الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ وَكَذَا فِي إيذَاءِ الْمُسْلِمِ الشَّدِيدِ وَمَرَّ فِي الِاحْتِكَارِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَالْأَوْفَقُ لِلتَّعْرِيفِ بِأَنَّهَا مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ مَا ذَكَرْته.
ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَشَارَ إلَى مَا صَرَّحْت بِهِ فَقَالَ: وَفِي بَعْضِ مَا أَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ نَظَرٌ وَكَأَنَّ مَا ذَكَرْته وَأَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ هُوَ سَبَبُ حَذْفِ بَعْضِ مُخْتَصَرِي الرَّوْضَةِ لِتِلْكَ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْهَا. وَالنَّجْشُ هُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ. وَالْبَيْعُ عَلَى الْبَيْعِ هُوَ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي زَمَنَ الْخِيَارِ رُدَّ هَذَا وَأَنَا أَبِيعُك أَحْسَنَ مِنْهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ مِثْلَهُ بِأَنْقَصَ. وَالشِّرَاءُ عَلَى الشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ زَمَنَ الْخِيَارِ افْسَخْ لِأَشْتَرِيَ مِنْك هَذَا الْمَبِيعَ بِأَزْيَدَ.
قَالَ أَئِمَّتُنَا: وَيَحْرُمُ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ يُصَرِّحَا بِاسْتِقْرَارِهِ أَوْ يَعْرِضَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَرْخَصَ مِنْهُ، وَتَحْرِيمُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ لُزُومِهِ أَشَدُّ وَهُوَ الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ وَالشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ غَيْرِهِ. نَعَمْ إنْ رَآهُ مَغْبُونًا جَازَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ كَجٍّ. وَالْأَوْجَهُ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِهِمْ وَالْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَبَيْعُ رَجُلٍ قَبْلَ اللُّزُومِ مِنْ الْمُشْتَرِي عَيْنًا كَاَلَّتِي اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ كَالْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَطَلَبُهَا قَبْلَ اللُّزُومِ أَيْضًا مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَكْثَرَ كَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا يُؤَدِّي إلَى الْفَسْخِ مِنْ الصُّورَتَيْنِ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ.
[الْكَبِيرَةُ الْمُوَفِّيَةُ الْمِائَتَيْنِ الْغِشُّ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَالتَّصْرِيَةِ]
(الْكَبِيرَةُ الْمُوَفِّيَةُ الْمِائَتَيْنِ: الْغِشُّ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَالتَّصْرِيَةِ وَهِيَ مَنْعُ حَلْبِ ذَاتِ اللَّبَنِ إيهَامًا لِكَثْرَتِهِ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ: أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أُصْبُعُهُ بَلَلًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ - أَيْ الْمَطَرُ - يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ أَفَلَا جَعَلْته فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . وَالتِّرْمِذِيُّ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» . وَأَبُو دَاوُد: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَسَأَلَهُ كَيْفَ تَبِيعُ؟ فَأَخْبَرَهُ فَأَوْحَى إلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَك فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ» .
وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِطَعَامٍ وَقَدْ حَسَّنَهُ صَاحِبُهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا الطَّعَامُ رَدِيءٌ، فَقَالَ بِعْ هَذَا عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ فَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «خَرَجَ صلى الله عليه وسلم إلَى السُّوقِ فَرَأَى طَعَامًا مُصَبَّرًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَأَخْرَجَ طَعَامًا رَطْبًا قَدْ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ. فَقَالَ لِصَاحِبِهِ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا؟ قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّهُ لَطَعَامٌ وَاحِدٌ، قَالَ أَفَلَا عَزَلْت الرَّطْبَ عَلَى حِدَتِهِ وَالْيَابِسَ عَلَى حِدَتِهِ فَتَتَبَايَعُونَ مَا تَعْرِفُونَ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ أَسْفَلُ هَذَا مِثْلُ أَعْلَاهُ؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَشَّ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْبَهَانِيّ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَنَّهُ مَرَّ بِنَاحِيَةِ الْحَرَّةِ فَإِذَا إنْسَانٌ يَحْمِلُ لَبَنًا يَبِيعُهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِذَا هُوَ قَدْ خَلَطَهُ بِالْمَاءِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ:" كَيْفَ بِك إذَا قِيلَ لَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلِّصْ الْمَاءَ مِنْ اللَّبَنِ ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ فِي رِوَايَتِهِ مَجْرُوحًا «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَبِيعُ الْخَمْرَ فِي سَفِينَةٍ لَهُ وَمَعَهُ قِرْدٌ فِي السَّفِينَةِ وَكَانَ يَشُوبُ: أَيْ يَخْلِطُ الْخَمْرَ بِالْمَاءِ فَأَخَذَ الْقِرْدُ الْكِيسَ فَصَعِدَ الذُّرْوَةَ وَفَتَحَ الْكِيسَ فَجَعَلَ يَأْخُذُ دِينَارًا فَيُلْقِيهِ فِي السَّفِينَةِ وَدِينَارًا فِي الْبَحْرِ حَتَّى جَعَلَهُ نِصْفَيْنِ: أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ عِقَابًا لِصَاحِبِهِ لَمَّا خَلَطَ وَغَشَّ» .
وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَشُوبُوا اللَّبَنَ لِلْبَيْعِ» ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْمُحَلَّفَةِ ثُمَّ قَالَ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ: «أَلَا وَإِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ جَلَبَ خَمْرًا إلَى قَرْيَةٍ فَشَابَهَا بِالْمَاءِ فَأَضْعَفَهُ أَضْعَافًا فَاشْتَرَى قِرْدًا فَرَكِبَ الْبَحْرَ حَتَّى إذَا لَجَّ فِيهِ أَلْهَمَ اللَّهُ الْقِرْدَ صُرَّةَ الدَّنَانِيرِ فَأَخَذَهَا وَصَعِدَ الدَّقَلَ فَفَتَحَ الصُّرَّةَ وَصَاحِبُهَا يَنْظُرُ إلَيْهِ فَأَخَذَ دِينَارًا فَرَمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ وَدِينَارًا فِي السَّفِينَةِ حَتَّى قَسَمَهَا نِصْفَيْنِ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ حَمَلَ خَمْرًا ثُمَّ جَعَلَ فِي كُلِّ رِزْقٍ نِصْفَهُ مَاءً ثُمَّ بَاعَهُ فَلَمَّا جَمَعَ الثَّمَنَ جَاءَ ثَعْلَبٌ فَأَخَذَ الْكِيسَ وَصَعِدَ الدَّقَلَ فَجَعَلَ يَأْخُذُ دِينَارًا وَيَرْمِي بِهِ فِي السَّفِينَةِ وَيَأْخُذُ دِينَارًا فَيَرْمِي بِهِ فِي
الْمَاءِ حَتَّى فَرَغَ مَا فِي الْكِيسِ» وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا لِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ.
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَجَاءَ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ رِوَايَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا. وَعَنْ «أَبِي سِبَاعٍ قَالَ: اشْتَرَيْت نَاقَةً مِنْ دَارِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه فَلَمَّا خَرَجْت بِهَا أَدْرَكَنِي يَجُرُّ إزَارَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْت؟ قُلْت نَعَمْ. قَالَ: أُبَيِّنُ لَك مَا فِيهَا؟ قُلْت وَمَا فِيهَا إنَّهَا لَسَمِينَةٌ ظَاهِرَةُ الصِّحَّةِ، قَالَ أَرَدْت بِهَا سَفَرًا أَوْ أَرَدْت لَحْمًا؟ قُلْت أَرَدْت بِهَا الْحَجَّ، قَالَ ارْتَجِعْهَا، فَقَالَ صَاحِبُهَا مَا أَرَدْت إلَى هَذَا أَصْلَحَك اللَّهُ؟ تُفْسِدُ عَلَيَّ، قَالَ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَ مَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إلَّا بَيَّنَهُ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ بِاخْتِصَارِ الْقِصَّةِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ عَنْ وَاثِلَةَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ، أَوْ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إذَا بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ أَنْ لَا يُبَيِّنَهُ» .
وَأَبُو الشَّيْخِ ابْنِ حِبَّانَ: «الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ نَصَحَةٌ وَادُّونَ وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، وَالْفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَشَشَةٌ مُتَخَاوِنُونَ وَإِنْ اقْتَرَبَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ» .
وَمُسْلِمٌ: «إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» . وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ: «إنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ» الْحَدِيثَ. وَأَبُو دَاوُد بِلَفْظِ: «إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ» الْحَدِيثَ. وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ: «رَأْسُ الدِّينِ النَّصِيحَةُ، قَالُوا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ لِلَّهِ عز وجل وَلِدِينِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» . وَالشَّيْخَانِ «عَنْ جَرِيرٍ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت أُبَايِعُك عَلَى الْإِسْلَامِ فَشَرَطَ
عَلَيَّ النُّصْحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إنِّي لَكُمْ لَنَاصِحٌ» . وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ:«بَايَعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنْ أَنْصَحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَكَانَ إذَا بَاعَ الشَّيْءَ أَوْ اشْتَرَاهُ قَالَ: مَا الَّذِي أَخَذْنَا مِنْك أَحَبُّ إلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاك فَاخْتَرْ» . وَأَحْمَدُ «قَالَ صلى الله عليه وسلم: قَالَ اللَّهُ عز وجل: أَحَبُّ مَا تَعَبَّدَ لِي بِهِ عَبْدِي النُّصْحُ لِي» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «مَنْ لَا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُصْبِحْ وَيُمْسِي نَاصِحًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِإِمَامِهِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» . وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» .
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ بَعْضِ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ أَوْ كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ تَلْعَنُهُ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِيهِ. وَضَابِطُ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَعْلَمَ ذُو السِّلْعَةِ مِنْ نَحْوِ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ فِيهَا شَيْئًا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مُرِيدُ أَخْذِهَا مَا أَخَذَهَا بِذَلِكَ الْمُقَابِلِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِهِ لِيَدْخُلَ فِي أَخْذِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ وَغَيْرِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا عَلَى أَجْنَبِيٍّ عَلِمَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبًا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ مُرِيدَ أَخْذِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهَا، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا رَأَى إنْسَانًا يَخْطُبُ امْرَأَةً وَيَعْلَمُ بِهَا أَوْ بِهِ عَيْبًا، أَوْ رَأَى إنْسَانًا يُرِيدُ أَنْ يُخَالِطَ آخَرَ لِمُعَامَلَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ قِرَاءَةِ نَحْوِ عِلْمٍ وَعَلِمَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَشَرْ بِهِ، كُلُّ ذَلِكَ أَدَاءٌ لِلنَّصِيحَةِ الْمُتَأَكِّدِ وُجُوبُهَا لِخَاصَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.
هَذَا وَقَدْ سَأَلْنَا عَنْ سُؤَالٍ طَوِيلٍ فِيهِ ذِكْرُ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ أَحْبَبْت ذِكْرَهُ هُنَا لِعُمُومِ ضَرَرِ مَا فِيهِ مِمَّا أَلِفَه وَيَفْعَلُهُ مَنْ لَا دِينَ لَهُ لِغَفْلَتِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوَامِرِهِ، وَهُوَ: قَدْ اُعْتِيدَ الْآنَ أَنَّ بَعْضَ التُّجَّارِ يَشْتَرِي الْفِلْفِلَ فِي ظَرْفٍ خَفِيفٍ جِدًّا كَالْخَصْفِ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ فِي ظَرْفٍ ثَقِيلٍ نَحْوِ خَمْسَةِ أَضْعَافِ الْخَصْفِ لِأَنَّهُ غَالِبًا ثَلَاثَةُ أَمْنَانٍ، وَذَلِكَ
الظَّرْفُ الثَّقِيلُ يُجْمَعُ مِنْ خَيْشٍ حَتَّى يَكُونَ نَحْوَ عِشْرِينَ مَنًّا، ثُمَّ يُبَاعُ ذَلِكَ الظَّرْفُ وَمَا فِيهِ وَيُوزَنُ جُمْلَةُ الْكُلِّ وَيَكُونُ الثَّمَنُ مُقَابِلًا لِلظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ، فَهَلْ هَذَا الْفِعْلُ جَائِزٌ أَوْ غِشٌّ مُحَرَّمٌ يُعَزَّرُ فَاعِلُهُ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ ضَرْبٍ وَصَفْعٍ وَطَوَافٍ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ.
وَحَبْسٍ وَأَخْذِ مَالٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَذْهَبُ ذَلِكَ الْحَاكِمِ؟ وَهَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَإِذَا كَانَ بَاطِلًا فَهُوَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَزْجُرَ التُّجَّارَ وَيَمْنَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُعَزِّرَ مَنْ فَعَلَ مِنْهُمْ ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُتَّقِينَ مِنْ التُّجَّارِ إذَا عَلِمُوا مِنْ إنْسَانٍ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَنْ يُخْبِرُوا بِهِ حُكَّامَ الشَّرِيعَةِ أَوْ السِّيَاسَةِ حَتَّى يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْعَ الْأَكِيدَ وَيُعَزِّرُوهُ عَلَيْهِ إنْ أَبَى التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ؟ وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ نَظَائِرِهَا كَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْعَطَّارِينَ وَالتُّجَّارِ أَنَّهُ يُقَرِّبُ بَعْضَ الْأَعْيَانِ إلَى الْمَاءِ فَيَكْتَسِبُ مِنْهُ مَائِيَّةً تَزِيدُ فِي وَزْنِهِ نَحْوَ الثُّلُثِ كَالزَّعْفَرَانِ، وَبَعْضُهُمْ يَصْطَنِعُ حَوَائِجَ تَصِيرُ كَصُورَةِ الزُّبَّادِ فَيَبِيعُهُ عَلَى أَنَّهُ زُبَّادٌ، وَبَعْضُ الْبَزَّازِينَ يَرْفَأُ الثِّيَابَ رَفْئًا خَفِيًّا ثُمَّ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ لَك، وَكَذَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْبُسُطِ وَغَيْرِهَا، وَبَعْضُهُمْ يَلْبَسُ الثَّوْبَ خَامًا إلَى أَنْ تَذْهَبَ قُوَّتُهُ جَمِيعًا ثُمَّ يُقَصِّرُهُ حِينَئِذٍ وَيَجْعَلُ فِيهِ نَشًا يُوهِمُ بِهِ أَنَّهُ جَدِيدٌ وَيَبِيعُهُ عَلَى أَنَّهُ جَدِيدٌ. وَبَعْضُهُمْ يَسْعَى فِي إظْلَامِ مَحَلِّهِ إظْلَامًا كَثِيرًا حَتَّى يَصِيرَ الْغَلِيظُ يُرَى رَقِيقًا وَالْقَبِيحُ حَسَنًا. وَبَعْضُهُمْ يَصْقُلُ بَزَّهُ بِشَمْعٍ صِقَالًا جَيِّدًا حَتَّى لَا تَصِيرَ الرُّؤْيَةُ مُحِيطَةً بِهِ مِنْ كَثْرَةِ ذَلِكَ الشَّمْعِ وَجَوْدَةِ ذَلِكَ الدَّقِّ وَالصِّقَالِ، وَبَعْضُ الصَّوَّاغِينَ يَخْلِطُ بِالنَّقْدِ نُحَاسًا وَنَحْوَهُ ثُمَّ يَبِيعُهُ عَلَى أَنَّهُ كُلُّهُ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ.
وَبَعْضُهُمْ يَأْخُذُ مِمَّنْ يَسْتَأْجِرُ عَلَى صِيَاغَةٍ وَزْنًا مَعْلُومًا فَيَنْقُصُ مِنْهُ نَقْدًا وَيَجْعَلُ بَدَلَهُ نُحَاسًا أَوْ نَحْوَهُ، وَكَثِيرًا مِنْ التُّجَّارِ وَأَهْلِ الْبَهَارِ وَالْحَبَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ يَجْعَلُ أَعْلَى الْبِضَاعَةِ حَسَنًا وَأَسْفَلَهَا قَبِيحًا، أَوْ يَخْلِطُ بَعْضَ الْقَبِيحِ فِي الْحَسَنِ حَتَّى يُرَوَّجَ وَيَنْدَمِجَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَأْخُذَ الْقَبِيحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ بِهِ وَلَوْ شَعَرَ بِهِ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الْغِشِّ كَثِيرٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا لَكُمْ هَذِهِ الصُّوَرَ لِيُعْلَمَ حُكْمُهَا وَيُقَاسَ عَلَيْهَا مَا لَمْ نَذْكُرْهُ، وَلَوْ فَتَّشْت الصِّنَاعَاتِ وَالْحَرْفَ وَالتِّجَارَاتِ وَالْبُيُوعَاتِ وَالْعِطَارَاتِ وَالصِّيَاغَاتِ وَالْمُصَارَفَاتِ وَغَيْرِهَا لَوَجَدْت عِنْدَهُمْ مِنْ صُوَرِ الْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ وَالْخِيَانَةِ وَالْمَكْرِ وَالتَّحَيُّلِ بِالْحِيَلِ الْكَاذِبَةِ مَا تَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ وَتَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ، لِأَنَّنَا نَجِدُهُمْ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ كَرَجُلَيْنِ مَعَهُمَا سَيْفَانِ مُتَقَابِلَانِ فَمَتَى قَدَرَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَتْلَهُ لِوَقْتِهِ كَذَلِكَ التُّجَّارُ وَالْمُتَبَايِعُونَ الْآنَ لَا يَنْوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ إنْ ظَفِرَ
بِصَاحِبِهِ أَخَذَ جَمِيعَ مَالِهِ بِحَقٍّ وَبَاطِلٍ وَأَهْلَكَهُ وَصَيَّرَهُ فَقِيرًا لِوَقْتِهِ، وَإِذَا وَقَعَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَرِحَ بِهِ فَرَحًا كَثِيرًا، وَسَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الْخَبِيثَةُ أَنَّهُ غَلَبَهُ وَظَفِرَ بِهِ بِمَا غَشَّهُ وَاحْتَالَ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ إلَى أَنْ اسْتَأْصَلَ مَالَهُ وَظَفِرَ بِهِ كَكَلْبٍ ظَفِرَ بِجِيفَةٍ وَأَكَلَ مِنْهَا حَتَّى لَمْ يُبْقِ مِنْهَا شَيْئًا. فَهَذَا حَاصِلُ مَا يَقَعُ هُوَ وَأَكْثَرُ مِنْهُ الْآنَ. فَتَفَضَّلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِبَيَانِ أَحْكَامِ ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفَهَا النَّاسُ، لِيَصِيرَ مَنْ خَالَفَهَا قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ وَهَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَمَنْ وَافَقَهَا قَدْ أَسْعَفَتْهُ كَلِمَةُ التَّوْفِيقِ وَأَحْيَا عَنْ بَيِّنَةٍ، وَابْسُطُوا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ بَسْطًا شَافِيًا، فَإِنَّ النَّاسَ مُضْطَرُّونَ إلَى بَيَانِ أَحْكَامِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَبَعْضَهُمْ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ جَهْلًا بِحُرْمَتِهِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
هَذَا حَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ. وَلَعَمْرِي إنَّهُ حَقِيقٌ أَنْ يُفْرَدَ بِالتَّأْلِيفِ لِسَعَةِ أَحْكَامِهِ وَكَثْرَةِ صُوَرِهِ وَاحْتِيَاجِ النَّاسِ، بَلْ اضْطِرَارُهُمْ إلَى بَسْطِ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ صُورَةٍ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا لِغَلَبَةِ الْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ عَلَى الْبَاعَةِ حَتَّى لَا يَسْلَمَ مِنْهُمَا إلَّا النَّادِرُ الَّذِي حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لَأَفْرَدْت ذَلِكَ بِتَأْلِيفٍ مُسْتَوْعِبٍ جَامِعٍ لَكِنِّي أُشِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَا يَنْفَعُ الْمُوَفَّقَ، وَيُحَذِّرُ الْعَاصِيَ، وَمَنْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ هِدَايَتَهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ.
فَأَقُولُ: أَمَّا مَسْأَلَةُ بَيْعِ الظَّرْفِ مَعَ مَا فِيهِ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى جَهِلَ وَزْنَ الظَّرْفِ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَبِيعَ مَعَ مَظْرُوفِهِ كُلُّ رِطْلٍ مِنْ الْجُمْلَةِ بِكَذَا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ حَيِّزِ الْغَرَرِ. وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَكَذَا لَوْ جَهِلَ وَزْنَ الْمَظْرُوفِ وَحْدَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ لِاشْتِرَاطِ الْعَقْدِ عَلَى بَذْلِ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ فِيمَا ذُكِرَ أَوَّلَ السُّؤَالِ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهِ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ أَنَّ فَسَقَةَ التُّجَّارِ يَأْخُذُونَ الْفِلْفِلَ مَثَلًا وَيَجْعَلُونَهُ فِي خَيْشٍ مُرَقَّعٍ مِنْ دَاخِلِهِ بِرُقَعٍ كَثِيرَةٍ تُثْقِلُ جُرْمَهُ، ثُمَّ يَبِيعُونَ ذَلِكَ الْفِلْفِلَ أَوْ نَحْوَهُ مَعَ ظَرْفِهِ كُلُّ مَنٍّ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ يَزِنُونَ الظَّرْفَ مَعَ مَظْرُوفِهِ، فَإِذَا جَاءَتْ الْجُمْلَةُ مِائَةَ مَنٍّ كَانَتْ بِأَلْفٍ.
وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الظَّرْفَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ وَوَزْنُهُ مَجْهُولٌ بَلْ فِيهِ غِشٌّ وَتَدْلِيسٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ مِنْ دَاخِلِهِ الْمُمَاسِّ لَهُ الْفِلْفِلُ مَثَلًا رُقَعًا وَنَحْوَهَا مِمَّا يَقْتَضِي وَزْنَهُ فِي الثِّقَلِ وَيَتْرُكُونَ ظَاهِرَهُ عَلَى حَالِهِ الْمُوهِمِ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ خَفِيفُ الْوَزْنِ بِحَيْثُ إنْ رَأَيْته تَقْطَعُ عِنْدَ نَظَرِهِ لِظَاهِرِهِ بِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ أَرْبَعَةَ أَمْنَانٍ مَثَلًا، فَإِذَا
خَبَرُوهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ وَالنَّظَرِ لِبَاطِنِهِ رَأَوْهُ نَحْوَ عِشْرِينَ مَنًّا، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِهَذَا الْغَرَرِ الْعَظِيمِ، وَهَذَا الْغِشُّ الْبَلِيغُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى خِيَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخِيَانَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أَمَرَا بِهِ وَنَهَيَا عَنْهُ، وَكَيْفَ سَاغَ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُقْدِمُ عَلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى، وَيَتْرُكُ مَا جَمَعَهُ مِنْ الْحُطَامِ الْفَانِي لِوَرَثَتِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ، بَلْ الْغَالِبُ فِي أَوْلَادِ التُّجَّارِ أَنَّهُمْ يُضَيِّعُونَهُ فِي الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ هُوَ بِهَذَا الْوَصْفِ كَيْفَ يَبْلُغُ خِدَاعُهُ مَعَ أَخِيهِ إلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ مَالِهِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ الْبَاطِلَةِ الْكَاذِبَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي السُّؤَالِ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ كُلٌّ مِنْهُمَا تَصِيرُ أَحْوَالُهُ مَعَ الْآخَرِ كَمُتَقَابِلَيْنِ بِيَدِهِمَا سَيْفَانِ فَمَنْ قَدَرَ مِنْهُمَا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ قَتَلَهُ.
وَهَذَا لَيْسَ بِشَأْنِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا بِقَانُونِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» . وَقَوْلُهُ: «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَشْتُمُهُ وَلَا يَبْغِي عَلَيْهِ» . وَنَحْنُ لَا نُحَرِّمُ التِّجَارَةَ وَلَا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، فَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ فِي الْبَزِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَتَاجِرِ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ وَالصُّلَحَاءُ بَعْدَهُمْ مَا زَالُوا يَتَّجِرُونَ وَلَكِنْ عَلَى الْقَانُونِ الشَّرْعِيِّ وَالْحَالِ الْمَرْضِيِّ الَّذِي أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ قَائِلًا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ التِّجَارَةَ لَا تُحْمَدُ وَلَا تَحِلُّ إلَّا إنْ صَدَرَتْ عَنْ التَّرَاضِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالتَّرَاضِي إنَّمَا يَحْصُلُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غِشٌّ وَلَا تَدْلِيسٌ. وَأَمَّا حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ غِشٌّ وَتَدْلِيسٌ بِحَيْثُ أُخِذَ أَكْثَرُ مَالِ الشَّخْصِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِفِعْلِ تِلْكَ الْحِيلَةِ الْبَاطِلَةِ مَعَهُ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْغِشِّ وَمُخَادَعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَذَلِكَ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ مُوجِبٌ لِمَقْتِ اللَّهِ وَمَقْتِ رَسُولِهِ، وَفَاعِلُهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَالْآتِيَةِ.
فَعَلَى مَنْ أَرَادَ رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَسَلَامَةَ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَمُرُوءَتِهِ وَعِرْضِهِ وَأُخْرَاهُ أَنْ يَتَحَرَّى لِدِينِهِ، وَأَنْ لَا يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْبُيُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ، وَأَنْ يُبَيِّنَ وَزْنَ ذَلِكَ الظَّرْفِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى التَّحْرِيرِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ إذَا بَيَّنَ لَهُ وَزْنَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ الظَّرْفَ وَالْمَظْرُوفَ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، حَتَّى قَالَ الْفُقَهَاءُ لَوْ بَيَّنَ لَهُ ظَرْفَ الْمِسْكِ وَزِنَتَهُ بِأَنْ قَالَ هَذَا الظَّرْفُ عَشَرَةُ أَمْنَانٍ، وَهَذَا الْمِسْكُ عِشْرُونَ مَنًّا، وَبِعْتُك هَذِهِ الثَّلَاثِينَ مَنًّا بِأَلْفٍ. فَاشْتَرَى بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالتَّقْلِيبِ جَازَ هَذَا الْبَيْعُ، وَكَانَ بَيْعًا مَبْرُورًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ سَائِرِ وُجُوهِ الْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ وَالتَّدْلِيسِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ وَزْنَ الظَّرْفِ وَوَزْنَ الْمِسْكِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ الْمَنَّ مِنْ الْجَمِيعِ بِأَلْفٍ
أَوْ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَإِنَّمَا النَّارُ الْمَوْقُودَةُ وَالْقَبِيحَةُ الْمُهْلِكَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَمَّنْ يُدَلِّسُ فِي الظَّرْفِ فَيَجْعَلُهُ بِصُورَةِ خَفِيفٍ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ ثَقِيلٌ جِدًّا فِي نَفْسِهِ.
ثُمَّ يَبِيعُ الْكُلَّ بِثَمَنٍ وَسِعْرٍ وَاحِدٍ مَعَ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بِظَنِّهِ، وَكَوْنِ الْبَائِعِ تَحَيَّلَ عَلَيْهِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ وَزْنَهُ يَسِيرٌ وَالْحَالُ أَنَّهُ كَثِيرٌ.
هَذَا حَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي بَيْعَ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِي صُوَرِ الْغِشِّ الْكَثِيرَةِ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ الَّتِي لَا يُحْكَى نَظِيرُهَا عَنْ الْكُفَّارِ فَضْلًا عَنْ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ الْمَحْكِيُّ عَنْ الْكُفَّارِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ أَنَّهُمْ يَتَّجِرُونَ فِي بِيَاعَاتِهِمْ وَلَا يَفْعَلُونَ فِيهَا ذَلِكَ الْغِشَّ الْكَثِيرَ الظَّاهِرَ الْمَحْكِيَّ فِي السُّؤَالِ، فَذَلِكَ أَعْنِي مَا حُكِيَ مِنْ صُوَرِ ذَلِكَ الْغِشِّ الَّتِي يَفْعَلُهَا التُّجَّارُ وَالْعَطَّارُونَ وَالْبَزَّازُونَ وَالصَّوَّاغُونَ وَالصَّيَارِفَةُ وَالْحَيَّاكُونَ، وَسَائِرُ أَرْبَابِ الْبَضَائِعِ وَالْمَتَاجِرِ وَالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ كُلُّهُ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ مُوجِبٌ لِصَاحِبِهِ أَنَّهُ فَاسِقٌ غَشَّاشٌ خَائِنٌ يَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَيُخَادِعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَا يُخَادِعُ إلَّا نَفْسَهُ، لِأَنَّ عِقَابَ ذَلِكَ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهِ.
وَكَثْرَةُ ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الزَّمَانِ وَقُرْبِ السَّاعَةِ، وَفَسَادِ الْأَمْوَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَنَزْعِ الْبَرَكَاتِ مِنْ الْمَتَاجِرِ وَالْبِيَاعَاتِ وَالزِّرَاعَاتِ، بَلْ وَمِنْ الْأَرَاضِيِ الْمَزْرُوعَاتِ، وَتَأَمَّلَ قَوْلَهُ «صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ الْقَحْطُ أَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَإِنَّمَا الْقَحْطُ أَنْ تُمْطَرُوا وَلَا يُبَارَكُ لَكُمْ فِيهِ» : أَيْ بِوَاسِطَةِ تِلْكَ الْقَبَائِحِ وَالْعَظِيمَاتِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا فِي تِجَارَاتِكُمْ وَمُعَامَلَاتِكُمْ وَلِهَذِهِ الْقَبَائِحِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا التُّجَّارُ وَالْمُتَسَبَّبُونَ وَأَرْبَابُ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الظَّلَمَةَ فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَهَتَكُوا حَرِيمَهُمْ، بَلْ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارَ فَأَسَرُوهُمْ وَاسْتَعْبَدُوهُمْ، وَأَذَاقُوهُمْ الْعَذَابَ وَالْهَوَانَ أَلْوَانًا، وَكَثْرَةُ تَسَلُّطِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالْحَرِيمِ إنَّمَا حَدَثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ لَمَّا أَنْ أَحْدَثَ التُّجَّارُ وَغَيْرُهُمْ قَبَائِحَ ذَلِكَ الْغِشِّ الْكَثِيرَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ وَعَظَائِمِ تِلْكَ الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَادَعَاتِ وَالتَّخَيُّلَاتِ الْبَاطِلَةِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِأَيِّ طَرِيقٍ قَدَرُوا عَلَيْهَا، لَا يُرَاقِبُونَ اللَّهَ الْمُطَّلِعَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَخْشَوْنَ سَطْوَةَ عِقَابِهِ وَمَقْتِهِ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِالْمِرْصَادِ:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] وَ {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7]{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] .
وَلَوْ تَأَمَّلَ الْغَشَّاشُ الْخَائِنُ الْآكِلُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ مَا جَاءَ فِي إثْمِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَرُبَّمَا انْزَجَرَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِقَابِهِ إلَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:
«إنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ مِنْ حَرَامٍ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» . وَقَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «إنَّهُ لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ» .
«وَقَوْلُهُ: مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِيهَا دِرْهَمٌ مِنْ حَرَامٍ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ عز وجل لَهُ صَلَاةً مَا دَامَ عَلَيْهِ» . وَقَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ، وَلَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. قَالُوا وَمَا بَوَائِقُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: غِشُّهُ وَظُلْمُهُ» .
«وَقَوْلُهُ: لَا تُزَالُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟» . «وَقَوْلُهُ: مَنْ اكْتَسَبَ فِي الدُّنْيَا مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ وَأَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ أَوْرَدَهُ دَارَ الْهَوَانِ، ثُمَّ رُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِي مَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ اللَّهُ {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97] » . «وَقَوْلُهُ: يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأُنَاسٍ مَعَهُمْ مِنْ الْحَسَنَاتِ كَأَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ حَتَّى إذَا جِيءَ بِهِمْ جَعَلَهَا اللَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ثُمَّ يَقْذِفُ بِهِمْ فِي النَّارِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ وَيُزَكُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا عَرَضَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْحَرَامِ أَخَذُوهُ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ» .
فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ أَيُّهَا الْمَاكِرُ الْمُخَادِعُ الْغَشَّاشُ الْآكِلُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْبُيُوعَاتِ الْبَاطِلَةِ وَالتِّجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ، تَعْلَمْ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ لَك وَلَا زَكَاةَ وَلَا صَوْمَ وَلَا حَجَّ كَمَا جَاءَ عَنْ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، وَلْيَتَأَمَّلْ الْغَشَّاشُ بِخُصُوصِهِ قَوْلَهُ «صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» يَعْلَمْ أَنَّ أَمْرَ الْغِشِّ عَظِيمٌ، وَأَنَّ عَاقِبَتَهُ وَخِيمَةٌ جِدًّا فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَدَّتْ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُولُ لَيْسَ مِنَّا إلَّا فِي شَيْءٍ قَبِيحٍ جِدًّا يُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إلَى أَمْرٍ خَطِيرٍ وَيُخْشَى مِنْهُ الْكُفْرُ، فَإِنَّ لَمَنْ يُعَرِّضُ دِينَهُ إلَى زَوَالٍ وَيَسْمَع قَوْله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَلَا يَنْتَهِي عَنْ الْغِشِّ إيثَارًا لِمَحَبَّةِ الدُّنْيَا عَلَى الدِّينِ وَرِضًا بِسُلُوكِ سَبِيلِ الضَّالِّينَ.
وَلْيَتَأَمَّلْ الْغَشَّاشُ أَيْضًا لَا سِيَّمَا التُّجَّارُ وَالْعَطَّارُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَجْعَلُ فِي بِضَاعَتِهِ غِشًّا يَخْفَى عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقَعَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ الْغِشَّ فِيهِ لَمَا اشْتَرَاهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَصْلًا. مَا صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا مَرَّ: أَنَّهُ «مَرَّ عَلَى رَجُلٍ
وَبَيْنَ يَدَيْهِ صُبْرَةٌ مِنْ حَبٍّ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَك فِيهِ فَفَعَلَ فَأَحَسَّتْ يَدُهُ الشَّرِيفَةُ بِبَلَلٍ فِي بَاطِنِ تِلْكَ الصُّبْرَةِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ وَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَهُ مَطَرٌ، قَالَ أَفَلَا جَعَلْت الْمُبْتَلَّ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» . وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «مَرَّ بِطَعَامٍ وَقَدْ حَسَّنَهُ صَاحِبُهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا طَعَامٌ رَدِيءٌ جَعَلَهُ أَسْفَلَهُ، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: بِعْ هَذَا عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْحَبِّ وَأَخْرَجَ مِنْهُ الْمَبْلُولَ قَالَ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا أَيْ جَعْلِك الْمُبْتَلَّ أَسْفَلَ وَالْجَافَّ فَوْقَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّهُ لَطَعَامٌ وَاحِدٌ قَالَ: أَفَلَا عَزَلْت الرَّطْبَ عَلَى حِدَتِهِ وَالْيَابِسَ عَلَى حِدَتِهِ فَيَتَبَايَعُونَ مَا يَعْرِفُونَ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ غَشَّ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» ، وَسَبَقَتْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ خَلَطَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ ثُمَّ بَاعَهُ: خَلِّصْ الْمَاءَ مِنْ اللَّبَنِ، أَيْ وَلَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ كَمَا يُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْيُوا مَا صَوَّرْتُمْ: أَيْ اُنْفُخُوا الرُّوحَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ الَّتِي كُنْتُمْ تُصَوِّرُونَهَا فِي الدُّنْيَا تَحْقِيرًا لَهُمْ وَإِذْلَالًا وَبَيَانًا لِعَجْزِهِمْ وَجُرْأَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَكَذَلِكَ مَنْ خَلَطَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ يُقَالُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: خَلِّصْ اللَّبَنَ مِنْ الْمَاءِ تَحْقِيرًا لَهُ وَفَضِيحَةً لَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ جَزَاءً عَلَى غِشِّهِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْغَشَّاشِينَ يَفْضَحُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فِي مُقَابَلَةِ غِشِّهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَلْيَتَأَمَّلْ الْغَشَّاشُونَ أَيْضًا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَ مَا فِيهِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بَيَّنَهُ» ، وَقَوْلُهُ:«مَنْ بَاعَ عَيْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ أَوْ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» . وَقَوْلُهُ: «الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ نَصَحَةٌ وَادُّونَ وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، وَالْفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَشَشَةٌ مُتَخَاوِنُونَ وَإِنْ اقْتَرَبَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ» . وَالْأَحَادِيثُ فِي الْغِشِّ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ كَثِيرَةٌ مَرَّ مِنْهَا جُمْلَةٌ، فَمَنْ تَأَمَّلَهَا وَوَفَّقَهُ اللَّهُ لِفَهْمِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا انْكَفَّ عَنْ الْغِشِّ وَعَلِمَ عَظِيمَ قُبْحِهِ وَخَطَرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَمْحَقَ مَا حَصَّلَهُ الْغَاشُونَ بِغِشِّهِمْ، كَمَا سَبَقَ فِي قِصَّةِ الْقِرْدِ وَالثَّعْلَبِ أَنَّ اللَّهَ سَلَّطَهُمَا عَلَى غَشَّاشَيْنِ فَأَذْهَبَا جَمِيعَ مَا حَصَّلَاهُ بِالْغِشِّ بِرَمْيِهِ فِي الْبَحْرِ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ عَلِمَ أَيْضًا أَنَّ أَكْثَرَ مَا حُكِيَ فِي السُّؤَالِ مِنْ جُمْلَةِ الْغِشِّ
الْمُحَرَّمِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَدْخَلَ يَدَهُ الْكَرِيمَةَ فِي الْحَبِّ وَرَأَى الْمُبْتَلَّ أَسْفَلَهُ أَنْكَرَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ: هَلَّا جَعَلْت الْمُبْتَلَّ وَحْدَهُ وَبِعْته وَحْدَهُ وَالْيَابِسَ وَحْدَهُ وَبِعْته وَحْدَهُ، أَوْ جَعَلْت الْمُبْتَلَّ فِي ظَاهِرِ الْحَبِّ حَتَّى يَعْرِفَهُ النَّاسُ وَيَشْتَرُوهُ عَلَى بَصِيرَةٍ» وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ بِسِلْعَتِهِ عَيْبًا وَجَبَ عَلَيْهِ وُجُوبًا مُتَأَكَّدًا بَيَانُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ غَيْرُ الْبَائِعِ كَجَارِهِ وَصَاحِبِهِ وَرَأَى إنْسَانًا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ الْعَيْبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَ مَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بَيَّنَهُ» وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَهْتَدُونَ لِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ، يَمُرُّ الشَّخْصُ مِنْهُمْ فَيَرَى رَجُلًا غِرًّا يُرِيدُ شِرَاءَ شَيْءٍ فِيهِ عَيْبٌ وَهُوَ لَا يَدْرِيهِ فَيَسْكُتُونَ عَنْ نُصْحِهِ حَتَّى يَغُشَّهُ الْبَائِعُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ، وَمَا دَرَى السَّاكِتُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ شَرِيكُ الْبَائِعِ فِي الْإِثْمِ وَالْحُرْمَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَالْفِسْقِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَهُوَ أَنَّ الْغَاشَّ الَّذِي لَمْ يُبِنْ الْعَيْبَ لِلْمُشْتَرِي لَا يَزَالُ فِي مَقْتِ اللَّهِ أَوْ لَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَاشَّ سَنَّ تِلْكَ السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ وَهُوَ كَتَمَهُ لِلْعَيْبِ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَكُلُّ عَمَلٍ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ يَكُونُ إثْمُهُ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ مَا يَرْدَعُ الْغَشَّاشِينَ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ مِنْ حَيِّزِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]«وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ» أَيْ صَاحِبُهُمَا فِي النَّارِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْخِيَانَةُ فِي النَّارِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ» أَيْ مَاكِرٌ. وَفِي أُخْرَى: «أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ النَّارِ رَجُلًا لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إلَّا وَهُوَ يُخَادِعُك فِي أَهْلِك وَمَالِكِ» .
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْجَوَابِ. وَإِنَّمَا بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ رَجَاءَ أَنْ يَسْمَعَهُ مَنْ فِي قَلْبِهِ إيمَانٌ، وَمَنْ يَخْشَى عِقَابَ اللَّهِ وَسَطْوَتَهُ، وَمَنْ لَهُ دِينٌ وَمُرُوءَةٌ، وَمَنْ يَخْشَى عَلَى ذُرِّيَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَتَّقِي اللَّهَ وَيَرْجِعُ عَنْ سَائِرِ صُوَرِ الْغِشِّ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا السُّؤَالِ وَغَيْرِهَا، وَيَعْلَمُ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَأَنَّ الْحِسَابَ وَاقِعٌ عَلَى النَّقِيرِ وَالْفَتِيلِ وَالْقِطْمِيرِ وَأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَنْفَعُ الذُّرِّيَّةَ، فَقَدْ جَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82] أَنَّهُ كَانَ الْجَدُّ السَّابِعُ لِأُمٍّ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهِ ذَيْنِك الْيَتِيمَيْنِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ السَّيِّئ يُؤَثِّرُ فِي الذُّرِّيَّةِ قَالَ تَعَالَى: