُ فِيهِمَا مُنَازِعٌ فِي بَعْضِ صِفَاتِهِ تَعَالَى؛ وَأَيْضًا فَالتَّكَبُّرُ عَلَى عِبَادِهِ لَا يَلِيقُ إلَّا بِهِ تبارك وتعالى، فَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ إذْ مَنْ اسْتَذَلَّ خَوَاصَّ غِلْمَانِ الْمَلِكِ مُنَازِعٌ لَهُ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قُبْحَ مَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَمِنْ لَازِمِ هَذَا الْكِبْرِ بِنَوْعَيْهِ مُخَالَفَةُ أَوَامِرِ الْحَقِّ، لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ - وَمِنْهُ الْمُتَجَادِلُونَ فِي
مَسَائِلِ الدِّينِ بِالْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ - تَأْبَى نَفْسُهُ مِنْ قَبُولِ مَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اتَّضَحَ سَبِيلُهُ، بَلْ يَدْعُوهُ كِبْرُهُ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَزْيِيفِهِ وَإِظْهَارِ إبْطَالِهِ، فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 206] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَفَى بِالرَّجُلِ إثْمًا إذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَنْ يَقُولَ: عَلَيْك بِنَفْسِك.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ: «كُلْ بِيَمِينِك، فَقَالَ مُتَكَبِّرًا: لَا أَسْتَطِيعُ فَشُلَّتْ يَدُهُ فَلَمْ يَرْفَعْهَا بَعْدُ» .
فَإِذَنْ التَّكَبُّرُ عَلَى الْخَلْقِ يَدْعُو إلَى التَّكَبُّرِ عَلَى الْخَالِقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ إبْلِيسَ لَمَّا تَكَبَّرَ عَلَى آدَمَ وَحَسَدَهُ بِقَوْلِهِ:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] جَرَّهُ ذَلِكَ إلَى التَّكَبُّرِ عَلَى اللَّهِ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ فَهَلَكَ هَلَاكًا مُؤَبَّدًا، وَمِنْ ثَمَّ جُعِلَ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَلَامَةِ الْكِبْرِ بَطَرُ الْحَقِّ أَيْ رَدُّهُ، وَغَمْطُ النَّاسِ: أَيْ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ؛ ثُمَّ الْحَامِلُ عَلَى التَّكَبُّرِ هُوَ اعْتِقَادُ كَمَالِ تَمَيُّزِهِ عَلَى الْغَيْرِ بِعِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ مَالٍ أَوْ جَمَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ كَثْرَةِ أَتْبَاعٍ، فَالتَّكَبُّرُ أَسْرَعُ إلَى الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُمْنَحُوا نُورَ التَّوْفِيقِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَرَى غَيْرَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْبَهِيمَةِ فَيُقَصِّرُ فِي حُقُوقِهِ الَّتِي طَلَبَهَا الشَّارِعُ مِنْهُ كَالسَّلَامِ وَالْعِيَادَةِ وَالْبِشْرِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ لَا يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهِ لِمَحَبَّتِهِ التَّرَفُّعَ عَلَيْهِ، وَفَاعِلُ ذَلِكَ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ لِأَنَّهُ جَهِلَ مِقْدَارَ نَفْسِهِ وَرَبِّهِ، وَخَطَرَ الْخَاتِمَةِ، وَعَكَسَ الْمَوْضُوعَ، إذْ مِنْ شَأْنِ الْعِلْمِ أَنْ يُوجِبَ مَزِيدَ الْخَوْفِ وَالتَّوَاضُعِ لِعِظَمِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَتَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَتِهِ، لَكِنْ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عِلْمَهُ إمَّا يَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ فِيهِ فَخَاضَ فِيهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ فَأَنْتَجَ لَهُ تِلْكَ الْقَبَائِحَ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ سِيمَا الصَّالِحِينَ يُسْرِعُ إلَيْهِمْ الْكِبْرُ، لَكِنَّ النَّاسَ يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهِمْ بِقَضَاءِ مَآرِبِهِمْ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إكْرَامِهِمْ فَيَرَوْنَ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ أَرْفَعُ وَأَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ النَّاسُ دُونَهُمْ لِعَدَمِ وُصُولِهِمْ إلَى صُوَرِ أَعْمَالِهِمْ، وَمَا دَرَوْا أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِسَلْبِهِمْ.
كَمَا وَقَعَ أَنَّ خَلِيعًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ جَلَسَ إلَى عَابِدٍ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَأَنِفَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ وَطَرَدَهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى نَبِيِّهِمْ أَنَّهُ غَفَرَ لِلْخَلِيعِ وَأَحْبَطَ عَمَلَ الْعَابِدِ.
فَالْجَاهِلُ الْعَامِّيُّ إذَا تَوَاضَعَ وَذُلَّ هَيْبَةً لِلَّهِ وَخَوْفًا مِنْهُ فَقَدْ أَطَاعَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ أَطْوَعُ مِنْ الْعَالِمِ الْمُتَكَبِّرِ وَالْعَابِدِ الْمُعْجَبِ.
وَقَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِ الْعِبَادِ إلَى أَنَّهُ إذَا أُوذِيَ يَتَوَعَّدُ مُؤْذِيَهُ وَيَقُولُ: سَتَرَوْنَ مَا يَحِلُّ بِهِ، وَإِذَا نُكِبَ مُؤْذِيهِ يَعُدُّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ لِعِظَمِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ وَاسْتِيلَاءِ الْجَهْلِ عَلَيْهِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ الْأَنْبِيَاءَ وَمَاتُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَاجَلُوا بِعِقَابٍ فِي الدُّنْيَا فَمَا مَرْتَبَةُ هَذَا الْجَاهِلِ؟ ، وَإِذَا اتَّضَحَ لَك كِبْرُ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي الظَّاهِرِ عَلَيْهِمَا مُعَوَّلُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا اتَّضَحَ لَك كِبْرُ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ وَالْجَاهِ وَغَيْرِهِمْ؛ فَالْمُتَكَبِّرُ بِالنَّسَبِ قَدْ يَرَى مَنْ لَيْسَ كَنَسَبِهِ مِثْلَ عَبْدِهِ، وَكَذَا بِالْجَمَالِ، وَأَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ النِّسَاءِ وَنَحْوِهِنَّ، وَكَذَا بِالْمَالِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّنْيَا مِنْ الْمَنَاصِبِ وَالْمَتَاجِرِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا بِالْأَتْبَاعِ وَالْجُنْدِ، وَأَكْثَرُ مَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُلُوكِ؛ وَمِمَّا يُهَيِّجُ الْكِبْرَ وَيُسَعِّرُ نَارَهُ الْعُجْبُ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَالرِّيَاءُ؛ إذْ التَّكَبُّرُ خُلُقٌ بَاطِنِيٌّ لِأَنَّهُ اسْتِعْظَامُ النَّفْسِ وَرُؤْيَةُ قَدْرِهَا فَوْقَ قَدْرِ الْغَيْرِ، وَمُوجِبُهُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الْعُجْبُ، وَحَدُّهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي مَعْنَاهُ: مَنْ أُعْجِبَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ أَوْ عَمَلِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ اسْتَعْظَمَ نَفْسَهُ وَتَكَبَّرَ وَتَمَرَّدَ وَتَجَبَّرَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْعُجْبِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِلتَّكَبُّرِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ بَاعِثَهُ عَلَى التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ هُوَ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَعَلَى غَيْرِهِ هُوَ الرِّيَاءُ.
وَمِنْهَا: يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أَرَادَ الْخَلَاصَ مِنْ وَرْطَةِ الْكِبْرِ وَثَمَرَتِهِ الْقَبِيحَةِ - إذْ هُوَ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ وَلَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِزَالَتُهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَهِيَ لَا تُمْكِنُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، بَلْ بِالْمُعَالَجَةِ بِاسْتِعْمَالِ أَدْوِيَتِهِ النَّافِعَةِ فِي إزَالَتِهِ مِنْ أَصْلِهِ - أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ بِأَنْ يَتَأَمَّلَ مَا أَشَارَ إلَى بِدَايَتِهِ مِنْ أَذَلِّ الْأَشْيَاءِ وَأَحْقَرِهَا وَأَقْذَرِهَا - وَهُوَ التُّرَابُ ثُمَّ الْمَنِيُّ -، وَوَسَطِهِ مِنْ التَّأَهُّلِ لِاكْتِسَابِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ وَحِيَازَةِ الْمَنَاصِبِ وَالْمَرَاتِبِ، وَنِهَايَتِهِ مِنْ الزَّوَالِ وَالْفَنَاءِ وَالْعَوْدِ إلَى مِثْلِ بِدَايَتِهِ ثُمَّ إعَادَتِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْأَكْبَرِ ثُمَّ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ إلَى النَّارِ، وَمِنْ أَظْهَرِ مَا أَشَارَ لِكُلِّ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]{مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [عبس: 18]{مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس: 19]{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس: 20]{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21]{ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22]{كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: 23]{فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24] إلَى آخِرِ السُّورَةِ. وقَوْله تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] الْآيَاتِ.
فَمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ وَنَظَائِرَهُ وَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ الْآيَاتُ عَلِمَ أَنَّهُ أَذَلُّ وَأَحْقَرُ مِنْ كُلِّ ذَلِيلٍ وَحَقِيرٍ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ إلَّا الذِّلَّةُ وَالتَّوَاضُعُ، وَأَنْ يَعْرِفَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا تَلِيقُ
الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إلَّا بِهِ - تَعَالَى -، بِخِلَافِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ الْفَرَحُ لَحْظَةً وَاحِدَةً، فَكَيْفَ الْبَطَرُ وَالْخُيَلَاءُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مَبْدَأُ أَمْرِهِ وَوَسَطُهُ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ آخِرُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ رُبَّمَا اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ بَهِيمَةً، وَلَوْ كَلْبًا سِيَّمَا إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَوْ رَأَى أَهْلُ الدُّنْيَا صُورَةً مِنْ صُوَرِ أَهْلِ النَّارِ لَصُعِقُوا مِنْ قُبْحِهَا وَمَاتُوا مِنْ نَتْنِهَا، فَمَنْ هَذَا عَاقِبَتُهُ - إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى شَكٍّ فِي الْعَفْوِ - كَيْفَ يَتَكَبَّرُ وَيَرَى نَفْسَهُ شَيْئًا، وَأَيُّ عَبْدٍ لَمْ يُذْنِبْ ذَنْبًا يَسْتَحِقُّ بِهِ عُقُوبَةَ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ الْكَرِيمُ بِفَضْلِهِ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ حَقِيقَةَ التَّأَمُّلِ زَالَ عَنْهُ النَّظَرُ إلَى عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَمَنْصِبِهِ وَجَاهِهِ وَمَالِهِ، وَفَرَّ إلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَوَاضَعَ لَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ أَحْقَرُ وَأَذَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، كَيْفَ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ شَقِيًّا؟
وَمِمَّا يُظْهِرُ التَّكَبُّرَ الْكَامِلَ فِي النَّفْسِ وَيُعْلِمُ بِهِ مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ أَنَّهَا مُتَنَزِّهَةٌ عَنْهُ أَنْ يُنَاظِرَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ بَعْضِ أَقْرَانِهِ وَيَظْهَرَ الْحَقُّ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ اطْمَأَنَّ لِقَبُولِهِ وَأَعْلَنَ بِشُكْرِهِ وَفَضْلِهِ وَأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَ كَذَلِكَ مَعَ كُلِّ مُنَاظِرٍ ظَهَرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ الْكِبْرِ، وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَامِنٌ فِيهِ فَعَلَيْهِ عِلَاجُهُ بِالتَّفَكُّرِ فِيمَا مَرَّ وَنَحْوِهِ إلَى أَنْ تَنْقَطِعَ عُرُوقُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَبِأَنْ يُقَدِّمَ أَقْرَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَجَالِسِ وَنَحْوِهَا لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُظَنُّ بِهِ فِيهِ أَنَّهُ أَظْهَرَ تَوَاضُعًا، كَأَنْ يَتْرُكَ صَفَّهُمْ وَيَجْلِسَ مُعَبِّسًا كَانَ ذَلِكَ عَيْنَ الْكِبْرِ، وَبِأَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ الْفَقِيرِ وَيُحَادِثَهُ وَيُجَالِسَهُ وَيَمُرَّ فِي الْأَسْوَاقِ لِحَاجَتِهِ وَحَاجَاتِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُنْقَطِعِينَ، وَبِأَنْ يَحْمِلَ حَاجَتَهُ وَحَاجَةَ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ بَرَاءَةٌ مِنْ الْكِبْرِ كَمَا فِي حَدِيثٍ، وَيَسْتَوِي ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي الْخَلَاءِ وَبِحَضْرَةِ الْمَلَأِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ أَوْ مُرَاءٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَعِلَلِهَا الْمُهْلِكَةِ لَهَا إنْ لَمْ يَتَدَارَكْ، وَقَدْ أَهْمَلَ النَّاسُ طِبَّهَا وَاشْتَغَلُوا بِطِبِّ الْأَجْسَادِ مَعَ أَنَّهُ لَا سَلَامَةَ فِي الْآخِرَةِ إلَّا بِسَلَامَتِهَا {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] أَيْ مِنْ الشِّرْكِ أَوْ مِمَّا سِوَى اللَّهِ.
وَمِنْهَا: مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ ذَمُّ الْعُجْبِ وَأَنَّهُ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25] .
وَبِقَوْلِهِ: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] فَقَدْ يُعْجَبُ الْإِنْسَانُ بِعَمَلِهِ وَهُوَ مُصِيبٌ فِيهِ أَوْ مُخْطِئٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْهَلَاكُ فِي اثْنَتَيْنِ، الْقُنُوطِ
وَالْعُجْبِ: أَيْ لِأَنَّ الْقَانِطَ آيِسٌ مِنْ نَفْعِ الْأَعْمَالِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ تَرْكُهَا، وَالْمُعْجَبُ يَرَى أَنَّهُ سَعِدَ وَظَفِرَ بِمُرَادِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِعَمَلٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى:{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] وَمِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ اعْتِقَادُ أَنَّهَا بَارَّةٌ وَهُوَ مَعْنَى الْعُجْبِ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ: لَأَنْ أَبِيتَ نَائِمًا وَأُصْبِحَ نَادِمًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قَائِمًا وَأُصْبِحَ مُعْجَبًا.
وَلَقَدْ أَطَالَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ الصَّلَاةَ فَقَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ لِمَنْ أَدْرَكَ أَنَّهُ فَطِنَ لَهُ: لَا يُعْجِبُك مَا رَأَيْتَ مِنِّي فَإِنَّ إبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ صَارَ إلَى مَا صَارَ إلَيْهِ.
وَمِنْهَا: لِلْعُجْبِ آفَاتٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا تَوَلُّدُ الْكِبْرِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فَتَكُونُ آفَاتُ الْكِبْرِ آفَاتِ الْعُجْبِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، هَذَا مَعَ الْعِبَادِ؛ وَأَمَّا مَعَ اللَّهِ فَهُوَ يُنْسِي الذُّنُوبَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا فَلَا يَتَدَارَكُ وَرَطَاتِهَا وَلَا يَتَنَصَّلُ مِنْ مَذَامِّهَا، وَيُورِثُ اسْتِعْظَامَ عِبَادَتِهِ، وَيَمْتَنُّ عَلَى اللَّهِ بِفِعْلِهَا فَيَعْمَى عَنْ تَفَقُّدِ آفَاتِهَا فَيَضِيعُ كُلُّ سَعْيِهِ أَوْ أَكْثَرُهُ، إذْ الْعَمَلُ مَا لَمْ يَتَنَقَّ مِنْ الشَّوَائِبِ لَا يَنْفَعُ وَإِنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى تَنْقِيَتِهِ مِنْهَا الْخَوْفُ، وَالْمُعْجَبُ غَرَّتْهُ نَفْسُهُ بِرَبِّهِ فَأَمِنَ مَكْرَهُ وَعِقَابَهُ وَعَدَّ أَنَّ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقًّا بِعَمَلِهِ فَزَكَّى نَفْسَهُ وَأُعْجِبَ بِرَأْيِهِ وَعَقْلِهِ وَعِلْمِهِ، حَتَّى اسْتَبَدَّ بِذَلِكَ وَلَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ أَنْ يَرْجِعَ لِغَيْرِهِ فِي عِلْمٍ وَلَا عَمَلٍ فَلَا يَسْمَعُ نُصْحًا وَلَا وَعْظًا لِنَظَرِهِ إلَى غَيْرِهِ بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ؛ فَعَلِمَ أَنَّ الْعُجْبَ إنَّمَا يَكُونُ بِوَصْفٍ هُوَ كَمَالٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، لَكِنَّهُ مَا دَامَ خَائِفًا مِنْ سَلْبِهِ مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْجَبٍ بِهِ وَكَذَا لَوْ فَرِحَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا فَرِحَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَمَالٌ مُتَّصِفٌ بِهِ مَعَ قَطْعِ نَظَرِهِ عَنْ نِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْعُجْبُ فَهُوَ اسْتِعْظَامُ النِّعْمَةِ وَالرُّكُونُ إلَيْهَا مَعَ نِسْيَانِ إضَافَتِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ ضَمَّ لِذَلِكَ تَوَقُّعَهُ جَزَاءً عَلَيْهَا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ حَقًّا وَأَنَّهُ مِنْهُ بِمَكَانٍ سُمِّيَ مُدِلًّا، فَالْإِدْلَالُ أَخَصُّ مِنْ الْعُجْبِ.
وَمِنْهَا: قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ. وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الْكِبْرَ إمَّا بَاطِنٌ وَهُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ وَاسْمُ الْكِبْرِ بِهَذَا أَحَقُّ، وَإِمَّا ظَاهِرٌ وَهُوَ أَعْمَالٌ تَصْدُرُ مِنْ الْجَوَارِحِ وَهِيَ ثَمَرَاتُ ذَلِكَ الْخُلُقِ وَعِنْدَ ظُهُورِهَا يُقَالُ لَهُ تَكَبَّرَ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا يُقَالُ فِي نَفْسِهِ كِبْرٌ، فَالْأَصْلُ هُوَ خُلُقُ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِرْوَاحُ وَالرُّكُونُ إلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ فَهُوَ يَسْتَدْعِي مُتَكَبَّرًا عَلَيْهِ وَمُتَكَبَّرًا بِهِ، وَبِهِ فَارَقَ الْعُجْبَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي غَيْرَ الْمُعْجَبِ بِهِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ انْفِرَادُهُ دَائِمًا أَمْكَنَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ الْعُجْبُ دُونَ الْكِبْرِ، وَمُجَرَّدُ