الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ دَاعٍ يَدْعُو لِشَيْءٍ إلَّا وَقَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَازِمًا لِدَعْوَتِهِ مَا دَعَا إلَيْهِ، وَإِنْ دَعَا رَجُلٌ رَجُلًا» .
وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ فِيهِ لِينٌ: «إنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ» . تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُضَاعَفَةُ تِلْكَ الْآثَامِ، وَذَلِكَ لِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ الْمُضَاعَفَةَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا الْحِسَابُ.
فَإِنْ قُلْت: إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي سَنَّهَا كَبِيرَةً فَعَدُّهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، أَوْ غَيْرَ كَبِيرَةٍ فَعَدُّهَا مُشْكِلٌ.
قُلْت: بَلْ الْوَجْهُ حَمْلُ عَدِّهَا كَبِيرَةً، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا سَنَّ صَغِيرَةً وَلَا إشْكَالَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا سَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَاقْتَدَى بِهِ فِيهَا فَحُشَتْ وَتَضَاعَفَ عِقَابُهَا فَصَارَتْ بِذَلِكَ كَالْكَبِيرَةِ، بَلْ وَأَعْظَمَ بِكَثِيرٍ إذْ الْكَبِيرَةُ يَنْقَطِعُ إثْمُهَا بِالْفِرَاعِ مِنْهَا وَهَذِهِ إثْمُهَا مُتَضَاعِفٌ مُسْتَمِرٌّ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُ جَمْعًا عَدُّوا مِنْ الْكَبَائِرِ الْإِحْدَاثَ بِالدِّينِ وَاسْتَدَلُّوا بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ:«لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا» . قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَدَثِ نَفْسِهِ، فَكُلَّمَا كَانَ أَكْبَرَ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ أَعْظَمَ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَمِنْهُ «مَنْ دَعَا لِضَلَالَةٍ أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» . انْتَهَى، وَفِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِمَا ذَكَرْته.
[الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ تَرْكُ السُّنَّةِ]
أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ إلَى الَّتِي بَعْدَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لَمَّا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ وَتَرْكِ السُّنَّةِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا الْإِشْرَاكُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ؟ قَالَ: أَمَّا نَكْثُ الصَّفْقَةِ أَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِك ثُمَّ تُخَالِفَ إلَيْهِ فَتَقْتُلَهُ بِسَيْفِك، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ: فَالْخُرُوجُ مِنْ الْجَمَاعَةِ» . قَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» .
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ اتِّبَاعُ الْبِدَعِ عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. وَصَحَّ أَيْضًا: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا» .
وَأَيْضًا: «سِتَّةٌ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابِ الدَّعْوَةِ: الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل، وَالْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَالْمُتَسَلِّطُ عَلَى أُمَّتِي بِالْجَبَرُوتِ لِيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّهُ اللَّهُ وَيُعِزَّ مَنْ أَذَلَّهُ اللَّهُ، وَالْمُسْتَحِلُّ حُرْمَةَ اللَّهِ، وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي» . وَصَحَّ أَيْضًا: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ: «مَا مِنْ أُمَّةٍ ابْتَدَعَتْ بَعْدَ نَبِيِّهَا فِي دِينِهَا بِدْعَةً إلَّا أَضَاعَتْ مِثْلَهَا مِنْ السُّنَّةِ» . وَهُوَ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ: «مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ مِنْ إلَهٍ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى يُتَّبَعُ» . تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الصَّلَاحُ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ، وَالْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ فِي تَعْدَادِ الْكَبَائِرِ: السَّادِسَةَ عَشْرَةَ الْبِدْعَةُ وَهِيَ الْمُرَادُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا عَلَيْهِ إمَامَا أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَالْبِدْعَةُ مَا عَلَيْهِ فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِاعْتِقَادِ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ وَجَمِيعِ أَتْبَاعِهِمَا. وَصَحَّ فِي تَقْرِيعِ الْمُبْتَدِعَةِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، «وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ. إنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ، وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى. إيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ ضَلَالَةٌ. إنَّ اللَّهَ حَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ: «أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ» .
وَفِي أُخْرَى لَهُ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ. لَقَدْ تُرِكْتُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إلَّا هَالِكٌ. لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ - أَيْ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ فَشَدَّةٍ لِلرَّاءِ فَتَاءِ تَأْنِيثٍ: نَشَاطٌ وَهِمَّةٌ - وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إلَى سُنَنِي فَقَدْ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ. إنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي