الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَهُمْ الْكُدَى بِكَافٍ مَضْمُومَةٍ: أَيْ الْمَقَابِرَ، فَقَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهَا مَا تَذْكُرُ، فَقَالَ لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمْ الْكُدَى فَذَكَرَ تَشْدِيدًا فِي ذَلِكَ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ:«لَوْ بَلَغْتِهَا مَعَهُمْ مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ» .
وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا نِسْوَةٌ جُلُوسٌ قَالَ: مَا يُجْلِسُكُنَّ، قُلْنَ نَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ، قَالَ هَلْ تَغْسِلْنَ؟ قُلْنَ لَا، قَالَ هَلْ تَحْمِلْنَ؟ قُلْنَ لَا، قَالَ هَلْ تُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلِي؟ قُلْنَ لَا، قَالَ فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَعْنِ فَاعِلِهِمَا، وَصَرِيحُ الْحَدِيثِ الثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ، وَظَاهِرُ حَدِيثِ فَاطِمَةَ فِي الثَّالِثَةِ بَلْ صَرِيحُ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ:" مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ " إلَى آخِرِهَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ عَدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَلَامُ أَصْحَابِنَا فِي الثَّلَاثَةِ مُصَرِّحٌ بِكَرَاهَتِهَا دُونَ حُرْمَتِهَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا كَبِيرَةً، فَلْيُحْمَلْ كَوْنُ هَذِهِ كَبَائِرَ عَلَى مَا إذَا عَظُمَتْ مَفَاسِدُهَا كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَقَابِرِ وَخَلْفَ الْجَنَائِزِ بِهَيْئَةٍ قَبِيحَةٍ جِدًّا، إمَّا لِاقْتِرَانِهَا بِالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بِالزِّينَةِ عِنْدَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ خَشْيَةً قَوِيَّةً، وَكَأَنْ بُنِيَ الْمَسْجِدُ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ حَيِّزِ الْغَصْبِ حِينَئِذٍ وَكَأَنْ يُسْرَفَ فِي الْإِيقَادِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ مِنْ التَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، فَحِينَئِذٍ يَتَّضِحُ عَدُّ هَذِهِ كَبَائِرَ، نَعَمْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِحُرْمَةِ السِّرَاجِ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ قَلَّ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ مُقِيمٌ وَلَا زَائِرٌ وَعَلَّلُوهُ بِالْإِسْرَافِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْمَجُوسِ، فَلَا يَبْعُدُ فِي هَذَا حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً.
[الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ الرُّقَى وَتَعْلِيقُ التَّمَائِمِ والحروز]
(الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: الرُّقَى، وَتَعْلِيقُ التَّمَائِمِ، وَالْحُرُوزِ الْآتِي بَيَانُهَا) أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ» .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَالْحَاكِمُ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْهُ أَيْضًا: «أَنَّهُ جَاءَ فِي رَكْبٍ عَشَرَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَ إنَّ
فِي عَضُدِهِ تَمِيمَةً فَفَصَّى الرَّجُلُ التَّمِيمَةَ فَبَايَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ مَنْ عَلَّقَ فَقَدْ أَشْرَكَ» . وَصَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً أَرَاهُ قَالَ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: وَيْحَك مَا هَذِهِ؟ قَالَ: مِنْ الْوَاهِنَةِ. قَالَ: أَمَا إنَّهَا لَا تَزِيدُك إلَّا وَهَنًا انْبِذْهَا عَنْك فَإِنَّك لَوْ مِتّ وَهِيَ عَلَيْك مَا أَفْلَحْت أَبَدًا» .
وَصَحَّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَفِي عُنُقِهَا شَيْءٌ تَتَعَوَّذُ بِهِ فَجَذَبَهُ فَقَطَعَهُ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أَصْبَحَ آلُ عَبْدِ اللَّهِ أَغْنِيَاءَ عَنْ أَنْ يُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا التُّوَلَةُ؟ قَالَ شَيْءٌ تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ يَتَحَبَّبْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ» ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ التُّوَلَةَ بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ أَنَّهُ شَيْءٌ يُشْبِهُ السِّحْرَ أَوْ مِنْ أَنْوَاعِهِ تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ لِتَحَبُّبِهَا إلَى زَوْجِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ:«أَنَّ زَوْجَتَهُ قَالَتْ لَهُ إنِّي خَرَجْت يَوْمًا فَأَبْصَرَنِي فُلَانٌ فَدَمَعَتْ عَيْنِي الَّتِي تَلِيهِ فَإِذَا رَقَيْتُهَا سَكَنَتْ دَمْعَتُهَا، وَإِذَا تَرَكْتُهَا دَمَعَتْ قَالَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ إذَا أَطَعْتِهِ تَرَكَكِ وَإِذَا عَصَيْتِهِ طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي عَيْنِك، وَلَكِنْ لَوْ فَعَلْتِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ خَيْرًا لَكِ وَأَجْدَرَ أَنْ تُشْفَى تَنْضَحِي فِي عَيْنِكِ الْمَاءَ وَتَقُولِي: أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» . وَصَحَّ: «لَيْسَتْ التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ بِهِ بَعْدَ الْبَلَاءِ إنَّمَا التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ بِهِ قَبْلَ الْبَلَاءِ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الْوَعِيدُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَا سِيَّمَا تَسْمِيَتُهُ شِرْكًا، لَكِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ بِخُصُوصِهِ، وَلَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِمَا يُفْهَمُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِيهِ بِالْأَوْلَى، نَعَمْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيقِ خَرَزَةٍ - يُسَمُّونَهَا تَمِيمَةً - أَوْ نَحْوِهَا يَرَوْنَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ الْآفَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِقَادَ هَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ شِرْكًا فَهُوَ يُؤَدِّي إلَيْهِ إذْ لَا يَنْفَعُ وَيَضُرُّ وَيَمْنَعُ وَيَدْفَعُ إلَّا اللَّهُ - تَعَالَى -.
وَأَمَّا الرُّقَى فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يُعْرَفْ مَعْنَاهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:«اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ» ، وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَجْهُولَ قَدْ يَكُونُ سِحْرًا أَوْ كُفْرًا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ: فَأَمَّا إذَا كَانَ مَفْهُومَ الْمَعْنَى وَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُتَبَرَّكٌ بِهِ.