الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» . وَابْنُ نَصْرٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ» . وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ» . وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ» . وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: سَمِعْت إِسْحَاقَ يَقُولُ: " صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ» .
وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ. وَقَالَ أَيُّوبُ: تَرْكُ الصَّلَاةِ كُفْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ.
[الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ]
(الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ: تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بِهِ) قَالَ - تَعَالَى -: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]{إِلا مَنْ تَابَ} [مريم: 60] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ مَعْنَى أَضَاعُوهَا: تَرَكُوهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَكِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إمَامُ التَّابِعِينَ: هُوَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى تَأْتِيَ الْعَصْرُ وَلَا يُصَلِّيَ الْعَصْرَ إلَى الْمَغْرِبِ وَلَا يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ إلَى الْعِشَاءِ وَلَا يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ إلَى الْفَجْرِ وَلَا يُصَلِّيَ الْفَجْرَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يَتُبْ أَوْعَدَهُ اللَّهُ بِغَيٍّ وَهُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، بَعِيدٌ قَعْرُهُ شَدِيدٌ عِقَابُهُ. وَقَالَ - تَعَالَى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9] .
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِذِكْرِ اللَّهِ هُنَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَمَنْ اشْتَغَلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا بِمَالِهِ كَبَيْعِهِ أَوْ صَنْعَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ كَانَ مِنْ الْخَاسِرِينَ، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ
وَإِنْ نَقَصَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» . وَقَالَ - تَعَالَى -: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: 4]{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] قَالَ صلى الله عليه وسلم: «هُمْ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا» . وَقَالَ - تَعَالَى -: «إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا» .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ: مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ» . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَإِنَّمَا حُشِرَ مَعَ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ عَنْ الصَّلَاةِ بِمَالِهِ أَشْبَهَ قَارُونَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ، أَوْ بِمُلْكِهِ أَشْبَهَ فِرْعَوْنَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ، أَوْ بِوَزَارَتِهِ أَشْبَهَ هَامَانَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ، أَوْ بِتِجَارَتِهِ أَشْبَهَ أُبَيَّ بْنِ خَلَفٍ تَاجِرَ كُفَّارِ مَكَّةَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ.
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ «سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] قَالَ هُمْ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا» .
وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] أَيُّنَا لَا يَسْهُو أَيُّنَا لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ، قَالَ لَيْسَ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ إضَاعَةُ الْوَقْتِ. وَالْوَيْلُ: شِدَّةُ الْعَذَابِ، وَقِيلَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ لَوْ سُيِّرَ فِيهِ جِبَالُ الدُّنْيَا لَذَابَتْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ، فَهُوَ مَسْكَنٌ لِمَنْ يَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ وَيُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا إلَّا أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَيَنْدَمَ عَلَى مَا فَرَّطَ.
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» .
وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِهِ:«مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» .
وَالشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» . زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُهُ ذَهَابُ الْوَقْتِ. وَالنَّسَائِيُّ: «مِنْ الصَّلَاةِ صَلَاةُ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» .
يَعْنِي الْعَصْرَ. وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ: «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ - يَعْنِي الْعَصْرَ - عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» أَيْ النَّجْمُ.
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» . وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى تَفُوتَهُ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» . وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا: «مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» .
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ: «لَأَنْ يُوتَرَ أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ وَمَالَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» . وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: «مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا أُوتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» .
وَالْبُخَارِيُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ: إنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا انْبَعَثَا بِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْت مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ - أَيْ فَيَتَدَحْرَجُ - فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، قَالَ: قُلْت لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ أَيْ يَشُقُّ شِدْقَهُ إلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرَهُ إلَى قَفَاهُ وَعَيْنَاهُ إلَى قَفَاهُ - قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: فَيَشُقُّ - قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ، قَالَ فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، قَالَ: قُلْت: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسَبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ: فَاطَّلَعْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ. فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا - أَيْ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوَيْنِ صِيَاحٌ مَعَ انْضِمَامٍ
وَفَزَعٍ -، قَالَ قُلْت: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ وَإِذَا فِي النَّهْرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ فَيَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إلَيْهِ فَغَرَ - أَيْ بِفَاءٍ فَمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ فَتَحَ - فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، قُلْت لَهُمَا مَا هَذَا؟ قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمِرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْئِيًّا وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا - أَيْ بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُعْجَمَةٍ يُوقِدُهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا -، قَالَ: قُلْت لَهُمَا مَا هَذَا؟ قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ - أَيْ طَوِيلَةِ النَّبَاتِ مِنْ اعْتَمَّ إذَا طَالَ - فِيهَا مِنْ كُلِّ نُورِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانِي الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طُوَالٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ. وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ، قَالَ: قُلْت مَا هَذَا مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى دَوْحَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ دَوْحَةً قَطُّ أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا قَالَا لِي: ارْقَ فِيهَا فَارْتَقَيْنَا فِيهَا إلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهَبٍ وَلَبِنٍ فِضَّةٍ فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ، شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَا لَهُمْ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ. قَالَ: وَإِذَا النَّهْرُ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ - أَيْ الْخَالِصُ - فِي الْبَيَاضِ فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَا مَنْزِلُك، قَالَ: فَسَمَا - أَيْ ارْتَفَعَ بَصَرِي - صُعُدًا بِضَمَّتَيْنِ إلَى فَوْقُ فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ - أَيْ السَّحَابَةِ - الْبَيْضَاءِ قَالَ: قَالَا لِي هَذَا مَنْزِلُك قَالَ: قُلْت لَهُمَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا فَذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ قَالَا: أَمَّا الْآنَ فَلَا وَأَنْتَ دَاخِلَهُ، قَالَ: قُلْت لَهُمَا فَإِنِّي رَأَيْت مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْت؟ قَالَا لِي إنَّا سَنُخْبِرُك: أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْت عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْت عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إلَى قَفَاهُ وَعَيْنَاهُ إلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ. وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ هُمْ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي. وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْت عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهْرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرُ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا. وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمِرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ الطُّوَالُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إبْرَاهِيمُ. وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوْلَادُ
الْمُشْرِكِينَ. وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ» . وَفِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ قَالَ: «ثُمَّ أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ وَلَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، قَالَ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَثَاقَلَتْ رُءُوسُهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ» .
وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ وَابْنُ النَّجَّارِ: «عِلْمُ الْإِسْلَامِ الصَّلَاةُ فَمَنْ فَرَغَ لَهَا قَلْبُهُ وَحَافَظَ عَلَيْهَا بِحَدِّهَا وَوَقْتِهَا وَسُنَنِهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ» .
وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ: «مَنْ عَلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ وَأَدَّاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ الصَّلَاةُ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، وَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ قَالَ الرَّبُّ: اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ» . وَالنَّسَائِيُّ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ» . وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ لِمَلَائِكَتِهِ اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَيُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ، ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ» . وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ قَانِعٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا، قَالَ اللَّهُ عز وجل لِلْمَلَائِكَةِ: اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَتُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ ثُمَّ
تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُنْظَرُ فِي صَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» . وَابْنُ عَسَاكِرَ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ صَلُحَ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ ثُمَّ يَقُولُ: اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي نَافِلَةٌ؟ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَتَمَّ بِهَا الْفَرِيضَةَ، ثُمَّ الْفَرَائِضُ كَذَلِكَ لِعَائِدَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ» . وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلَاةُ، فَيَقُولُ رَبُّنَا عز وجل لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: اُنْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ تَامَّةً وَإِنْ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ» .
وَالطَّيَالِسِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تبارك وتعالى فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ إنِّي افْتَرَضْت عَلَى أُمَّتِك خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَمَنْ أَوْفَى بِهِنَّ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ كَانَ لَهُ بِهِنَّ عَهْدٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَنِي قَدْ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَيْسَ لَهُ عِنْدِي عَهْدٌ إنْ شِئْتُ عَذَّبْتُهُ وَإِنْ شِئْتُ رَحِمْتُهُ» .
وَالْبَيْهَقِيُّ: «لِلصَّلَاةِ مِيزَانٌ فَمَنْ أَوْفَى اسْتَوْفَى» .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا إذَا أَمَرْتُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ
أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ، وَالصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ» . وَلِذَلِكَ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رضي الله عنه قِيلَ: لَهُ الصَّلَاةُ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ نِعْمَةٌ، أَمَا إنَّهُ لَا حَظَّ لِأَحَدٍ فِي الْإِسْلَامِ أَضَاعَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى رضي الله عنه وَجُرْحُهُ يَجْرِي دَمُهُ.
وَرَوَى الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا صَلَّى الْعَبْدُ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ صَعِدَتْ إلَى السَّمَاءِ وَلَهَا نُورٌ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْعَرْشِ فَتَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَتَقُولُ لَهُ حَفِظَك اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي، وَإِذَا صَلَّى الْعَبْدُ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا صَعِدَتْ إلَى السَّمَاءِ وَعَلَيْهَا ظُلْمَةٌ، فَإِذَا انْتَهَتْ إلَى السَّمَاءِ تُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ وَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاتَهُمْ وَذَكَرَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى الصَّلَاةَ دِبَارًا» أَيْ بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ «مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَاةِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِخَمْسِ خِصَالٍ: يَرْفَعُ عَنْهُ ضِيقَ الْعَيْشِ، وَعَذَابَ الْقَبْرِ، وَيُعْطِيهِ اللَّهُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَمَنْ تَهَاوَنَ عَنْ الصَّلَاةِ عَاقَبَهُ اللَّهُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ عُقُوبَةً: خَمْسَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَثَلَاثَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَثَلَاثٌ فِي قَبْرِهِ، وَثَلَاثٌ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْقَبْرِ. فَأَمَّا اللَّوَاتِي فِي الدُّنْيَا: فَالْأُولَى تُنْزَعُ الْبَرَكَةُ مِنْ عُمْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ تُمْحَى سِيمَا الصَّالِحِينَ مِنْ وَجْهِهِ، وَالثَّالِثَةُ كُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لَا يَأْجُرُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَالرَّابِعَةُ لَا يُرْفَعُ لَهُ دُعَاءٌ إلَى السَّمَاءِ، وَالْخَامِسَةُ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ فِي دُعَاءِ الصَّالِحِينَ. وَأَمَّا الَّتِي تُصِيبُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ ذَلِيلًا، وَالثَّانِيَةُ يَمُوتُ جَائِعًا، وَالثَّالِثَةُ يَمُوتُ عَطْشَانًا وَلَوْ سُقِيَ بِحَارَ الدُّنْيَا مَا رُوِيَ مِنْ عَطَشِهِ. وَأَمَّا الَّتِي تُصِيبُهُ فِي قَبْرِهِ: فَالْأُولَى يَضِيقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ، وَالثَّانِيَةُ يُوقَدُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ نَارًا فَيَنْقَلِبُ عَلَى الْجَمْرِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالثَّالِثَةُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ ثُعْبَانٌ اسْمُهُ الشُّجَاعُ الْأَقْرَعُ، عَيْنَاهُ مِنْ نَارٍ وَأَظْفَارُهُ مِنْ حَدِيدٍ طُولُ كُلِّ ظُفْرٍ مَسِيرَةُ يَوْمٍ يُكَلِّمُ الْمَيِّتَ فَيَقُولُ: أَنَا الشُّجَاعُ الْأَقْرَعُ، وَصَوْتُهُ مِثْلُ الرَّعْدِ الْقَاصِفِ يَقُولُ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ
صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ، وَأَضْرِبَك عَلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ. فَكُلَّمَا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً يَغُوصُ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فَلَا يَزَالُ فِي الْقَبْرِ مُعَذَّبًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا الَّتِي تُصِيبُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْقَبْرِ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ فَشِدَّةُ الْحِسَابِ وَسَخَطُ الرَّبِّ وَدُخُولُ النَّارِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِهِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ مَكْتُوبَاتٍ. السَّطْرُ الْأَوَّلُ: يَا مُضَيِّعَ حَقِّ اللَّهِ، السَّطْرُ الثَّانِي: يَا مَخْصُوصًا بِغَضَبِ اللَّهِ، الثَّالِثُ كَمَا ضَيَّعْتَ فِي الدُّنْيَا حَقَّ اللَّهِ فَآيِسٌ الْيَوْمَ أَنْتَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» . وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ تَفْصِيلِ الْعَدَدِ لَا يُطَابِقُ جُمْلَةَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ لِأَنَّ الْمُفَصَّلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَقَطْ فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ نَسِيَ الْخَامِسَ عَشَرَ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: " إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُؤْتَى بِرَجُلٍ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عز وجل فَيَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ إلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ بِمَاذَا؟ فَيَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا وَحَلِفِك بِي كَاذِبًا ". قَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا: وَعَنْ «رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ قُولُوا: اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ فِينَا شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم أَتَدْرُونَ مَنْ الشَّقِيُّ الْمَحْرُومُ؟ قَالُوا وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تَارِكُ الصَّلَاةِ» . قَالَ أَيْضًا: وَيُرْوَى أَنَّهُ «أَوَّلُ مَا يَسْوَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وُجُوهُ تَارِكِي الصَّلَاةِ وَإِنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ لَمْلَمُ فِيهِ حَيَّاتٌ كُلُّ حَيَّةٍ بِثِخَنِ رَقَبَةِ الْبَعِيرِ، طُولُهَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ، تَلْسَعُ تَارِكَ الصَّلَاةِ فَيَغْلِي سُمُّهَا فِي جِسْمِهِ سَبْعِينَ سَنَةً ثُمَّ يَتَهَرَّأُ لَحْمُهُ» . قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضًا: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ جَاءَتْ إلَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ - فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَذْنَبْت ذَنْبًا عَظِيمًا وَقَدْ تُبْت إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبِي وَيَتُوبَ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهَا مُوسَى: وَمَا ذَنْبُك؟ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ زَنَيْتُ وَوَلَدْتُ وَلَدًا وَقَتَلْتُهُ، فَقَالَ لَهَا مُوسَى - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اُخْرُجِي يَا فَاجِرَةُ، لَا تَنْزِلُ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتُحْرِقُنَا بِشُؤْمِك فَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ مُنْكَسِرَةَ الْقَلْبِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام وَقَالَ: يَا مُوسَى الرَّبُّ - تَعَالَى - يَقُولُ لَك لِمَ رَدَدْتَ التَّائِبَةَ؟ يَا مُوسَى أَمَا وَجَدْتَ شَرًّا مِنْهَا؟ قَالَ مُوسَى يَا جِبْرِيلُ وَمَنْ شَرٌّ مِنْهَا؟ قَالَ: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَامِدًا مُتَعَمِّدًا» .
وَقَالَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: إنَّهُ دَفَنَ أُخْتًا لَهُ مَاتَتْ فَسَقَطَ مِنْهُ كِيسٌ فِيهِ مَالٌ فِي قَبْرِهَا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ حَتَّى انْصَرَفَ عَنْ قَبْرِهَا ثُمَّ تَذَكَّرَهُ، فَرَجَعَ إلَى قَبْرِهَا فَنَبَشَهُ بَعْدَمَا
انْصَرَفَ النَّاسُ فَوَجَدَ الْقَبْرَ يَشْتَعِلُ عَلَيْهَا نَارًا فَرَدَّ التُّرَابَ عَلَيْهَا وَرَجَعَ إلَى أُمِّهِ بَاكِيًا حَزِينًا، فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ أَخْبِرِينِي عَنْ أُخْتِي وَمَا كَانَتْ تَعْمَلُ؟ قَالَتْ: وَمَا سُؤَالُك عَنْهَا؟ قَالَ: يَا أُمَّاهُ رَأَيْتُ قَبْرَهَا يَشْتَعِلُ عَلَيْهَا نَارًا قَالَ: فَبَكَتْ وَقَالَتْ: يَا وَلَدِي كَانَتْ أُخْتُك تَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ وَتُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، فَهَذَا حَالُ مَنْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَكَيْفَ حَالُ مَنْ لَا يُصَلِّي؟ فَنَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يُعِينَنَا عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا بِكِمَالَاتِهَا فِي أَوْقَاتِهَا إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
تَنْبِيهَاتٌ مِنْهَا: عَدُّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى وَقْتِهَا وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ كَبِيرَةً وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَتَقْيِيدُ الْأَنْوَارِ لِذَلِكَ بِلَا إعَادَةٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَعَادَهَا فِي الْوَقْتِ هُوَ بِفِعْلِهَا قَبْلَهُ مُتَعَمِّدًا مُتَلَاعِبٌ بِالدِّينِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ عَدَّ الشَّيْخَيْنِ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا كَبِيرَةً لَا تَحْقِيقَ لَهُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْتَقِدًا لِلْجَوَازِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْمَنْعِ فَالصَّلَاةُ فَاسِدَةٌ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا فَالتَّحْرِيمُ وَقَعَ لِكَوْنِهِ أَتَى بِصَلَاةٍ فَاسِدَةٍ فَيَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِهِ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الشَّاذَّةِ النَّادِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي وَقْتِهَا فَالْعِصْيَانُ بِالتَّأْخِيرِ وَبِالصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ فَهُوَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ أَيْضًا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مَا ذَكَرَهُ تَخْلِيطٌ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادَ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا إلَّا إذَا قَدَّمَهَا عَالِمًا بِعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ خَلَائِقَ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَالتَّلَاعُبِ بِالدِّينِ، سَوَاءٌ قَضَاهَا أَمْ لَا انْتَهَى.
وَفِي التَّهْذِيبِ حِكَايَةُ وَجْهٍ ضَعِيفٍ: أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُهَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ وَإِنَّمَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ إذَا اعْتَادَهُ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ: تَرْكُ الصَّلَاةِ كَبِيرَةٌ فَإِنْ اتَّخَذَهُ عَادَةً فَهُوَ فَاحِشَةٌ فَإِنْ أَقَامَهَا وَلَمْ يُوفِهَا حَقَّهَا مِنْ الْخُشُوعِ كَأَنْ الْتَفَتَ فِيهَا أَوْ فَرَقَعَ أَصَابِعَهُ أَوْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ النَّاسِ، أَوْ سَوَّى الْحَصَا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَسِّ اللِّحْيَةِ فَذَلِكَ مِنْ الصَّغَائِرِ انْتَهَى.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَضِيَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ عَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ، وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمْيَلُ اهـ.
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْوَجْهِ الْمُوجِبِ لِلْخُشُوعِ فَعَلَيْهِ كُلُّ مَا نَافَى الْخُشُوعَ مِنْ أَصْلِهِ - بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي جُزْءٍ مِنْهَا - يَكُونُ مُحَرَّمًا، أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْخُشُوعَ سُنَّةٌ فَلَا حُرْمَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي كُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ السَّابِقَةِ التَّصْرِيحُ بِكُفْرِهِ وَشِرْكِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْ الْمِلَّةِ، وَبِأَنَّهُ تَبْرَأُ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَبِأَنَّهُ يَحْبَطُ عَمَلُهُ، وَبِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ، وَبِأَنَّهُ لَا إيمَانَ لَهُ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّغْلِيظَاتِ، وَأَخَذَ بِظَاهِرِهَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَقَالُوا: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى خَرَجَ جَمِيعُ وَقْتِهَا كَانَ كَافِرًا مُرَاقَ الدَّمِ. مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَغَيْرُهُمْ، فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ قَائِلُونَ بِكُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةِ دَمِهِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا: أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ فَرْضٍ وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ وَلَا نَعْلَمُ لِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا انْتَهَى.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ: قَالَ إِسْحَاقُ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ» وَكَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ تَارِكَهَا عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ. انْتَهَى.
وَفِي هَذِهِ الدَّعْوَى نَظَرٌ بَلْ هِيَ مَمْنُوعَةٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ: فَإِنَّهُمْ وَإِنْ قَالُوا بِعَدَمِ كُفْرِهِ إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ التَّرْكَ، لَكِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِهَا فِي وَقْتِهَا حَتَّى خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّهَا، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: صَلِّهَا فَأَبَى ضُرِبَ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ.
وَمِنْهَا: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ - أَيْ إنْ مَيَّزُوا -، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إغْلَاظِ الْعُقُوبَةِ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ تَارِكًا لَهَا، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَحْتَجُّ بِهِ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ، وَيَقُولُ: إذَا اسْتَحَقَّ الضَّرْبَ وَهُوَ غَيْرُ بَالِغٍ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ الضَّرْبِ وَلَيْسَ بَعْدَ الضَّرْبِ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنْ الْقَتْلِ انْتَهَى.
وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَمِمَّا وُجِّهَ بِهِ قَتْلُهُ: أَنَّ تَارِكَهَا جَنَى عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إذَا قَالَهَا بَلَغَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» .
وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ الْعَامَّةُ لَا يَلِيقُ بِهَا إلَّا الْقَتْلُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ لِقَتْلِهِ بِالْأَحَادِيثِ